صدر حديثا كتاب “الحفاظ على التوازن النفسي والإجتماعي أثناء إزمة كورونا وما بعدها” ، للدكتور رضي حسن المبيوق ، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة شمال أيوا – أمريكا ، ومدير المعهد البحثي بمدينة شيكاغو . على الغلاف الخلفي للكتاب “الأستاذ كفاح بوعلي” ، يبين لنا مضمون هذا الكتاب وما يميزه من خلال فصول الكتاب الأربعة قائلا:
اقتحمت العالم جائحة كورونا لتقلب حياة كل البشر بدون استثناء رأساً على عقب، فوقف العالم مندهشا من جبروت هذا الكائن الذي لا يُرى بالعين المجردة ومن سطوته وسيطرته على القوي والضعيف على حد سواء إذ عجز عن فهمه العلماء والأطباء فكيف بعامة الناس. مما ترتب على ذلك الكثير من الاضطراب والفوضى النفسية والفكرية للأفراد والمجتمعات بما فيها الأسر..
بين أيدينا هذا الكتيب الذي انطوى على اساسيات مهمة تساهم في إدراك وتقييم القارئ لنفسه، حيث تضّمن الكثير من المفاهيم التي تساعد الآباء والأمهات في تقييم ممارساتهم الوالدية ومسؤولياتهم الزوجية تجاه بعضهم البعض.
مضمون هذا الكتاب متعلق بجائحة كورونا وما نتج بسببها؛ كظهور بعض المشاكل التي كانت تائهة في خضم زحمة الحياة، وجاءت أزمة كورونا لتكشف شيء من معاناة بعض الأسر، وربما لتكون سبب في علاج البعض الآخر من هذه المشاكل..
ما ميز هذا الكتاب هو أسلوب الكاتب في طريقته لشرح أصل المشاكل وكيف تكونت ومما نشأت بشكل بسيط يستطيع فهمها القارئ مهما كانت خلفيته الثقافية والفكرية، وهذا من شأنه تسهيل التعامل مع هذه المشاكل بحيث يتم التوصل إلى حل عميق من خلال تفكيكها والنظر في أسبابها الحقيقية.
ركز الكاتب أثناء اجاباته على الأسئلة المطروحة في هذا الكتاب على النظرة الشاملة لدور كل من الجانب النفسي والجانب التربوي والجانب الاجتماعي وتأثيراتهم المتداخلة على شخصية الإنسان وردود أفعاله وطريقة تعاطيه مع الظروف والأزمات التي يواجهها في مسيرة حياته..
تكّون الكتاب من أربعة فصول، كل واحد منها يناقش بُعد مهم من أبعاد هذه الجائحة وكيفية التعامل معه تحت ضوء المفاهيم العلمية الصحيحة حيث بدأ كل فصل باستعراض شيء من هذه المفاهيم والمتعلقة بأصل السؤال يتلوها وصف مبسط للمشكلة ويختم الفصل بحلول وتوصيات تساعد في التخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن هذه الأزمة..
الكتاب جدير بالقراءة ، إذ أنه يحتوي على إجابات على أسئلة ، حول نظرتنا الى الجائحة حاليا ومستقبلا ، ومن خلال المقدمة التي سطرها الدكتور الأستاذ المبيوق تبرز أهمية الكتاب الذي أولى الجانب النفسي درجة كبيرة من الاهتمام:
مقدمة الحوار
الجائحة محلية – عالمية
الجائحة بدأت في الصين، وكان التفكير بأن الوباء خاص بـِ وسيقتصر على المنطقة الجغرافية لمدينة (ووهان)، يعني المشكلة (هناك over there). وسرعان ما انتقل إلى خارج (ووهان)، إلى بلد، وبعدها بلدان، إلى أن أصبح الوباء (هنا over here) -في عقر أوطاننا. واستمر في انتشاره حتى أصبح (في كل مكان everywhere ) وأصبح يستخدم مصطلح (عالمي (global كوصف للجائحة، أي إنه محلي – عالمي. وهكذا ارتبط العالم وتوحد في كونه تحت وطأة كورونا.
كيف ننظر إلى كورونا؟: نعمة أم نقمة أو تعتمد (it depends)
سرعة انتشار الجائحة وتسببها في آلاف الوفيات، فضلا عن آلام المصابين الذين يخضعون للرعاية الطبية في غياب وجود لقاح فعال لعلاجه، إضافة على الحجر الصحي الاختياري والجبري، أرغم الجميع (الغالبية) على الجلوس في البيت، وفرض ضرورة التأقلم مع الوضع الجديد: العمل عن بُعد لمن يستطيع، أو فقدان الوظيفة، المشاركة في أعمال ومهمات المنزل، تدريس الأطفال واللعب معهم، والتأقلم مع وجودهم في البيت طوال اليوم، الشعور بالقلق عن عدم توفر الغذاء الكافي، ومستلزمات البيت، الشعور بوطأة العزلة الاجتماعية وغير ذلك.
البعض رأى، ولا زال، بأن الجائحة نعمة لا نقمة، لأنها أتاحت الوقت الكافي للقيام بأعمال كانت مؤجلة، وإلى الابتعاد عن بيئة العمل الضاغطة، والاستراحة من صخب الحياة السريعة. والبعض رأى أن الجائحة نقمة ومصدر قلق وخوف وإزعاج نفسي يزداد كل يوم. وقضاء الوقت يوماً بعد يوم في البيت منتج لملل والضجر، الذي قد يؤدي إلى المعاناة النفسية، وإلى تعكير صفو جو الأسرة.
والبعض الآخر يتأرجح بين الإثنين على إنه نعمة ونقمة، وتنعكس رؤية كل مجموعة للجائحة على مشاعرها وسلوكها.
النظرة الإيجابية تنتج وتنشر مشاعر التفاؤل والتعامل الحكيم مع الأزمة، والعكس صحيح أيضاً. وهذه المشاعر بدورها تنعكس وتلون بيئة العائلة الصغيرة والممتدة.
توقع غير المتوقع
لقد خلقت هذه الجائحة الاعتقاد بأن لا نأخذ أي شيء (أمر مسلم به for granted). الحياة قد تتوقف كما حدث الآن مع كورونا، والتي أعطتنا الفرصة للتأمل في أولوياتنا، والإجابة عن أسئلة كثيرة: هل الوظيفة والمنصب والشهرة هي أهم شيء في الدنيا؟ هل جمع المال هو الغاية الكبرى الذي يحقق السعادة لنا؟ وكثير من الأسئلة الأخرى. البعض اكتشف أهمية العائلة على أنها مصدر الحب والحنان، والسعادة والاعتناء بها لا بد أن يكون الأولوية الكبرى. والبعض تنبه لأهمية الصداقات، وروابط الإخوة على أنها سند ودعم ومسرة. أحد الآباء قال لي: بأن صوت لعب أطفاله يطربه، وأصبح يستمع بشغف لحديثهم، وعبّر عن أسفه لترك مشاغل الدنيا أن تحول دون استمتاعه باللعب، وقضاء الوقت مع أفراد العائلة.
في مواجهة تحدي كورونا. نعلم جميعاً بأن العالم حائر في فهمه، وعن وجود وسيلة للقضاء عليه، ولكن المحاولات مستمرة، كما نسمع تقريبا، كل يوم عن لقاح تجرى عليه تجارب، أو وجود نتائج واعدة للقاح في هذا البلد أو ذاك.
كما في الجائحات السابقة، تغلب الأنسان عليها ولو بعد حين. وسيحدث ذلك مع فيروس كرونا وسيصبح موضوعه جزءاً من الماضي.
اللقاح سيعالج الجانب الصحي للبدن، ولكن الآثار النفسية (قليلها أو كثيرها)، قد تكون طويلة الاستمرار والبقاء، وخاصة إذا تركت وشأنها. لابد أن ينال الجانب النفسي درجة كبيرة من الاهتمام، ومفردة “الجانب النفسي” عامة، وأتمنى من خلال أسألتكم أن نسلط الضوء على جوانب نفسية معينة. أتطلع باهتمام إلى أسألتكم ومداخلاتكم.
د. رضي المبيوق ، أستاذ علم النفس التربوي ، جامعة شمال أيوا – أمريكا
وسيتم تدشين الكتاب هذه الليلة (الجمعة 26 مارس 2021م) من قبل منتدى القراء…