من الأشياء التي شدت إنتباهي عندما زرت مدينة روما القديمة والمليئة بآثار الحضارة الرومانية هي نوافير وقنوات الماء التاريخية في الشوارع ، والتي لا تزال تعمل حتى الآن ، حيث يعتبر نظام المياه الروماني القديم من أكثر المعجزات المجيدة في التاريخ القديم ، وقد طورها الرومان من الحضارة الآشورية والتي أصبحت أساسا للقنوات الحديثة في عصرنا هذا.
ولا إراديا زاد اهتمامي بموضوع الماء ، فقرأت كتاب “الماء يبحث عن إدارة” للدكتور محمد الغامدي ، ثم ومن باب الفضول اقتنيت كتاب “لغز الماء في الأندلس”. بعدها قررت أن تكون رسالة الدكتوراه عن موضوع “المياه الجوفية في القطيف” وحصلت على قبول من احدى الجامعات الإيرلندية ، لكن لم يحالفني الحظ للحصول على البعثة الدراسية فاضطررت للعودة ، ولكن العجيب في الموضوع أنه بعد مرور سنة من عودتي للوطن وبدون تخطيط مسبق تتواصل معي احدى شركات المياه واحصل على وظيفة وفرصة لخوض تجربة جديدة في عالم الماء، أكملت الآن ٤ سنوات فيها.
قد لا تكون هذه السنوات القليلة كافية للإلمام بكل شيء في هندسة الماء ، لكنها بكل تأكيد كانت كافية لي لأدرك أهم الملامح الرئيسية لهذه الصناعة المهمة والمصيرية لكل بلد على هذه الأرض.
كانت البداية هي فهم شبكات المياه وأنواعها سواء كانت للشرب أو للري أو للصرف أو حتى لاستخدامات الصناعة والتبريد. بعد ذلك يأتي فهم كيف تختلف هذه الشبكات عن بعضها البعض سواء في مكوناتها أو طريقة عملها. أدركت بعد ذلك أن الكيمياء والفيزياء هما علمان أساسيان في التعامل مع هذه الشبكات. فالكيمياء مثلا له دور رئيسي في معالجة المياه والمواد التي تصنع منها الأنابيب ، بينما الفيزياء له دور محوري في إدارة حركة المياه داخل الشبكة سواء بالجاذبية الأرضية أو بطاقة المضخات. فالحرارة وضغط الماء وسرعة التدفق كلها عوامل يهتم بها العاملون في هذه الصناعة بشكل كبير لضمان إستمرار عجلة الحياة.
أدركت أيضا أن شبكة الماء هي مثل الكائن الحي الذي قد يصاب بالجروح ويتدفق منها الماء المهدور كمثل الدماء المتدفقه من جسم المجروح ، وهذه الجروح قد تكون سطحية أو ربما عميقة غير مرئية ولكل نوع من هذه الجروح أدوات التشخيص والعلاج المختلفة. كما أن هذا الكيان له عمر افتراضي ومعرض للشيخوخة والتي ربما يزيد من عمرها حسن الاهتمام بتصميمها وصيانتها.
لم أكن مدركا حجم التحديات الكبيرة جدا التي تواجه المشرفين على إدارة وتشغيل وصيانة مئات ، بل آلاف الكيلومترات من الشبكات المغمورة تحت الأرض ، وما تحتويه من صمامات بأنواعها المختلفة قبل أن انخرط في وسط المعترك. أدركت أيضا أن توظيف تكنولوجيا الاستشعار الالكتروني والرقمنة في هذه الصناعة هي شيء أساسي لضمان إدارة فعالة وصحيحة لهذه الشبكات وذلك لمساعدة أبطال يعملون “ليل نهار” وعلى مدار ٢٤ ساعة لضمان وصول الماء لكل مواطن وهو مرتاح آمن في منزله.
*باحث في الجيو-معلوماتية والبيئة ، بكالوريوس في نظم المعلومات الإدارية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ماجستير في نظم المعلومات الجغرافية من جامعة ليدز في بريطانيا، وماجستير في علوم البيئة من جامعة الترنيتي في إيرلندا.