يتأثر الناس بقواعد مجتمعهم وعاداتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم. ويمكن لهذا التأثير أن يتجه نحو الشخصنة والخصوصية والحميمية فيكون محدود التأثير في نطاقه الاجتماعي والجغرافي، أو يتجه في اتجاه آخر فيكون أكثر عمومية وتوسعاً ليشمل تأثيره اكبر عدد من الناس وفي نطاق واسع.
ولدراسة تأثير الحياة الاجتماعية على المجتمع وتأثير البنية الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، يتبع علماء الاجتماع منهجين رئيسيين وهما:
- علم الاجتماع الكبير (macrosociology) الذي يركز على السمات العامة للبنية الاجتماعية، و
- علم الاجتماع الدقيق (microsociological) الذي يركز على التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجها وعلى الأمور الوظيفية الصغيرة والصراعات المباشرة.
يميل المنظرون العمليون ومنظرو الصراعات إلى استخدام النهج الأول، أي نهج علم الاجتماع الكبير (macrosociological)، بينما يميل الرمزيون التفاعليون، بشكل أكبر، الى استخدام النهج الميكروسولوجي أي علم الاجتماع الدقيق (microsociological). وعلى الرغم من أن معظم علماء الاجتماع يتخصصون في نهج واحد من هذين النهجين، الا إن كلا النهجين ضرورة لمحاولة الفهم الكامل للحياة الاجتماعية.
باستخدام نهج علم الاجتماع الكبير (macrosociological)، يقوم المنظرون العمليون ومنظرو الصراعات بتفحص المزيد من الجوانب الواسعة والمتشعبة للبنية الاجتماعية. هذا النهج يهتم بالإطار المجتمعي الذي يتألف من العلاقات المختلفة بين الأشخاص والجماعات والتي توجه السلوك البشري وتضع قيودًا عليه، وتشمل المكونات الرئيسية للبنية الاجتماعية:
- الثقافة،
- الطبقة الاجتماعية،
- الوضع الاجتماعي،
- المهام والمسئوليات والأدوار، و
- المجموعات والمؤسسات الاجتماعية.
الهيكل الاجتماعي وسلوكيات الناس
الهيكل الاجتماعي يوجه سلوكيات الناس حيث تؤثر مواقع الأشخاص في الهيكل الاجتماعي (والمبنية على معطيات تشمل طبقتهم الاجتماعية، ووضعهم الاجتماعي، والأدوار التي يلعبونها، والثقافة التي شكلت طباعهم، والمجموعات التي ينتمون اليها، والمؤسسات الاجتماعية المرتبطون بها) في تصوراتهم ومواقفهم وسلوكياتهم. فهذه العوامل ركائز لها تأثيرها في السلوك البشري وتوجيهه وتنظيمه سواء كان ذلك ارادياً أو لا اراديا.
الناس يطورن هذه التصورات والمواقف والسلوكيات من مكانهم في البنية الاجتماعية، ويتصرفون وفقًا لذلك حيث تعمل جميع مكونات البنية الاجتماعية كمنظومة للحفاظ على النظام الاجتماعي من خلال تهذيب السلوك البشري وتوجيهه وتنظيمه والحد من شطحاته.
المؤسسات الاجتماعية
تعتبر المؤسسات الاجتماعية وسائط معتادة (standard) ومتعارف عليها في المجتمعات لتلبية حاجات المجتمع الأساسية بطرق أكثر تنظيماً. في المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية، تشمل المؤسسات الاجتماعية الأسرة، والدين، والقانون، والسياسة، والاقتصاد، والتعليم والعلوم، والطب، والجيش، ووسائل الإعلام. ويختلف علماء الوظائف (Functionalists) ومنظرو الصراع حول أغراض وآثار المؤسسات الاجتماعية.
فوفقًا للوظيفيين، أن المؤسسات الاجتماعية وُجدت لتلبي احتياجات المجموعات البشرية العالمية ككل. بينما يرى منظرو الصراع إن هذه المؤسسات الاجتماعية وُجدت لتكون الوسيلة الأساسية التي تحافظ على مكتسبات النخبة في مركز متميز.
البنية الاجتماعية
البنية الاجتماعية لا تبقى ثابتة، فهي تستجيب باستمرار للتغيرات في الثقافة والتكنولوجيا، والظروف الاقتصادية والعلاقات الجماعية والاحتياجات والأولويات المجتمعية. وتستطيع التغيرات الهيكلية للمؤسسات المجتمعية، في بعض الأحيان، من تغيير الطريقة التي ينظم بها المجتمع نفسه بشكل جذري لتؤثر عليه بشكل دائم.
وقد وضح “إميل دوركهايم” هذا الأمر من خلال مفاهيم التضامن الميكانيكية والعضوية؛ واستخدم “فرديناند تونيس” بنيات (Gemeinschaft و Gesellschaft). ويميل أصحاب النظريات الوظيفية والصراع إلى استكشاف السمات العريضة للبنية الاجتماعية من منظور ماكروسولوجي (macrosociological)، بينما يميل التفاعليون الرمزيون بشكل خاص إلى فحص التفاعلات الاجتماعية الصغيرة الحجم وجهاً لوجه من منظور اجتماعي مجهري ويهتمون بشكل خاص بالرموز التي يستخدمها الناس لتحديد عوالمهم وكيف تؤثر هذه التعريفات بدورها على السلوك البشري. فبالنسبة للتفاعل الرمزي، تشمل الاهتمامات دراسة الصور والقوالب النمطية والمساحة الشخصية واللمس.
القوالب النمطية
القوالب النمطية هي افتراضات يضعها الناس عن أشخاص آخرين بناءً على ارتباطات سابقة معهم أو مع أشخاص لهم خصائص مرئية مماثلة. وقد تستند القوالب النمطية أيضًا إلى افتراضات بُنيت على أخبار سُمِعت عن “الأشخاص الآخرين”. وقد تكون هذه الافتراضات دقيقة أو شبه دقيقة أو غير دقيق تمامًا. ونتيجة لهذه الرُؤًى، تؤثر القوالب النمطية في كيفية تعريف الناس للآخرين ومعاملتهم. كما إن لهذه القوالب النمطية تأثيراً على كيفية تعريف الناس وإظهارهم لأنفسهم وتعديل سلوكياتهم تبعاً للرغبات الاجتماعية النمطية.
وقد تأثرت المجتمعات المعاصرة بشكل بالغ الشدة بالعديد من القوالب النمطية القائمة على أساس الجنس والعرق والاصول النسبية والقدرة والكفاءة والذكاء وما يترتب عليها من مضاعفات عميقة وشروخ في المجتمعات.
المساحة الشخصية
وفقا لمنهج التفاعل الرمزي، يحيط الناس أنفسهم بـ “فقاعة شخصية”، لحماية انفسهم من خلال التحكم في مساحة التقارب الجسدي بينهم واللمس واتصال العين.
درس عالم الأنثروبولوجيا “إدوارد هول” كيف أن المجموعات البشرية لديها تصورات مختلفة عن المساحة الشخصية وما مقدار المسافة المادية التي يستخدمونها للابتعاد جسديًا عن الأشخاص في مواقف محددة. فتكرار اللمس وممارسته وتطبيقاته يختلف تبعاً للثقافات المختلفة. علاوة على ذلك، فإن معنى اللمس يختلف ليس فقط عبر الثقافات، ولكن أيضًا داخل الثقافات نفسها. كم يحمي الناس أيضًا “فقاعتهم الشخصية” من خلال السيطرة على الاتصال البصري. ويتضمن ذلك طول الاتصال وما إذا كان مباشرًا أو غير مباشر.
إدارة الانطباعات
طور “إرفينج جوفمان” الدراماتورجيا (Dramaturgy)، وهو نهج تحليلي يحلل الحياة الاجتماعية وكأنها مسرح (stage). فوفقًا لجوفمان، تتكون الحياة اليومية من ممثلين اجتماعيين يلعبون أدواراً مُوكلة إليهم. صميم نهج “جوفمان” هو إدارة الانطباعات، أو كيف يحاول الناس التحكم في انطباعات الآخرين عنهم من خلال وسائل الإشارة (الوضع الاجتماعي والمظهر والسلوك) والعمل الجماعي وطرق حفظ ماء الوجه.
تصورات الناس
يؤكد أنصار التفاعل الرمزي أن الواقع يتم إنشاؤه ذاتيًا من خلال تصورات الناس عن “ما هو الحقيقي” حيث يحدد الناس ويعرفون حقائقهم الخاصة ومن ثم يعيشون ضمن تلك التعريفات. فالبناء الاجتماعي للواقع يشير إلى كيفية بناء الناس لآرائهم عن العالم. والمنهج العرقي يدرس كيفية استخدام الناس لافتراضات الخلفية (متأصلة بعمق التفاهمات المشتركة فيما يتعلق بوجهات نظر الناس إلى العالم وكيف يجب عليهم التصرف) لجعل الحياة منطقية.
إن البنية الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي يؤثران على السلوك البشري ولفهم الحياة الاجتماعية يلزمنا فهم علم الاجتماع الكبير (macrosociology) الذي يركز على السمات العامة للبنية الاجتماعية، وعلم الاجتماع الدقيق (microsociological) الذي يركز على التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجها وعلى الأمور الوظيفية الصغيرة والصراعات المباشرة.
*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:
http://www.csun.edu/~hbsoc126/soc1/chapter%204%20outline.pdf