المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

باحثون استخدموا الأشعة السينية الفائقة السطوع لتحديد هيدريد الليثيوم وشكل جديد من فلوريد الليثيوم – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

 Researchers used ultrabright X-rays to identify lithium hydride and a new form of lithium fluoride
(Brookhaven National Laboratory – بواسطة: مختبر بروكهافن الوطني)

en.wikipedia.org

ملخص المقالة:

حدد كيميائيو مختبر بروكهافن الوطني في أمريكا تفاصيل جديدة لآلية التفاعل التي تحدث في البطاريات ذات الأقطاب الموجبة (الأنودات) المصنوعة من معدن الليثيوم. وتعتبر النتائج خطوة رئيسية نحو تطوير بطاريات للسيارات الكهربائية، أصغر حجمًا وأخف وزنًا وأقل تكلفة. وتستخدم بطاريات الليثيوم-أيون التقليدية في مجموعة متنوعة من الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية، لكنها لا تزال تواجه تحديات في تشغيل السيارات الكهربائية لمسافات طويلة.  

ولبناء بطارية مناسبة بشكل أفضل للسيارات الكهربائية، شكل الباحثون عبر العديد من المعامل الوطنية والجامعات اتحاد “بطارية-500” بقيادة مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني، بهدف صنع خلايا بطارية ذات كثافة طاقة تبلغ 500 واط-ساعة لكل كيلوغرام، وهو أكثر من ضعف كثافة الطاقة للبطاريات الحديثة اليوم. وللقيام بذلك، يركز الاتحاد على البطاريات المصنوعة من أنود معدن الليثيوم. ومقارنةً ببطاريات الليثيوم-أيون، التي غالبًا ما تستخدم الجرافيت كأنود، فإن بطاريات الليثيوم المعدنية تستخدم معدن الليثيوم كأنود، وهو أحد المكونات الرئيسية لتحقيق كثافة الطاقة التي يسعى إليها اتحاد “بطارية-500” ، وميزتها أن سعتها المحددة عالية جدًا، إضافة الى أنها توفِرُ بطاريةَ جهدٍ أعلى إلى حد ما، ويؤدي الجمع إلى كثافة طاقة أكبر.

ورغم  مزايا أنودات معدن الليثيوم، الا أنها تفتقر لقابلية الانعكاس والقدرة على إعادة شحنها من خلال تفاعل كهروكيميائي قابل للانعكاس. ويثق الباحثون من قدرتهم على جعل أنودات الليثيوم المعدنية قابلة للانعكاس، متجاوزة حدود بطاريات الليثيوم-أيون. والمفتاح هو الطور البيني، وهي طبقة من المواد الصلبة تتشكل على قطب البطارية أثناء التفاعل الكهروكيميائي. ويمثل فهم الطور البيني تحديًا كبيرًا لأنه طبقة رقيقة جدًا بسمك عدة نانومترات فقط، حساسة جدًا للهواء والرطوبة، مما يجعل مناولة العينة أمرًا صعبًا للغاية.

ولرؤية التركيب الكيميائي والطور البيني لأنودات معدن الليثيوم، استفاد الباحثون من امكانيات مختبر بروكهافن ومنها مصدر الضوء السنكروتروني الذي يولد الأشعة السينية شديدة السطوع لدراسة خصائص المواد على النطاق الذري، إضافة الى خط الشعاع القادر على فحص جميع مكونات الطور البيني، بما في ذلك المراحل البلورية وغير المتبلورة، مع الاشعة السينية ذات الطاقة العالية. وباستخدام تقنيات ذات موثوقية إحصائية، كشفت التحليلات عن وجود هيدريد الليثيوم في الطور البيني. واضافة لذلك، حلَّ الباحثون لغزًا آخر طويل حول فلوريد الليثيوم، وتم اعتبار فلوريد الليثيوم مكونًا مفضلًا في الطور البيني، لكن لم يتم فهم السبب تمامًا. وحددوا الاختلافات الهيكلية بين فلوريد الليثيوم في الطور البيني وفلوريد الليثيوم في الحجم، حيث يسهِّل الأولُ نقل أيون الليثيوم بين الأنود والكاثود. ويستمر العمل الجماعي للعلماء في دفع نتائج وقدرات بحثية جديدة، منها مجموعة مشكلات في مجال البطاريات تتعلق بالكاثودات والأنودات والإلكتروليتات، مؤكدين توفير نتائج هذه الدراسة إرشادات عملية مطلوبة بشدة حول أنودات معدن الليثيوم، مما يدفع البحث حول هذه المادة الواعدة إلى الأمام.  

(المقالة)

حدد فريق من الباحثين بقيادة كيميائيين في مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية تفاصيل جديدة لآلية التفاعل التي تحدث في البطاريات ذات الأقطاب الموجبة (الأنودات) المصنوعة من معدن الليثيوم. وتعتبر النتائج، التي نُشرت في 28 يناير 2021 ، في نشرة نايتشر نانوتكنولوجي (Nature Nanotechnology) ، خطوة رئيسية نحو تطوير بطاريات للسيارات الكهربائية، أصغر حجمًا وأخف وزنًا وأقل تكلفة.

إعادة إنشاء أقطاب موجبة (أنودات) من معدن الليثيوم

يمكن العثور على بطاريات الليثيوم-أيون التقليدية في مجموعة متنوعة من الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية. ومع أن بطاريات الليثيوم-أيون أتاحت الاستخدام الواسع للعديد من التقنيات، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات في تشغيل السيارات الكهربائية لمسافات طويلة.

ولبناء بطارية مناسبة بشكل أفضل للسيارات الكهربائية، قام الباحثون عبر العديد من المعامل الوطنية والجامعات التي ترعاها وزارة الطاقة الأمريكية بتشكيل اتحاد (consortium) يسمى بطارية500 (Battery500) بقيادة مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني (Pacific Northwest National Laboratory) التابع لوزارة الطاقة الامريكية. وكان هدفهم هو صنع خلايا بطارية ذات كثافة طاقة تبلغ 500 واط-ساعة لكل كيلوغرام، وهو أكثر من ضعف كثافة الطاقة للبطاريات الحديثة اليوم. وللقيام بذلك، يركز الاتحاد على البطاريات المصنوعة من أنود معدن الليثيوم.

يظهر كيميائيا مختبر بروكهافن الوطني إنيوان هو (Enyuan Hu) (على اليسار، المؤلف الرئيسي للورقة العلمية) وزوليبيا شادايك (Zulipiya Shadike) (على اليمين، المؤلف الأول للورقة) وهما يحملان نموذجًا من 1 ،2-ثنائي ميثوكسيثين، وهو مذيب لإلكتروليتات بطارية معدن الليثيوم. مصدر الصورة: مختبر بروكهافن الوطني.

ومقارنةً ببطاريات الليثيوم-أيون، التي غالبًا ما تستخدم الجرافيت كأنود، فإن بطاريات الليثيوم المعدنية تستخدم معدن الليثيوم كأنود. وقال إنيوان هو، الكيميائي في مختبر بروكهافن الوطني والمؤلف الرئيسي للدراسة: “أنودات الليثيوم المعدنية هي أحد المكونات الرئيسية لتحقيق كثافة الطاقة التي يسعى إليها اتحاد بطارية500 ، وميزتها ذات شقين: أولاً – سعتها المحددة عالية جدًا ؛ وثانيًا – توفِرُ بطاريةَ جهدٍ أعلى إلى حد ما. ويؤدي الجمع إلى كثافة طاقة أكبر”.

لقد أدرك العلماء منذ فترة طويلة مزايا أنودات معدن الليثيوم؛ في الواقع، كانت أول أنود  مقترنة بالقطب السالب (الكاثود). ولكن نظرًا لافتقارها إلى “قابلية الانعكاس” ، والقدرة على إعادة شحنها من خلال تفاعل كهروكيميائي قابل للانعكاس، استبدل مجتمع البطاريات في النهاية أنودات الليثيوم المعدنية بأنودات الجرافيت، مما أدى إلى إنشاء بطاريات ليثيوم-أيون.

الآن، ومع عقود من التقدم المُحْرَز، فإن الباحثين واثقون من أنهم قادرون على جعل أنودات الليثيوم المعدنية قابلة للانعكاس، متجاوزة حدود بطاريات الليثيوم-أيون. والمفتاح هو الطور البيني، وهي طبقة من المواد الصلبة تتشكل على قطب البطارية أثناء التفاعل الكهروكيميائي. وقال إنيوان هو: “إذا تمكنا من فهم الطور البيني بشكل كامل، فيمكننا تقديم إرشادات مهمة بشأن تصميم المواد وجعل أنودات الليثيوم المعدنية قابلة للانعكاس؛ لكن فهم الطور البيني يمثل تحديًا كبيرًا لأنه طبقة رقيقة جدًا بسمك عدة نانومترات فقط، كما أنها حساسة جدًا للهواء والرطوبة، مما يجعل مناولة العينة أمرًا صعبًا للغاية”.

تصور الطور البيني في “مصدر الضوء السنكروتروني-الثاني في المركز الوطني” (NSLS-II)

للإبحار في هذه التحديات و “رؤية” التركيب الكيميائي والطور البيني، لجأ الباحثون إلى مصدر الضوء السنكروتروني-الثاني (NSLS-II) لدى المركز الوطني، مكتب وزارة الطاقة للعلوم لمستخدمي منشأة بروكهافن، الذي يولد الأشعة السينية شديدة السطوع لدراسة خصائص المواد على النطاق الذري. وقال إنيوان هو: “التدفق العالي لمصدر الضوء السنكروتروني-الثاني يمكننا من النظر إلى كمية صغيرة جدًا من العينة، وانتاج بيانات عالية الجودة في نفس الوقت”.

واضافة الى الإمكانات المتقدمة لمصدر الضوء السنكروتروني الثاني في المركز الوطني ككل، احتاج فريق البحث إلى استخدام خط شعاع (محطة تجريبية) قادر على فحص جميع مكونات الطور البيني، بما في ذلك المراحل البلورية وغير المتبلورة، مع الاشعة السينية ذات الطاقة العالية (الطول الموجي القصير). وكان خط الشعاع هو شعاع في مركز “مسحوق حيود الأشعة السينية” (X-ray Powder Diffraction (XPD)) [١].

وقال سانجيت غوس، كبير علماء خط الشعاع في مركز مسحوق حيود الأشعة السينينية: “استفاد فريق الكيمياء من نهج متعدد الوسائط في مسحوق حيود الأشعة السينية، باستخدام تقنيتين مختلفتين يقدمهما خط الشعاع، حيود الأشعة السينية وتحليل وظيفة التوزيع الزوجي؛ وتستطيع حيود الأشعة السينية دراسة المرحلة البلورية، بينما تستطيع وظيفة التوزيع الزوجي دراسة المرحلة غير المتبلورة”.

وكشفت تحليلات حيود الأشعة السينية ووظيفة التوزيع الزوجي عن نتائج مثيرة: وجود هيدريد الليثيوم في الطور البيني. ولعقود من الزمن، ناقش العلماء ما إذا كان هيدريد الليثيوم موجودًا في الطور البيني، تاركين عدم اليقين حول آلية التفاعل الأساسية التي تشكل الطور البيني.

وقال إنيوان هو: “عندما رأينا لأول مرة وجود هيدريد الليثيوم، كنا متحمسين جدًا لأن هذه كانت المرة الأولى التي يُظْهَر فيها وجود هيدريد الليثيوم في الطور البيني باستخدام تقنيات ذات موثوقية إحصائية، لكننا كنا أيضًا حذرين لأن الناس كانوا يشكون في هذا لفترة طويلة”.

وأضاف المؤلف المشارك، زياو-كينغ يانغ (Xiao-Qing Yang)، وهو فيزيائي في قسم الكيمياء في بروكهافن: “إن هيدريد الليثيوم وفلوريد الليثيوم  لهما هياكل بلورية متشابهة جدًا، وكان من الممكن أن يُتَحَدى ادعاؤنا حول هيدريد الليثيوم من قبل الأشخاص الذين اعتقدوا أننا أخطأنا في تعريف فلوريد الليثيوم على أنه هيدريد الليثيوم”.

ونظرًا للجدل الدائر حول هذا البحث، فضلاً عن التحديات التقنية التي تميز هيدريد الليثيوم عن فلوريد الليثيوم،  قرر فريق البحث تقديم خطوط متعددة من الأدلة على وجود هيدريد الليثيوم بما في ذلك تجربة التعرض للهواء.

وقال يانغ: “فلوريد الليثيوم مستقر في الهواء، بينما هيدريد الليثيوم ليس كذلك”. وأضاف: “إذا قمنا بتعريض الطور البيني للهواء مع الرطوبة، وإذا انخفضت كمية المركب الذي يتم فحصه بمرور الوقت، فسيؤكد ذلك أننا رأينا هيدريد الليثيوم  وليس فلوريد الليثيوم؛ وهذا بالضبط ما حدث، نظرًا لأنه من الصعب التمييز بين هيدريد الليثيوم وفلوريد الليثيوم. ولم يتم إجراء تجربة التعرض للهواء من قبل، فمن المحتمل جدًا أن يتم التعرف على هيدريد الليثيوم بشكل خاطئ على أنه فلوريد الليثيوم، أو لم يتم ملاحظته بسبب تفاعل تحلل هيدريد الليثيوم مع الرطوبة، في العديد من التقارير العلمية”. وتابع: “كان تحضير العينة، التي تم إجراؤها في مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني ،أمرًا بالغ الأهمية لهذا العمل. وكنا نشك أيضًا في أن العديد من الأشخاص لم يتمكنوا من التعرف على هيدريد الليثيوم لأن عيناتهم تعرضت للرطوبة قبل التجربة. وإذا لم تقم بجمع العينة، والقيام بإغلاقها، ونقلها بشكل صحيح، ستفوتك”.

بالإضافة إلى تحديد وجود هيدريد الليثيوم، قام الفريق أيضًا بحل لغز آخر طويل الأمد يتمحور حول فلوريد الليثيوم، وتم اعتبار فلوريد الليثيوم مكونًا مفضلًا في الطور البيني، لكن لم يتم فهم السبب تمامًا. وحدد الفريق الاختلافات الهيكلية بين فلوريد الليثيوم في الطور البيني وفلوريد الليثيوم في الحجم، حيث يسهل الأول نقل أيون الليثيوم بين الأنود والكاثود.

وقالت عالمة الكيمياء في بروكهافن زوليبيا شاديك، مؤلفة الدراسة الأولى: “من إعداد العينة إلى تحليل البيانات، تعاونّا بشكل وثيق مع مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني ومختبر أبحاث الجيش الأمريكي وجامعة ميريلاند”، وتابعت: “بصفتي عالمةً شابةً، تعلمت الكثير عن إجراء التجربة والتواصل مع الفرق الأخرى، خاصةً لأن هذا الموضوع يمثل تحديًا كبيرًا”. وأضاف إنيوان هو: “أن هذا العمل أصبح ممكنا من خلال الجمع بين طموحات العلماء الشباب وحكمة كبار العلماء وصبر ومرونة الفريق”.

وإلى جانب العمل الجماعي بين المؤسسات، يستمر العمل الجماعي بين قسم الكيمياء في مختبر بروكهافن ومصدر الضوء السنكروتروني-الثاني في المركز الوطني في دفع نتائج وقدرات بحثية جديدة. وقال غوس: “تعمل مجموعة البطارية في قسم الكيمياء على مجموعة متنوعة من المشكلات في مجال البطاريات؛ إنهم يعملون مع الكاثودات والأنودات والإلكتروليتات، ويستمرون في جلب مشكلات مسحوق حيود الأشعة السينية الجديدة لحلها، وتحديات العينات لدراستها”. وأضاف: “إنه أمر مثير أن تكون جزءا من هذا، ولكنه يساعدني أيضا في تطوير منهجية لباحثين آخرين لاستخدامها في خط الاشعاع؛ وحاليا، نحن نعمل على تطوير القدرة على التشغيل في الموقع والتجارب المعملية، ليتمكن الباحثون من مسح البطارية بالكامل مع الحلول المكانية العالية عندما تدور البطارية”.

ويواصل العلماء التعاون في أبحاث البطاريات عبر أقسام مختبر بروكهافن والمختبرات الوطنية الأخرى، والجامعات؛ ويقولون إن نتائج هذه الدراسة ستوفر إرشادات عملية مطلوبة بشدة حول أنودات معدن الليثيوم، مما يدفع البحث حول هذه المادة الواعدة إلى الأمام.

* تمت الترجمة بتصرف

المصدر:
https://phys.org/news/2021-01-ultrabright-x-rays-lithium-hydride-fluoride.html

لمزيد من المعلومات: زوليبيا شادايك وآخرون،  Identification of LiH and nanocrystalline LiF in the solid–electrolyte interphase of lithium metal anodes, Nature Nanotechnology (2021)  DOI: 10.1038/s41565-020-00845-5.

الهوامش:
[١] حيود المسحوق (Powder Diffraction) هو تقنية علمية ، تستخدم حيود الأشعة السينية أو النيوترون أو الإلكترون على عينات المسحوق أو البلورات الدقيقة، للتوصيف الهيكلي للمواد. وتسمى الأداة المخصصة لإجراء قياسات المسحوق هذه بمقياس حيود المسحوق. ويتناقض حيود المسحوق مع تقنيات حيود البلورة الأحادية، والتي تعمل بشكل أفضل مع بلورة واحدة جيدة الترتيب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *