مقدمة:
لقد تعددت تجارب الإنسان منذ القدم للتعرف على الكهرباء ببدء تحسس انجذاب الريش والغبار والحرير إلى الكهرمان عند احتكاكها به، ثم تطورت التجارب ليعلم الإنسان بوجود الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة، وأن الشحنات المتشابهة تتنافر بينما المختلفة تتجاذب، إلى أن تمكن الإنسان من إنتاج الكهرباء بمختلف الوسائل حتى أصبحت كما نعرفها اليوم، فيمكن إنتاجها في محطات التوليد، أو بواسطة المولدات الكهربائية، أو الخلايا الشمسية، أو حتى باستخدام البطاريات الجافة، ويمكن نقل الكهرباء على هيئة تيارات من مكان إلى آخر،
ولذا، يمكن تعريف الكهرباء على أنها سيل من الإلكترونات تسير كتيار في اتجاه واحد بين طرفين مختلفي الجهد.
وتحتاج الكهرباء إلى وسط موصل حتى تنتقل من مكان إلى آخر فهي لا تنتقل في الهواء أو في المواد غير الموصلة، وتختلف المواد في طبيعتها الموصلية إلى مواد موصلة، مواد عازلة، أشباه موصلات، فالكهرباء تنتقل عبر النحاس، والحديد، بينما لا تنتقل عبر الخشب والمطاط، في حين يمكن تمرير الكهرباء الضعيفة عبر الإلكترونيات الدقيقة والتحكم بها مثل الصمام الثنائي والترانزيستور.
أما درجة الموصلية للمواد الموصلة للكهرباء فهي أيضا تختلف من مادة إلى أخرى، فدرجة التوصيل تعتمد على شدة مقاومة كل مادة للتيار الذي يمر فيها، إضافة إلى مساحة مقطع المادة وطولها، فنجد من المواد الصلبة أن الذهب هو أفضل موصل للكهرباء، والنحاس مادة جيدة لتوصيل الكهرباء، وأما الغازات ومنها الهواء فهي غير موصلة للكهرباء إلا أن بعض الغازات يمكن أن توصل الكهرباء عند ظروف معينة، وأما السوائل فمنها ما هو منتج معالج ليكون عازلا للكهرباء مثل الزيت المعدني، ومنها ما هو موصل للكهرباء مثل الماء غير المقطر.
تساؤل:
هل يمكن توليد الكهرباء بدون استخدام الوسائل الصناعية؟ وهل يمكن نقلها بدون المواد الموصلة؟
حسب ما توصل إليه العلم حتى الآن، فنحن نحتاج إلى وسائل توليد الكهرباء كما نحتاج إلى وسائل نقلها لنتمكن من استخدامها والاستفادة منها، أما من الظواهر الطبيعية فالبرق يمكن أن يولد كهرباء ساكنة حيث ينشأ منه تفريغ مئات ملايين الفولتات الكهربائية، وقد يحدث بين طرفي سحابة، أو بين سحابتين، أو بين سحابة ومحيطها، أو بين سحابة والأرض، وذلك بسبب اختلاف الشحنة بينهما، فمثلا عند مرور سحابة (سالبة الشحنة عادة) على منطقة مختلفة الشحنة على الأرض (موجبة الشحنة عادة) يحدث الحث والتحريض الكهربائي ويتكون بينهما حقل كهربائي يؤدي إلى تفريغ الشحنات وبالتالي حدوث وميض يصحبه صوت الرعد الناتج من التفريغ، قد تصل الصدمة الكهربائية الناتجة من البرق إلى أقرب جسم يقابلها نتيجة تولد مجال مغناطيسي، ولذا استخدم الإنسان موانع الصواعق على المباني العالية حتى تتلقى الصدمة الكهربائية وتفرغها في الأرض، وتلك من النعم الإلهية أن الكهرباء يمكن تفريغها في الأرض دونما ضرر بعدها، ولا توجد لدى الإنسان تقنية حتى الآن للاستفادة من هذه الكهرباء العالية الناتجة من البرق.
كائنات حية تنتج الكهرباء:
من عجائب مخلوقات الله أن هناك أنواع من الأسماك لها القدرة على إنتاج الكهرباء، ومنها نوع شبيه بالثعبان يُعرف بالأنقليس الرعّاد، هذه الأسماك لها جسم نحيف وطويل، وتشتهر بسرعة انزلاقها في الماء، وتحوي أعضاء كهربائية تُنتج صدمات كهربائية قوية تصعق بها فريستها أو عدوها، وتعيش في نهر الأمازون وروافده بأمريكا الجنوبية، وهي تعيش في القيعان الموحلة والمستنقعات المظلمة، وتميل إلى السكون عادة، ودائما ما تطفو على السطح لتحصل على 80% من حاجتها من الأكسجين بفمها.
أسماك الأنقليس لها جسم اسطواني الشكل يصل طوله إلى (2.5) مترًا ورأسها مسطح قليلا، ويبلغ وزنها (20) كيلو غرام، ولونها إما أسود أو رمادي يميل إلى البني أو أخضر داكن وفيها لون مصفر في الأسفل، ويمكنها العيش حتى (15) سنة، ومعظم أعضائها الحيوية تكون في المقدمة، أما الأعضاء الكهربائية فتقع في مؤخرة جسمها، ولها جلد سميك مغطى بطبقة لزجة تعمل كطبقة واقية من التيار الناتج من الصدمات الكهربائية التي تنتجها.
قدرتها الكهربائية:
بما أن أسماك الأنقليس تعيش في المناطق المظلمة فهي تعتمد على إشاراتها الكهربائية للاستشعار، فلديها شحنة موجبة بالقرب من الرأس وشحنة سالبة في نهاية الذيل، وهذه القطبية تمكنها من إنشاء مجال كهربائي حولها فتستشعر ما حولها ويساعدها على ذلك إمكانيتها من السباحة إلى الخلف، وهذه القدرة الكهربائية ناتجة من احتواء جهازها العصبي على خلايا كهربائية، وتنقسم أعضاؤها الكهربائية إلى ثلاثة أقسام: العضو المصدر، العضو الأساسي، العضو ساك، وعند إرسال أمر الصدمة الكهربائية إلى الخلية الكهربائية تتولد مقاومة منخفضة بين جانب الخلية وداخلها، وهذا ما يدفع أيونات البوتاسيوم إلى الاندفاع إلى داخل الخلية لتحقيق التوازن، وهذا يتسبب في إطلاق ما مقداره (50) ملي فولت، ونظرًا لوجود خلايا مكدسة تبلغ حوالي (6000) خلية تحدث سلسلة من التفريغ الجماعي بمئات الفولتات الكهربائية.
الصعق الكهربائي:
أما الصعق الكهربائي فهي تستخدمه في حالة الدفاع عن نفسها أو حين الافتراس وإلا فهي أسماك طبيعية تعيش وتتغذى كباقي الكائنات البحرية وهي ليست عدوانية إلى حدٍ ما، وترسل هذه الأسماك إشارات تصل قوتها إلى (10) فولت تعمل كالرادار لاستشعار الفريسة أو لإستشعار مثيلاتها، ولكنها قد تنتج جهدًا مقداره (860) فولت، وهو كافٍ لردع أي اعتداء كما أنه كافٍ لقتل الفريسة حيث أن شدة التيار الصادر من هذا الجهد مع اعتبار عوامل أخرى قد يصل إلى (40 – 50) ملي أمبير، وهذه الصعقات الكهربائية كافية لإسقاط الأحصنة عند مرورها عبر روافد الأنهار.
لو تعرفنا مثلاً إلى تأثير التيار الكهربائي على جسم الإنسان مع أنه عالي المقاومة فإن (50) ملي أمبير تتسبب في آلام شديدة وتقلصات للعضلات وصعوبة في التنفس، ولكن – حسب ما عرف – أنه من النادر أن تتسبب هذه الأسماك في قتل الإنسان إلا أنه يتعرض بسبب تلك الصدمات الكهربائية إلى صعوبة التنفس ومشاكل في القلب فيسقط في المياه الضحلة فجأة.
وسمك الأنقليس ينتج صدمات كهربائية كل جزء من الثانية تتسبب في حدوث تقلصات في عضلات الفريسة وإجهادها، أما في مواجهة العدو فيلجأ الأنقليس إلى الطفو فوق سطح الماء حتى لا تتوزع الصدمة الكهربائية في الماء بل يخرج رأسه من الماء ويضع منطقة الذقن على الضحية لتنتقل الكهرباء مباشرة إلى العدو قبل أن تنتقل عبر باقي جسمه إلى منطقة ذيل الأنقليس المغمورة بالماء لتكتمل الدائرة الكهربائية، أما باقي الصدمات الكهربائية فهي تتلاشى بفعل التأين مع الماء.
والماء في حد ذاته موصل للكهرباء نتيجة وجود الأملاح والمعادن فيه، أما الماء المقطر الخالي من الأملاح والمعادن غير موصل للكهرباء، فالمعادن والأملاح المذابة في الماء تحتوي على أيونات سالبة وأخرى موجبة، وهذه الأيونات تكون حرة الحركة ومن خلالها يتم التوصيل الكهربائي.
قيمتها الاقتصادية للإنسان:
قد يتناول السكان المحليون في منطقة الأمازون سمك الأنقليس أحيانا إلا أنهم يتجنبون اصطيادها نتيجة تعرضهم للصدمات الكهربائية التي قد تكون خطرة أو مميتة فهذه الأسماك هي أقوى وأخطر الكائنات المنتجة للصدمات الكهربائية على الإطلاق.
وتبقى عظمة الله وعجائب مخلوقاته جلية دائما أمام هذا الإنسان الذي ما زال يتعرف إلى مزيد من العلوم كلما تقدم الزمان.
قال الله تعالى: (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) – سورة لقمان – آية (11)
المراجع:
ما شاء تبارك الله اخي العزيز م. علي … كتبت فأبدعت، معلومات قيمة وجهد تشكر عليه … نترقب مقالات قادمة مفيدة مثل هذا المقال الرائع … شكرا لك مهندسنا الغالي ابوحسين
ماشاء الله تبارك الله
أخى العزيز فى الله
إن التطور فى العلم والاطلاع تولد فى الإنسان الرغبه فى إظهار العلم والتعلم
سلمت أناملك وجعله الله فى ميزان أعمالك🌹
موضوع رائع ومعلومات مفيدة ..👌♡
ماشاء الله تبارك الرحمن
معلومات قيمة واضافة جميلة للقارئ
مقالة بديعة