What caused the ice ages? Tiny ocean fossils offer key evidence
(بقلم: ليز فولر رايت – Liz Fuller-Wright)
نوع من الدياتومات المعروفة ب (Fragilariopsis kerguelensis) ، الذي صور وهو حي (على اليسار) ومتحجر (على اليمين)، هي طحالب عائمة وفيرة في المحيط المتجمد الجنوبي وكانت موحودة في العينات التي تم جمعها لهذه الدراسة.
تقديم ومراجعة عادل عبد الله البشراوي، باحث في الانسان القديم
مقدمةً عادل عبد الله البشراوي
قلما تواجه شخصًا اليوم لم يسمع بمصطلح العصور الجليدية، بل قد يكون المصطلح في صيغته اللاتينية (Ice age) أوسع انتشارًا حتى في أوساطنا. فالمصطلح بات يطرق مسامعنا ليس فقط في الوثائقيات العلمية، بل في الأعمال الدرامية والنصوص الأدبية، وفي أفلام الأنيميشن المخصصة للأطفال، فأصبح مصدرًا لإثراء خيالاتهم الطفولية. رغم ذلك فقليل منا يحاول التفكر في ماهيته كظاهرة طبيعية، وغالب الناس يكتفي بمعلومة أنه حدث طبيعي وقع قبل عدد من آلاف السنين.
العلماء، في المقابل، يتميزون بطبيعة متطلبة، ولذلك فهم يسعون في التعرف على أسباب حدوث الأشياء لكي يبنوا على مقتضى نتائج دراساتهم تصورات علمية تسهل عليهم التعرف على متعلقات الحدث، وإمكانيات حدوثه مجددًا. يأتي العلماء الذين نجدهم يهتمون بظاهرة العصر أو المد الجليدي من عدة تخصصات، ولكي لا نسهب في هذا الجانب بتعدادهم نكتفي بالقول بأنهم يأتون من عشرات التخصصات الأساسية والفرعية. نعم، لهذه الدرجة تصل أهمية ظاهرة المد الجليدي، فهكذا ظاهرة لها تأثيراتها المحددة حتى على البروز الحضاري البشري.
وقد شغلت الظاهرة تفكير العلماء منذ قرون، حيث تنبهوا إلى دلائل وقوعها عبر عدد من الآثار. ولكنهم وجدوا صعوبات في التعرف على ماهيتها وزمن حدوثها والأهم، الأسباب الطبيعية التي هيأت وقوعها. وقد توالت الأوراق العلمية التي بدأت في تناول الظاهرة، كتلك التي نشرها بيير مارتيل (Pierre Martel) عام 1742 والتي سطر يها ملاحظاته عن رحلته في جبال الألب، والتي ناقش فيها رأيه بأن عددًا من الصخور الضخمة التي واجهها في بعض المناطق لا تتناسب مع طبيعة الأرض الموجودة فيها، وأنه كما يبدو بأن الجليد قد أتى بها من مناطق بعيدة، وبما يفيد أن للجليد امتداد أوسع في السابق. وقد نوقشت ظاهرة الصخور الضخمة، التي لا تتناسب مع طبيعة الأرض الموجودة بها، عشرات المرات من قبل علماء ومهتمين في عدد من المناطق الأخرى خلال القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر، وهو ما أوجد أرضية لفهم مفاده وقوع تراجع لرقعة جليدية كانت واسعة الإنتشار في السابق. ولكن أهم من بدأ في محاولات توثيق الظاهرة علميًا هو الجيولوجي جنز إسمارك (Jens Esmark) حيث نشر في 1824 ورقة يناقش فيها الظاهرة على أنها حدث عالمي، وأن حدوثها مرتبط بدوران الأرض حول الشمس. وهو الأمر الذي ألهم العديد من العلماء الذين جاؤوا بعده، وظهر بشكل أكثر نضوجًا عام 1875 في نظرية الأسكتلندي جيمز كرول (James Croll) التي تضع بين المد الجليدي والزمن.
تجدر الإشارة إلى أنه مع حلول القرن التاسع عشر كانت علوم الجيولوجيا تحقق قفزات كبيرة، وقد أفادت منها العديد من الفروع العلمية الأخرى، حتى أن تصانيف طبقات الأرض التي هي نتاج جيولوجي صرف كانت المعتمد لعلوم الأحياء التطورية والمستحاثات القديمة والمناخ والإنسان القديم والعديد من الفروع الأخرى. وعلى أساس هذه الأرضية الجيولوجية فقد تم لمنظري المد الجليدي الإستفادة من تصنيف طبقات الأرض والبناء عليها كأساس لتعيين ترددات المد عبر الأزمنة الجيولوجية لعمر الأرض. ليس ذلك فحسب، وإنما أيضا في طبيعة الآثار التي تتركها حركة الجليد على الصخور في فترات مده وتراجعه.
كان الغالب على نقاشات العلماء حتى نهاية القرن التاسع عشر مستغرقًا في توصيف الظاهرة، وقليل منها ما يمكننا اعتباره محاولات جادة لتبرير أسباب حدوثها. ولكن الدراسات اعتمدت مناهج أكثر تطورا مع حلول القرن العشرين وخصوصا عام 1920 الذي شهد طرح عالم الرياضيات الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش (Milutin Milankovitch) لنظرية دورات ميلانكوفيتش، وهي تطرح ثلاث دورات تتخذها الأرض في دورانها حول الشمس ويعزى لها التسبب في الدورات الجليدية. ودون الخوض في تفاصيل عمل هذه الدورات التي ناقشناها بتفصيل في مناسبات سابقة، فما يهمنا هنا تحديدا هو قدرتها على التحكم في شدة الإشعاع الشمسي التي تتلقاه الأرض عبر هذه الدورات والذي يقرر بدء مد جليدي وانتهاء فترة مابين جليدية.
كان لنظرية ميلانكوفيتش تأثير كبيراي الأوساط العلمية، وما يميزها أنها كانت تزداد رسوخًا مع الزمن، بل أنها أثبتت نجاعتها في شرح ظاهرة مناخية أخرى لا تقل أهمية عن المد الجليدي، وهي الدورة التصحرية التي تتأثر بذات الدورات، ولكنها تتخذ مسارًا زمنيًا مختلفًا تمامًا.
تأتي هذه الحركات/الدورات نتيجة تأثر الأرض بجاذبيات الشمس، بدرجة أولى، والقمر والمشتري وزحل. ولكن منظومة الجاذبيات لا تقتصر على هذه الأجرام الأربعة فقط، فهذه الأجرام قد يكونون الأقوى من حيث التأثير، ولكننا لا نبالغ حين نقول بأن المنظومة لا متناهية من حيث تعقيد المشهد المحيط بحركة الأرض في الفراغ. إضافة إلى أن التلازمية المدارية بين الأرض وهذه الأجرام الأربعة قد تكون ثابتة طوال عمرها، فلماذا تتغير نمطية مناخ الأرض عبر حقبها الطويلة بحيث يسودها مناخ دافيء نسبيا خلال عدد من ملايين السنين، يتبعه مناخ بارد، وهكذا؟
لنوضح هذه النقطة الأخيرة، تمر الأرض اليوم في فترة تسودها ترددات مناخية تتأرجح بين طبيعتين، الأولى باردة يميزها توسع للرقعة الجليدية التي تنطلق من القطبين الشمالي والجنوبي، وتمتد هذه الفترة إلى حوالي 90 ألف سنة. أما الثانية فهي ما يسمى بالفترة المابين جليدية (Interglacial Period) كهذه الفترة التي نعيشها، والتي بدأت منذ حوالي 14 ألف سنة، وهي فترة دافئة وقصيرة نسبيا. هذه النمطية المترددة بين الطبيعتين هي الحالة الحاكمة لمناخ الأرض منذ بداية فترة الرباعي (Quaternary Period) التي بدأت مع حقبة البلايستوسين قبل 2.6 مليون سنة، أما حالة مناخ الأرض قبل هذه الفترة فكانت مختلفة وتمتاز بدرجات حرارة دافئة. وهكذا فمناخ الأرض لا يعتمد نمطية معينة، بل هو متغير على الدوام. فلماذا؟
لماذا لا تكون المعادلة المناخية ثابتة على الدوام مادامت الأجرام الأربعة، الشمس والقمر والمشتري وزحل، في أماكنها ثابتة حول الأرض ومنذ تكونها؟
الجواب هو أنه رغم أهمية منظومة الجذب لهذه الأجرام الأربعة، فهناك مؤثرات أخرى، وقد وصفناها أعلاه باللامتناهية. فكما نعلم بأن الأرض محكومة باتخاذ مسار ثابت في دورانها حول الشمس، وهو مايجعل موقعها بالنسبة للمجموعة الشمسية ثابتًا. ولكنه ثابت فقط بالنسبة للمجموعة الشمسية، وليس بالنسبة للكون. فلا ننسى بأن المجموعة بكلها تدور هي الأخرى ضمن مجرة درب التبانة، والمجرة تدور في الكون، ولذلك ورغم ثبات الأرض في فلكها، إلا أن دوران المجموعة في المجرة ودوران المجرة في الكون يجعل للأرض موقعًا متجددًا على الدوام. وهو مايجعلها معرضة لمحصلة جذب غير ثابتة عبر الزمن.
كما أن هناك أسباب أخرى بعيدة عن مدار الأرض تدخل في المعادلة، وحركات صفائح الأرض التكتونية لها تأثيراتها التي لا ينبغي إغفالها. هذه الحركات من شأنها التحكم في شكل اليابسة وإعادة تشكيل القارات، وهو ما يفرض مسارات للرياح والتيارات المحيطية تختلف باختلاف توزع اليابسة على سطح الأرض. هنا قد نتمكن من الربط بين بدء النمطية المناخية التي نعيشها والتي بدأت كما أسلفنا قبل 2.6 مليون سنة، وبين متغير تكتوني حدث قبل هذه الفترة بحوالي 400 ألف سنة، ألا وهو التحام الأمريكيتين الذي حدث قبل حوالي 3 مليون سنة. التحام الأمريكيتين قرر منع تبادل التيارات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادي التي كانت تجري بانسياب بين المعبر البحري الذي كان موجودًا بين الأمريكيتين إلى حين التحامهما، وعندها بدأت التيارات الإستوائية التي تجري من سواحل القارة الإفريقية وتعبر الأطلسي إلى سواحل وسط أمريكا، وحال وصولها هناك تنحرف نحو الشمال لتصل إلى مناطق التندرا فتحمل إليها الرطوبة وكميات هائلة من الأمطار التي تهطل حول الدائرة القطبية الشمالية فتحبس هناك على شكل كتل جليدية بعد أن كانت تعاني الجفاف. وأن مراكمة كميات من كتل الجليد وتشكل مساحات شاسعة من اللون الأبيض لها قدرة على تبريد سطح الأرض عبر عكس كميات مضاعفة من ضوء الشمس، ومع استمرار هذه الحالة تتهيأ الأرض لدخول حالة جليدية جديدة.
والدراسة المترجمة أدناه تتناول ظواهر طبيعية أخرى تطرح أسبابا كيميائية – بايولوجية لها تأثيراتها التي يجب أن تحسب في معادلة الظواهر التي تتسبب في انطلاق المد الجليدي. فكما يبدو أن الظاهرة هي نتاج عمل مروحة واسعة من العوامل الطبيعية التي تتظافر لتنتج الظروف المهيئة لإبتداء أو انتهاء المد الجليدي.
التقرير المترجم أدنا يطرح دراسة لمجموعة من الباحثين عكفوا على تحليل العلاقة بين مكون ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وبين ظاهرة المد الجليدي التي تبين وجود علاقة عكسية بينهما. ففي فترات المد يقل منسوب ثاني أكسيد الكربون، وفي المقابل يزداد منسوبه في الفترات الدافئة. وقد وجد الباحثون وسيلة للتعرف على منسوب ثاني أكسيد الكربون في الأزمنة القديمة، حيث كانت أحد العقبات التي تصعب علينا التحقق من مصداقية العلاقة العكسية المفترضة بين ثاني أكسيد الكربون وبين حالة التجلد هو عدم توفر بيانات لمنسوب ثاني أكسيد الكربون في الأزمنة السابقة تمكننا من عمل مقارنة بين المنسوبين الحالي والسابق.
الوسيلة تتمثل في دراسة متحجرات مجهرية لطحالب وحيدة الخلايا تسمى دايتماوات (Diatoms)، فهذه الأحياء البسيطة التي تنتشر بكثرة على امتداد سطح المياه المحيطة بالدائرة القطبية الجنوبية تتسلح بقشور من السليكا (Cilica). تتراكم قشور هذه الأحياء الدقيقة بعد موتها في قاع البحر فتشكل لنا نافذة تمكننا من التعرف على طبيعة التوازن الغازي القديم، وطبعا من خلال دراسة قشور تلك الكائنات التي عاشت في أزمنة سابقة.
هذه التقنية تتشابه إلى حد ما مع ما يعرف بـ (Marine isotope stage -MIS) وهي وسيلة للتعرف على نسبة أوكسجين 16 إلى أكسجين 18 عبر الأزمنة والتي من خلالها يستطيع العلماء التعرف على زمن بدء وانتهاء فترة جليدية معينة وإن عبر بيانات كيميائية – بايولوجية مختلفة.
تعدد الأساليب والتقنيات والمجالات العلمية المتداخلة في دراسة الظاهرة يظهر لنا مدى تعقيد حدوثها. ولكن بالرغم من كل هذا التعقيد فإن تكرار حدوثها ثابت ومستمر،فهذا التعقيد الذي قد يتبادر لأفهامنا أنه عشوائي وقد ينتج عنه إرباك في المعادلة فيتسبب في توقف جريانها، ماهو إلا تعقيد في مقدرتنا نحن على استيعابه، وإلا فهو سُنة عمل الأشياء في الكون. نعم، كل الأشياء تعمل هكذا في الكون.
البحث المترجم
تميزت المليون سنة الأخيرة من تاريخ الأرض “بدورات جليدية ومابين جليدية” متكررة، وهي تقلبات كبيرة في المناخ لها علاقة بظهور وتقلص صفائح جليدية ضخمة على امتداد جميع القارات. هذه الدورات تثيرها تذبذبات طفيفة في مدار الأرض ودورانها، لكن التذبذبات المدارية لا تكفي لتفسير التغيرات الكبيرة في المناخ.
“سبب العصور الجليدية هو أحد أكبر المشاكل التي لم يتم حلها في علوم الأرض” كما قال دانيال سيغمان ، برفسور دوسنبيري (Dusenbury) للعلوم الجيولوجية والجيوفيزيائية في جامعة برنيستون. “تفسير هذه الظاهرة المناخية السائدة سيحسن من قدرتنا على التنبؤ بتغير المناخ في المستقبل”.
في سبعينيات القرن الماضي، اكتشف باحثون علميون أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) الاحتراري في الغلاف الجوي كان أقل بنحو 30٪ خلال العصور الجليدية. أدى ذلك إلى ظهور نظريات مفادها أن الانخفاض في مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو مكون رئيسي في الدورات الجليدية ، لكن أسباب تغير مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون ظلت غير معروفة. أشارت بعض البيانات إلى أنه خلال العصور الجليدية، كان غاز ثاني أكسيد الكربون منحبسًا في أعماق المحيطات، لكن سبب ذلك كان موضع نقاش.
حاليًا، تعاون دولي بقيادة باحثين من جامعة برينستون ومعهد ماكس بلانك للكيمياء (MPIC) وجد دليلًا يشير إلى أنه خلال العصور الجليدية، عملت التغيرات في المياه السطحية للمحيط المتجمد الجنوبي على تخزين المزيد من ثاني أكسيد الكربون في أعماق المحيط. باستخدام عينات رواسب جوفية اسطوانية (cores) من المحيط المتجمد الجنوبي، أصدر الباحثون سجلات مفصلة للتركيب الكيميائي للمادة العضوية المحتبسة في متحجرات الدياتومات (diatoms) – وهي طحالب عائمة نمت في المياه السطحية، ثم ماتت وترسبت في قاع البحر. القياسات التي قاموا بها وفرت دليلاً على الانخفاض الممنهج في موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط (upwelling انظر 1) خلال العصور الجليدية. نشر البحث في عدد 11 ديسمبر 2020 من مجلة ساينس Science (انظر 2).
على مدى عقود، عرف الباحثون أن نمو الطحالب البحرية وترسبها يضخان غاز ثاني أكسيد الكربون في أعماق المحيط، وهي عملية يشار إليها غالبًا باسم “المضخة البيولوجية” (معلومات عنها في 3). المضخة البيولوجية تحركها في الغالب المحيطات الاستوائية وشبه الاستوائية والمعتدلة وهي غير فعالة بالقرب من القطبين، حيث يتسرب غاز ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى إلى الغلاف الجوي من خلال تعرض المياه العميقة السريع لسطح المحيط. أسوأ باغِ كان المحيط المتجمد الجنوبي: فالرياح القوية المتجهة نحو الشرق والتي تحيط بالقارة القطبية الجنوبية تسحب المياه العميقة الغنية بثاني أكسيد الكربون إلى سطح المحيط، مما يؤدي إلى “تسرب” غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي (4).
إمكانية انخفاض موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط (upwelling، انظر 1) التي تحركها الرياح للاحتفاظ بمزيد من ثاني أكسيد الكربون في المحيط، وبالتالي لتفسير تقلص غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في العصر الجليدي، كانت معروفة أيضًا منذ عقود من السنين (5). حتى الآن، يفتقر الباحثون إلى طريقة قطعية لاختبار مثل هذا التغيير.
تعاون بين جامعة برينستون ومعهد ماكس بلانك للكيمياء (MPIC) طور مثل هذه المقاربة ، باستخدام دياتومات صغيرة. الدياتومات هي طحالب عائمة تنمو بكثرة في المياه السطحية للقطب الجنوبي، وتتراكم أصدافها المكونة من السيليكا في رواسب أعماق البحار. تختلف نظائر النيتروجين في أصداف الدياتومات باختلاف كمية النيتروجين غير المستخدم في المياه السطحية. قام فريق جامعة برينستون ومعهد ماكس بلانك للكيمياء (MPIC) بقياس نسب نظائر النيتروجين لبقايا المواد العضوية المحتبسة في الجدران المعدنية (mineral) لهذه المتحجرات، والتي كشفت عن تطور تركيزات النيتروجين في المياه السطحية في المحيط المتجمد الجنوبي على مدى الـ 150 ألف عام الماضية، والتي تمتد على مدى عصرين جليديين وفترتين مابين جليديتين.
تحليل نظائر النيتروجين المحتبسة في المتحجرات كالدياتومات كشف عن تركيز النيتروجين في المياه السطحية في الماضي”، كما قالت إيلين آي (Ellen Ai)، المؤلفة الأولى للدراسة وطالبة الدراسات العليا في جامعة برينستون التي تعمل مع سيغمان (Sigman) ومع مجموعات ألفريدو مارتينيز غارسيا (Alfredo Martínez-García) وجيرالد هاوغ (Gerald Haug) في معهد ماكس بلانك للكيمياء “تحتوي المياه العميقة على تراكيز عالية من النيتروجين الذي تعتمد عليه الطحالب. كلما زادت موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط (upwelling) في القطب الجنوبي، كلما ارتفع تركيز النيتروجين في المياه السطحية. لذلك سمحت لنا نتائجنا أيضًا بنمذجة تغيرات موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط في القطب الجنوبي”.
أصبحت البيانات أكثر قوة من خلال مقاربة جديدة لتزمين رواسب المحيط المتجمد الحنوبي. تغير درجة حرارة المياه السطحية أعيد تمثيلها حوسبياً في عينات الرواسب الإسطوانية الجوفية وقورنت بسجلات حرارة هواء عينات الجليد الاسطوانية الجوفية من القطب الجنوبي.
“سمح لنا هذا بربط العديد من الخصائص في سجل نيتروجين الدايتومات بتغيرات المناخ والمحيط المتزامنة مع جميع أنحاء الكرة الأرضية” كما قال مارتينيز غارسيا. “على وجه الخصوص، نحن الآن قادرون على تحديد توقيت انخفاض مستوى موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط، حين يبدأ المناخ يبرد، وكذلك ربط تغيرات موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط المتجمد الجنوبي باتجاه سطح المحيط في القطب الجنوبي بالتقلبات (التذبذبات) المناخية السريعة خلال العصور الجليدية”.
سمح هذا التوقيت الأكثر دقة للباحثين بتركيز اهتماماتهم على الرياح كمحرك رئيسي لتغيرات في موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط.
سمحت النتائج الجديدة أيضًا للباحثين بفك الارتباط بين كيفية ارتباط التغيرات في موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط في القطب الجنوبي وغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بالمثيرات المدارية للدورات الجليدية ، مما جعل الباحثين يقتربون خطوة من وضع نظرية كاملة في أصل العصور الجليدية.
تظهر النتائج التي توصلنا إليها أن تغير غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الناتج عن موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط كان محوريًا في هذه الدورات المدارية ، ولكن ليس دائمًا بالطريقة التي قد افترضها كثير منا ، كما “قال سيغمان. “على سبيل المثال ، بدلاً من تسريع الانحدار إلى العصور الجليدية ، تسببت موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط في القطب الجنوبي في تغيرات غاز ثاني أكسيد الكربون التي أطالت أمد المناخات الأكثر دفئًا.
النتائج التي توصلوا إليها لها أيضًا آثار على التنبؤ بكيف سيستجيب المحيط للاحتباس الحراري. أسفرت النماذج الحاسوبية عن نتائج غامضة بشأن حساسية الرياح القطبية لتغير المناخ. رصدْ الباحثين تعاظم (تكثف) كبير في موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط الناتجة عن الرياح في المحيط المتجمد الجنوبي خلال الفترات الدافئة التي حدثت في الماضي أشار إلى أن موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط تشتد أيضًا في ظل الاحتباس الحراري. من المرجح أن تؤدي موجات المياه الباردة الصاعدة من قاع المحيط القوية إلى تسريع امتصاص المحيط للحرارة من الاحترار العالمي المستمر، في حين يؤثر أيضًا على الحالات البيولوجية للمحيط المتجمد الجنوبي والجليد في القارة القطبية الجنوبية.
“النتائج الجديدة تقترح أن الغلاف الجوي والمحيط حول القارة القطبية الجنوبية سيتغيران بشكل كبير في القرن المقبل” كما قالت آي (Ai) . “ومع ذلك، نظرًا لأن غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري فريد من نوعه في الأوقات الحالية ، هناك حاجة إلى مزيد من العمل لفهم كيف تؤثر تغيرات المحيط المتجمد الجنوبي على معدل امتصاصه لغاز ثاني أكسيد الكربون.
مصادر من داخل وخارج النص:
1-https://oceanservice.noaa.gov/facts/upwelling.html
2-https://science.sciencemag.org/content/370/6522/1348
3-https://ar.wikipedia.org/wiki/مضخة_بيولوجية
4-https://www.princeton.edu/news/2018/07/30/carbon-leak-may-have-warmed-planet-11000-years-encouraging-human-civilization
5-https://environmenthalfcentury.princeton.edu/research/2020/understanding-past-understand-future-climate-science-princeton
المصدر الرئيسي:
https://www.princeton.edu/news/2020/12/10/what-caused-ice-ages-tiny-ocean-fossils-offer-key-evidence