مساء يوم أمس مررت بصبية وكانوا أكثر جرأة في الازعاج وبعض التسلية، من يستطيع أن يلومهم على هذا المزاج الثائر في مثلِ هذه الأيام الجميلة؟
يقول العلماء في دراساتٍ عديدة أن لدرجة الحرارة المعتدلة (٣٠ – ٤٢ درجة مئوية) تأثير ظاهر وبين على سوء سلوك البشر، ونحن منهم، إذ في الشتاء القارس يبقى الناس في بيوتهم، لا يخرجون فتقل الجرائم، ومنها الشنيعة، مثل القتل والاغتصاب والسرقة، وحوادث الطرق. وكذلك هم يفعلون عندما تشتد الحرارة الى ما فوق ٤٢ درجة مئوية وتزداد رطوبة الجو. لم يستخلص العلماء السبب والدافع الحقيقي خلف هذه الظاهرة، فهم يظنون أن واحداً من الأسباب أن في الطقس البارد والحار جدّا وفي ساعات المطر تقل الاحتكاكات الاجتماعية في الطرقات، بينما تظهر المشاكل مع ازدياد الازدحام في الأماكن العامة.
ومن المعقول اكتشاف أن تكون السلوكيات متشابهة عندنا أيضاً، لو درسنا هذه الظاهرة، إذ في في كلِّ مساء – تقريباً – في فصلي الشتاء والربيع تزدحم الشوارع وتزمجر أبواق ومحركات السيارات القوية التي يمتلكها الشباب والدراجات النارية بأصواتٍ مرتفعة من محركاتها وأنظمة الموسيقى الصاخبة، ويرتفع غضب السائقين من بعضهم. كما أن بعضهم يضعون أطفالهم في أحضانهم، و يخرجون رؤوس أطفالهم من نوافذ السيارة وكأنهم دمى يمكنهم اللعب بها! ولا تحتاج كثيراً من الجهد لكي تقلب مزاج الشباب الجميل إلى مزاجٍ حادّ وسيء، كلمة واحدة أو نظرة واحدة تكفي. وحتى ديكة جيراننا يكون صوتها مزعجاً عندما تهدأ أصوات أجهزة التبريد!
علاقة سلوك البشر مع درجات الحرارة، وفي الأجواء المختلفة، معقدة وتستحق الدراسة، ومن الأنفع أن يعرف الناس ماذا يتوقعون من أنفسهم ومن غيرهم، وبالتالي تفادي أوقات الذروة والازدحام والابتعاد عن افتعال المشاكل. في الواقع تتغير كل أحوالنا باختلاف الفصول، الأكل والشرب والجد في العمل وحب التسوق والحركة والعلاقات الحميمة، والفرح والحزن والذاكرة والإبداع، تقريباً كل شيء فينا يؤثر فيه الطقس، وليس هذا إلا لأننا جزء من المنظومة الكونية، ولعلنا أعقد حلقة في هذه المنظومة، فكما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع):
دواؤك منكَ وما تشعرُ * وداؤكَ فيك وتستنكرُ
وتزعم أنك جرمٌ صغير * وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ
أجمل ما في الطقس المعتدل المشمس هو تأثيره الإيجابي في بعث الحب ورغبة الناس في مساعدة بعضهم لبعض وتحسين مزاجهم في الكرم والسخاء والرأفة، هذا حسب ما تقرره الدراسات!