تنتابني حالة غريبة من تعرق الرأس عندما أرى الفلفل، أحمرا كان لونه او أخضرا؛ وعندما أتناول وجبة أُضِيفَ لها فلفل، يزداد تعرق رأسي ويمتد الى وجهي وبقية جسمي، لدرجة أنني أثير شفقة من يشاركوني الوجبة. وتحضرني صورة والدي – رحمه الله – وهو يلتهم الفلفل المطبوخ أثناء وجبة الغذاء، كدواء لمشاكل في معدته!
وكان يحيرني ويدهشني كثيرًا سلوك محبي الفلفل وتنافسهم على التِهَامِه بتعدد مستويات حرارته، بل وعشقهم الذي يصل الى درجة الحديث عنه وكأنه معشوقة، والتغني به، والدخول في مسابقات التِهَامِه، وترتفع أصواتهم عند التمييز بين الأنواع، ويدخلون اللون والحجم في تقييمهم للفلفل، جودةً وحرارةً.
وقد قرأت ملخصًا لورقة علمية اشارت الى أن الفلفل الحار معروفٌ جيدًا بتأثيراته المضادة للإلتهابات، وأنه مضاد للأكسدة والسرطان، وله تأثيرات في تنظيم جلوكوز الدم بسبب احتوائه على مادة الكابسيسين، والتي تعطي الفلفل الحار خصائصه المعتدلة إلى الشديدة عند تناوله؛ ولكن تأثير الفلفل الحار على جميع أسباب وفيات القلب والأوعية الدموية غير واضح.
الورقة العلمية كانت بعنوان “تأثير تناول الفلفل الحار على جميع أسباب وفيات القلب والأوعية الدموية – مراجعة منهجية وتحليل تلوي”، علمًا أن التحليل التلوي (meta-analysis) هو تحليل إحصائي يجمع بين نتائج دراسات علمية متعددة، يمكن إجراؤه عندما تكون هناك دراسات علمية متعددة تتناول نفس الموضوع، مع تقارير كل دراسة فردية عن القياسات التي من المتوقع أن تحتوي على درجة معينة من الخطأ.
وشارك في تأليف الورقة العلمية مجموعة من الأطباء والعلماء من مركز القلب ومعهد الأوعية الدموية والصدر في كليفلاند كلينك وآخرون من عدة مراكز طبية وعلمية أمريكية. وألقيت في ١٣ نوفمبر ٢٠٢٠ م أثناء الجلسات العلمية ٢٠٢٠ التي رعتها جمعية القلب الأمريكية في الفترة من ١٣ الى ١٧ نوفمبر ٢٠٢٠ م.
وفي مراجعة منهجية وتحليل تلوي، فحص الباحثون ٤٧٢٩ دراسة من خمس قواعد بيانات صحية عالمية رائدة، واختاروا أربع دراسات كبيرة تضمنت نتائج صحية للمشاركين مع بيانات عن استهلاك الفلفل الحار.
وتم استخدام السجلات الصحية والغذائية لأكثر من ٥٧٠ ألف فرد في اربع دول لمقارنة نتائج أولئك الذين تناولوا الفلفل الحار مع أولئك الذين نادرًا ما يأكلون الفلفل الحار أو لم يأكلوه مطلقًا. وقد وجد العلماء أن الأشخاص الذين تناولوا الفلفل الحار لديهم: انخفاض نسبي بنسبة ٢٦ ٪ في معدل وفيات القلب والأوعية الدموية، وانخفاض نسبي بنسبة ٢٣ ٪ في معدل الوفيات بالسرطان، وانخفاض نسبي بنسبة ٢٥ ٪ في جميع أسباب الوفيات.
ورغم أن الأرقام مشجعة جدًا لمحبي الفلفل بأنواعه، الَّا أن الدراسة خلصت الى أن النتائج تسلط الضوء على أن العوامل الغذائية قد تلعب دورًا مهمًا في الصحة العامة، لكن الأسباب والآليات الدقيقة التي قد تفسر النتائج غير معروفة حاليًا. لذلك، ليس هناك اطمئنان علمي – بشكل قاطع – أن تناول المزيد من الفلفل الحار يمكن أن يطيل الحياة ويقلل من الوفيات، خاصة بسبب مشاكل القلب والأوعية الدموية أو السرطان. وتبقى الحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج الأولية، ونحن بانتظار ذلك.