اقلبوا الصفحة إذا ما تعرضتم للأحزان فهي تضركم، ثم الصفحة التي بعدها إن لم تداويكم، وهكذا قلبوا في الدفاتر لعل الله يخرج لكم من كتب رحمته صفحةً تعجبكم، وإلا أكملوا تقليب الدفاتر، فالحياة ليست كلها عسل وسكر، والأحزان تقتل! العمل والحركة والناس والتسلية والصلاة كلها تعيننا على السلوان ودفن الأحزان.
يقول الأطباء إذا تعرضنا كثيرًا لنوباتٍ من الحزن وطال أمدها ربما يتطور الأمر لأزمةٍ قلبية حادة دون سبب طبي واضح. وأن الدراسات العلمية التي أجريت على أشخاص فقدوا أعزاء عليهم أثبتت وجود الكثير من الأمراض ما بين نزلات البرد والإنفلونزا، والذبحات الصدرية والقلق والاكتئاب والأرق والتهابات أصيبوا بها في خلال أيامٍ قليلة من تعرضهم لأزمة الفقد.
ليس مستغرباً لأن الحزن ينتقي الجهاز المناعي الذي يقف حائلًا دون إِصابتنا بالعديد من الأمراض، بحيث يضعفه ويختل عمله، ثم تنهش الأمراضُ الجسمَ واحداً تلو الآخر. وفاة، طلاق، افتراق، مرض، خسارة مال أو فقد وظيفة، كلها قد تنقلنا مباشرةً من الصحة للمرض. ومتى ما سكنت العللُ والأمراضُ أجسادنا استقرت. بعض الأحزان يستحق فعلاً أن يطول، لكن ليس دون أثمان من الصحةِ والراحة يدفعها من يحمله.
هلكَ خمسة من أولاد أبي ذؤيب الهذلي في سنةٍ واحدة، أصابهم الطاعون، فقال فيهم قصيدة يحكي حزنه ومجافاة النوم والراحة عينيه، قال فيها:
أمن المنونِ وريبهِ تتوجّعُ @@ والدهر ليس بمعتبٍ من يجزعُ
قالت أميمة: ما لجسمكَ شاحباً @@ منذُ ابتذلتَ ومثل مالكَ ينفعُ
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعاً @@ إلا أقضَّ عليك ذاك المضجعُ
فأجبتها: أمَّا لجسمي أنَّه @@ أودى بنيَّ من البلادِ فودَّعوا
أودى بنيَّ وأعقبوني غُصّةً @@ بعد الرقادِ وعبرةً لا تُقلعُ
كثير من أحداثِ الحياة تثير الآلام وتحرّك المشاعر والأشجان، منها ما يصيب في النفس، ومنها في الأهلِ والمال، فهل نبقى تحت وطأة الحزن المدمر؟ بالطبع لا، فكما هاهي الحياة تقلب صفحةً كل يوم، ويتقلب معها ويتجاوب كلُّ شيء في الكون، نحن البشر أيضاً لم لا نقلب الصفحة؟ فليس بعد العسر إلا اليسر وليس بعد التعبِ إلا الراحة.
بقي ندمٌ واحد من أروع أنواع الندم والحزن وأجملها وهو حزن العبدِ على ذنبه، ويكفيه من الحزن والندم أن يتوب ويترك المعاصي والذنوب ولا يعود، ثم يفرح بعدها بالطاعة.