فيتامين ب المركب – vitamins B complex (الجزء الأول) – غسان علي بوخمسين*

تتكون مجموعة فيتامينات ب (B complex) من ثمانية أنواع، وهي فيتامين B1 (الثيامين)، وفيتامين B2 (الرايبوفلافين)، وفيتامين B3 (النياسين)، وفيتامين B5 (حمض البانتوثينك)، وفيتامين B6 (البيريدوكسين)، وفيتامين B7 (البيوتين)، وفيتامين B9 (حمض الفوليك)، وفيتامين B12 (الكوبالامين).

توجد هذه الفيتامينات بشكلٍ طبيعيّ في العديد من الأغذية، وتُعدّ من الفيتامينات الذائبة في الماء، ولذلك فإنّ قُدرة الجسم على تخزينها محدودة،  باستثناء فيتاميني B12 وحمض الفوليك، اللذان يُخزنا في الكبد، وعليه فإنّ من يُعاني من سوء التغذية لعدّة أشهر يُحتمل إصابته بنقصٍ في فيتامينات B، ومن الجدير بالذكر أنّ فيتامينات B تُعدُّ سهلة التكسُّر خلال عملية الطهي، كما أنّ الجسم يحتاجها بكمياتٍ قليلة لتأدية بعض الوظائف كإنتاج الطاقة، والمُساهمة في تكوين خلايا الدم الحمراء.

نذكر فيما يأتي وظيفة كل نوعٍ من فيتامينات B على حدة:

فيتامين B1 الثيامين

فيتامين B1 أو ما يُعرف بالثيامين (Thiamin) هو أحدُ فيتامينات B الذائبة في الماء.  يساهمُ فيتامين B1 في عمليّة إنتاج الطاقة من الكربوهيدرات الذي يُمثل أحد الموادِ الغذائيّة الرئيسيّة للدماغ والجهاز العصبي، ويدخل في عملية التوصيل العصبي، وانقباض العضلات، والتمثيل الغذائي لأحد الأحماض الكيتونية؛ وهو حمض البيروفيك (Pyruvate). يحصل معظم الأشخاص على حاجتهم من هذا الفيتامين عن طريق الأطعمة التي تحتوي عليه، لكن تعريض هذه الأطعمة للحرارة العالية قد يقلّل من مُحتواه من المواد الغذائية بما في ذلك فيتامين B1. من الجدير بالذكر أن الثيامين يتميز برائحته النفاذة التي قد تكون مزعجة للبعض ويعطي رائحة الفيتامينات المميزة ، حتى أن بعض المتنزهين في الغابات، يتناولون جرعات عالية من الفيتامين؛ لأنه يفرز في العرق ويعمل كطارد للحشرات.

لمحة تاريخية

الثيامين أول الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء المكتشَفة، مما أدى إلى اكتشاف المزيد من العناصر الغذائية الأساسية وإلى فكرة الفيتامين.

في عام 1884 ، رفض تاكاكي كانيهيرو – جراح ياباني- النظرية الجرثومية السابقة لمرض البري بري، وافترض أن المرض كان ناتجًا عن قصور في النظام الغذائي بدلاً من ذلك. اكتشف أن استبدال نظام غذائي من الأرز الأبيض فقط بآخر يحتوي أيضًا على الشعير واللحوم والحليب والخبز والخضروات ، يقضي تقريبًا على البري بري في رحلة بحرية لمدة تسعة أشهر. ومع ذلك لم تكن البحرية مقتنعة بالحاجة إلى برنامج باهظ الثمن لتحسين النظام الغذائي ، واستمر موت العديد من الرجال بسبب البري بري.

تاكاكي كانيهيرو

تحدد الارتباط بين فيتامين B1 والحبوب في عام 1897 بواسطة كريستيان إيجكمان، وهو طبيب عسكري في جزر الهند الهولندية ، اكتشف أن الطيور التي تتغذى على نظام غذائي من الأرز المطبوخ المصقول أصيبت بالشلل ، والذي يمكن عكسه عن طريق التوقف عن تلميع الأرز. وعزا مرض البري بري إلى ارتفاع مستويات النشا في الأرز كونها سامة. كان يعتقد أن السمية بسبب مركب موجود في الأرز الأبيض المقشور. فسّر مساعده ، جيريت جرينز العلاقة بين الاستهلاك المفرط للأرز المقشور والبري بري في عام 1901: خلص إلى أن الأرز الكامل يحتوي على عنصر غذائي أساسي في الطبقات الخارجية للحبوب التي تزال عن طريق التلميع (polishing). حصل إيجكمان في النهاية على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب عام 1929 ، لأن ملاحظاته أدت إلى اكتشاف الفيتامينات.

كريستيان إيجكمان

مصادر فيتامين B1

يمكن الحصول على فيتامين B1 من خلال طريقتين، وهما:

  1. المصادر الغذائية: الأسماك، مثل سمك السلمون، والتونة. البذور، والمكسرات، مثل: بُذور الكتان، وبُذور دوار الشمس، والفستق الحلبيّ، ومُكسرات المكداميا ، الفاصولياء البيضاء والسوداء، واللوبياء والعدس. فول الصويا ومنتجاته، مثل: التوفو الصلب. الحبوب الكاملة، مثل: الأرز البني، وخُبز الحبوب الكاملة، ودقيق الذرة، والكينوا، ودقيق الشوفان. القرع، والهليون.
  2. المكمّلات الغذائية: يوجد فيتامين B1 في هذه المكمّلات إمّا على شكل مكمّلات فيتامين B1 فقط، وإمّا ضمن الفيتامينات المتعدّدة، أو عن طريق الوريد أو العضل في حالات النقص الشديد.

المقدار الموصى به من فيتامين B1 حسب الجنس والعمر:

وفقاً للأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة، فإن الاحتياج اليومي لفيتامين B1 كالآتي:

  • 0-6 أشهر: 0.2 مجم
  • 6-12 أشهر: 0.3 مجم
  • 1-3 سنوات: 0.5 مجم
  • 4-8 سنوات:0.6 مجم
  • 9-13 سنة: 0.9 مجم
  • 14-18 سنة – إناث: 1.0 مجم
  • 14-18 سنة – ذكور: 1.2 مجم
  • +19 سنة – إناث: 1.1 مجم
  • +19 سنة – ذكور: 1.2 مجم
  • الحوامل: 1.1 مجم
  • المرضعات: 1.4 مجم

نقص فيتامين B1

العوامل المرتبطة بنقص فيتامين ب1 (B1):

  1.  سوء التغذية؛ الذي يتضمّن اتّباع نظامٍ غذائيٍّ يحوي كثير من الأغذية المُعالجة، مثل: الحبوب غير الكاملة، والأرُزّ الأبيض، وغيرها، بالإضافة إلى التغذية الوريدية دون وجود فيتامين B1.
  2. ضعف الامتصاص الناتج عن إجراء عملية جراحات السمنة، أو سوء التغذية، أو الإصابة بمتلازمة سوء الامتصاص.
  3. زيادة معدل خسارة فيتامين B1 الناتج عن الإصابة بالإسهال، أو استخدام مدرات البول، أو القيء المفرط خلال فترة الحمل، أوالغسيل الكلوي.
  4. زيادة الحاجة لفيتامين B1 واستخدامه من قِبَل المرأة خلال فترتي الحمل والرضاعة، أو فرط نشاط الغدة الدرقية.
  5. تناول الأطعمة المحتوية على كمية عالية من إنزيم الثياميناز (Thiaminase) الذي يُحطّم الثيامين “مضاد فيتامين (B1)”، مثل: المحار النيء، والأرزّ الأبيض، وأسماك المياه العذبة النيّئة القهوة، والشاي، وغيرها.
  6.  إدمان الكحول.

أعراض نقص فيتامين ب1 (B1)

الوهن العضلي، زغللة العين، انخفاض ردود الفعل، التقيؤ والغثيان، ضيق النفس، التغير في معدل ضربات القلب وتشيع هذه الحالة عند مدمني الكحول. الإعياء، الشعور بالوخز في الذراعين والساقين، زيادة حِدّة الانفعال ، نقص الشهية.

مرض بيري بيري (Beriberi)

جاءت تسمية مرض البيري بيري بهذا الاسم من اللغة السنهاليّة، وهي تعني الوهن الشديد (ضعيف ضعيف)، وهو يحدث نتيجة النقص الحاد بفيتامين B1، ، وقد يحدث استنزاف مخزون الفيتامين خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع.

مريض يعاني من مرض البري بري في بداية القرن العشرين بجنوب آسيا.

ولهذا المرض نوعان: الأول ويُعرف بالبيري بيري الرطب (Wet beriberi)؛ والذي يؤثر في القلب والأوعية الدموية ، ممّا يؤدي إلى تراكم السوائل في الأنسجة، وضعف الدورة الدموية، أمّا النوع الآخر فيُعرف بالبيري بيري الجاف (Dry beriberi)؛ الذي يبدأ ظهوره في اليدين، والساقين، ويؤثر في الجهاز العصبي، ممّا يؤدي إلى تنكُّس الأعصاب، وقد ينتج عن ذلك فقدان ردود الأفعال، وضمور العضلات.

استخدامات فيتامين ب1 (B1)

يُوفر فيتامين ب1 العديد من الفوائد لجسم الانسان، وفيما يأتي بعضٌ منها:

  •  التخفيف من حالة نقص فيتامين (Thiamin deficiency)
  • يُساعد تناول فيتامين B1 على تقليل خطر نقصه، ويساهم كذلك في التخفيف من هذه الحالة في حال وجودها
  • المُساعدة على تحسين اضطرابات التمثيل الغذائي:
    • يُساعد فيتامين B1 على تحسين مختلف الحالات الصحية الناتجة عن الأمراض الوراثية بشكل مؤقت؛ وخاصّةً تلك الموروثة من كِلا الوالدين، والتي تتداخل مع عمليّة التمثيل الغذائيّ أو الأيض في الجسم، مثل: داء البول القيقبي (Maple syrup urine)؛ الذي يؤثر في أيض البروتين، ومتلازمة لي (Leigh syndrome) والتي تؤثر في الأيض داخل الخلايا العصبية.
  • تقليل خطر الإصابة بمتلازمة فيرنيككورساكوف:
    • (Wernicke–Korsakoff syndrome)، وهي حالةٌ من التحلل العصبيّ الناتج عن نقص فيتامين B1 الحاد، ونظراً لأنّه يلعب دوراً مهمّاً في حرق السكر لإمداد الدماغ بالطاقة، فإنّ هذا النقص يؤدي إلى تلف الدماغ والجهاز العصبيّ بشكل تدريجي، وعادةً ما يظهر نقص هذا الفيتامين لدى مُدمني الكحول، وذلك لتأثيره في امتصاص الفيتامينات الأساسيّة، ومنها فيتامين B1، وتُعالَج هذه الحالة بإعطاء فيتامين B1 في الوريد، وإكمال العلاج بالمكملات عن طريق الفم.

بقي أمر مهم يستحق التفصيل والاستفاضة، وهو: ما الفئات من الناس المستحقة لتناول فيتامينات B ومنها فيتامين B1؟

١/ المرضى الذين يعانون من مشاكل امتصاص وسوء تغذية، إما بسبب مشاكل هضمية/ معوية مثل متلازمة سوء الامتصاص، أو مرضى التغذية الوريدية أو الأنبوبية أو بعض مرضى جراحات السمنة.

٢/ المرضى الذين يخسرون الفيتامين بسبب الغسيل الكلوي، او المرضى الذي يعانون من الإسهال المزمن، أو من يستعملون مدرات البول بجرعات كبيرة.

٣/ بعض المصابين بالأمراض الاستقلالبية، مثل داء البول القيقبي ومتلازمة لي.

لكن ماذا عن مرضى السكري تحديداً، هل يحتاجون إلى تناول مكملات الفيتامينات لتعزيز صحتهم ومكافحة مضاعفات المرض؟

يعتبر تناول مرضى السكري لمكملات الفيتامينات وخصوصاً فيتامينات B أمر شائع جداً، لكن شيوعه لايعني أنه صحيح ، فالطب المطبق حالياً هو الطب المبني على البراهين ، ولكن ليس أي برهان أو دليل كان، بل لابد من اتباع أفضل دليل ممكن، وكما هو معلوم أن أفضل الأدلة العلمية تأتي من الدراسات الأكلينيكية المنضبطة، ولم توفّر أي دراسة اكلينيكية منضبطة كبيرة وجيدة التصميم، دليلاً على فائدة واضحة للفيتامينات في الوقاية من مضاعفات السكري، فلا منظمة السكري الأمريكية ولا منظمة التغذية الأمريكية تضع مكملات الفيتامينات ضمن توصياتها الإرشادية. (بالنسبة لفيتامين B12، سنفصل الحديث فيه عندما يأتي دوره).

كثير من الخبراء يعتبر التناول المفرط لمكملات الفيتامينات من مرضى السكري او كبار السن فضلاً عن الأصحاء بدون داعي طبي واضح، مضيعة للمال، حتى قال أحدهم عن هوس الأميركان بالفيتامينات والمكملات الأخرى (الأميركان يمتلكون أغلى بول في العالم)، كناية عن المقادير الهائلة التي يتناولونها بدون فائدة أو داعي، حيث ان سوق الفيتامينات والمكملات الغذائية تجاوزت ٦٨ مليار دولار عالمياً، وهذا رقم كبير جداً، فلو اعتبرنا أن الفيتامينات جزء من علاج مرضى السكري ، معناه أننا سنضيف عدة مليارات أخرى لفاتورة السكري عندنا، بلحاظ عدد مرضى السكري المتزايد.

لذلك فتناول مكملات الفيتامينات لمرضى السكري (إذا لم يكن بداعي طبي محدد) غير مبني على براهين علمية قوية، بل يكاد يكون مجرد ممارسة شائعة، ساعد عليها انتشار وتوفر الفيتامينات والدعاوى المنتشرة حولها، بأنها تسد الفجوة الغذائية وتكمل النقص وتساعد على مكافحة الأمراض المصاحبة للسكري مثل مكافحة التهاب الأعصاب والأوعية الدموية وتعزيز الطاقة، ولكن هذه الإدعاءات لم تدعمها الدراسات الإكلينيكية.

وليت أن الأمر بقي في المكملات ذات المحتوى المعتدل، بل تعداه الى مكملات ذات محتوى عالي جداً من الفيتامينات (حوالي ٢٠-٥٠ ضعف المقدار الموصى به يومياً) بدعوى أنها فيتامينات ذائبة في الماء ولن تضر، ولكن هذا غير صحيح، حيث ان الجرعات العالية جداً من الفيتامينات، علاوة على الهدر الحاصل في استهلاكها بدون فائدة، إلا أنها قد تسبب مشاكل صحية لمتناولها، خصوصاً إذا كانت متعددة مضافة الى معادن.

خلاصة القول ، ينبغي على الجميع الحرص وبذل الجهد للحصول على القدر الكافي من الفيتامينات من الغذاء الصحي والمتنوع قدر الإمكان، وعدم اللجوء للمكملات الا في حالة الحاجة والضرورة وللحالات المرضية التي تستدعي استعمالها، ولكن من جهة أخرى يبقى استعمال مكملات الفيتامينات خياراً خاصاً بالشخص نفسه، سواء مريض السكري أو كبير السن أو حتى الشخص السليم، فمن حق أي شخص تناول المكملات، بعد استشارة طبيبه المعالج وأخذ رأيه الطبي في ذلك، ولكن عليه معرفة أن استعماله لهذه المكملات بدون داعي طبي واضح، في الأعم الأغلب لاتدعمه الأدلة الطبية المتوفرة، وأن معظم الدعاوى المصاحبة لاستخدام المكملات هي ادعاءات غير مثبتة علمياً.

*غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *