حرفة اللحام تحتاج إلى حلول سريعة لتجنب أزمة نقص المهارات – المهندس السيد عدنان العوامي*

تم نشر هذه المقالة باللغة الإنجليزية بمجلة أخبار النفط والغاز تحت عنوان “حرفة اللحام تحتاج إلى حلول سريعة لتجنب أزمة نقص المهارات”. تسلط المقالة الضوء على النقص الحاد في عدد حِرفي اللحام في جميع أنحاء العالم وما سينتج عنه من تأثير سلبي مباشر على سوق الصناعة والمشاريع – خصوصاً المرتبطة بحرفة اللحام – في المملكة العربية السعودية. وكذلك تطرح المقالة بعض الحلول لتفادي تلك الكارثة القادمة لامحالة. وهذه ترجمة لهذه المقالة بين يديك ايها القارئ الكريم.

(المقالة)

تعاني العديد من الصناعات مثل صناعة النفط والغاز ، والبتروكيماويات ، والمشاريع والتصنيع وغيرها من الصناعات ذات الصلة بمهنة اللحام من نقص شديد لفنيي اللحام المؤهلين. فوفقاً للبيانات المنشورة من الهيئات الرسمية الدولية وكذلك تصريحات خبراء الصناعة ، هناك فني لحام واحد مؤهل ينضم إلى سوق العمل مقابل كل اثنين من فنيي اللحام المهرة وذوي الخبرة الذين يغادرون بسبب التقاعد. وتلك حقيقة مقلقة ومخيفة لأن ندرة فنيي اللحام المؤهلين تسبب تباطؤ في نمو الكثير من الصناعات الأساسية ، وبالتحديد صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات والتي تعتمد عليهما المملكة العربية السعودية كمدخول قومي.

إضافةً إلى ذلك، فإن الشح في العمالة الفنية يؤدي الى تقليل الإنتاجية وخفض مستوى الكفاءة ودقة الأداء مما ينتج عنه التأخير في تنفيذ المشاريع ، وانخفاض جودة الصيانة ، وعدم الإلتزام بالجدول الزمني لحصص الصيانة. وهذا يؤدي إلى خسائر مادية ضخمة ناهيك عن تدهور مستوى السلامة. وبالتالي، فإن النتيجة الحتمية هي تدهور حاد وضُعف في الاقتصاد والتنمية، وهذا ما أتوقع حدوثه عندنا.

السوق السعودي يعتمد في الغالب على العمالة الأجنبية كفنيي لحام في المشاريع والمنشآت الصناعية وهذا يشكل خطراً حتمياً على النمو الإقتصادي والرؤية الوطنية وذلك يرجع لأسباب مختلفة. أولاً، كثير من الفنيين الأجانب يفضلون حالياً العمل في بلدانهم الأم حيث يتقاضون رواتب مقبولة مقارنةً بالسابق. ثانياً، أن بعض البلدان -مثل الهند- والتي تزودنا بغالبية العمالة الماهرة تخطط لإستثمارات إضافية كبيرة في صناعة الصلب ، وهذا بالتأكيد سيقلص بشكل كبير عدد فنيي اللحام الهنود المهرة للعمل في الخارج. ثالثًا، لوائح العمل الحكومية الجديدة والمتغيرة بإستمرار تجعل توظيف الغير سعوديين مكلفاً وصعباً، وهذا بالتأكيد له تأثير سلبي كبير.

تتطلب العوامل المذكورة أعلاه بعض التفكير وتحتاج إلى حلول للتغلب على أزمة نقص فنيي اللحام – القادمة لا محالة – من خلال تطوير فنيي لحام سعوديين. ولكن كيف؟ فنحن لا نعاني فقط من نقص كبير في عدد الفنيين السعوديين، ولكن نواجه أيضاً تحديات لتشجيع الشباب لتقبل هذه الحرفة كمستقبل لهم. من خلال خبرتي محلياً ودولياً لأكثر من 30 عامًا في مجال صناعة اللحام والتصنيع فلدي بعض المقترحات التي ارجو أن تسهم في ترويج حرفة اللحام في المملكة العربية السعودية:

  • تأثير وسائل التواصل الاجتماعي:

أحد أبرز الصعوبات الموجودة والتي أسهمت في عزوف جيل الشباب عن تقبل المهن الحرفية مثل اللحام هي قصور مستوى الوعي الاجتماعي وعدم وجود الدعاية المناسبة لتسويق هذه الحرفة. مهنة اللحام لها سمعة في مجتمعنا غير موجودة في المجتمعات الأخرى ، ألا وهي انها مهنة وضيعة. و هذا يتطلب إعلانات بنّائة من شأنها أن تُظهر تلك الحرفة على أنها مهنة محترمة وذات أهمية قصوى. فهناك العديد من أساليب العرض في وسائل التواصل الإجتماعي والتي بإمكانها رفع مستوى الوعي والتجاوب لهذه الحرفة. فمنصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، يوتيوب، تويتر، لنكدان وانستجرام وغيرهم هي منصات رئيسية للتأثير في سلوكيات الناس وتغيير أفكارهم. يمكن لهذه المنصات أن تُستخدم لإغراء جيل الشباب لتقبل هذه الحرفة من خلال عرض الفوائد المتعددة التي ستجلبها لهم إمتهان هذه المهنة وكذلك تسليط الضوء على الحوافز وقصص النجاح التي حققها فنيي لحام محليين سابقين. إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإشارة إلى تزايد الطلب العالمي على فنيي اللحام سيثبت أهمية حرفة اللحام وكذلك إنهاء الصورة النمطية السلبية لهذه الحرفة في مجتمعنا.

  • إدراج حرفة اللحام في مناهج المدرسة الثانوية:

تعزيز أهمية حرفة اللحام يجب أن يبدأ منذ الصف الأول ثانوي لأنه سيعطي الطلاب – خاصةً الذين لايميلون الى اكمال دراستهم الجامعية – فرصة أكثر ووقت أطول للتعرف على الفرص المستقبلية المرتبطة بهذه الحرفة. وتعتبر حملات التوعية للتخصصات الأكاديمية أحد المنصات الفعالة لتثقيف الطلاب بأن حرفة اللحام مهنة مطلوبة وعالية الأجر. بالإضافة إلى ذلك ، أنصح بإجراء برامج تدريب فنية في المعاهد والكليات التقنية أثناء فصل الصيف. فهذه فرصة كي يتلقى طلاب المدارس الثانوية تدريب بسيط على فنيات حرفة اللحام، ومن ثم توفر لهم شركات المقاولات مهن صيفية في المشاريع يمارسون فيها اعمال لحام بسيطة، فقد يكون هذا أيضاً محفزاً لبعض الطلاب لإختيار اللحام كمهنة بعد المرحلة الثانوية. علاوة على ذلك ، إضافة الطلاب إلى اليد العاملة في المشاريع أثناء فصل الصيف يُعتبر أيضًا حل مؤقت لتغطية النقص في سوق العمل. وكذلك هناك خيار آخر قد يحفز الطلاب المتدربين أن يمتهنوا اللحام كمهنة مستقبلية و هو السماح لهم بالمشاركة في مشاريع لحام صغيرة، مثل لحام الأثاث او القطع الفنية، وبالتالي هذا سيعزز قناعتهم في أن ما تعلموه ينتج عنه شيء فني و جميل يفخرون به.

  • رواتب عالية وحوافز مادية:

اللحام مهنة تتطلب القوة، المثابرة، المرونة والمهارة. طلاب مرحلة الثانوية العامة الذين لا يرغبون في مواصلة تعليمهم الجامعي يميلون في أغلب الأحيان إلى تجنب المهن التي تتطلب مجهود جسدي أو مهاري ويبادرون بالبحث عن وظائف بديلة توفر لهم الراحة وتعطي -حسب اعتقادهم- هيبة. قد يكون التصور المسبق حول حرفة اللحام يتغير بسرعة عندما يتضح أن اللحام هو في الواقع وظيفة عالية الأجر (متوسط أجر فني اللحام هو من 20 إلى 45 دولاراً للساعة وقد يكون أعلى، يعتمد على مستوى مؤهله الفني و مهاراته وصعوبة مهمة اللحام) ، وتلعب دوراً رئيسياً في مختلف الصناعات (على سبيل المثال، السيارات، الفضاء، الحاسوبات، الطب، إلخ). الرواتب الجيدة والمزايا الوظيفية والمكافآت المغرية ستكون كفيلة بتشجيع الشباب لإختيار اللحام كمهنة. كذلك يمكن لشركات المقاولات وضع حوافز مادية مختلفة مثل حافز المكافآت اليومية حيث يُمنح على أثره حرفي اللحام مكافئة يومية إذا كان إنتاجه اليومي أكثر من المتوسط الإنتاجي المخطط له. ستشجع هذه المكافئة اليومية الفني بأن يعود إلى عمله في اليوم التالي ولديه رغبة الإستمرار في النجاح والتفوق لزيادة مدخوله المادي مما يجعله مستمتعاً بأداءه. علاوة على ذلك ، يلهم هذا النظام من المكافئات أيضاً زملائه الأقل أداءً للعمل بمعدل أسرع لكي يُكافأوا أسوةً به. كلما زادت حوافز الأداء في العمل كلما كانت النتائج أفضل.

  • توفر فرص النمو المهني:

مهنة اللحام ترتبط بالكثير من الصناعات الحيوية مما يعطي فني اللحام الفرصة لمتابعة مسارات مهنية أخرى مرتبطة بحرفة اللحام. فبإستطاعته من خلال التأهيل المناسب: أن يصبح مدرباً أو مشرفاً للحام، فني مراقبة الجودة، مفتش لحام، أو فني فحوصات غير إئتلافية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لفني اللحام -إذا كان حاصل على الشهادة الثانوية العامة- أن يواصل دراسته الجامعية للحصول على بكالوريوس هندسة لحام. وللمعلومية فإن أفضل خبراء هندسة اللحام هم من بدأوا حياتهم المهنية كفنيي لحام، فلديهم المهارة والذكاء لتقييم حدوث مشاكل اللحام وإقتراح الحلول التقنية. بالإضافة إلى ذلك ، فإن فنيو اللحام أصحاب المهارات العالية والمبدعين يمكنهم أن يصبحوا حرفيي لحام فني لصنع التماثيل والأثاث والأشكال الفنية وما إلى ذلك. وهذا يفتح لهم فرص ذهبية لبدء عملهم التجاري وتحقيق الازدهار الاقتصادي. علاوة على ذلك، بإستطاعة فنيي اللحام ممارسة ريادة الأعمال وذلك بإنشاء ورشهم الخاصة لإصلاح المعدات المكسورة أو القطع التالفة. وكذلك يمتلك فنيي اللحام فرص كثيرة تمكنهم من الإنخراط في المجالات الإدارية ، ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الأشخاص الذين بدأوا حياتهم المهنية كفنيي لحام ثم من خلال التدريب و التطوير تحولوا إلى مدراء تنفيذيين و شخصيات ذات نفوذ في شركات لحام وتصنيع كبرى.

  • توفر عالي للفرص الوظيفية:

يصرح خبراء الصناعة وبشكل منتظم بأن الطلب على فنيي اللحام مرتفعاً دائماً حتى و إن كان وضع سوق العمل أو الإقتصاد غير جيد. فعلى مر السنين كان من الواضح أن معظم فنيي اللحام يرتبطون بعقود وظيفية طويلة الأجل وذلك بسبب الخدمة القيمة التي يقدمها أولئك الفنيين. إذا كان سوق المشاريع غير نشط فهناك أسواق أخرى مثل صيانة المنشآت الصناعية وخطوط الأنابيب أو بناء السفن وإصلاحها تستقطب أولئك الفنيين. يستطيع فني اللحام أيضاً السفر إلى الخارج للعمل في بلدان أخرى لتغطية النقص لفنيي اللحام في تلك الدول. على سبيل المثال ، أُجبرت الولايات المتحدة على الإستفادة من فنيي لحام صينيين لتنفيذ الأقسام الأولية لأحد الجسور الممتد بين سان فرانسيسكو وأوكلاند في كاليفورنيا. وقد صرح مسؤول في ولاية كاليفورنيا بأن “الشركات الأمريكية لن تستطيع إكمال الجسر في الوقت المطلوب لولا السماح لفنيي اللحام الصينين بمساعدتنا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى النقص في فنيي اللحام الأمريكان”. بالإضافة إلى ذلك ، تم أيضًا التعاقد من الباطن مع شركات اللحام الصينية لتصنيع وتجديد جسور أخرى (على سبيل المثال ، جسر ألاسكا و جسر نيويورك). تشير هذه القصص إلى فحالة أزمة نقص فنيي اللحام والتي أجبرت الدولة الصناعية الأولى في العالم على اللجوء إلى منافسها الإقتصادي الأول -الصين- لتنفيذ مشاريع استراتيجية.

في الختام ، أعتقد أنه يجب أن نحصل على الاستقلال الكامل والاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات وعلى الأخص في المهن الحرفية مثل مهنة اللحام لبناء إقتصاد قوي. ومن أجل تعزيز مهنة اللحام بشكل أفضل فذلك يتطلب مجموعة من الخطوات أهمها تعزيز تخصص ومهنة اللحام في المجتمع، تحسين الراتب والحوافز وكذلك اعتمادها كمادة أكاديمية إختيارية لطلاب المدارس الثانوية. ولكن يبقى السؤال الكبير ألا وهو: “هل يوجد في المملكة العربية السعودية برامج تدريبية فعالة ومعترف فيها لتأهيل الشباب كفنيي لحام في المستقبل؟” ستجد الجواب في مقالتي المستقبلية “تحسين التدريب التقني لحرفة اللحام في المملكة العربية السعودية”.

*المهندس السيد عدنان السيد نعمة السيد مجيد العوامي هو استشاري هندسة لحام متقاعد من شركة أرامكو السعودية. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة بورتلاند في ولاية أورجون. لديه أكثر من 30 عاما من الخبرة في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات. تم تعيين العوامي في 2015-2017 كمستشار دولي لجمعية اللحام الأمريكية في دول مجلس التعاون الخليجي وأصبح لاحقاً مسئولاً عن الشرق الأوسط. وكذلك أسس في يناير 2015 مكتب الحلول الصناعية للإستشارات الهندسية والمتخصص في استشارات هندسة اللحام والمعادن. حقق في عام 2020 جائزة التميز كأفضل مستشار هندسي في هندسة اللحام والتي تمنح من قبل مجلة “رؤية الشركة” الإنجليزية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *