المهندسون ينشؤون جسيمات نانوية توفر أدوات تعديل الجينات لأنسجة وأعضاء معينة – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

Engineers create nanoparticles that deliver gene-editing tools to specific tissues and organs.
 (Mike Silver – بقلم: مايك سلفر)  

صورة من الانترنت لعملية تعديل الجينات

كان أحد أبرز التطورات الحديثة في البحوث الطبية الحيوية هو تطوير أساليب تعديل الجينات عالية الاستهداف مثل كريسبر [١] (CRISPR) التي يمكنها إضافة أو إزالة أو تغيير جين داخل الخلية بدقة كبيرة. ويتم بالفعل اختبار هذه الطريقة أو استخدامها لعلاج المرضى الذين يعانون من فقر الدم المنجلي والسرطانات مثل المايلوما المتعددة والساركوما الشحمية [٢]، وقد حصل مبتكروها إيمانويل تشاربنتير (Emmanuelle Charpentier) وجنيفر دودنا (Jennifer Doudna) على جائزة نوبل في الكيمياء في هذ العام 2020.

وفي حين أن تعديل الجينات دقيق بشكل ملحوظ في العثور على الجينات وتغييرها، لا تزال هناك طريقة لاستهداف العلاج لمواقع محددة في الجسم. وتتضمن العلاجات التي تم اختبارها حتى الآن إزالة خلايا الدم الجذعية أو الخلايا التائية (T Cells) في الجهاز المناعي من الجسم لتعديلها، ثم إعادة حقنها في المريض لإعادة ملء مجرى الدم أو إعادة تكوين الاستجابة المناعية – وهي اجراء مكلف ويستغرق وقتًا طويلاً.

وبناءً على إنجازات تشاربنتير ودودنا، ابتكر باحثو جامعة تافتس [٣] (Tufts University) لأول مرة طريقة لتقديم حزم تعديل الجينات بكفاءة عبر الحاجز الدموي في الدماغ وإلى مناطق معينة من الدماغ، وإلى خلايا الجهاز المناعي، أو إلى أنسجة معينة، والأعضاء في نماذج الفئران. ويمكن أن تفتح هذه التطبيقات خطًا جديدًا تمامًا من الإستراتيجية في علاج الحالات العصبية، بالإضافة إلى السرطان والأمراض المعدية وأمراض المناعة الذاتية.

وقد سعى فريق من مهندسي الطب الحيوي في جامعة تافتس، بقيادة الأستاذ المساعد كياوبينج زو (Qiaobing Xu) ، إلى إيجاد طريقة لعمل رزمة “عدة” تعديل الجينات بحيث يمكن حقنها لأداء عملها – ليس في المختبر – بل داخل الجسم على الخلايا المستهدفة. واستخدموا الجسيمات النانوية الدهنية (lipid nanoparticles LNPs) – “فقاعات” صغيرة من جزيئات الدهون التي يمكن أن تغلف إنزيمات التحرير وتحملها إلى خلايا معينة أو أنسجة أو أعضاء. الدهون عبارة عن جزيئات تحتوي على ذيل طويل من الكربون، مما يساعد على منحها اتساق “زيتي” ورأس محب للماء ينجذب إلى بيئة مائية. وعادة، يوجد أيضًا رابط قائم على النيتروجين أو الكبريت أو الأكسجين بين الرأس والذيل. وترتب الدهون نفسها حول الجسيمات النانوية الفقاعية مع توجيه رؤوسها للخارج وذيولها للداخل باتجاه المركز.

وكان فريق البروفيسور زو قادرًا على تعديل سطح الجسيمات النانوية الدهنية حتى تتمكن في النهاية من “الالتصاق” بأنواع معينة من الخلايا، والاندماج مع أغشيتها، وإطلاق إنزيمات تعديل الجينات في الخلايا للقيام بعملها. ويتطلب صنع الجسيمات النانوية الدهنية المستهدف بعض الصياغة الكيميائية.

ومن خلال إنشاء مزيج من الرؤوس والأذيال والروابط المختلفة، يمكن للباحثين فرز – أولاً في المختبر – مجموعة متنوعة منها لقدرتهم على تكوين الجسيمات النانوية الدهنية التي تستهدف خلايا معينة. ويمكن بعد ذلك اختبار أفضلها في نماذج الفئران، وإجراء مزيد من التعديل الكيميائي لتحسين استهداف وتسليم إنزيمات تعديل الجينات إلى نفس الخلايا في الفأر.

وقال البروفيسور زو: “لقد أنشأنا طريقة حول تخصيص حزمة التوصيل لمجموعة واسعة من العلاجات المحتملة، بما في ذلك تعديل الجينات؛ تعتمد الأساليب على الكيمياء التجميعية التي تستخدمها صناعة الأدوية لتصميم الأدوية نفسها، ولكن بدلاً من ذلك نقوم بتطبيق نهج لتصميم مكونات وسيلة التوصيل”. وفي جزء مبتكر من النمذجة الكيميائية، استخدم البروفيسور زو وفريقه ناقلًا عصبيًا على رأس بعض الدهون لمساعدة الجسيمات في عبور الحاجز الدموي الدماغي، والذي لولاه لكان ذلك الناقل غير منفذ لتجمعات الجزيئات الكبيرة مثل الجسيمات النانوية الدهنية.

وكانت القدرة على توصيل الأدوية بأمان وفعالية عبر الحاجز إلى الدماغ تحديًا طويل الأمد في الطب. وفي البداية، قدم مختبر زو مجموعة كاملة من الأحماض النووية الريبية [٤] (RNA: Ribonucleic Acid)  التي تعمل كرسول (messenger) والإنزيمات التي تشكل مجموعة كريسبر (CRISPR) إلى المناطق المستهدفة من الدماغ في حيوان حي. وساعدت بعض التعديلات الطفيفة على روابط الدهون وذيولها في إنشاء الجسيمات النانوية الدهنية التي يمكن أن توصل إلى الدماغ الجزيء الصغير المضاد للفطريات (أمفوتريسين-ب amphotericin B) (لعلاج التهاب السحايا) وجزء من الحمض النووي الذي يربط ويغلق الجين الذي ينتج بروتين تاو المرتبط بمرض الزهايمر.

وفي الآونة الأخيرة، أنشأ البروفيسور زو وفريقه الجسيمات النانوية الدهنية لتقديم حزم تعديل الجينات إلى الخلايا التائية في الفئران، حيث يمكن أن تساعد الخلايا التائية في إنتاج الأجسام المضادة، وتدمير الخلايا المصابة قبل أن تتكاثر الفيروسات وتنتشر، وتنظم وتقمع الخلايا الأخرى في جهاز المناعة. وتندمج الجسيمات النانوية الدهنية التي أنشأوها مع الخلايا التائية في الطحال أو الكبد – حيث يقيمون عادةً – لتوصيل محتويات تعديل الجينات، والتي يمكن أن تغير بعد ذلك التركيب الجزيئي وسلوك الخلية التائية. إنها الخطوة الأولى في عملية ليس فقط تدريب الجهاز المناعي، كما قد يفعل المرء مع التطعيم، ولكن في الواقع هندسة الجهاز المناعي لمحاربة المرض بشكل أفضل.

إن نهج البروفيسور زو لتعديل جينومات الخلايا التائية أكثر استهدافًا وفعالية ومن المرجح أن يكون أكثر أمانًا من الأساليب التي جربت حتى الآن باستخدام الفيروسات لتعديل جينومها. وقال البروفيسور زو: “من خلال استهداف الخلايا التائية، يمكننا الاستفادة من فرع من جهاز المناعة لديه تنوع هائل في مكافحة العدوى، والحماية من السرطان، وتعديل الالتهاب والمناعة الذاتية”.

واستكشف البروفيسور زو وفريقه بشكل أكبر الآلية التي قد تجد من خلالها الجسيمات النانوية الدهنية طريقها إلى أهدافها في الجسم. وفي التجارب التي استهدفت الخلايا في الرئتين، وجدوا أن الجسيمات النانوية تلتقط بروتينات معينة في مجرى الدم بعد الحقن. وأصبحت البروتينات، التي تم دمجها الآن في سطح الجسيمات النانوية الدهنية، المكون الرئيسي الذي ساعدها على الالتصاق بهدفها. ويمكن أن تساعد هذه المعلومات في تحسين تصميم جزيئات التسليم في المستقبل. وبينما تم إثبات هذه النتائج على الفئران، أشار البروفيسور زو الى أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات والتجارب السريرية لتحديد فعالية وسلامة طريقة التوصيل لدى البشر.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

https://phys.org/news/2020-10-nanoparticles-gene-editing-tools-specific-tissues.html

لمزيد من المعلومات، راجع:

Xuewei Zhao et al. Imidazole‐Based Synthetic Lipidoids for In Vivo mRNA Delivery into Primary T Lymphocytes, Angewandte Chemie International Edition (2020). DOI: 10.1002/anie.202008082

الهوامش:

[١] كريسبر (CRISPR: clustered regularly interspaced short palindromic repeats) هي عائلة من متواليات الحمض النووي الموجودة في جينومات الكائنات بدائية النواة مثل البكتيريا والأركيا (مفردها أركيون). هذه المتواليات مشتقة من شظايا الحمض النووي للعاثيات التي سبق أن أصابت بدائيات النوى ويتم استخدامها لاكتشاف وتدمير الحمض النووي من العاثيات المماثلة أثناء العدوى اللاحقة، وتلعب دورًا رئيسيًا في نظام الدفاع المضاد للفيروسات لبدائيات النوى. ويكيبيديا

[٢] الساركوما الشحمية هي نوع نادر من السرطان يبدأ في الخلايا الدهنية (الأنسجة الرخوة) في أي جزء من الجسم، ولكن تحدث معظم الحالات في عضلات الأطراف أو في البطن. مايو كلينيك

[٣] جامعة تافتس (Tufts University) هي جامعة أبحاث أمريكية خاصة تقع على حدود ميدفورد وسومرفيل، بولاية ماساتشوستس؛ تأسست في 1852 باسم كلية تافتس من قبل الكونيين المسيحيين (Christian universalists) الذين سعوا إلى فتح معهد (مؤسسة) غير طائفية للتعليم العالي. ويكيبيديا

[٤] الحمض النووي الريبي (RNA: Ribonucleic Acid) هو جزيء بوليمري أساسي في مختلف الأدوار البيولوجية في ترميز الجينات وفك تشفيرها وتنظيمها والتعبير عنها. وإلى جانب الدهون والبروتينات والكربوهيدرات، تشكل الأحماض النووية (RNA & DNA) واحدة من الجزيئات الكبيرة الأربعة الأساسية لجميع أشكال الحياة المعروفة. ويكيبيديا

 

المهندس محمد جواد الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *