فيتامين سي أو فيتامين ج (Vitamin C). أحد أشهر الفيتامينات على الإطلاق ، فمعظمنا قد استمتع في طفولته بتناول شراب هذا الفيتامين الفوار في الشتاء للعلاج من نزلة البرد او الإنفونزا ، في ممارسة تكاد تكون الأوسع انتشاراً في عالم الطب والعلاج.
يسمى أيضا بحمض الأسكوربيك (Ascorbic acid) وجاء هذا الاسم من مرض الاسقربوط (scurvy) لأنه يعالج هذا المرض. يعتبر فيتامين C أحد أنواع الفيتامينات الهامة لصحة الإنسان لأنه يساعد على إعادة نمو الأنسجة وإنتاج أنزيمات النواقل العصبية. فيتامين C له دور مهم في أداء العديد من الإنزيمات اللازمة لوظائف الجهاز المناعي. يعمل أيضا كمضاد قوي للأكسدة.
فيتامين C من الفيتامينات الذائبة في الماء، ولايتمكن الجسم من تخزينه في أنسجته، لذلك يجب تناوله يومياً لضمان عدم حصول نقص في الجسم، كذلك يتأثر الفيتامين بالحرارة والطبخ والأكسدة، لذلك ينبغي تناول الأغذية المحتوية عليه طازجة وغير مطبوخة للاستفادة منه، كما أنه يتسرب من الفواكه والخضروات المنقوعة في الماء إليه (leaching)، مما يسبب فقدانها للفيتامين.
تهدف هذه المقالة إلى إعطاء معلومات غنية ومتنوعة عن هذا الفيتامين المهم ،مثل: ما مصادره الغذائية؟ ، ما أسباب النقص به؟، ومن هم الفئات الأكثر تعرضاً للنقص به؟، وما المقدار الموصى بتناوله يومياً من هذه الفيتامين؟، وهل يوجد فرق بين الفيتامين الطبيعي والمُصنع؟، وما علاقة الفيتامين بنشأة المافيا الإيطالية في صقلية؟، وما حقيقة الخرافة الطبية التي مازلنا نعيشها حتى الآن في كون الفيتامين يحمي ويعالج من نزلات البرد والإنفونزا؟، وغيرها من المواضيع؟؟.
ُاكتشف فيتامين C عام 1912، وعُزل في المختبر عام 1928 وصنّع بشكل تجاري عام 1933، ما يجعل منه أول فيتامين مصنّع تجارياً. يُصنّع في المختبر من مادة الجلوكوز بطريقة التخمير البكتيري، تعتبر الصين المصنع الأكبر لهذا الفيتامين، بقيمة صادرات حوالي 880 مليون دولار عام 2017.
أهميته الحيوية
فيتامين C عامل مختزل ولهذا فهو مهم لحفظ المعادن في الحالة المختزلة، وبذلك فهو يعزز امتصاص عنصر الحديد المهم عن طريق إبقائه في الحالة المختزلة اللازمة لامتصاص الحديد. كذلك يلعب الفيتامين دوراً مهماً في تصنيع الكولاجين المهم للأوعية الدموية والجلد والشعر. كذلك يلعب دوراً في تصنيع هرمون الأدرينالين وتصنيع أحماض المرارة. وله دور مهم في تصنيع الهرمونات الأستيرويدية مثل الكورتيزون والألدوستيرون. ويمكن أن يعمل كمضاد للأكسدة عن طريق اختزال التوكوفيرول المتأكسد في الأغشية ومنع تكون النيتروزأمينات أثناء الهضم وهي مركبات مسرطنة.
مصادر الفيتامين
يتواجد الفيتامين في عدة أطعمة خصوصاً في الفواكه والخضروات وبكميات أقل في اللحوم ، يتوافر الفيتامين في الجوافا والحمضيات بأنواعها والفلفل والبقدونس والبروكولي والبابايا والفراولة والقرنبيط.
امتصاص الفيتامين
يتساءل البعض، هل يوجد فرق بين الفيتامين C الطبيعي من مصدره الغذائي والفيتامين المُصنع كمكمل غذائي، من ناحية الامتصاص من الأمعاء أو ناحيه قيامه بالأدوار الفسيولوجية في الجسم. يشير بعض الخبراء أن فيتامين C بصورته الطبيعية في الغذاء الطازج ، يكون مقترناً بمواد طبيعية مثل الفلافونويدات (flavonoids) في الفواكه والخضروات، هذه المواد تساعد على امتصاص الفيتامين وقيامه بدوره الحيوي داخل الجسم ، بينما الفيتامين المصنع يفتقر لمثل هذه المواد، ولذلك قد يكون امتصاصه ووظيفته الحيوية في الجسم أقل كفاءة .
المقدار الموصى به يومياً من الفيتامين (Recommended Daily Allowance RDA)
هو المقدار المنصوح بتناوله يومياً من الفيتامين للاستفادة من وظائفه الحيوية بالشكل الأمثل، ولتجنب حصول نقص في مستوى الفيتامين في الجسم. تتفاوت التقديرات بين السلطات الصحية المختلفة ، تبعاً لاختلاف تقديرات الخبراء فيها:
* 45 ملليجرام يوميًا أو 300 ملليجرام في الأسبوع: منظمة الصحة العالمية.
* 80 ملليجرام في اليوم: مجلس المفوضية الأوروبية بشأن وضع العلامات الغذائية.
* 90 ملغ / يوم (ذكور) و 75 ملغ / يوم (إناث) Health Canada 2007
* 90 ملغ / يوم (ذكور) و 75 ملغ / يوم (إناث) الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم.
* 100 ملليجرام يوميًا: المعهد الوطني الياباني للصحة والتغذية.
في عام 2000 ، قام فصل المدخول الغذائي المرجعي لأمريكا الشمالية الخاص بفيتامين ج (C) بتحديث البدل الغذائي الموصى به (RDA) إلى 90 ملليجرام يوميًا للرجال البالغين و 75 ملليجرام / يوم للنساء البالغات ، وحدد مستوى المدخول الأعلى المسموح به (UL) للبالغين 2000 ملغ / يوم.
Recommended Dietary Allowances (RDAs) for Vitamin
Age (العمر) | Male (ذكر) | Female (أنثى) | Pregnancy (أثناء الحمل) | Lactation (الرضع) |
0–6 months | 40 mg* | 40 mg* | ||
7–12 months | 50 mg* | 50 mg* | ||
1–3 years | 15 mg | 15 mg | ||
4–8 years | 25 mg | 25 mg | ||
9–13 years | 45 mg | 45 mg | ||
14–18 years | 75 mg | 65 mg | 80 mg | 115 mg |
19+ years | 90 mg | 75 mg | 85 mg | 120 mg |
Smokers (المدخنين) | Individuals who smoke require 35 mg/day
.more vitamin C than nonsmokers |
نقص فيتامين C
يؤدي نقص فيتامين سي إلى مرض الاسقربوط أو البثع (scurvy) وهو مرتبط بالتكوين الناقص للكولاجين. من أعراض مرض الاسقربوط انتفاخ اللثة وتخلخل الأسنان وربما سقوطها، والنزيف تحت الجلد، وتأخر التئام الجروح وأنيميا بسيطة وضعف المناعة وقصر التنفس وآلام العظام ، وفي المراحل المتأخرة الصفراء وتورم عام وقلة التبول ويمكن أن توجد أمراض عصبية وحمّى وتشجنات وفي النهاية يمكن أن يؤدي إلى الموت.
كان البثع حالة شائعة بين البحارة في الشتاء، يُعالج بتناول الخضراوات والفاكهة أو العلاج بفيتامين C سواء في صورة أقراص أو حقن. يمكن أن يخزن الجسم من فيتامين سي لمدة ٣-٤ شهور قبل أن تظهر أعراض الاسقربوط.
أسباب نقص فيتامين C
بالرغم من أن حالات حصول نقص فيتامين C أصبحت نادرة الحدوث في العصر الحديث، الا أن هناك أسباب قد تزيد من احتمال حصول هذه الحالات (منها):
- إتّباع الأنظمة الغذائية التي تفتقر إلى الفواكه والخضراوات.
- الإصابة ببعض الأمراض، مثل: فقدان الشهية (Anorexia) او متلازمة ضعف الامتصاص (maladorption syndrome).
- أو الأمراض التي تتعلّق بالصحّة العقليّة.
- اتّباع نظام غذائي مقيّد (Restrictive diets) بسبب حالات الحساسية، أو صعوبة تناول الطعام عن طريق الفم، وغيرها.
- استخدام العلاج أو الحالات الصحيّة التي تُضعف قدرة الجسم على امتصاص العناصر الغذائيّة، مثل، العلاج الكيميائيّ، والتهاب القولون.
الأشخاص الأكثر عرضةً لنقص فيتامين C
يُعدُّ مرض نقص فيتامين C ذا خطورة أعلى عند بعض الفئات، وهي بحسب الآتي:
- الأطفال: وخصوصاً خلال السنة الأولى من حياتهم عند اعتمادهم على حليب البقر أو الحليب من المصادر النباتيّة فقط.
- الأشخاص الذين يتّبعون أنظمة غذائية فقيرة بالعناصر الغذائية: كما في حالات اللجوء والفقر الاقتصادي؛ حيث يصعب في هذه الحالات تحصيل الأغذية الغنيّة بفيتامين ج (C).
- كبار السن: وخاصّةً الذين يعتمدون على الوجبات السريعة، والذين ينخفض استهلاكهم لكميّاتٍ كافيةٍ من فيتامين ج (C).
- بعض المرضى: كحالات أمراض الأمعاء الدقيقة ، أو الأمراض التي تزيد من طرح فيتامين ج في الجسم، مثل: حالات الغسيل الكلوي، والنوع الأول من مرض السكري.
- المدخنون: حيث يُسبّب التدخين انخفاضاً في امتصاص الجسم لفيتامين ج وزيادةً في هدمه، ولذا فإنّ التدخين يرفع من احتماليّة الإصابة بنقص فيتامين ج (C).
الآثار الجانبية من تناول جرعات عالية من مكملات فيتامين C
فيتامين C هو فيتامين قابل للذوبان في الماء، مع وجود فائض في النظام الغذائي لا يتم امتصاصه، وتفرز الزيادات في الدم بسرعة في البول، لذلك التسمم به قليل الاحتمال. لكن أكثر من جرامين إلى ثلاثة جرامات قد يسبب عسر الهضم وألم البطن والإسهال ، خاصة عند تناوله على معدة فارغة. ومع ذلك ، فإن تناول فيتامين ج في شكل أسكوربات الصوديوم وأسكوربات الكالسيوم قد يقلل من هذا التأثير. هناك اعتقاد طويل الأمد بين المجتمع الطبي السائد بأن فيتامين سي يزيد من خطر الإصابة بحصوات الكلى. “لكن هذه المخاطر تقتصر على الأفراد المصابين بأمراض الكلى”.
معلومة تاريخية تربط فيتامين C بنشوء المافيا الإيطالية
أظهر علماء الاقتصاد «أولا أولسن» و «أركانجيلو ديميكو» و «آليشيا إسوبي» أن العامل الرئيسي وراء تطور حركة المافيا في صقلية كان ببساطة، ارتفاع الطلب على الليمون والبرتقال، والذي بدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر. في منتصف القرن الثامن عشر، أجرى «جيمس ليند»، طبيب أسكتلندي في البحرية الملكية، أول تجارب سريرية على بحارة مرضى. فقد أمر بتقديم الطعام المعتاد لجميع الموجودين على متن السفينة، لكنه استثنى مجموعة صغيرة، وقدَّم إليهم فواكه طازجة كعلاج. تحسنت صحة المجموعة الصغيرة بصورة ملحوظة.
بانتشار خبر علاج هذا المرض بالحمضيات في أوروبا، أصبح الليمون سلعةً ثمينة، ولكن بسبب أن شجرة الليمون من أكثر أشجار الحمضيات حساسية ضد الطقس البارد، فكان يُزرع في أماكن معينة، وكانت جزيرة صقلية في إيطاليا واحدة من المناطق القليلة التي يمكنها أن تلبي هذا النداء. أما عن البساتين غير المحمية، فكانت هدفًا سهلًا للصوص، إذ يمكن بسهولة أن يُسرق بستان غير محمي في ليلة واحدة مظلمة، وتتبدد سنوات من الاستثمار في غمضة عين. لذلك، في منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأت عائدات التصدير في التزايد، فإن البساتين كانت محمية بحراس مسلحين. وكانت هذه بداية نشوء المافيا الإيطالية في صقلية!
قصة أثر فيتامين C في الوقاية والعلاج من نزلات البرد وعلاج السرطان، حقيقة علمية مثبتة ام خرافة؟
كما أسلفنا، ل فيتامين C دور مهم في عدة وظائف حيوية في الجسم، فهو مضاد للأكسدة وعامل مساعد (cofactor) للعديد من الأنزيمات والتفاعلات البيوكيميائية وضروري لتصنيع العديد من المواد الهامة لصحة الجسم. لكن الادعاء بأن الجرعات العالية جداً منه (mega doses) كمكل غذائي حوالي أكثر من ٣ غرام يومياً، تمنح الجسم طاقة إضافية وتقوي مناعته وتحميه من الكثير من الأمراض كأمراض القلب والسرطان ، ماهي إلا بدعة وخرافة صحية، ابتدعها عالم كيمياء حيوية أمريكي في الستينات من القرن الماضي وسرت كالنار في الهشيم ومازلنا نعيشها الى اليوم.
نعم، فمبتدع هذه الخرافة الطبية لم يكن عالماً عادياً، فهو لينوس باولنغ، نشر أكثر من 1200 ورقة بحثية وكتاب، تناول 850 منها تقريبًا مواضيعًا علمية. وصفته مجلة نيو ساينتست بأنه أحد أعظم 20 عالمًا في كل العصور، وفي عام 2000، حصل على المرتبة السادسة عشرة كأكثر العلماء أهمية في التاريخ. حصل باولنغ على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1954 لدوره في المجال العلمي. حصل أيضًا على جائزة نوبل للسلام في عام 1962 لدوره الفعال في حركة السلام. يُعد واحدًا من بين أربعة أفراد حازوا على أكثر من جائزة نوبل واحدة، وهذا تسبب في وقوعنا في فخ مغالطة الاحتكام الى السُلطة، كون مبتدع هذه الخرافة عالم مرموق وله احترام كبير وكلامه مسموع من الناس، خصوصاً بعد نشره لكتاب ( كيف تعيش أطول وتشعر بحال أفضل ) يدعو فيه الى تناول مكملات فيتامين سي بجرعات كبيرة جداً!
بدأت قصة بولينغ مع فيتامين C في عام 1941 ،عندما ، شُخّص بمرض برايت ، وهو مرض كلوي. تمكن بولينج من السيطرة على المرض من خلال نظام غذائي منخفض البروتين خالٍ من الملح ومكملات الفيتامينات غير العادية وهكذا كان تعرض بولينج الأولي – والشخصي المكثف – لفكرة علاج المرض بمكملات الفيتامينات.
أثار عمل باولنج على فيتامين سي في سنواته الأخيرة الكثير من الجدل. تم تقديمه لأول مرة إلى مفهوم الجرعات العالية من فيتامين سي من قبل عالم الكيمياء الحيوية إيروين ستون في عام 1966. بعد أن أصبح مقتنعًا بقيمته ، تناول بولينج 3 جرامات من فيتامين سي يوميًا للوقاية من نزلات البرد.
كتب كاميرون وباولنج العديد من الأوراق وكتابًا شهيرًا بعنوان السرطان وفيتامين سي ناقش ملاحظاتهما. جعل باولنج فيتامين سي شائعًا لدى الجمهور، ونشر في النهاية دراستين لمجموعة من 100 مريض يُزعم أنهم قاوموا المرض ، ادعوا أن فيتامين سي زاد من معدل البقاء على قيد الحياة بما يصل إلى أربع مرات مقارنة بالمرضى غير المعالجين.
خلصت التجارب السريرية اللاحقة التي أجرتها (Mayo Clinic) إلى أن الجرعات العالية (10000 مجم) من فيتامين سي لم تكن أفضل من العلاج الوهمي في علاج السرطان، وأنه لا توجد فائدة من الجرعات العالية من فيتامين سي. أدى فشل التجارب السريرية في إثبات أي فائدة إلى استنتاج أن فيتامين سي لم يكن فعالًا في علاج السرطان ؛ استنتجت المؤسسة الطبية أن ادعاءاته بأن فيتامين سي يمكن أن يمنع نزلات البرد أو يعالج السرطان كانت دجلاً. في النهاية ، أنهت النتائج السلبية لدراسات (Mayo Clinic) الاهتمام العام بفيتامين C كعلاج للسرطان. على الرغم من ذلك ، استمر باولنج في الترويج لفيتامين C لعلاج السرطان ونزلات البرد ، ومازلنا حتى هذا اليوم نهرع الى تناول مكملات فيتامين C حين إصابتنا بنزلة برد، بل أن استهلاك فيتامين C تضاعفات مرات عدة خلال جائحة كورونا بدعوى أن فيتامين C ضروري لتعزيز المناعة الى جانب الزنك!
الدراسات الاكلينيكية المحكمة أثبتت أن فيتامين C قد يقصّر مدة التعافي من نزلات البرد بيوم واحد، وهذا يجعل منه علاج غير فعال في حالات البرد والانفونزا.
خلاصة القول ، فيتامين C من الفيتامينات ال١٣ الضرورية لصحة أجسامنا، وعلينا تناوله من مصادره الطبيعية الطازجة والغنية به يومياً كالحمضيات بأنواعها وبعض الخضروات، وتجنب المكملات المصنّعة منه لأنها أقل فائدة وكفاءة ، وينبغي حصر استعمالها للحالات الصحية المحتاجة لها فقط.
*غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.
نفع الله بك
وجزاك الله عنا خير الجزاء