فيتامين د (Vitamin D) – غسان علي بوخمسين*

فيتامين د (vitamin D) فيتامين الشمس المشرقة كما يسميه البعض، مالئ الدنيا وشاغل الناس، فهو  الفيتامين الأهم الذي حاز على اهتمام الناس والأطباء والعلماء مؤخراً على حد سواء، فالأبحاث التي تبحث في تأثيراته العديدة والمشاكل التي تحصل  في حال نقصه،  والإمكانات العلاجية الواعدة التي قد يلعب دوراً فيها، قد تجاوزت الآلاف في السنوات القليلة الماضية.

menshealth.com

هذا المقالة تهدف إلى أخذ القارئ في جولة تعريفية بهذا الفيتامين…. عن مصادره، طريقة تصنيعه في الجسم ، أنواعه، بعض التنبيهات عن وحدات الجرعة وتحليل المختبر، وظائفه، الجرعة المطلوبة، نقصه في الجسم وأسبابه، اعراض التسمم بالفيتامين.  بعض العناوين المستجدة والمتعلقة بأهميته في تعزيز الصحة.

مصادر الفيتامين

ينقسم مصدر الفيتامين طبيعياً الى قسمين:  من الشمس حيث تؤمن الشمس في الظروف المثالية  حوالي٩٠٪ من حاجة الجسم للفيتامين ، ومن الغذاء ( الأسماك الدهنية،  كالقد والسالمون والماكريل) حيث يؤمن حوالي ١٠ ٪ من الحاجة اليومية. والقسم الثالث يأتي من مكملات الفيتامين المصنعة عند الحاجة لها.

طريقة تصنيع فيتامين D في الجلد

تسقط أشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع (UVB) بالطول الموجي (290-320 nanometers) وتخترق الجلد،  وتحوّل المركب (7-dehydrocholesterol) إلى فيتامين (د٣-cholecalciferol vitamin D3) ثم ينتقل الى الكبد فتحوله الى (alcidiol) (25hydroxyvitamin D) (جدير بالذكر أنه المركب الذي يجري قياسه لتحديد مستوى الفيتامين في الدم) ، ثم ينتقل الكالسيديول الى الكلى في المرحلة الأخيرة ليتحول الى (1,25 dihydroxyvitamin D calcitriol) وهي الصيغة النشطة للفيتامين التي تقوم بأدواره الحيوية.

تصوير محمد مرزوق آل غزوي

من المهم ذكر الشروط والظروف والاحتياطات الواجب توافرها لتصنيع الفيتامين في جسم الإنسان بالطريقة المثلى والآمنة:

١- يعتبر التعرض لمقدار أشعة الشمس لمدة كافية حوالي  ١٠-٣٠ دقيقة  (٣ أيام في الأسبوع على الأقل) من الساعة ١٠صباحاً -٣ عصراً ، حسب فصل السنة ودرجة الحرارة، أفضل وقت في السنة في نصف الكرة الأرضية الشمالي لاكتساب الفيتامين من الشمس من  شهر (مارس- أكتوبر)، ينبغي تعريض الذراعين والكفين والساقين لأشعة الشمس المباشرة وليس من خلال زجاج او مظلة او تطبيق كريم الوقاية من الشمس، لضمان وصول الأشعة UVB بالقدر الكافي.

٢- ينبغي الموازنة بين التعرض الكافي لأشعة الشمس للحصول على الفيتامين ، وبين الانتباه من عدم حصول حروق او أذية للجلد حيث قد يسبب التعرض الطويل للشمس لسرطان الجلد لاسمح الله.

٣- أصحاب البشرة البيضاء يستطيعون تصنيع الفيتامين بفعالية أفضل من اصحاب البشرة الداكنة والسمراء ، لأن طبقة الميلانين لديهم تمنع نفاذ الأشعة الى طبقات الجلد،  ومن ثم تصنيع الفيتامين، لذلك ذوو البشرة السمراء معرضون بشكل اكبر لنقص الفيتامين اذا كانوا يعيشون في مناطق باردة وتقل فيها أشعة الشمس ، كالمهاجرين الأفارقة في بلدان اوروبا وأمريكا الشمالية.

٤- الموقع الجغرافي يلعب دوراً مهماً في عملية تصنيع الفيتامين عن طريق أشعة الشمس، فكلما اقتربنا من خط الاستواء زادت الأشعة وفرة وكلما ابتعدنا عنه قلت الأشعة فوق البنفسجية حتى تكاد تنعدم عند القطبين، فالمناطق فوق خط العرض 37 تقل فيه الأشعة بشدة ، حتى تكاد تنعدم في فصل الخريف الى الربيع من (شهر اكتوبر – مارس) ، وهذا يعني ان من يعيش في تلك المناطق لايستطيع الاعتماد على الشمس كمصدر وحيد للفيتامين، بل عليه الاهتمام بتناول القدر الكافي من الفيتامين من الغذاء والمكملات.

يوجد نوعان رئسيان لمكمل فيتامين د

١/ فيتامين ergocalciferol D2 وهو من أصل نباتي ويتم الحصول عليه من الفيوستيرول عندما تنشط الأشعة فوق البنفسجية مركب الإرغوستيرول، والذي يتشكل طبيعيا في الفطور والخمائر، وهو الشكل الأرخص والذي لا يستعمل عادة إلا عند الأشخاص الذين لا يستطيعون تفعيله كالرضع.

٢/ فيتامين cholecalciferol D3 وهو الذي يصنع في جسم الإنسان. وهو المفضل كمكل غذائي مقارنة بفيتامين D2 لأن امتصاصه أفضل وتأثيره أسرع.

توجد مكملات وأدوية بصيغ مختلفة من فيتامين د ، فقد تبين لنا من خلال معرفتنا برحلة تكوين الفيتامين في الجسم من بدايته في الجلد الى وصوله للمرحلة النهائية ومروره بالكبد والكلى ، لذلك مرضى الكلى لايستطيعون التمثيل الكيميائي للفيتامين،  فهم يحتاجون تناول فيتامين د من صيغة خاصة (Alfacalcidol) (or 1-hydroxycholecalciferol) ، وبعض مرضى الكبد يحتاجون الى الصيغة النشطة والنهائية من الفيتامين (1,25 dihydroxyvitamin D calcitriol).

ينبغي توضيح أمر هام متعلق بوحدة قياس جرعة الفيتامين والتحليل المخبري ، فقد يسبب اختلاف الوحدات بين الأطباء الى حصول أخطاء ومشاكل في الجرعات الموصوفة وقراءة التحاليل المخبرية.

توجد صيغتان لقياس جرعة فيتامين د (vitamin D): الأولى بالوحدة الدولية (international unit) والأخرى بالميكروغرام (microgram – mcg) ، حيث أن (iu 400 = 10 mcg microgram vitamin D3 ) ، ٤٠٠ وحدة دولية = ١٠ (مكغ) مايكروغرام من فيتامين د٣.

كذلك في التحليل المخبري، قد تكون وحدة القياس على نوعين: (nanogram/ lt) نانوغرام/لتر ، والأخرى (milimol/lt) مليمول/لتر

لذلك ينبغي الانتباه لوحدة القياس، لرفع اللبس والخطأ.

تعرف جمعية الغدد الصماء نقص  فيتامين (deficiency) على أنه مستوى دم 25-هيدروكسي فيتامين د أقل من 20 نانوغرام / مل (50 نانومول / لتر) . وعدم كفاية  فيتامين (insufficiency) كمستوى بين 21-29 نانوغرام / مل (52.5-72.5 نانومول / لتر).

يعتبر بعض الخبراء أن مستوى فيتامين د (vitamin D) ٣٠ نانوغرام/لتر في الدم معدل جيد ويعطي الوظائف الفسيولوجية الكاملة للفيتامين.

فحص فيتامين د (vitamin D) في الدم

توجد عدة طرق مخبرية لفحص فيتامين د (vitamin D) في المختبر، ولكن يجب اختيار الطريقة المثلى التي تعطي أكبر درجة من الدقة والفعالية (validity) ينصح الخبراء بطريقة مطياف الكتلة اللوني السائل عالي الضغط:

(High pressure liquid chromatography mass spectrometry) (LC-MS/MS).

لكن هذه الطريقة غالية الثمن، لذلك تحليل فيتامين د يعتبر سعره مرتفع نسبياً ، لذلك ينصح المختصون بعدم إجراء الفحص روتينياً للأشخاص الأصحاء بدون داعي طبي واضح، وقصر الفحص للحالات المحتاجة للفحص، كالاشتباه بوجود نقص شديد في الفيتامين أو متابعة حالة علاجية تتناول الفيتامين بجرعات عالية.

وظائف فيتامين د (vitamin D) في الجسم

الوظيفة الأساسية للفيتامين هي تحفيز الأمعاء على امتصاص معدن الكالسيوم بالدرجة الأولى ، وكذلك الفسفور والماغنسيوم،. بدون مقدار كافي من الفيتامين في الدم  يضطر الجسم إلى تحليل العظام واستخلاص الكالسيوم المخزن فيها لتعويض النقص من الكالسيوم في الدم.  وهذا  يحصل حتى لو كان الغذاء غنياً بالكالسيوم.  كذلك يحمي فيتامين (vitamin D) من كسور  العظام لدى كبار السن ويحمي من انحلال العضلات.

المشاكل الصحية الناتجة من نقص فيتامين د (vitamin D deficiency)

نقص فيتامين د يتسبب بمشاكل وأمراض عديدة ففي الأطفال قد يسبب لهم كساح الأطفال أو الرخد (rickets) أو لين العظام في الأطفال. هو مرض يصيب الأطفال نتيجة خلل في ترسيب معادن العظام كالكالسيوم والفوسفور أثناء مرحلة النمو، ونتيجة لذلك تصبح العظام هشة سهلة الكسر وذات انحناءات وتشوهات شكلية. يمكن للرخد أن يصيب الكبار، ويسمى عندها، تلين العظام  (Osteomalacia).

كذلك  نقص فيتامين D قد يكون له دور  في حصول وتطور مرض هشاشة العظام (osteoporosis) وتناول الفيتامين بجرعات علاجية لها.

توجد عوامل خطورة قد تزيد من احتمالبة نقص الفيتامين منها:

١/ عدم التعرض الكافي للشمس.

٢/ الغذاء الفقير بالفيتامين.

٣/ لون البشرة الداكن، لأن الميلانين في البشرة يمنع نفاذ الأشعة الضرورية لتصنيع الفيتامين تحت الجلد.

٤/ الأطفال الرضع ، لأن حليب الأم فقير بالفيتامين، لذلك يحتاجون تناوله كمكمل غذائي ، كذلك كبار السن يعانون من ضعف كفاءة تصنيع الفيتامين في أجسامهم وهم أقل تعرضاً لأشعة الشمس المبتشرة بسبب وضعهم الصحي، لذلك يحتاجون الى تناوله كمكمل غذائي بانتظام.

٥/ البشر الساكنون في المناطق البعيدة عن خط الاستواء، بسبب قلة أشعة الشمس فوق البنفسجية الساقطة في تلك المناطق، والضرورية لتصنيع الفيتامبن خصوصاً في فصلي الخريف والشتاء.

٦/ بعض الحالات المرضية، مثل المرضى الذين يعانون من سوء الامتصاص (malabsorption syndrome) اومن أجروا جراحات السمنة، فقد يعانون من ضعف امتصاص المغذيات ويحتاجون الى تناول المكملات، كدلك مرضى التليف الحويصلي (cystic fibrosis ) فقد يعانون في امتصاص الدهون لذلك يحتاجون الى تناول الفيتامينات الذائبة في الدهون في صيغة مكملات.

الجرعة اليومية المطلوبة من الفيتامين

فيتامين د (vitamin D) من الفيتامينات الذوابة في الدهون (fat soluble vitamin) الى جانب فيتامينات A ،K، E. لذلك يُفضل تناول هذه الفيتامينات مع كمية جيدة من الزيوت او الدهون الجيدة، لضمان أعلى قدر ممكن من الامتصاص في القناة الهضمية.

يدور جدل بين الأطباء حول الطريقة المثلى لجرعة فيتامين د كمكمل غذائي، هل من الأفضل أن تكون يومية أم شهرية.

أحد الدراسات الحديثة أثبتت تساوي الفعالية بين الجرعة الشهرية ب٥٠٠٠٠ وحدة دولية مقارنة بالجرعة اليومية ٢٠٠٠ وحدة دولية، في تصحيح نفص مستوى فيتامين D ووصوله لمستوى فوق ٢٠ نانوغرام/لتر. الدراسة أعطت أفضلية للجرعة الشهرية من ناحية سرعة التصحيح لمستوى الفيتامين، حيث تحقق ذلك في يوم واحد للجرعة الشهرية مقارنة ب ١٤ يوم للجرعة اليومية، لكن من جهة أخرى يعترض بعض الخبراء على ذلك، بحجة أن الامتصاص ليس متساوياً بين الجميع، فبعضهم امتصاصه من الجرعة الشهرية جيد وكاف، والبعض الآخر ليس كذلك، لذا من الأفضل للمرضى الذين لايتحسن مستوى الفيتامين لديهم بالجرعة الشهرية أن يتناولوه بجرعة يومية.

فرط الفيتامين (Hypervitaminosis)

حالة فرط الفيتامين لاتحصل من تصنيع الجسم له في الجلد، ويندر ان تحصل من الغذاء، والاحتمال الأبرز لفرط الفيتامين يكون من خلال تناول مكمل الفيتامين بدون نصيحة طبية.

يشير الخبراء الى أن تناول ٥٠٠٠٠ – ٦٠٠٠ وحدة دولية من فيتامين (vitamin D) يومياً لفترة طويلة، يسبب حصول حالة فرط الفيتامين، وأعراضه تتمثل في ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، اضطراب الذهن، الغثيان والقيء، ضعف العضلات، حصوات الكلى، الصداع، ألم البطن، اختلال في ضربات القلب.

من المهم للمرأة الحامل عدم تناول جرعات عالية من الفيتامين خلال الحمل، فقد بسبب تشنجات للحامل، ومشاكل نمائية للجنين.

تأثيرات الفيتامين المختلفة في الجسم

يتجاوز تأثير الفيتامين في الجسم قضية أيض الكالسيوم والعظام كما يتوهم البعض فيحصره في العظام ومشاكلها فقط، بل يمتد تأثيره بعيداً جداً الى التأثير في عمليات وأجهزة حيوية عديدة جداً ، حتى اعتبر كثير من العلماء الكالسيترايول (calcitriol) وهي الصيغة النشطة من فيتامين D هرموناً وليس فيتامين؛ لتعدد آثاره في الحيوية في الجسم.

اكتشف العلماء وجود مستقبل خاص للفيتامين يسمى مستقبل كالسيتريول أو مستقبل فيتامين د (VDR)، حين ارتباط الفيتامين بهذا المستقبل الموجود في كل خلايا الجسم تقريباً ، فإنه يقوم بتشغيل أو إيقاف الجينات، مما يؤدي إلى تغيرات في خلايا الجسم. هذا مشابه لكيفية عمل معظم هرمونات الستيرويد الأخرى، لأن الفيتامين له صيغة الستيرويد ويحمل صيغته الكيميائية.

للفيتامين عدة أدوار غير أيض الكالسيوم والعظام:

▪️  فقد وجد العلماء أنه قد يساعد في الوقاية من السرطان، فقد اثبتت الدراسات انه إلى جانب الكالسيوم، فقد قلل فيتامين د من خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 60٪. حسب الدراسات الرصدية الوصفية.

▪️كذلك قد يلعب دوراً في تقليل الاكتئاب،  تظهر الدراسات أن فيتامين د قد يخفف الأعراض لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب السريري.

▪️تقليل خطر الإصابة بداء السكري في أولى مراحله ، حيث ربطت إحدى الدراسات التي أجريت على الرضع 2000 وحدة دولية من فيتامين د يوميًا بانخفاض خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول بنسبة 78٪.

▪️تحسين معدل الوفيات ، تشير بعض الدراسات إلى أن فيتامين د يقلل من خطر الوفاة خلال فترات دراسة ذلك، ، ومع ذلك ، فإن العديد من هذه النتائج أولية. وفقًا لمراجعة حديثة.

▪️أبرزت دراسات حديثة، الدور المهم لفيتامين D في المناعة من خلال تحفيزه المناعة الخلوية والخلطية ، بل وجد العلماء دوراً مهماً للفيتامين في التقليل من جماح عاصفة السايتوكاينز (cytokines  storm).  وهي التي يعزى لها تدهور صحة ووفاة المصابين بمرض كورونا، لذلك اعتبر بعض الأطباء أن للفيتامين دوراً مهماً في الوقاية من المرض او تقليل حدته.

تجري حالياً ٤ دراسات إكلينيكية محكمة للتأكد من هذه الافتراضات ومازال العلماء بانتظار النتائج.

كلمة أخيرة، فيتامين D من الفيتامينات المهمة والضرورية لصحة الإنسان، وعليه الاهتمام بالحصول على القدر الكافي منه، عن طريق التعرض الكافي للشمس وتناول الأغذية به، ومعالجة النقص فيه لو حصل بتناول المكمل الغذائي.

*غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *