شاعت قبل سنوات رسائل متداولة في الواتساب تشمل أرقام وحروف، مثل E 129 أو E 320 وهي ما تعرف ب E numbers. تحذر هذه الرسائل من مواد في الغذاء بدعوى أن مصدرها من الخنزير أو أنها مواد مسببه للحساسية أو مسببة للسرطان وغيره من المشاكل والامراض. وكشرح مختصر ومبسط E numbers:
E يرمز الى اوروبا Europe. يستخدم هذا النظام في أوروبا واستراليا ونيوزلندا ومعظم الدول العربية ونادر الاستعمال في امريكا. فائدة الارقام أنها ترمز الى كل مكون مضاف الى الغذاء المصنع، سواء كان من مصدر طبيعي أو صناعي، فمثلاً الزعفران والكركم وفيتامين سي وغيرها من المواد الكيميائية المصنعة كلها لها أرقام إي.
أتذكر حينها أننا كنا نجد من يريد التسوق، يحمل بيده ورقة مكتوب بها هذه الأرقام، ويقوم بتفحّص المنتجات الغذائيه المختلفة، ليتأكد من عدم احتوائها على هذه الرموز؛ إما لحرمتها أو لأنها تتسبب بأمراض أو مشاكل صحية.
في الحقيقة، أن معظم ماكُتب حينها عن الموضوع لم يكن دقيقاً وصحيحاً ولم يكن من قبل متخصصين وملمين بهذا المجال، حيث لا يوجد في الرسائل أي مصدر علمي أو رسمي يمكن الرجوع إليه للتحقق ومعرفة مزيد من المعلومات.
ولا يفوتني أيضاً الإشارة الى الرسائل الموسمية التي تأتينا كل عام مع حلول شهر رمضان المبارك، محذرة من تناول شراب الفيمتو لاحتوائه على صبغات مضرة بالصحة. وهذا بيان توضيحي من هيئة الغذاء والدواء السعودية عن الموضوع العام الماضي https://sfda.gov.sa/ar/news/66205
هذا المقال يهدف الى تسليط بعض الضوء على المضافات الغذائية ومايتعلق بها من عناوين، وقد حاولت الكتابة فيه باختصار ما أمكنني ذلك، بالرغم من تشعب الموضوع وتعدد العناوين المهمة فيه، وأراه يستحق فعلاً البسط والتفصيل ؛ فهو يتعلق بما نضعه في أجسامنا من مواد كثيرة تؤثر في صحتنا الجسدية والعقلية، فيكفينا قراءة قائمة محتويات مسحوق كيك جاهز مثلاً، لنعرف الكم الهائل من المواد الذي نضعه في بطوننا دون أن نلقي لهذا الأمر الخطير بالاً.
لمحة تعريفية بالمضافات الغذائية
تُعرّف المضافات الغذائية (Food additives) على أنّها موادّ طبيعيّةٌ أو صناعية تُستَخرج من الحيوانات، أو النباتات، أو المعادن، تضاف إلى الغذاء لغرض معين.
توجد عدة أسباب لإضافة مواد للغذاء، لكن بشكلٍ عام يمكن القول إنّ المضافات الغذائيّة تُضاف لثلاثة أسباب رئيسية:
- الحفاظ على جودة الغذاء أو تحسين سلامته: إذ إنّها تُبطئ تلف المنتج بسبب تعرّضه للهواء أو العفن، أو البكتيريا، أو الفطريات.
- الحفاظ على القيمة الغذائية للأطعمة أو تحسينها: حيث تُضاف الفيتامينات، والمعادن، والألياف إلى العديد من الأطعمة وفق عمليّةٍ تسمّى تدعيم الأغذية (Food fortification)، وذلك لتعزيز جودتها، وتعويض ما فُقِد منها خلال عمليات المعالجة، وهذا بدوره قد يخفض من حالة سوء التغذية في جميع أنحاء العالم.
- التحسين من المذاق، والملمس، والمظهر: فلكلِّ نوعٍ من المضافات المذكورة أدناه وظيفةٌ محدّدةٌ؛ كتعزيز نكهة الغذاء، أو تحسين لونه وقوامه، وملمسه، والتحكم في حموضته وقلويته.
أهم أنواع المضافات الغذائية
المضافات الغذائية كثيرة جداً يصل عددها للمئات. وتنقسم إلى مجاميع متعددة، مثل مضادات التكتل ومضادات الأكسدة والمستحلبات والمواد الحافظة ومعززات النكهة والمثبتات والألوان والمحليات والرافعات وغيرها من المواد المضافة، لكننا سنكتفي بذكر البعض منها فقط، والذي يدور حوله النقاش على مدى سلامة استهلاكها، حتى لايطول المقال كثيراً:
المُحلّيات الصناعية (Artificial Sweeteners) أو بدائل السكر
من أبرز المُحلّيات الصناعيّة والطبيعية المتداولة:
الأسبارتام: ( Aspartame)، السكرين: ( Saccharin)،.السكرولوز: ( Sucralose)، و الستيڤيا (stevia).
يكثر الحديث حول سلامة استهلاك هذه المحليات الصناعية في الغذاء. مثلاً، ينبغي على الأشخاص المصابين بحالةٍ تُسمّى بيلة الفينيل كيتون (Phenylketonuria) تجنّب تناول الأسبارتام؛ وذلك بسبب احتوائه على الحمض الأمينيّ الفينيل ألانين (Phenylalanine) الذي يصعب على أجسامهم تحطيمه، بالإضافة إلى ذلك يمتلك بعض الأشخاص حساسيةً تجاه فئةٍ من المركبات التي ينتمي إليها مُحلّي السكرين والتي تسمى السلفوناميدات (Sulfonamides)، لذلك فإنّ تناوله قد يُسبب لهم صعوباتٍ في التنفس، أو طفحاً جلدياً أو إسهالاً، ومن جهةٍ أخرى تشير معظم الهئيات الصحيّة إلى أنّ المُحلّيات الصناعيّة آمنة.
جاء في دراسةٍ نشرتها مجلة رعاية مرضى السكري عام 2009، حيث تبيّن فيها أنّ الأشخاص الذين يستهلكون هذه المحليات في المشروبات الغازية يومياً، ترتفع لديهم احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 67%.
وقد ذكرت دراسةٌ نشرتها مجلة الطبيعة عام 2014، تبين فيها أنّ محلي السكرين قد سبب اختلالاً في توازن بكتيريا الأمعاء لدى أربعةٍ من أصل سبعة مشاركين أصحاء، كما أكدت عدة دراسات أخرى نفس النتيجة.
يزيد استهلاك المحليات الصناعية من معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومتلازمة التمثيل الغذائي وأمراض السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم على المدى الطويل، وفق ما كشفت دراسة حديثة، نُشرت في المجلة الطبية الكندية (Canadian Medical Association Journal).
من جهة أخرى أكدت أكثر من 30 دراسةٍ بشرية عدم ارتباط استهلاك المُحلّيات الصناعيّة بخطر الإصابة بالسرطان. ومنها مراجعةٌ نشرتها مجلة (International journal of clinical practice) عام 2015، وقد أجريت من عام 2003 إلى 2014 شملت 599.741 شخصاً، تمّ فيها تحليل مدى ارتباط استهلاك المُحلّيات الصناعيّة بالإصابة بالسرطان بعد تعديل بعض العوامل كالعمر، والجنس، والتدخين، ومؤشر كتلة الجسم، ولم تؤكد بشكلٍ حاسم وجود علاقةٍ بين المحليات الصناعية والسرطان.
الألوان الغذائية
عرّفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الألوان المُضافة (Color additives) على أنّها أيُّ صبغةٍ أو مادةٍ يمكن إضافتها إلى الطعام، أو الدواء، أو مستحضرات التجميل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إدارة الغذاء والدواء قد حدّدت أنواع الأطعمة التي يمكن استخدام الألوان فيها، بالإضافة إلى الحدّ الأعلى الذي يمكن استخدامه منها، وكيفية الإشارة إلى وجود اللون على الملصق الغذائي، وقد يُعاني بعض الأشخاص من حساسيةٍ تجاه لونٍ معين، ففي الثمانينيات خَلُصت لجنة إدارة الغذاء والدواء إلى أنّ أقلّ من واحدٍ من بين 10,000 شخصٍ قد يعانون من الحكّة أو الشَرى بعد تناول طعامٍ يحتوي على لونٍ يُسمى بالتارترازين أو ما يُعرف بـ (FD&C Yellow No.5).
من المواضيع المزعجة والمقلقة في موضوع الألوان الغذائية ، صبغة الكارمين (carmine E120) المستخرج من مسحوق حشرة القرمز البولندية (Cochineal). يتميز هذا المضاف بلونه الأحمر القرمزي، ولأنه رخيص الثمن فإنه يضاف الى الحلويات والآيسكريم والأشربة ومستحضرات التجميل. من مشاكله الصحية تسببه بالحساسية للكثيرين، ويحمل كذلك مشاكل دينية؛ كونه من مصدر مشكوك في حلّيته الشرعية.
مضافات غذائية شائعة ومدى سلامتها
توجد مضافات غذائية كثر الحديث واللغط حولها ، لذا من اللازم توضيح بعض الأمور حولها مثل:
1. الغلوتامات أحادية الصوديوم: (Monosodium glutamate) أو الملح الصيني أو MSG تُستخدم هذه المادة كمعززٍ للنكهة، وتتوفر في الوجبات السريعة، والوجبات الخفيفة المالحة، والحساء المُعلب.
-
- علاقته بصحة الدماغ: الغلوتامات أحادية الصوديوم تمتلك تأثيراً بسيطاً أو لا تؤثر في دماغ البشر، ويعود ذلك لعدم قدرتها على النفاذ من الحاجز الدمويّ الدماغيّ وذلك حسب دراسةٍ أُجريت في مدرسة طبّ شيكاغو من جامعة روزالند فرانكلن عام 2009.
- الحساسية تجاه الغلوتامات أحادية الصوديوم: على الرغم من أنّ هذه الحساسية تُعدُّ نادرة ويصعب تحديد المُصاب بردّ فعلٍ تجاهها قبل ظهوره، بالإضافة إلى عدم وجود أعراض محددة لها، إلا أنّه لوحظ على بعض الأشخاص الذين يعانون منها؛ الصداع، والتعرق، والتنميل، وغيرها، ولذا يُوصى هؤلاء الأشخاص بتجنّب استهلاكها.
2. نترات الصوديوم: (Sodium Nitrite)، يوجد هذا المُضاف في اللحوم المُصنّعة كمادّةٍ حافظة، ويساعد على منع نموّ البكتيريا، وإضفاء نكهةٍ مالحةٍ ولون وردي مُحمرٍّ للحوم، ويؤدي تعرّض هذا المركب للحرارة إلى إنتاج ما يُعرف بالنتروزامين (Nitrosamine)؛ الذي تبين أنّ هناك ارتباطاً بينه وبين الإصابة بسرطان المعدة والمرئ ، وذلك وفقاً لمراجعةٍ نشرتها مجلة (World journal Gastroenterol) شملت 61 دراسة، وأجريت ما بين عام 1985 إلى ويُدرَج هذا المُضاف عادةً بشكلٍ واضحٍ في المُلصَق الغذائيّ، ومن جهةٍ أخرى يُوصى بتقليل الكميّة المُستهلكة من اللحوم المُصنّعة، مثل: النقانق، واللّحوم المُعلبة، واستهلاك اللحوم غير المُصنّعة والمصادر الصحيّة للبروتين، مثل: الدجاج، والسمك، والبيض، وغيره.
-
- أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخراً ان استهلاك اللحوم المعالجة بكثرة ولمدة طويلة يزيد من احتمال الإصابة بالسرطان.
3. بنزوات الصوديوم: (Sodium benzoate)، وهي مادةٌ حافظةٌ تُضاف إلى المشروبات الغازيّة، والأطعمة الحمضيّة، مثل: الصلصات، والمخلّلات، وعصائر الفاكهة، والتوابل. ورغم أنّ إدارة الغذاء والدواء قد وضعت هذه المادّة ضمن قائمة الموادّ الآمنة، إلاّ أنّ بعض الدراسات قد ربطت استهلاكَ هذا المُضاف مع بعض المشاكل الصحيّة، فمثلاً تبيّن أنّ الجمعَ بين بنزوات الصوديوم مع الموادّ المُلوّنة الاصطناعيّة للأغذية في النظام الغذائيّ للأطفال بعمر 3 سنين يزيد من فرط النشاط لديهم، وذلك حسب دراسةٍ أُجريت في جامعة ساوثهامبتون عام 2004 شملت 1873 طفلاً في عامهم الرابع، واستمرّت مدّة 4 أسابيع.
-
- وبالإضافة إلى ذلك فقد يؤدي استهلاك هذه المادة مع فيتامين ج إلى تحويل بنزوات الصوديوم إلى بنزين، وهو مُركّبٌ قد يرتبط بخطر الإصابة بمرض السرطان، لذلك ينبغي التقليل من استهلاك الأطعمة العالية به مثل؛ المشروبات الغازية.
4. الدهون المهدرجة: (hydrogenated oil)، إذ يُضاف هذا النوع من الدهون لزيادة مدّة صلاحيّة الأطعمة والتحسين من بنيتها، وهي توجد في الأطعمة المُصنّعة كالمخبوزات، والسمن، والبسكويت، وتُعدّ موادّ غير آمنة، فقد يرتبط استهلاك كمياتٍ كبيرةٍ منها بالإصابة بأمراض القلب وذلك حسب عدّة دراسات مثل؛ مراجعة من جامعة الآغا خان عام 2014 والتي بيّنت أنّ ارتفاع خطر الإصابة بهذه الأمراض يعود لزيادة نسبة الكوليسترول الضارّ إلى الكوليسترول النافع، كما قد يؤدي استهلاكها إلى جانب اتباع نظام حياةٍ غير صحي إلى ارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
5. مستخلص الخميرة: (Yeast extract) حيث يُستخدم هذا المستخلص لتعزيز النكهة في بعض الأطعمة، مثل: الجبن، وصلصة الصويا، والوجبات الخفيفة المالحة، ويحتوي مُستخلص الخميرة على الغلوتامات، إضافةً إلى نسبةٍ عاليةٍ من الصوديوم تُشكّل حوالي 400 ملليغرامٍ في كل ملعقةٍ صغيرة، وقد وضعتها إدارة الغذاء والدواء ضمن لائحة الأغذية الآمنة للاستهلاك، إذ إنّ معظم الأغذية تحتوي على كميات قليلة من مستخلص الخميرة المُضاف وبالتالي فإنّ محتواه من الغلوتامات والصوديوم لا يسبب مشاكل صحية لدى معظم الأشخاص.
6. شراب الذرة عالي الفركتوز: (High-fructose corn syrup)، وهو مُحلٍّ يُصنع من الذرة، ويوجد في المشروبات الغازيّة، والعصائر، والحلوى، وحبوب الإفطار، والأطعمة الخفيفة، ويُعدّ هذا المُحلّي غنياً بسكر الفركتوز، الذي يمكن أن يسبب مشاكل صحيّةً خطيرةً عند تناوله بكمياتٍ كبيرة، منها؛ زيادة الوزن، ومرض السكري، ففي دراسةٍ من جامعة كاليفورنيا عام 2009، لوحظ أنّ المشروبات المُحلّاة بالفركتوز سببت زيادةً كبيرةً في دهون البطن ومستوى السكر في الدم، بالإضافة إلى انخفاض حساسية الأنسولين مقارنةً بالمشروبات المُحلّاة بالجلوكوز. ومن الجدير بالذكر أنّ هذا نوع المُحلي يكون موضحاً في الملصق الغذائي.
الفرق بين الأغذية المعالجة والفائقة المعالجة
لايكتمل الحديث عن المضافات الغذائية ، دون الحديث عن عملية معالجة الاغذية. تنقسم معالجة الأغذية إلى ثلاث مستويات:
المعالجة الأولية وتتمثل في تحويل المنتجات الزراعية الى طعام وتشمل طحن الحبوب وذبح الحيوانات وبسترة الحليب.
المعالجة الثانوية وهي عملية تحويل الطعام اليومي الى طعام جاهز، وتتمثل في عملية الخبز.
المعالجة الثلاثية وهي تحويل الأغذية إلى منتجات تجارية وأغذية مصنعة، وهي وجبات جاهزة للأكل أو للتسخين والتقديم مثل الوجبات الجاهزة ووجبات شركات الطيران المعاد تسخينها.
برز مصطلح في السنوات الأخيرة، وهو الغذاء الفائق المعالجة (ultra processed foods) وهو الغذاء المعالج من المستوى الثالث، مقابل الغذاء المعالج جزئياً. كشفت الأبحاث الطبية الحديثة أن الأطعمة فائقة المعالجة وتشمل الوجبات الجاهزة و”البيتزا” والحبوب المحلاة والهامبرجر، يمكن أن تتسبب في مشاكل صحية عديدة، بما في ذلك زيادة خطر السمنة والسرطان.
نصيحة أخيرة، من الصعب جداً في هذا الزمن الاجتناب الكامل للمضافات الغذائية والأغذية المعالجة، فهذا مطلب غير واقعي، لكن يمكن القيام بعدة خطوات صحية، تساهم في التقليل من استهلاك هذه المضافات الغذائية والأغذية فائقة المعالجة، بمحاولة شراء الطعام من مصادر موثوقة وتحمل شهادة جودة، واستهلاكه بأقل مستوى ممكن من المعالجة والإضافات، والحرص دائماً على نوعية الغذاء وكونه مغذياً وصحياً.
*الدكتور غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.