علاقة الثقافة بالمجتمع
لكل مجتمع شخصيته المميزة, تماما كما للفرد شخصيته الخاصة به, ذلك لأن الثقافة تتكون من مجموعة معارف وخصائص لمجموعة من الناس يعيشون في مكان واحد ويخضعون لعوامل مشتركة:
- منها انسانية كاللغة والدين والمعتقد والموروث التاريخي وبروز القيادات ونبوغ العلماء واجتهاد الشعب وفطنته وحبه للعلم والعمل.
- ومنها طبيعية كالموقع الجغرافي والمناخ وطبيعة الأرض وما بها من مياه ومناجم وقابليتها للتطوير زراعياً وعمرانياً.
هذه العوامل تنتج مؤثرات تمس صميم معيشة الإنسان ومتطلباته وتؤثر في نوع مأكله وملبسه وطريقة معيشته وتعاملاته وسبل اتصاله ومواصلاته وظروفه الاقتصادية ، وما يتبع ذلك من فنون وأدب وشعر وتأليف وموسيقى وطلاسم وشعوذة وعادات اجتماعية تفصيلية ، كإيماءات الرأس واليد وحركات الجسد وطريقة الجلوس ومعاملة الضيوف والزوار والتحية والترحيب والتصرف مع الآخرين ، ومناسبات الأفراح والأتراح وتعريف الصواب والخطأ ، واحترام المرأة ومساعدة الضعيف ، والعطف على المحتاج حتى يغدو التفكير الجمعي للمجتمع الواحد يسير على نمط موحد ، فتستطيع تمييز الفرد من الصفة العامة لمجتمعه ونعت المجتمع بثقافة أفراده.
الثقافة بصمة المجتمع
الثقافة الشعبية هي بصمة المجتمع التي تميزه ولكل مجتمع ثقافته الشعبية الخاصة ، فليس هناك مجتمع بلا ثقافة وكما إن ثقافة الفرد تعكس شخصيته فإن الثقافة الجمعية لأفراد المجتمع تعكس شخصية المجتمع الذي يعيشون فيه. فالثقافة مراءة الشعوب وهي حالة إنسانية تميز المجتمعات المختلفة وتعطي الآخرين انطباعات للحكم عليها بصفة عامة. فبيئة الإنسان ومكان اقامته تُكون ثقافته التي تعكس معتقداته ولونه وتبين جنسيته وعرقه وهذه الميزات بمجموعها الكلي تكون ثقافة المجتمع التي يتقمصها الفرد بدوره ليتعايش مع باقي افراد مجتمعه فيحس بذاته ويشعر بانتمائه ويحقق انسانيته.
تعريف الثقافة
يستخدم مصطلح الثقافة لوصف طرق الحياة التي تميز المجتمعات البشرية المختلفة. فثقافة مجتمع ما هي مجموعة أنماط النشاطات والسلوكيات للناس الذين يعيشون فيه وعادة ما تُرى الثقافة في صورة هلامية محسوسة غير ملموسة تعكس اطياف مجاميع من الناس تعيش في نطاق جغرافي واحد وتشكل مجتمعا متجانساً ، فالثقافة صورة يمكن استخدام الكلمات لوصفها وتعريفها ولكن لا يمكن بأية حال من الأحوال تحديد شموليتها ، وهي وإن تم فهمها يبقى الحكم عليها من قبل الناظر اليها تبعاً لثقافته المتباينة هو الآخر ، وهنا يبقى شيء واحد مهم وهو وجوب احترام ثقافات المجتمعات المختلفة تماما كما يجب احترام خصوصيات الأفراد وتقديرها.
فالتقاليد جزءً هامًا من الثقافة لاي مجتمع وهي تشكيل الهيكل الأساس له وتعزز تقاليده المتوارثة ذات القيم التي يتميز بها مثل الحرية والإيمان والنزاهة والتعاليم الدينية والمسؤولية والاخلاق التي تبني شخصية الانسان وتشجعه على العمل والمثابرة وروح التعاون الاجتماعي مما يجعل المجتمع مثقفاً وناجحاً.
وتتكون الثقافة نتيجة قناعات اجتماعية متراكمة يتشربها الأفراد جيل بعد جيل من مجتمعهم بالإيحاء والتقليد والتعليم ومن ثم يمارسونها بشكل تلقائي لتصبح عادة من عاداتهم وبالنتيجة تكون الشخصية الفردية لذواتهم. ولما كان أبناء المجتمع الواحد ينهلون من نفس المنبع الثقافي فإن ثقافتهم الجمعية تتراكم لتشكل الثقافة العامة للمجتمع وشخصية ذلك المجتمع التي تعكس قيمه المشتركة.
وتستخدم كلمة (culture) بالإنجليزية لتعريف الثقافة وهي مأخوذة من المصطلح الفرنسي المشتق اصلاً من الكلمة اللاتينية (colere) والتي تعني الاهتمام أو العناية بما في ذلك الاهتمام بالأرض والنمو والزراعة والتغذية. ويعرف اكتساب الثقافة بأنه نمو لهوية مجموعة من البشر تتعزز بالأنماط الاجتماعية الخاصة بها من سلوكيات وتفاعلات، ومعرفة ومفاهيم يتم تعلمها من خلال التنشئة الاجتماعية.
وفي اللغة العربية تأتي كلمة ثقف بمعنى أسرع في أخذ الشيء وأدركه، وثقف بمعنى أدب وربى وعلم، ويبين قاموس المحيط كلمة ثقف بمعنى أصبح حاذقا فطينا ملما بالموضوع من كافة جوانبه، كما نجد فيه أن ثقف بمعنى ظفر به وألقى القبض عليه، والثقاف هو الشيء الذي تسوى به الرماح.
وفي القرآن الكريم جاءت كلمة الثقف بمعنى الحذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه قيل: رجل ثقف، أي: حاذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير: المثاقفة (هي الملاعبة بالسلاح)، ورمح مثقف، أي: مقوم، وما يثقف به: الثقاف، ويقال: ثقفت كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة. قال الله تعالى: ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ [البقرة/191]، وقال عز وجل: ﴿فإما تثقفنهم في الحرب﴾ [الأنفال/57]، وقال عز وجل: ﴿ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا﴾ [الأحزاب/61].
كينونة الثقافة
كما إن قوة البناء المعماري تعتمد على براعة تصميمه وقوة أرضيته وأساسه وجودة مواد بنائه وطرازه المعماري فللثقافة بناءها المعنوي تماماً كما للبناء المعماري الذي يعتمد هيكله القائم على عناصره المادية وطرق تصميمها وبنائها. وعلى نفس المنوال تستمد الثقافة قوتها من جذور نشأتها وسلامة مبادئها وقدرتها على استيعاب المتغيرات دون أن يتأثر جوهرها. وما من شك إن للثقافة والعمارة ادوار متبادلة يؤثر كل منهما في الأخر علواً وانخفاضا. كما أن للموقع الجغرافي والأجواء المناخية والوضع الاقتصادي والتنظيمي والأمني ادوار بارزة في تشكيل ثقافة المجتمعات.
فيمكننا القول اذن بأن الثقافة بناء معنوي تعيش في ظله روح الإنسان وتأنس به وتحتاجه وبدونه تصبح النفس تائهة متشردة تماما كما يصبح الإنسان مشرداً بلا مأوى إذا لم يكن له دار يقطنها. فكما تأوي الدار الفرد وأسرته تحتضن الثقافة الفرد ومجتمعه فتحفظه من الضياع والتيه وتشد على عوده وتجعله صامداً متماسكاً امام العواصف التي وإن انحنى لها كما تنحني اغصان الأشجار للعواصف الهوجاء تكون عنده مرونة تبقيه حياً في عالم الثقافات المتلاطمة والمتداخلة فليست هناك ثقافة معزولة عن غيرها من الثقافات كما لا يمكن لثقافة مجتمع أن تكون محصنة من تأثير الثقافات الأخرى فالثقافات في حركة تغيير ديناميكية مستمرة تتسارع وتتباطئ وترتفع وتنخفض تبعاً لما يلم بها من تأثيرات ومتغيرات.
التغيير المستمر في ثقافة المجتمعات
يعتبر علماء الأنثروبولوجيا الثقافة عملية تطورية، ويُنظر إلى كل جانب من جوانب التنمية البشرية على أنه مدفوع بالتطور الثقافي. فالثقافات المختلفة للمجتمعات البشرية هي عبارة عن هيكليات دائمة الحركة والتغير منذ الأزل الا إن سرعة تبدلها ووتيرة تغيرها في هذا العصر اصبحت أكثر ديناميكية عما كانت عليه من قبل فلم تعد جامدة أو خجولة أو منغلقة على نفسها. في هذه الأيام تتعرض ثقافة المجتمعات الى تغيير مستمر بفعل تأثير الثقافات القوية السائدة الأخرى والتي أصبحت في عالمنا المنفتح اكثر تقارباً واندماجاً مع بعضها وبدون قيود أو حواجز، فالعالم مليء بالمجتمعات المتنوعة إثنيا، وبالصراعات المرتبطة بالدين والأعراق والمعتقدات والأخلاقيات، وجميع عناصر ومكونات الثقافات المختلفة. وهناك من يعتبر تبدل وتغير الثقافة تنَوراً وهناك من هو على النقيض فيعتبر ذلك خروجاً عن الأعراف والتقاليد والقيم وهناك من يتأرجح بين هذا وذاك ولذلك يصعب فهم ثقافة مجتمع ما بمنظور واحد وفي معزل عن فهم الثقافات الأخرى.
احترام الماضي والمحافظة عليه
في حين أن التغيير في ثقافة أي مجتمع أمر لا مفر منه، فإن هناك التزامات أدبية تحتم احترام الماضي والمحافظة عليه. ولهذا السبب تكونت في الأمم المتحدة مجموعة فرعية تعرف بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتحديد التراث الثقافي والطبيعي للمجتمعات المختلفة والحفاظ عليها وحمايتها. وتشمل مسئوليات اليونسكو حماية الآثار والأبنية والمعالم الطبيعية، وفقًا للمعاهدة الدولية، والاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي التي تم اعتمادها من قبل اليونسكو في عام 1972.
احترام التنوع الثقافي
إذا لم نتعرف على التأثيرات التي تتركها الثقافات المختلفة على بعضها وعلى ثقافتنا السائدة، فإننا نفقد الرؤية الدقيقة التي نحتاجها للاندماج في مجتمعنا العالمي الأوسع. فاحترام التنوع الثقافي ضرورة لتكوين مجتمع بشري عادل ومنصف وسبيل ناجع لتحقيق العدالة الإنسانية الشاملة أو على الأقل الحد من حدة الصراعات بين المجتمعات المختلفة. إن تهميش المجموعات الثقافية غير السائدة وابعادها عن المشاركة في حل القضايا الرئيسية المشتركة بينها وبين المجتمعات الرائدة السائدة له سلبيات كثيرة ومضار بالغة على المدى الطويل. فمن الواجب إشراك الناس من الثقافات المختلفة في عمليات صنع القرار الذي يخصهم حتى تكون هناك برامج وسياسات فعالة ومستدامة تأخذ بعين النظر خصوصيات وحاجات جميع المجتمعات المتداخلة والمتشابكة فتعم المنفعة الجميع.
من المنطقي أن يشارك الأشخاص المتأثرون بالقرار في صياغة الحلول التي تخصهم. فبدون مساهمة ودعم جميع المجموعات المعنية، يصبح صنع القرار والتنفيذ والمتابعة امراً ليس ذو فعالية. فعلى سبيل المثال، عندما يفهم المعلمون ثقافات طلابهم ويقدرونها، يشعر الطلاب بقبول أكثر ويشعرون بأنهم جزء من مجتمع المدرسة، ويكون أداءهم في المدرسة أفضل، ويعملون بجد لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، ويصبحون أكثر نجاحًا. وعلى نفس المنوال ينطبق المفهوم على الحاجة لتفهم اهل الحل والربط ومن هم في موقع اتخاذ القرار لأهمية ثقافات المجتمعات التي يتعاملون معها وتفهمها واشراك مكوناته في اتخاذ القرارات التي تتعلق بهم.
احترام المجموعات الثقافية
احترام المجموعات الثقافية الغير سائدة وجلبها إلى مركز النشاط المدني لصنع القرار ضروري لإلقاء الضوء عليها وتعريف الآخرين بها والمساعدة في فهم التحديات والمشكلات التي تخصها ، والوصول لتصورات جديدة لحل هذه المشاكل ، والتغلب على انغلاق المجتمعات المهمشة على نفسها وتقوقعها بسبب فقدان الثقة في ذاتها وفي غيرها من المجتمعات السائدة مما يؤدي الى صعوبة اندماجها وامتزاجها مع غيرها من الثقافات التي تحتم الظروف المعيشية والجغرافية التعامل معها ضمن مجتمع أكبر وأعم يشمل الجميع برعايته. والإنسان بشكل عام بحاجة إلى مجموعة واسعة من الأفكار والعادات والحكمة لحل المشاكل وإثراء حياته وحياة المجتمع الذي يعيش فيه ومما لا شك فيه ان احترام ثقافة الآخر ستساعد في تحقيق هذا المطلب.
أهمية الثقافة في تحقيق العدالة
يتوق الناس للعيش في مجتمعات عادلة ومنصفة وأخلاقية, منسجمة ومتناغمة ، لكن رؤيتهم في الوصول لهذا الهدف عادة ما تكون ليست منسجمة ولا متناغمة بل هي في معظم الأحيان ضيقة الأفق ولذلك نحن نرى العنصرية مستمرة في أماكن ملتزمة قانوناً ونظاماً بالمساواة والحرية ويرجع ذلك لعدم توافق المجتمعات المختلفة فيما بينها وتقبلها لبعضها قبولاً ذاتياً عن قناعة وفهم.
من الطبيعي أن ينقسم الناس إلى مجموعات ثقافية مختلفة, لكن لابد لها في ضل العولمة والانفتاح أن تتداخل مع بعضها بصورة أعمق إذ لم يعد بالإمكان انغلاق المجتمعات على نفسها فأجزاء العالم اصبحت متصلة ببعضها اتصالا لصيقاَ بفضل المتقدم في وسائل المواصلات والتطور المدهش في وسائل التواصل الاجتماعي. قبل سنوات كنا نقول إن العالم قرية صغيرة ولكنه في هذه الأيام ربما اصبح بيتا واحدا وقد يصبح في القريب العاجل غرفة واحدة أو ربما شخص واحد اذا ما تمكن العلماء والمخترعون من برمجة عقول البشر والسيطرة عليها.
الثقافة والعولمة
يتخوف الناس من الثقافات العالمية السائدة ومن تأثيرها السلبي على الأجيال الصاعدة ويتسائلون كيف يتمكنون من حماية اولادهم من التأثيرات الضارة من هذه الثقافات. وكيف يمكنهم المحافظة على القيم الأخلاقية لثقافتهم الخاصة بهم والمحافظة عليها وغرسها في الأجيال الجديدة الذين يتعرضون باستمرار لموجات متواصلة ومتنوعة لغزوات ثقافية شرسة وموجهة. إن وجهات نظر الناس على ما يجب أن تكون عليه ثقافة المجتمع المنفتح على الثقافات الأخرى مختلفة فكيف اذن ستتقارب المجتمعات لتعيش بسلام وتستفيد من بعضها البعض استفادة تجعل العالم اكثر استقرارا واماناً وسلاما؟ كيف يمكن العيش والعمل معًا في مجتمعات متنوعة يعيش الناس فيها حلمهم الذي يتطلعون إليه كأفراد؟ ولكنهم يضعفون في تحقيقه كجماعات تتوق للمساوات فلا تتقدم الى الأمام لنيل ذلك خوفاً من استبدال ثقافتهم بثقافة غيرهم او بسبب الخوف من الانصهار في ثقافات المجتمعات الأخرى السائدة.
تفهم ثقافة الآخر
يساعد فهم الثقافات المختلفة على احترامها وبالتالي تعزيز التواصل الفعال مع افرادها وهو أمر حيوي لتسهيل المهمات ونجاح الأعمال. فنحن في زمن نحتاج فيه الى الدراسة في الجامعات العالمية واقتحام السوق العالمي والاستعانة بشركاء عالميين لتعزيز اقتصادنا، وبالتالي نحن مضطرون للعمل مع افراد وشخصيات من مجتمعات أخرى لهم خلفيات ثقافية مختلفة وذلك لتنمية مجتمعنا صناعياً وزراعياً والحصول على الخدمات المتقدمة ونيل التعليم المتطور والرعاية الصحية الجيدة والتنمية المستدامة والوفرة الاقتصادية. ويستلزم التواصل الفعال مع هذه الشخصيات ضرورة بناء علاقات قوية معهم وبالتالي الى ضرورة تفهم ثقافتهم لمد الجسور معهم على أسس متينة وثقة متبادلة وتفهم للأهداف المشتركة. ولكي نتفهم ثقافات الآخرين نحتاج الى فهم جدور ثقافتنا اولاً حتى يكون لنا سعة أفق اوسع لفهم ثقافة الآخر والتعاطي معها.
فهم ثقافة مجتمعنا
إن بناء مجتمعات متفاهمة بما يكفي لتحقيق النجاح والتقدم والازدهار يحتاج إلى فهم جدور الثقافة والعوامل الجغرافية المتنوعة التي تبلورت عبر التاريخ المتراكم وأثرت فينا لتكون جزءً لا يتجزأ منا وجعلتنا نقبلها كما هي ونتمسك بها وندافع عنها ونحاول ترسيخها حتى لو تغيرت الظروف التي كونتها ، فتكون كالجسم الذي نمى واعتاد على مكوناته فصار من الطبيعي أن يقاوم كل شيء غريب حتى ولو قصد به منفعته. اما إذا تفاهمت المجموعات الثقافية المختلفة وفهمت بعضها بحسن نية، فستكون أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف المشتركة، مما لو كانت كل مجموعة تعمل وتعيش في عزلة وتنظر الى الأمور بأفق ضيق. فكل مجموعة ثقافية لديها نقاط قوة ووجهات نظر متمايزة يمكن أن يستفيد منها المجتمع الأكبر بصورة جيده.
التغلب على الشك والريبة
لكل ثقافة مواضيع أساسية. قد يتم النظر إلى القيم ومواضيع أخرى كالاقتصاد والثقة وتحمل الصعاب بشكل مختلف في المجتمعات المختلفة. وقد تترجم هذه الاختلافات وتفهم بطرق متباينة فتسبب اشكالات بين الفئات المختلفة فتضعف الثقة بينها. والثقة هي الإيمان بمصداقية الطرف الآخر على الوفاء بالتزاماته واداء الأمانة والوفاء بالعهد وعدم الخيانة أو النكث بالعهود. وهي ضرورة لازمة لجعل الأطراف المختلفة تعمل معاً بإخلاص لتحقيق اهدافها المشتركة. فلكي يستطيع الناس على حل المشكلات الصعبة العالقة بينهم، يتعين عليهم العمل سوية بثقة ودعم بعضهم البعض دون شك وريبة لتثمر الجهود الرامية لتحقيق الخير.
التواصل الفعال
في العديد من الثقافات لا يكون النهج الكلامي المباشر اساس شامل للتواصل فبعض الثقافات تستخدم التواصل غير اللفظي في التعاملات، ويكون هذا التواصل دقيقاً وله تأثيره المباشر. ولذلك يكون من الضروري التعرف على كيفية استخدام الأشخاص في المجتمعات الأخرى للكلمات والعبارات وإيماءات اليد ولغة الجسد وغيرها من اشارات التواصل. وكذا الإيماءات غير اللفظية الغير مقبولة في البلدان والمجتمعات الأخرى لتجنب استخدامها بطريقة مسيئة أو تشكيل إحراج في التعاملات.
فعلى سبيل المثال حين يكون الالتزام بالمواعيد شبه مقدس في ثقافة ما، كما هو معروف عن الإنكليز الذين ينظرون إليه على أنه التزام زمني صارم ودقيق نجد في ثقافات أخرى إن الالتزام بالوقت شيء ثانوي وخارج نطاق الالتزامات المحترمة. وعلى نفس السياق قد تركز بعض الثقافات بشكل أكبر على راحة الناس وخدمتهم وتعليمهم وعلى اهمية صحتهم والمحافظة على بيئتهم نظيفة، بينما تنظر إلى النجاح في الحياة من خلال عدسة التقارير والأرباح المالية التي يتم تحقيقها. كما أن اتخاذ القرارات في مجتمعات معينة يكون بشكل فردي وفي مجتمعات اخرى يكون اتخاذه ضمن مجموعة كبيرة تتشارك في اتخاذه والموافقة عليه مما يستغرق الأمر مدة طويلة لإصداره بقرار جماعي يؤدي الى التعقيد. لذلك يجب معرفة كيف ينظر من نتعامل معهم الى الأمور في مجتمعاتهم ليسهل التفاهم معهم.
منع الانقسامات
إن فهم الثقافات المختلفة يساعد على منع الانقسامات العرقية والدينية والمذهبية والمناطقية والعشائرية والتغلب عليها. فهذه الانقسامات تؤدي إلى سوء التفاهم والتأخر عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم وتحقيق النجاحات التي وصلت اليها أمم اخرى وربما توصل أحيانًا للعنف واستنزاف وضياع الموارد المالية والبشرية. ولبناء مجتمع أكبر شامل ومتنوع، يجب رسم تصور نوع المجتمع الثقافي الذي نرغب في بنائه. من أجل تحديد الأهداف المتعلقة ببناء العلاقات ومد الجسور بين الثقافات.
وبغض النظر عن الخلفيات العرقية أو الإثنية أو الدينية أو المناطقية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، نحتاج الى الانتباه لأساليب فرق تسد التي يتعمدها مجهولون وجهلة يحرضون لأسباب مخفية أو امراض نفسية مجموعات ثقافية على أخرى لكي تفسد إقامة علاقات جيدة بين المجتمعات التي تحتاج الى تحقيق اهداف مشتركة ونيل حياة افضل. فنحن في حاجة دائمة لبناء علاقات وصداقات تزودنا بالقوة اللازمة لتحقيق أهدافنا. فإذا قام كل شخص ببناء شبكة من العلاقات المتنوعة والقوية المبنية على الثقة، تمكنا جميعاً من خدمة مجتمعاتنا المختلفة وحل المشكلات العالقة بينها.
التوترات والانفعالات
عند محاولة بناء مجتمعات متناغمة ومتنوعة في بلد يتعمق فيه التباعد بين المكونات الثقافية المختلفة تحدث بعض التوترات والانفعالات التي تدفع باتجاه تصعيب وتعقيد مهمة التوافق بين مجتمعات البلد الواحد ، وتبدأ في طرح تساؤلات عن العوامل التي تتسبب في تقسيم المجموعات الثقافية المختلفة والتي تخص الاطراف الأخرى ، وما اذا يتوجب على الفرد أن يتمسك بثقافة مجتمعه ليحمي نفسه ومجتمعه من الذوبان في ثقافة المجتمعات الأخرى السائدة والأكثر تأثيراً. كما يتم التساؤل اذا كان من الممكن أن تختفي جميع الانقسامات ويصبح التحيز شيء من الماضي؟ وكيف نتغلب على تحيزاتنا؟ وهل سيكون بالإمكان إيقاف الظلم إذا تخلص افراد المجتمعات من التحيز الشخصي، أم إن الأمر يستلزم تشريعاً قانونياً أو كليهما؟
الخلفية الإنسانية للثقافة
إن نظرة الناس إلى العالم تختلف حسب خلفيتهم الثقافية وتربيتهم لكنهم جميعاً بشر يحسون بالألم والخوف ويحبون ويكرهون، ولديهم آمال وأحلام، ويرغبون في التطور والاستقرار ويحتاجون للكرامة ، ومن الكرامة احترام ثقافة الآخر التي ترمز الى شخصيته وكيانه. فإفراغ الإنسان من ثقافته وتجاهله يؤدي إلى ضياعه ، وضياع الفرد يؤدي إلى ضياع المجتمع وضياع المجتمعات يؤدي إلى الفوضى وبالتالي إلى ضياع العالم. ذلك لإن الثقافة جزء مهم من واقع الناس تؤثر على آرائهم وقيمهم وارواحهم وآمالهم وولاءاتهم وهمومهم ومخاوفهم وانضباطهم وانفعالاتهم، فلا يمكننا إذن تجاهل الاختلافات الموجودة بين البشر والتظاهر بعدم وجودها، متمنين أن نكون جميعًا سواسية قي مدينة فاضلة ولكن علينا أن نحترم ثقافة الآخر والا نمارس التمييز السلبي ضد افراد وجماعات معينة، بسبب خلفياتهم الثقافية المختلفة.
تداخل ثقافة المجتمعات
تحتم النطاقات الجغرافية والاقتصادية التداخل بين المجتمعات كما هو حادث الآن بين المجتمعات المحلية والعالمية التي اصبحت قريبة من بعضها بشكل متزايد وذلك بسبب تطور وسائل النقل والتواصل الاجتماعي. هذه المجتمعات تضم العديد من الأديان والمذاهب واللغات واللهجات والمجموعات الاقتصادية والثقافات المتباينة. ولكي نبني مجتمعات متفاهمة ونخفف التنافر فيما بينها ونحسن ظروفها، تحتاج هذه المجتمعات إلى فهم ثقافات بعضها البعض وتقديرها لترسيخ الثقة فيما بينها وإقامة علاقات سلسة نافعة فيما بينها. وأول خطوة لازمة تمكننا من تحقيق هذا الهدف هو تعرف كل مجتمع على ثقافته وفهم العوامل التي تؤثر فيها. وهذا الفهم ضروري لمعرفة القواسم المشتركة بين المجتمعات المتداخلة وتقدير ثقافة الآخر وبالتالي تنمية القدرة على تحقيق التفاهم لحل المشاكل وبناء علاقات مقبولة ومرضية للجميع.
نظرة الغرب إلى الثقافات العالمية
لا تنظر المجتمعات الغربية إلى الثقافات العالمية الأخرى بشكل إيجابي ، كما تقول كريستينا دي روسي، عالمة الأنثروبولوجيا في بارنت وكلية ساوثجيت في لندن. من وجهة النظر هذه، اعتُبرت المجتمعات خارج أوروبا أو أمريكا الشمالية، أو المجتمعات التي لم تتبع أسلوب الحياة الأوروبي أو الغربي، بدائية وأدنى من الناحية الثقافية. وهذا يشمل بشكل أساسي جميع البلدان والشعوب التي كانت مستعمَرة، مثل البلدان الأفريقية والهند والشرق الأقصى.
الصلة بين الثقافة والجغرافيا
للموقع الجغرافي تأثيراً مهماً في ثقافة المجتمعات، إلا أننا قد لا نعطي انتباهاً كافيا ًلهذا الأمر ، أو لا نتعمق كثيرًا في كيفية هذا التأثير على الثقافة ، أما المتخصصون في الجغرافيا وعلماؤها فيدرسون ظاهرة الجغرافيا الثقافية التي تعنى بالمكونات الثقافية للمجتمعات وكيفية ارتباطها بجغرافية الأماكن والطبيعة البيئية التي تتطور فيها. في البداية، تتطور الثقافات بسبب التأثيرات المادية للبيئة. وبمرور الوقت، يمارس الناس هذه الثقافات التي بدورها تؤثر على المجتمع.
الجغرافيا مؤثر أساسي في ثقافة المجتمعات. فحول الجغرافيا يتمحور التاريخ وفي نطاقها المكاني تنشأ الحضارات ومنها تأتي الموارد البيئية المادية للاقتصاد الذي هو المجال الأوسع للمعاملات البشرية الاجتماعية والسبب الرئيسي في تشكيل وتكتل وانصهار المجتمعات الحضرية وديمومتها. فالخصائص الجغرافية للمكان تحدد امكانية العيش فيه وأنماط الناس الذين يقبلون العيش فيه وتحت وطئة ظروفه وخصائصه الجغرافية وما توفره من مستلزمات أساسية للحياة والاستقرار من ماء وغذاء وسكن وموارد مادية ومناخ وسلام مع القاطنين في المنطقة وما جاورها وأمن مستتب وراحة اجتماعية ودخل مادي جيد. فالحالة الاقتصادية هي التي تحث الناس ، وربما تجبرهم ، على الهجرة من منطقة معينة والاستقرار في منطقة جغرافية أخرى طلباً للرزق والاستقرار.
الجغرافيا وثقافة المجتمع
يتأثر قرار الناس في اختيار المكان الجغرافي المناسب لهم ولتكتلاتهم المجتمعية, الى مدى بعيد ، بخلفيتهم الحضارية ورغبتهم بالمحافظة على ثقافتهم الموروثة وحمايتها من تجاذبات الثقافات الأخرى التي يتداخلون معها مباشرة او تلك التي يجاورونها. فعلى من يسكن في منطقة معينة التكيف مع الظروف التي يتعرض لها ، وهذا التكيف الجمعي للأفراد هو الذي يطور ثقافة المجتمعات ويرسخها. فالجغرافيا اذن هي العامل الرئيسي بعيد المدى التي تتمحور حوله المعطيات التي تحدد المكان الملائم للمعيشة والاستقرار والرفاهية ، وهي التي تؤثر في ثقافة المجتمعات. تأتي بعد ذلك امور أخرى متشعبة تتداخل فيما بينها بشكل وثيق لتعطي المجتمعات ثقافات خصوصية تناسب جغرافيتها.
تؤثر الخصائص الجغرافية مثل التضاريس والمناخ والنباتات الطبيعية أثراً بالغاً على ثقافة قاطني المناطق المختلفة من العالم. فالبيئة تؤثر على كل ما يقبل التأثر ولذلك نحن نلاحظ اختلاف انماط الناس وحياتهم وسلوكهم في المناطق المختلفة من العالم وهذا دليل قوي ومقنع على مدى قوة تأثير البيئة على الإنسان بشتى صوره سواء من حيث الفكر والاعتقاد والإبداع أو حتى على شكله الخارجي وبنيته. كما إن البيئة الساحلية تجعل الاختلاط مع الثقافات الأخرى أكثر وأوسع. ومن الممكن اكتساب ثقافة جديدة عن طريق الانتقال إلى بلدان أخرى أو مناطة جديدة، أو عن طريق تغيير الوضع الاقتصادي. فعندما نفكر في الثقافة، ندرك على نطاق واسع أننا جميعًا ننتمي إلى العديد من الثقافات في وقت واحد وهذا يكون ملحوظاً في المناطق الساحلية.
تأثير المناخ على الثقافة
يشير الخبراء إلى تأثير الميزات المادية، مثل التضاريس والمناخات والنباتات الطبيعية على الثقافة. فإذا كنت ممن يعيشون في الجبال، فمن المحتمل أن تطور عندك ثقافة معينة تتكيف مع الحياة على ارتفاع عال. فقد ترتدي ملابس أثقل وتكون أقوى جسديًا نتيجة تسلق الجبال. من ناحية أخرى، قد يعني العيش بالقرب من البحر أنك ترتدي ملابس أخف وتكون سباحاً وصياد بحري ماهر وتهوى أكل السمك والربيان. وقد تفاجأ، عندما تدرس العلاقة بين جذورك المادية وجذورك الثقافية بأن الجذور المادية التي تنمو في أعماق سطح الأرض لها علاقة كبيرة بكيفية تطور جذورك الثقافية!
فلو قارنت بين شعوب الإنويت في ألاسكا والبدو الرحل الذين يعيشون في الصحراء في شمال إفريقيا ستجد إن هاتان الثقافتان تختلفان اختلافًا كبيرًا من نواحٍ عديدة، ويمكن إرجاع معظم هذه الطرق إلى الاختلافات في المناخ. فمثلاً يدفع الطقس الحار مجموعة اهل الصحراء إلى السفر بشكل روتيني بحثًا عن الماء والضروريات الأخرى، بينما يمنع الطقس البارد شعوب الإنويت من السفر طوال معظم العام.
تأثير النباتات الطبيعية على الثقافة
تتطور ثقافة الناس من خلال الميزات المادية للأراضي التي يعيشون فيها. فالنباتات الطبيعية تؤثر على نوع الثقافة التي تتطور لتحدد المطبخ الشعبي للمجتمعات المختلفة من ناحية الغذاء والمأكولات والاقتصاد المتعلق بالتغذية. فإذا كانت الأراضي الزراعية متوفرة ومنتجة، تصبح النظم الغذائية النباتية شائعة جدًا، ويزدهر الاقتصاد الزراعي. اما إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تصبح الأطعمة السائدة من نوع آخر وتتحكم في الاقتصاد منتجات اخرى.
وفي الختام لا بد من التأكيد على اهمية الوعي بمفهوم الثقافة لنتمكن من التعامل مع الآخرين بطرق افضل لكي تكون حياتنا تعاونية ونتمكن تحقيق ما هو افضل للإنسان كإنسان.
مصادر الصور:
- https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-scientific-fundamentalist/200805/there-is-only-one-human-culture
- https://www.nytimes.com/2010/03/02/science/02evo.html
- https://www.rgbstock.com/
- https://www.alghad.tv/
- https://medium.com/@Newmusicco/different-cultures-around-the-world
- https://www.worldresonance.com/understanding-culture/
- https://ca.style.yahoo.com/saudis-qatif-region-residents-adapt-165709947.htm
- https://suwalls.com/nature/palm-tree-in-desert