الإتصالية الدماغية تتنبأ بمدى قدرتك على الانتباه – ترجمة عدنان احمد الحاجي

Brain connections predict how well you can pay attention
Monica Rosenberg
PhD Candidate in Psychology, Yale University
(بقلم مونيكا روزنبيرق طالبة دكتوارة في قسم السيكلوجيا في  جامعة يي)

مسح دماغك تحت جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي يفيد بأنك شارد الذهن

 مراجعة: الدكتورة أمل حسين العوامي، استشارية طب نمو وتطور الأطفال

خلال المقابلة التلفزيونية التي جرت عام ١٩٥٩، سئل جاك كيرواك (Kerouac) كم من الوقت استغرق ليكتب روايتها التي عنوانها: على الطريق (On The Road). فكان رده: ثلاثة أسابيع – أُدهش الشخص الذي يعمل معه مقابلة وأثار خرافة قائمة من أن الكتاب قد أُلف في ماراثون من الطباعة استمرت بلا توقف.

مثل كيرواك الخرافي، بعض الناس يملك قدرة مذهلة على التركيز لفترات طويلة من الزمن. والبعض الآخر دائمًا ما يجد صعوبة في أن يبقي مركزًا انتباهه على مهمة ما. أولائك المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD، انظر 1)، على سبيل المثال، غالباً ما يكونون مضطربين ومشتتي الانتباه. حتى الذين لا يعانون من ال (ADHD) يجدون أنفسهم في شرود ذهني حين  يحاولون التركيز في المدرسة أو العمل.

على الرغم من أن القدرة على الحفاظ على تركيز الانتباه يختلف بشكل كبير من شخص لآخر، فإن تحديد هذه الفروق الفردية لا يزال صعبًا. بعكس الذكاء، الذي يقاس تقلبيديًا (وإن كان لا يخلو من جدل،  2) باختبارات كتابية [حيث يستخدم ورقة وقلم ويمنع استخدام اجهزة حوسبية مثل الآلة الحاسبة] لمعدل الذكاء، فإن قدرة تركيز الانتباه لا يمكن تحديدها من خلال الأداء في اختبار واحد.

في دراسة نُشرت في مجلة نتشر نيروساينس (Nature Neuroscience) ، شرعتُ أنا وزملائي في تحديد طريقة جديدة لقياس الانتباه (3).  كمعدل الذكاء IQ ، قياس الانتباه يصلح أن يكون خلاصة لقدرة ذهنية / معرفية معقدة، ولكن، بخلاف معدل الذكاء،  فإنه سيعتمد على النمط الفريد لاتصالية الدماغ لدى الشخص – أي النشاط المتزامن الذي يلاحظ عبر أجزاء مختلفة من دماغ الشخص. لقد بيّنا سابقًا أن نمط اتصالية الدماغ لكل شخص فريد من نوعه  – كبصمة الإصبع – ويتنبأ بالذكاء المرن (المعروف بالذكاء السائل، للتعريف، راجع 3) ، أو القدرة على حل المشاكل في المواقف الجديدة. هل تتنبأ انماط اتصالية الدماغ الفريدة بالإنتباه أيضًا؟

مدى اتصالية دماغك تتنبأ بمدى تركيزك

في البداية ، طلبنا من 25 متطوعًا القيام بأداء مهمة ما (7) أثناء وجودهم تحت ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس نشاط أدمغتهم (8). كانت التعليمات الصادرة اليهم بسيطة:  شاهِدوا سلسلة من الصور واضغطوا على الزر حين ترون مدنًا ، ولكن لا تضغطوه حين ترون جبالًا. معظم الصور كانت لمدن ، إلّا انه أحيانًا وبشكل غير متوقع وُضعت بينها بعض صور لجبال. كان من الصعب الحفاظ على التركيز على المهمة المطلوبة منهم والتي استمرت أكثر من 30 دقيقة. كان أداء بعضهم جيدًا جدًا. لكن ارتكب آخرون أخطاءً متكررة – إمّا فشلوا في النقر حينما رأوا صور مدن ، أو ضغطوا على صور جبال عن طريق الخطأ.

هل يمكننا الربط بين دقة المشاركين وبين أنماط اتصالية الدماغ لدى هؤلاء المشاركين، أثناء استجابتهم لصور مدن وصور جبال؟ لتحليل بيانات الدماغ ، قمنا أولاً بتقسيم دماغ كل شخص إلى 268 منطقة مختلفة ، وهذا العدد من المناطق الدماغية أُثبت سابقًا (9) أنه يميز وظائف الدماغ بشكل جيد.

الكرات تمثل مناطق الدماغ والخطوط هي الروابط بينها. حجم الكرة يمثل عدد التوصيلات قي كل كرة. الكرات البرتقالية لها توصيلات أكثر في الشبكة التي تتنبأ بانتباه أفضل ، ولكن الكرات الزرقاء تحوي توصيلات أكثر في الشبكة التي تتنبأ بانتباه أسوأ ، وتحتوي الكرات الرمادية على عدد متساوٍ تقريبًا من التوصيلات في كل منها. المصدر: مونيكا روزنبرغ، CC BY-ND

بعد ذلك، حسبنا مدى “الاتصالية الوظيفية” لكل منطقة مع كل منطقة أخرى في الدماغ. الاتصالية الوظيفية هي الدرجة التي يكون النشاط في منطقتين من مناطق الدماغ متزامنًا. وبعبارة أخرى، النشاط في منطقتين لها اتصالية وظيفية قوية تميل إلى أن ترتفع وتنخفض في الوقت نفسه، في حين النشاط في المناطق ذات الاتصالية الضعيفة غير متزامن. دراسة بارزة نشرت في عام 1995 أظهرت، على سبيل المثال، أن هناك اتصاليات وظيفية قوية بين مناطق نصفي الدماغ الأيمن والأيسر مسؤولة عن الأفعال الحركية (10).

حساب الاتصاليات الوظيفية بين كل زوج من المناطق أعطانا بروفايل (profile) الاتصالية لكل شخص من المشاركين في الدراسة. ومن بين هذه الآلاف من الاتصالايات (بروفايل الاتصالية لكل شخص يحتوي على  35،778! اتصالية)، تعرفنا على عدة مئات من الاتصاليات لها علاقة بالأداء في مهامنا [الوظيفية] – بعض الاتصاليات كانت أقوى في الناس الذين كان أداؤهم في مهمة [اختبارالانتباه] أكثر دقة، وبعض الاتصاليات كانت أقوى في الناس الذين كان أداؤهم أقل دقة.

بعد تحليل إحصائي دقيق (11) ، وجدنا أنه يمكننا التنبؤ بمدى أداء كل مشارك في المهمة الانتباهية [مهمة اختبار الانتباه] من قوة اتصالايته الوظيفية وحدها (12). لم تكن التنبوءات مثاليةً ، لكنها كانت أفضل بكثير من التخمين العشوائي.

ماذا يمكن للدماغ المستريح [صاحب الدماغ لا يقوم بأي مهمة كما في حالة النوم مثلًا، انظر 13] أن يتنبأ به عن الانتباه

على الرغم من أنه كان من المثير رؤية أنه يمكن استخدام أنماط اتصالية الدماغ للتنبؤ بالإنتباه ، إلا أننا ركزنا فقط على البيانات التي جمعت أثناء أداء المهمة الفعلية [مهمة اختبار الانتباه]. كان قياس نشاط أدمغتنا طريقة أكثر تعقيدًا  وأقل دقة لتقييم الأداء من مجرد الضغط  على الزر نفسه. لماذا نأخذ في الاعتبار بيانات الدماغ على الإطلاق؟

لكي يكون القياس مفيدًا ، يجب أن يتنبأ قياسنا بالانتباه من نشاط الدماغ لدى شخص لم يخضع لاختبار الانتباه.

على سبيل المثال ، ماذا لو كان الشخص غير قادر على أداء الاختبار لسبب ما، أو لم نكن نحن نعرف الأسئلة الصحيحة التي كان علينا طرحها، أو لم يكن لدينا الوقت لاختبارها على ما أردنا قياسه بالضبط؟ في مثل هذه الحالات ، سيكون من المفيد أن نكون قادرين على استخلاص معلومات عن قدرات الشخص على الانتباه من بيانات الدماغ التي قيست أثناء عدم قيامه بأي مهمة على الإطلاق [الدماغ المستريح].

لمعرفة ما إذا كان الدماغ المستريح يحمل معلومات عن الانتباه أم لا ، قمنا بحساب مجموعة أخرى من بروفيلات الاتصالية لكل مشارك لدينا باستخدام البيانات التي جمعت أثناء استرخائه في ماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي. باستخدام نفس الطريقة  كما في السابق ، تمكنا مرة أخرى من التنبؤ بالأداء في مهمة الانتباه [مهمة اختبار مدى الانتباه]. لم تكن تنبؤاتنا دقيقة مثل تلك التي قمنا بها باستخدام بيانات الدماغ التي جمعت أثناء أداء المهمة [مهمة اختبار الانتباه] ، لكنها لا تزال أفضل بكثير من التخمين العشوائي.

باستخدام بروفايل الاتصالية أثناء الراحة لأي شخص – حتى الشخص الذي لم يقم مطلقًا بعمل أي مهمة انتباه ، ولن يقوم بذلك مطلقًا – يمكننا التنبؤ بكيف يكون أداؤه افتراضيًا في مهمة اختبار صور المدن والجبال.

التنبؤ باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه باستخدام الاتصاليات الوظيفية

هل كانت نتائجنا خاصة بمجموعة الأشخاص الذين اختبرناهم ومهمة صور المدن / الجبال التي استخدمناها ، أم هل يمكن أن تخبرنا هذه النتائج  بشيء ذي مغزى عن الانتباه المستدام بشكل عام؟

لاختبار هذا السؤال، استخدمنا بيانات من 113 طفلًا ومراهقًا قدمتها جامعة بكين كجزء من عينة (ADHD-200) (انظر 14). كان بعض هؤلاء الأطفال مشخصين رسميًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بدرجات أعراض متفاوتة الشدة. حتى البعض من هؤلاء الأطفال ممن لم يتم تشخيصهم بال (ADHD) أظهروا علامات على مشاكل انتباه خفيفة. بالنسبة لكل طفل – سواء أكان مشخصًا أو لم يكن كذلك – توصل الأطباء إلى “درجة قياس ADHD” تتراوح من 18 الى 72 وتشير إلى مدى شدة أعراض نقص الانتباه لدى هذا الطفل. تراوحت درجات الأطفال في مجموعة البيانات التي لدينا من 18 إلى 65.

باستخدام بروفيلات اتصالية الدماغ المحسوبة أثناء استراحة الأطفال في ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي ، وجدنا أن نفس الاتصاليات الوظيفية التي تنبأت بأداء البالغين في مدينة نيو هيفن تنبأت بدرجات ال (ADHD) للأطفال الذين تم قياسهم تحت ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في بكين. تنبأت نماذجنا الإحصائية أنه إذا تم تكليف الأطفال بمهمة صور المدن / الجبال، فإن الأطفال الذين لديهم أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه خفيفة سيكون أداؤهم أداءً جيدًا، وأما الأطفال الذين يعانون من أعراض أكثر سيواجهون صعوبات. لذا فإن التقلبات التلقائية في نشاط الدماغ أثناء استراحة الأشخاص يمكن أن تتنبأ بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

“درجة انتباه” جديدة؟

هل هذا يعني أنه يمكن للباحث أن يضعك في ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ ويكتشف مدى انتباهك للأشياء؟ بمعنى ما ، نعم، يستطيع ذلك. بروفايل الاتصالية الخاص بك يحمل معلومات فريدة بك (5) ، بما في ذلك قدراتك على الانتباه.

من المهم أن ندرك أن هكذا سمات، كالانتباه والذكاء، هي متعددة الأوجه ، لذا فإن اختزال الأداء العام لشخص ما إلى مقياس واحد قد يؤدي إلى المبالغة في التبسيط. لكن القياسات التي تلخص عملية معقدة ، كمعدل الذكاء (IQ) لسمة الذكاء أو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للاقتصاد ، توفر معلومات قيمة بالتأكيد. على سبيل المثال ، قد تساعد مثل هذه القياسات الباحثين على تتبع التغيرات في القدرات بمرور الزمن ، وقد تساعد الأطباء يومًا ما في تحديد الأطفال الذين من المرجح أن يستفيدوا من التدريب على الانتباه أو التعلم المشخصن (المعد لشخص بعينه).

تتمثل إحدى الفوائد الإضافية لهذه المقاربة في أنه ، تمامًا كما يمكن استخلاص العديد من المؤشرات الحيوية من عينة دم واحدة ، يمكن عمل تنبؤات متعددة من بروفايل اتصالية واحد. قد تفيدنا الاتصاليات المختلفة بأشياء مختلفة عن الشخص. على سبيل المثال ، وجدنا أن شبكات الدماغ التي تتنبأ بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لا تتنبأ بمعدل الذكاء ، لكن مجموعتنا البحثية تعرفت على شبكات أخرى تتنبأ بالذكاء (4).

لا يزال هناك طريق طويل علينا أن نقطعه قبل أن تصبح اتصالية الدماغ علامة على الانتباه كما يستخدم معدل الذكاء (IQ) كعلامة على الذكاء. لكن هذه الطرق تبشر بالتنبؤ بمجموعة متنوعة من السمات وتلقي الضوء على العلاقة بين الدماغ والسلوك. ربما في المستقبل ، معرفة العلاقة بين اتصالية الدماغ والانتباه بشكل أفضل يمكن استخدامها للإفادة في تدريب الدماغ (التدريب المعرفي، انظر 15 للمريد من المعلومات) – ربما يساعد في تحويلنا جميعًا إلى كيرواك (Kerouac) الأسطوري.

مصادر من داخل وخارج النص: 
1-https://www.nimh.nih.gov/health/topics/attention-deficit-hyperactivity-disorder-adhd/index.shtml
2-https://www.sciencemag.org/news/2011/04/what-does-iq-really-measure
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/الذكاء_السائل_والمتبلور
4- https://www.nature.com/articles/nn.4179
5- https://www.nature.com/articles/nn.4135
6-https://theconversation.com/brain-activity-is-as-unique-and-identifying-as-a-fingerprint-48723
7-http://www.bu.edu/ballab/research.html
8-https://psychcentral.com/lib/what-is-functional-magnetic-resonance-imaging-fmri/
9-https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S1053811913005818
10-https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/8524021
11-https://en.wikipedia.org/wiki/Cross-validation_%28statistics%29
12-https://www.nature.com/articles/nn.4179
13-https://www.hfsp.org/hfsp-news-events/when-brain-takes-break-activity-resting-brain-relates-its-anatomy
14-http://fcon_1000.projects.nitrc.org/indi/adhd200/
15-“تدريب الدماغ (يُطلق عليه أيضًا التدريب المعرفي) هو برنامج للأنشطة العقلية الاعتيادية التي تهدف إلى تحسين أو الحفاظ على القدرات الإدراكية للفرد، والتي تعكس كذلك الفرضية القائلة بأن القدرات المعرفية يمكن الحفاظ عليها أو تحسينها من خلال تمرين الدماغ، على غرار الطريقة التي يتم بها تحسين اللياقة البدنية من خلال تمرين الجسد”  ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوانhttps://ar.wikipedia.org/wiki/تدريب_الدماغ

المصدر الرئيسي:

https://theconversation.com/brain-connections-predict-how-well-you-can-pay-attention-51082?utm_medium=email&utm_campaign=Latest+from+The+Conversation+for+November+24+2015+-+3869&utm_content=Latest+from+The+Conversation+for+November+24+2015+-+3869+CID_35bf210dfcd9e472c5f04cd108dadc4a&utm_source=campaign_monitor_us&utm_term=Brain%20connections%20predict%20how%20well%20you%20can%20pay%20attention

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *