These 120,000-year-old footprints offer early evidence for humans in Arabia
(By Ann Gibbons)
مقدمة المهندس عادل عبد الله البشراوي*
(إختيار موفق للأستاذ عدنان الحاجي للترجمة أشكره عليه)
الإختيار موفق لإلحاح هذا الجانب الأنثروبولوجي المهم والذي يزداد أهمية مع تنامي توجه مجتمعاتنا المشرقية لتناول الدراسات العلمية وتحديدا في التعرف على السيناريوهات التي بدأ فيها نوعنا البشري الحديث (Homo sapiens) للإنتشار وعمارة الأرض منطلقا من خروجه الأول من إفريقيا وعبوره شبه الجزيرة التي أعدها أهم معابر انتشار البشر من وإلى مهد البشرية إفريقيا.
الكشف العلمي الذي ترجمه الأستاذ الحاجي تناول آثار أقدام بشرية تم تزمين عمرها بحدود الـ 120 ألف سنة، وهذا الرقم السحيق يفيدنا في تأكيد أقدمية ظاهرة إنتشار البشر الحديث عما كان شائعا قبل عقد واحد من الزمان والذي كان يطرح فترات لا تزيد عن 60 ألف سنة. وكان هذا واقعا جزء مما تضمنته فرضية يعتمدها أغلب الأنثروبولوجيون تسمى الإنتشار من إفريقيا ( Out of Africa ) ولظهور هذه الدراسة الجديدة والمتعارضة مع منصوص الفرضية، إضافة لاكتشافات عديدة غيرها، يتم اليوم إجراء بعض التعديلات عليها في محاولة لجعلها أكثر محاكاة للحقائق العلمية المكتشفة خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن هذه المحاولات في تقديري المتواضع لن تكون كافية لتعويم الفرضية التي بدأت تشيخ وتبدي حاجة ماسة لبديل جديد أكثر موائمة واتساقا مع الواقع العلمي.
بعيدا عن الفرضية، فالآثار الجديدة والتي يحدد موقعها بصحراء النفود شمال غرب شبه الجزيرة تؤكد على أهمية هذه المنطقة التي تقع بالقرب من فوهة معبر الإنتشار الأهم وهو شبه جزيرة سيناء المطلة على فلسطين وشمال غرب شبه الجزيرة. وأن هذا المعبر وبحكم شروط الجغرافيا كان المسلك الذي عبرته ليس فقط الرواد الأوائل من مجاميع البشر الحديث، بل واقعا أغلب السلالات البشرية التي سبقته لعمارة الأرض. كما أنه ظل مزدحما بهجرات المجاميع البشرية اللاحقة عبر التاريخ الإنساني وحتى وقت قريب.
رغم هذا فما حمله الكشف الحديث الذي نحن في صدده لا يرقى لأن يكون فتحا علميا، فهو في أحسن حالاته لايعدو إلا أن يكون معززا لرؤية تم بلورتها عبر عدد من الإكتشافات تم إحرازها خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصا أن العلماء عثروا قبل سنة على رفاة بشرية في الجزر اليونانية تعود لماقبل 210 ألف سنة. والرفاة المكتشفة عبارة عن جمجمة تعود لبشر حديث. أي أننا أمام فرد أو أفراد ينتمون لسلالة البشر الحديث توغلوا شمالا وبلغوا مشارف أوروبا 90 ألف سنة قبل الآثار التي نحن بصدد الحديث عنها، والأمر الأهم أننا في آثار اليونان نتحدث عن رفاة بشرية وليس مجرد آثار أقدام، والفرق بين الحالتين كبير.
كما أننا يجب أن نستذكر في السياق آثار جبل فايا قرب إمارة الشارقة التي تم اكتشافها عام 2010 والآثار تضمنت فؤوسا حجرية توصل الآركيولوجيون من تقنية صنعها أنها تعود لبشر حديث، وهو ما دعاهم على إثرها لنشر ورقة علمية تضمنت طرحا علميا يؤكد أهمية معبر آخر غير شبه جزيرة سيناء لانتشار البشر، ألا وهو مضيق باب المندب. يتوضح هذا المعنى في عنوان الورقة التي عنونت بالمعبر الجنوبي للإنتشار خارج إفريقيا ((The southern route out of Africa.
أكثر مايهمنا في آثار جبل فايا إضافة إلى افتراضها المعبر الجنوبي، هو أن عمرها المقترح يصل إلى 125 ألف سنة، وأنها في أقصى الشرق من شبه الجزيرة وليست بالقرب من المعابر الإفريقية. وهذا يفيد قابلية العثور على آثار بشرية في أي مكان من شبه الجزيرة. أي أننا موعودون بأخبار كثيرة قادمة تثري معارفنا الأنثروبولوجية. وقد تؤكد ما أكرره عن الأهمية الكبرى لشبه الجزيرة العربية في السجل الحضاري الإنساني. وهو واقع بدأت أوساط العلماء من شتى التخصصات المعنية تلمسه في السنوات القليلة الماضية، بعد أن ظلت هذه الأرض موصومة دائما بالتصحر والعقم الحضاري.
الموضوع المترجم
ذات يوم ومنذ حوالي 120 ألف عام ، عدد قليل من البشر كانوا يتنقلون على طول شاطئ بحيرة قديمة فيما يعرف الآن بصحراء النفود في المملكة العربية السعودية. ربما توقفوا لبرهة ليشربوا من المياه العذبة أو لتتبع قطعان من الأفيال والحمير (الأُتن) البرية والإبل التي كانت تدوس على السهول الطينية. بعد عدة ساعات من مرور هؤلاء البشر وتلك الحيوانات على هذه السهول الطينية الرطبة ، تجف آثار أقدام البشر وأقدام الحيوانات وتتحول في النهاية إلى متحجرات.
هذه الخطوات القديمة تقدم لنا الآن أدلة نادرة على متى وأين قطن البشر الأوائل شبه الجزيرة العربية أول مرة. يقول عالم الآثار وقائد الفريق مايكل بيتراجليا (Michael Petraglia) من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري: “هذه هي أول آثار أقدام بشرية حقيقية من شبه الجزيرة العربية”.
لطالما اعتبرت شبه الجزيرة العربية الطريق البادي الذي سلكه أفراد من جنسنا البشري الأوائل أثناء خروجهم على الأقدام من إفريقيا وهجرتهم إلى الشرق الأوسط وأوراسيا. الأدوات الحجرية تشير إلى أن البشر القدماء اكتشفوا شبه الجزيرة العربية في أزمنة مختلفة في عصور ما قبل التاريخ عندما كان المناخ أكثر مطرًا وتحولت صحاريها القاسية إلى أراضٍ عشبية خضراء (1) تتخللها بحيرات مياه عذبة. ومع ذلك ، لم يجد الباحثون حتى الآن سوى عظم إصبع بشري واحد (انظر ترجمتنا لهذا الاكتشاف في 2) يرجع تاريخه إلى 88000 عام لإثبات أن الإنسان الحديث هو الذي عاش هناك وليس بعض صانعي الأدوات من أشباه البشر (3).
بعد عقد من البحث المضني في شبه الجزيرة العربية، باستخدام صور الأقمار الصناعية والمشاهدات المباشرة، تعرف بتراجليا وزملاؤه الدوليون على عشرات الآلاف من قيعان بحيرات المياه العذبة القديمة ، بما في ذلك واحدة في صحراء النفود أُطلق عليه اسم “الأثار Alathar “، وتعني “الأثر” في اللغة العربية. هنا ، رصدوا مئات من آثار أقدام على سطح قيعان البحيرات مداسة بشكل شديد ، والتي اكتشفت مؤخرًا عندما انجرفت الرواسب الموجودة فوقها. ما يقرب من 400 مسار خلفتها وراءها هذه الحيوانات ، بما فيها الحمر (مفردها حمار / حمارة وتعرف أيضا بالأُتن) والجاموس العملاق والفيلة والجمال. تم فقط التعرف على سبعة من هذه الأقدام فقط بشكل موثوق على أنها آثار أقدام بشرية. ولكن بمقارنة حجم وشكل هذه المسارات مع تلك التي يتركها الإنسان الحديث وإنسان النياندرتال ، خلص الباحثون إلى أن هذه المسارات من المحتمل أن تكون من أشخاص بأقدام أطول وقامات أطول وكتلة جسم أصغر (4): مما يعني أنها للإنسان العاقل ، وليس لإنسان النياندرتال ، كما أفادوا في مجلة ساينس أدڤانسيز (Science Advances) في 17 سبتمبر 2020.
ويقول الباحثون إن عمر الرواسب يشير أيضًا إلى أن المسارات ترجع للإنسان العاقل. وباستخدام طريقة تحليلية تسمى التلألؤ المحفز بصريًا ، والتي تقيس الإلكترونات للاستدلال على متى تعرضت طبقات الرواسب للضوء آخر مرة ، قام الفريق بتأرخة الرواسب فوق وتحت آثار الأقدام إلى 121000 و 112000 سنة.
لا يمكن للفريق استبعاد إنسان النياندرتال بالكامل ، كما تقول مارتا ميرازون لار (Marta Mirazón Lahr) باحثة الأنثروبولوجيا القديمة في جامعة كامبريدج ، لأن سجل الأحفوريات غير متسقة جدًا (دلالة علي ضآلتها) في شبه الجزيرة العربية. لكنها تعتقد أن الإنسان العاقل هو المرشح الأكثر ترجيحًا [ليكون هو من ترك آثار الأقدام هذه].
وما هو أكثر إثارةً للاهتمام ، كما لاحظت ، أن آثار الأقدام هذه تبين أن البشر كانوا قادرين على التنقل لمسافات طويلة بين إفريقيا والجزيرة العربية ولابد أن يكون معهم مجموعات كبيرة من الباحثين عن الطعام ليتمكنوا من اختراق عمق الأراضي الرطبة (المغمورة بالمياة كليًا أو جزئيًا، 5) الداخلية الغنية في شبه الجزيرة العربية.
الاقتران النادر لآثار أقدام الإنسان والحيوان التي حدثت في نفس اليوم أو نحو ذلك أيضًا توفر ملامح نادرة عن يوم ما في حياة الإنسان القديم. عادةً ما تكون الأحفوريات الحيوانية والبشرية الموجودة في نفس الطبقة الأحفورية مدفونة بمئات ، إن لم يكن آلاف السنين [بعيدة زمنيًا] عن بعضها ، ولم ترى بعضها البعض. يقول عالم الأنثروبولوجيا القديمة كيڤين هاتالا (Kevin Hatala) من جامعة تشاتام (Chatham) في بيتسبرغ ، وهو خبير في آثار الأقدام القديمة: “آثار الأقدام هذه تعطينا صورة فريدة عن البشر الذين عاشوا في هذه المنطقة في نفس الوقت الذي عاشت فيه تلك الحيوانات”. “هذا الاقتران الوثيق في الزمن هو ما هو مثير للغاية بالنسبة لي”.
مصادر من داخل وخارج النص:
1-https://science.sciencemag.org/content/345/6200/994
2-http://adnan-alhajji.blogspot.com/2018/04/blog-post_12.html?m=1
3-https://ar.wikipedia.org/wiki/أشباه_البشر
4- https://advances.sciencemag.org/content/6/38/eaba8940
5-https://ar.wikipedia.org/wiki/منطقة_رطبة
*تمت إضافة المقدمة للمهندس عادل عبد الله البشراوي مؤخرا بتاريخ (9/24/2020).