توحي دراسة بأن التعلم اللاواعي هو أساس الإيمان بالله – ترجة عدنان أحمد الحاجي

Study Suggests Unconscious Learning Underlies Belief in God
(Georgetown University)

(مراجعة وتقديم: البرفسور رضي حسن المبيوق، جامعة شمال أيوا)

مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق

هناك عدة مصطلحات وردت في الدراسة ينبغي فك شفرتها حتى يفهم المقصود من الدراسة المترجمة بشكل واضح.  هذه الدراسة ركزت على محور  علم الأنماط الضمني. وهو أحد مصطلحات التعلم المهمة في علم النفس:

أولا من الجيد التعريف بأن هذا النوع من التعلم نابع من مدرسة إدراكية في علم النفس تسمى ‘نموذج معالجة المعلومات’ (Information processing model) والذي يُعنى بالعملية الذهنية التي تحدث من لحظة انتباهنا لمؤثر / حافز خارجي ما في محيطنا (stimulus) وهذه المرحلة تسمى بمرحلة الإنتباه (Attention) اي الانتباه للمؤثر / للحافز ، وتعتبر هذه المرحلة مصدر الصعوبات التي يواجهها الأطفال الذين يعانون من تشتت (نقص) الإنتباه وعدم التركيز.  هـؤلاء الأطفال يواجهون في بواكير حياتهم تحديات في عملية التعلم (لابد من التنويه بأن عدم القدرة على الانتباه ليس له علاقة بالقدرة العقلية او الذكاء اذ كثير من الدراسات تشير الى قدرة فوق المتوسط عند هؤلاء الأطفال او الكبار).

بعد عملية الانتباه تأتي عملية الإدراك / التصور (Perception) او التعرف على طبيعة المثير / الحافز كما لاحظته وسجلته الحواس كالصوت الذي سمعه الشخص او الصورة التي رآها او الرائحة التي شمها او الشيء الذي لمسه أو اي مثير آخر.

بعد معرفة المثير تأتي مرحلة الذاكرة (memory) والتي تنطوي على تخزين المعلومة المدركة او ما طرق باب وعينا في الذاكرة القصيرة الأجل.  واذا أجرينا بعض المعالجات لحفظ المعلومة تنتقل هذه المعلومة الى الذاكرة طويلة الأجل، حيث من المفترض أن نستطيع استرجاعها وقت تحتاجها الذاكرة العاملة (working memory).

ومن بعد الذاكرة تأتي مرحلة التفكير (Thinking) اذا تطلب الأمر ذلك وهناك عدة مستويات من التفكير: السطحي، والعميق، والنقدي، والإبداعي. والمرحلة الأخيرة هي حل المشاكل (problem solving) اي اذا كان هناك طلب،  علينا أن نقرر ما إذا أردنا ان نلبيه او نؤجله او نتجاهله.

أما يخصوص مصطلح النمط (Pattern) الوارد في الدراسة،  فأحد أهم فرضيات هذه النظرية هي: أن عقل الإنسان هو مصنع لإنتاج الأنماط،  أي يقوم الدماغ بربط الأحداث والمثيرات ببعضها ليهتدي الى علاقة بين المعلومات المدركة.

أما المصطلح الثالث الوارد في الدراسة: الضمني (implicit) فهو مربط الفرس.

بحسب هذه النظرية والتي بنيت على كثير من التجارب والدراسات بأن هناك نوعين من المعالجات (processing) . الأول اسلوب تدرجي يبدأ من القاعدة الى المستوى الأعلى (التحليل التصاعدي – Bootim-Up) ، والآخر يبدأ من الأعلى الى القاعدة (التحليل التنازلي) top-down.

النوع الأول ينطوي على التعلم الحسي لا الإدراكي ويبدأ بالحواس (senses) ويرتقي الى العقل الواعي، ونستطيع تسميته بالفطري وهذا مغزى الدراسة المترجمة التي بين أيدينا (وهو أن الإيمان بالله فطري) ولهذا عينتان من قارتين مختلفتين وديانتين مختلفين أعطتنا نتيجتين متماثلتين، كما بينته الدراسة التالية.

الدراسة المترجمة 

الأشخاص الذين يتمكنون من أن يتنبأوا بأنماط معقدة، وهي القدرة التي تسمى ب تعلم الأنماط الضمني (implicit pattern learning)، من المرجح أنه يكونوا متنسكين بأقوى المعتقدات بأن هناك إله يخلق أنماطًا من الأحداث في الكون، وفقًا لعلماء الأعصاب في جامعة جورج تاون.

دراستهم، التي نشرت في مجلة نتشر كومينكيشينز (Nature Communications)، هي أول من استخدم تعلم الأنماط الضمني لدراسة المعتقدات الدينية. الدراسة غطت مجموعتين مختلفتين جدا من الجماعات الثقافية والدينية ، واحدة في الولايات المتحدة والثانية في أفغانستان (1).

والهدف هو اختبار ما إذا كان تعلم الأنماط الضمني هو أساس للإعتقاد للإيمان، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانت هذه العلاقة صحيحة عبر مختلف الأديان والثقافات. وجد الباحثون في الواقع أن تعلم الأنماط الضمني يبدو أنه يمنحهم مفتاحًا لفهم أديان مختلفة. “الاعتقاد في إله ما أو آلهة يتدخلون في العالم ليضعوا نظامًا دقيقًا للكون – هو عنصر جوهري و أساسي من عناصر الأديان العالمية” ، كما يقول كبير الباحثين في الدراسة، آدم غرين (Adam Green) ، وهو أستاذ مساعد في قسم علم النفس و البرنامج متعدد التخصصات في علم الأعصاب في جامعة جورج تاون، ومدير مختبرات الإدراك العلائقي [وهو مختبر يركز على التفكير المنطقي والاستدلالي ، أي كيف نفهم الرابطة / العلاقة بين الأفكار والأحداث التي نواجهها وكيف نتوصل إلى روابط / علاقات جديدة وخلاقة، استفدنا هذا المعنى من 2] في جامعة جورج تاون.

“هذه ليست دراسة عما إذا كان الله موجودًا أم لا ، إنها دراسة عن لماذا وكيف توصلت الأدمغة في النهاية إلى الاعتقاد بآلهة. فرضيتنا هي أن الذين لديهم أدمغة جيدة في التمييز اللاوعي للأنماط في محيطهم قد ينسبون هذه الأنماط إلى يد قوة عليا”، كما  يضيف الدكتور آدم غرين.

يوضح آدم غرين: “كانت الملاحظة المثيرة للاهتمام بالفعل هي ما يحدث بين فترة الطفولة وفترة البلوغ”. تشير البيانات إلى أنه إذا وعى الأطفال لها (انظر 3) بشكل لا شعوري إلى أنماط في المحيط حولهم، فمن المرجح أن يزداد اعتقادهم / إيمانهم عندما يبلغون (يصلون في عمر البلوغ grow up) ، حتى لو كانوا يعيشون في عائلة غير متدينة. وبالمثل ، إذا لم يولوا أي انتباه خاص بشكل لا شعوري لأنماط في المحيط من حولهم ، فمن المرجح أن ينخفض ايمانهم مع بلوغهم ، حتى لو عاشوا في عائلة متدينة.

استخدمت الدراسة اختبارًا معرفيأ (cognitive) مثبتًا لقياس تعلم الأنماط الضمني. شاهد المشاركون سلسلة من النقاط تظهر وتختفي على شاشة كمبيوتر. وضغطوا على زر لكل نقطة شاهدوها على الشاشة. تحركت النقاط بسرعة ، لكن بعض المشاركين – أولئك الذين يتمتعون بأقوى قدرة تعلم ضمنية – بدأوا لا شعوريًا في تعلم الأنماط المخفية في هذا التسلسل ، وحتى ضغطوا على الزر الصحيح للنقطة التالية قبل ظهورها بالفعل على الشاشة. ومع ذلك ، حتى أفضل المتعلمين الضمنيين لم يعرفوا أن النقاط تشكل أنماطًا ، مما يدل على أن التعلم كان يحدث على مستوى اللاوعي (اللاشعور).

القسم الأمريكي من الدراسة أدرج  مجموعة ذات أغلبية مسيحية متكونة من 199 مشاركًا من واشنطن العاصمة. بينما أدرج قسم أفغانستان من الدراسة مجموعة متكونة من 149 مشاركًا مسلمًا في كابول. كان المؤلف الرئيسي للدراسة آدم وينبرغر ، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر آدم غرين في جامعة جورج تاون وفي جامعة بنسلفانيا. قاد المؤلفان المشاركان زاكري وارن (Zachery Warren) وفاضلي مقدم (Fathali Moghaddam) فريقًا من الباحثين الأفغان المحليين الذين جمعوا البيانات في كابول.

كان الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة ، بالنسبة لي ، وكذلك بالنسبة لفريق البحث الأفغاني ، هو رؤية أنماط في العمليات المعرفية (للاطلاع على انواع العمليات المعرفية، راجع 4, 5) والمعتقدات تكررت عبر هاتين الثقافتين، كما قال زاكري وارن. الأفغان والأمريكيون قد يكونون متماثلين أكثر مما هم مختلفون ، على الأقل في بعض العمليات المعرفية المرتبطة بالمعتقد الديني وصنع المعنى للعالم من حولنا (للتعرف على مصطلح صنع المعنى، راجع 6). بغض النظر عن إيمان المرء ، تشير النتائج إلى رؤى مثيرة في طبيعة الإعتقاد.

يضيف غرين: “إن الدماغ الأكثر استعدادًا لتعلم الأنماط الضمني قد يكون أكثر ميلًا إلى الإيمان بإله بغض النظر عن البيئة / العائلة التي ربما يعيش الشخص فيها ، أو في أي سياق ديني” ، على الرغم من أن غرين حذر من أنه من الضروري اجراء المزيد من البحوث.

يستنتج غرين “متفائلًا” ، “هذا الدليل قد يوفر بعض الأرضية المعرفية العصبية المشتركة على المستوى الأساس البشري بين المؤمنين / المعتقدين من مختلف التوجهات / الأديان / المعتقدات.

فاضلي مقدم: باحث في شؤون الشرق الأوسط ، وهو برفسور في قسم علم النفس بجامعة جورج تاون.

وارين: الحاصل على درجة دكتوراه في علم النفس من جامعة جورج تاون وحاصل أيضًا على درجة الماجستير في اللاهوت ، يدير مؤسسة آسيا لتقصي الشعب الأفغاني.

من بين المؤلفين الآخرين ناتاليا غالاغر (Natalie Gallagher) وجويندولين إنغلش (Gwendolyn English).

مصادر من داخل وخارج النص:
1-https://www.nature.com/articles/s41467-020-18362-3
2-https://cng.georgetown.edu/home
3-https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/pick-up-on-something
4-https://educapsy.com/services/operation-cognitive-411
5-https://ar.yestherapyhelps.com/cognitive-processes-what-exactly-are-they-and-why-do-they-matter-in-psychology-13673
6- في علم النفس، يُقصد بعملية صنع المعنى كيفية تفسير الأشخاص، أو فهمهم لأحداث الحياة، والعلاقات، وأنفسهم. يُستخدم المصطلح بشكل واسع في المجالات المتعلقة بعلم النفس الاستشاري، والعلاج النفسي، خاصة مع الأشخاص الذين تعرضوا لمواقف معينة كموت أحد الأقرباء، أو خسارة، ويستخدم المصطلح أيضًا في علم النفس التربوي ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/صنع_المعنى

المصدر الرئيسي:
https://gumc.georgetown.edu/news-release/study-suggests-unconscious-learning-underlies-belief-in-god/

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *