من الملاحظ تنامي ظاهرة جماعة “الأرض المسطحة” (flat earth) وجماعة “مناهضي التطعيم” (anti-vaxxers) في الغرب وخصوصاً في أمريكا، والعجيب تناميها في السنوات الأخيرة تنامياً مضطرداً حيّر الخبراء وأقلقهم كثيراً.
إذ كيف يحصل هذا الأمر ونحن في القرن ال ٢١، قرن الانفجار المعرفي والعلمي وبلوغ الوعي الإنساني ذروته، فشيوع العلم وانحسار الجهل من المفترض أن يعني اختفاء مثل هذه الظواهر السلبية والغريبة في المجتمع، قد يقول قائل ما الضير في وجود مثل هذه الجماعات بهذه الظواهر طالما أنها لا تبدو أنها تشكل تهديدًا للمجتمع ، فمن حق الجميع اعتناق أي فكرة والتصريح بها والدعوة لها.
نقول له، من الناحية المبدأية، هذا صحيح، لكن من قال أن هذه الجماعات التي تحمل هذه الأفكار لا تضر بالمجتمع ككل! فأدنى تدبر في حال هذه الجماعات يوصلنا إلى قناعة بأنها تشكل خطراً على السلامة الفكرية للمجتمع ويجب مكافحة أفكارها بقوة الفكر والعلم وعدم السماح لها بالنمو والانتشار.
وإذا أردنا الحفر في عمق أصل المسألة، وسألنا عن السبب الحقيقي وراء بروز مثل هذه الظواهر السلبية وبتزايد مستمر، سنجد أنها نتاج عدة عوامل وليس عاملا واحدا منها:
١- انخفاض مستوى الثقة بل وفقدانها في نفوس كثير من الناس تجاه السياسات والتشريعات وتصرفات بعض المؤسسات العامة إجمالاً، بسبب خضوع كثير من المؤسسات بل وحتى البحثية للسلطات السياسية وأجنداتها والتي قد تكون غير بريئة ، مما ولّد رأيا عاماً ومتنامياً في أوساط الشباب مشككاً بل ومناهضاً للمؤسسات العلمية والبحثية ، لذلك وجدت هذه الأفكار الغريبة بيئة خصبة ورواجاً لدى كثير من الناس ، وأيضاً انتشار شبهة ونظرية المؤامرة بين الكثيرين وبلوغها درجة اليقين المطلق لدى البعض منهم!
٢- انخفاض جودة التعليم المحفّز على التفكير النقدي واتباع المنهج العلمي المنطقي الرصين البعيد عن المغالطات والتشكيكات غير البناءة أو المنهجية، فالمحصلة وجود جيل متعلم ظاهر وحاصل على تعليم وشهادات عالية ربما، ولكنه متعلّم بجودة منخفضة، يسهل معه الانحراف عن التفكير المنطقي الصحيح والانجراف وراء أفكار مضللة قد تبدو براقة تُشبع غريزة التمرد على المألوف وسيطرة الجماعة والدفاع حتى النهاية عن هذه الأفكار المضللة، رغم وضوح مكامن الخطأ والخلل فيها!
٣- الانحياز التأكيدي (confirmation bias) ومعناه باختصار: حيازة المرء على فكرة أو معتقد ما والإيمان به والمحاولة بأي شكل الوصول إلى أدلة تثبت وتؤكد معتقده وإهمال أي دليل ينفي معتقده، فالمهم عنده هو إثبات معتقده ونفي ماعداه! وهذا بطبيعة الحال خلاف المنطق والتفكير النقدي الصحيح والمنهج العلمي، الذي ينبغي أن يكون عليه تفكير الإنسان، بحيث يكون رحلة منهجية من المجهولات إلى المعلومات بطريقة منطقية بدون انحيازات مسبقة أو تعصبات فكرية أبداً!
٤- الثقة الزائفة لدى البعض من هذه الجماعات، بأنهم أصبحوا خبراء ومختصين في مجالهم ، حيث تشير بعض الدراسات النفسية إلى وجود تأثير يسمى دانينغ-كروغر، وهو انحياز معرفي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير معلوماتهم بسبب عدم قدرتهم على التنافس والمعرفة و التفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء أو يعانون من وهم التفوق. مبالغين في قدراتهم المعرفية بشكل يجعلها تبدو أكبر مما هي عليه في الحقيقة، وينتج التحيز المعرفي لوهم التفوق من انعدام قدرة هؤلاء الأشخاص على إدراك الذات، فبدون إدراك الذات لا يُمكن لهؤلاء الأشخص أن يقَيموا ذواتهم بشكل عادل.
٥- حالة التمرد التي تعتري البعض وما ينتج عنها من محاولة مخالفة المألوف السائد حتى لو كان صحيحاً بدرجة تقارب اليقين، فقط من أجل التميّز والتفرّد وحب الظهور، وهذا ينشأ عادة من عوامل نفسية واجتماعية متداخلة مع بعضها.
كلمة أخيرة، ما الحل للتخلص من هذه الظواهر ومكافحتها ومنع ظهورها بيننا؟
الحل باختصار هو في التسلح بآلية التفكير النقدي واتباع المنهج العلمي المنطقي في الكشف عن الحقائق، والابتعاد عن التفكير الرغبوي وحمل الأفكار المسبقة والاستسلام للعواطف والتعامل مع الأفكار بحماسة ، فكل هذا يضر بالتفكير العقلاني الموصل للحقيقة.
*الدكتور غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.
مصادر الصور:
- https://www.lifetimefinancialgrowth.com/blog/debunking-a-flat-earth-theory
- https://fabiusmaximus.com/2015/09/15/yougov-poll-warns-of-fascism-89438/
- https://www.thisdaylive.com/index.php/2018/12/19/group-funds-education-for-indigent-members/
- https://uxdesign.cc/how-confirmation-bias-can-affect-user-research-4db52f0c4032
- youthmagazine.tn
- https://www.lindahoeben.be/change/
مقال جاد
ساعتبر المقال
تصريحا وليس تعريضا
Covidito
ولتخفيف الجرعة
نقول مدخل لاعتماد
مفهوم
Covidito “كوفيديوت” الذي يتجاهل مخاطر كورونا ولا يلتزم بالاجراءات الوقائية وهو مولدات كلمة كوفيدcovid19المرض
وكلمة (Idiot )
والمعنى بين يدي القاريء
.