شاهدنا أفلام سينمائية تتحدث عن المركبات المصغرة التي تُحقن في الدم (كفيلم الرحلة الفضائية الممتعة) أو فيلم (كان يا ما كان الحياة) واللذان حازا على جوائز الأوسكار ، إذا كنت تعتقد بأن هذه الأفلام السينمائية هي نوع من الخيال أو ضرب من المستحيل فيجب عليك أن تعيد التفكير.
فيمكن من خلال تقنية جديدة وعلم جديد صنع سفينة فضائية في حجم الذرات يمكنها الإبحار في جسد الإنسان لإجراء عملية جراحية والخروج من دون جراحة، كما تستطيع الدخول في صناعات الموجات الكهرومغناطيسية التي تتمكن بمجرد تلامسها بالجسم على إخفائه مثل الطائرة أو السيارة ومن ثم لا يراها الرادار ويعلن اختفاءها. كما تتمكن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة وأيضا صناعة الأقمشة التي لا يخترقها الماء بالرغم من سهولة خروج العرق منها. وصناعة خلايا أقوى 200 مرة من خلايا الدم ويمكن من خلالها حقن جسم الإنسان بـ 10% من دمه بهذه الخلايا فتمكنه من العدو لمدة 15 دقيقة بدون تنفس. وهل تخيلت يوما أن تذهب إلى الطبيب شاكيا ألما فيُدخل رجلا آليا إلى جسمك ليتجول داخل خلاياه ويُصلح مكان الألم ثم يخرج بكل بساطة و قد اختفى ألمك؟ فمن المحتمل الحصول على مركبات نانوية تدخل إلى جسم الإنسان وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترميم الأنسجة. كما يمكن لهذه المركبات الذكية أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا بالجرعات المناسبة أو تدخل إلى الخلايا السرطانية لتفجرها من الداخل. فما هو هذا العلم الذي يتوقع له أن يغزو العالم بتطبيقاته التي قاربت الخيال؟
إنها الثورة العلمية الجديدة، تكنولوجيا المستقبل التي ستُغير وجه العالم في كافة مجالات الحياة كما ستُشكل مستقبل الدول واقتصاد العالم، إنها تقنية النانو التي لا يزال العالم بأسره في بدايات تعامله معها وهذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلم، ويرى المتفائلون أنها ستلقي بظلالها على كافة مجالات الطب الحديث والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وحتى الحياة اليومية للفرد العادي. قد يَعرفها البعض وقد يجهلها البعض الآخر. قد يخاف منها آخرون، وقد يجد القارئ العادي غير المتخصص تناقضاً في تعريفها وأهدافها.
أنه فتح تقني جديد يطلق عليه التقنيات متناهية الصغر أو تقنية النانو (Nano Technology)، والتي تعكف على تطويرها حالياً العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات في كل بلاد العالم المتقدم. وإن علم النانو سوف يقوم بتوحيد وضم جميع أنواع العلوم باحتمالات لا حدّ لها ولا يمكن التنبؤ بنتائجها. وأن بعض العلماء اعتبر تقنية النانو هي ثورة القرن الحادي والعشرين والآخرون أطلقوا أسم عصر النانو على هذا العصر. وتتمثل أهمية هذه التقنية أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ إلى قطع أصغر فأصغر وخصوصاً عندما نصل إلى مقاييس (النانو) أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات الثانوية إظهار خصائص غير متوقعة ولم تُعرف من قبل. تعد تقنية النانو فتحا علميا جديدا تنتظره البشرية بالكثير من الترقب والآمال العريضة في استثمار هذه التقنية في الكثير من المجالات العلمية والاقتصادية المهمة التي تتصل اتصالا مباشرا بحياة الإنسان الذي تتعقد احتياجاته الحياتية وتتزايد بحكم التطور الحضاري الكبير الذي شمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية. ولأهمية هذه التقنية والطفرة التي ستحققها للعالم خلال القرن الحادي والعشرين.
تخيل معي مركبة صغيرة يقودها طاقم من الروبوتات الإلكترونية، وهي تسير لتنفيذ مهمة موكلة إليها. نعم، قد يقول قائل وما هو الغريب في هذا فلقد وصل العلم إلى أبعد من ذلك!؟ ولكن الأغرب أن هذه المركبة تمشي في عروقك وشرايينك مجرى الدم باحثةً عن خلل ما، أو مرض يحاول أن ينتشر في جسدك؛ لتنفذ مهمتها وتقضي عليه دون أن تشعر بالمعركة التي تدور داخلك. نعم، إنّها النانو تكنولوجي هل سمعتم بالنانو تكنولوجي لطالما تحدثنا عن الذكاء الصناعي وعن الروبوتات الذكية ومستقبلها بين البشر، والنانو تكنولوجي هي جزء من هذا المستقبل تعالوا معي نتعرف عن قرب على النانو تكنولوجي وأهميتها المستقبلية. وهل تخيلت يوما أن تذهب إلى الطبيب شاكيا ألما فيُدخل رجلا آليا إلى جسمك ليتجول داخل خلاياه و يُصلح مكان الألم ثم يخرج بكل بساطة و قد اختفى ألمك؟ هل سمعت يوما عن الجيل الجديد في عالم الالكترونيات؟ هل تعلم أن هناك فرصة تاريخية كبرى للدول النامية للحاق بركب التطور العلمي والتقني؟
هل تخيلت صناعة قنبلة مدمرة تتفوق على القنبلة النووية، أعلنت روسيا إنها اختبرت بنجاح قنبلة غير نووية محمولة جوا وصفتها بأنها الأقوى في العالم حتى الآن. وأن نتائج تجربة تلك القنبلة كشفت أن قوتها وفعاليتها تعادل قنبلة نووية ولكنها غير ملوثة للبيئة وان التصميم الهندسي لهذه القنبلة لا يتعارض مع أي اتفاق من الاتفاقات الدولية. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية إن المتفجرات التي تحملها القنبلة الروسية تمت باستخدام تقنية النانو.
تعد تقنية النانو نتاج جهود علمية بناها علماء العصر الحديث على إرث علمي لم يتوقف على مر الحقب والعصور الحضارية الإنسانية. إننا حقا نعيش في عصر العلم وفي كل يوم نسمع ونقرأ بعيوننا وتستوعب عقولنا مصطلحا علميا أو مسمّى تقنيا جديدا يشغل الناس اللذين يدفعهم حب المعرفة والاستطلاع لإدراك ما وراء ذلك الاسم وما معناه وما سر الاهتمام به وما فائدته للبشرية.
النانو تكنولوجي تعتبر ثورة بلا حدود في عالم بلا حدود، وقد أصبحت نقطة تحول كبرى في مجال الصناعة ، حيث بدأت هذه التقنية تفرض وجودها في مجالات شتّى. إذن فالنانو وليد الثورة التقنية الحديثة التي تتسارع خطاها الماراثونية في كل ثانية لتضع العالم أمام نوافذ جديدة تفتح أمامه آفاقا متسعة للتطور والتحديث والقفز مسافات بعيدة في دروب ومسالك المعرفة الممتدة بل نهاية. هذه التقنية الوليدة والجديدة تعد نتاجا رائعا لبحث علمي نشط وجهد إنساني مستمر، وقبل هذا وذاك تشير إلى قوة الملاحظة التي ولدت الكثير من النظريات العالمية الكبيرة التي خدمت الإنسان وأفادت البشرية وفتحت الآفاق أمام الإنسان لطرق مجالات كانت نائية وصعبة إن لم تكن مستحيلة فتحت المجال واسعا أمام البشرية للاستفادة منها في مجالات شتّى.
يقول العلماء: إن بالإمكان زرع أجهزة الاستشعار في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من السير. وتتعدد فوئد تقنية النانو الطبية فقد تم الحصول على طاقم أسنان لا يزيد حجمه عن حجم الخلية باستطاعته ابتلاع الكريات الحمراء وقضمها ثم إطلاقها مجددا إلى الدم بمعدل عشر خلايا في الثانية ويمكن لطاقم الأسنان هذا أن يساعد على إدخال الأدوية أو الجينات إلى داخل الخلايا وبالتالي يعزز العلاج المركز لكثير من الأمراض. إن تقنية النانو تعد الإنسان بالجديد المفيد والمدهش في الوقت نفسه وهذه يخطط له علماء النانو من مبتكرات ستغير حياة الإنسان بصورة خيالية.
وليس هذا وحسب بل مع تطور تقنية النانو سيكون الحاسب العملاق الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبرى مجرد ساعة يد في المستقبل القريب. وسوف تستطيع المباني والآلات إرسال إشارات لاسلكية عندما تحتاج إلى صيانة أو قد تستطيع إصلاح نفسها بنفسها. وأيضا سوف يكون بمقدور ملابسنا تسجيل بيانات عن صحتنا وتنبهنا لعوامل بيئية مضرة وستنظف نفسها من الأوساخ والروائح دون أي مساعدة كما ستقوم بتدفئة وتبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجية. ومن خيال هذه التقنية صناعة غرفة عمليات كاملة في كبسولة صغيرة يتم وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ اومر علاجية حسب طلب الطبيب لعلاج حالة المريض.
ويتفق الكثير من الباحثين والمهتمين بتقنية النانو على أن هذه التقنية سيكون له دور مهول في صناعة الطاقة فمن خلالها يمكن عمل مولدات للكهرباء من أصوات السيارات في الشارع أو من ذبذبات الرياح أو غيرها. وفي مجال الطب أصبح بمقدورنا الآن تصنيع أجهزة في حجم حبة الدواء تحمل مصنعا كاملا عليها، بإمكانها الدخول إلى جسدك ومن ثم الوصل إلى هدفها والتعامل مع المرض وعلاجه لقد تغيرت خارطة التفكير في عالم الأدوية وأصبحت كالخيال. أصبح ممكنا حقن الدم بأجهزة متناهية الدقة تسمى روبوتات في حجم الميكرو متر تسير كالعربات في الدم تقوم بمهام علاجية عديدة. بإمكان هذه الروبوتات النظر إلى خلايا السرطان بشكل أوضح وأدق والتعامل معها في التشخيص والقضاء عليها وأيضا بإمكاننا الآن زراعة قضبان في حجم النانو متر مغطاة بالذهب ومحملة بغرفة حرارية بإمكانها تدمير خلايا السرطان و الاختراعات و الابتكارات و العلوم المشتقة من كل ذلك لا تنتهي حيث كل يوم هناك فكرة مجنونة قابلة للتحقيق.
هل سمعت عن مشروع تصنيع المصعد الفضائي وقد نشأت فكرته لأسباب اقتصادية وهي توفير التكاليف الباهظة لإرسال المكوك الفضائي حيث سيمكن رواد الفضاء استخدمه لانتقال الى المحطات الفضائية المدارية فنشأت شراكة بين أمريكا واليابان لصنع مصعد عملاق يصل بين الأرض والفضاء بطول 100.000 كلم مصنوع بأنابيب كربون نانوية « Nano Carbonic tubes » وهي مادة أقوى من الفولاذ 100 مرة وخفيفة جداً إذ تزن 10% من وزن الفولاذ، يُثبَّت المصعد في الخط الاستوائي للأرض و يمتد في الفضاء وكتلته تبتعد عن الأرض بسبب قوة الطرد المركزي فيبقى المصعد مشدوداً. وذكرت الشركة اليابانية أوباياشي المصنعة لهذا المصعد بان المصعد مؤلف من 6 عربات وسوف يتحرك بسرعة 200 كلم في الساعة ، وسيكون قادراً على نقل 30 شخصاً على أن يحتاج 7 أيام ونصف للوصول إلى المحطة المدارية.
ودخلت صناعة النانو حيز التطبيق في مجموعة من السلع كشركة سامسونج على سبيل المثال التي بدأت ببيع غسالات نانو كهربائية في بعض الدول و تستخدم فيها نانو الفضة التي لها القدرة على التخلص من الأوساخ من الملابس بدون استخدام مساحيق التنظيف وأيضا تقوم بتعقيم الملابس وقتل البكتيريا الضارة.
كباقي التقنيات الأخرى، تمتلك تقنية النانو إيجابيات وسلبيات فبالرغم من فوائدها العظيمة الخيالية إلا أن سلبياتها لا يمكن ان نتجاهلها وهي لا تتعلق بالضرورة بالتقنية ذاتها إنما بأدواتها وموادها، وتُعد رواية الفريسة (Prey) لكاتب الخيال العلمي الأمريكي مايكل كرايتون Michael Crichton الصادرة عام 2002 أبرز مثال للحديث عن المخاطر التي يُمكن أن تنجُم عن سوء استخدام تقنية النانو، حيث تتحدث عن مجموعة من الروبوتات النانوية ذاتية الاستنساخ تتمكن من الهروب من المختبر وتُهدد البشرية. كما يخشى معارضوها من أن تُؤدي إلى تطوير أسلحة دمار شامل تدمر العالم بأكمله.
*باحث أكاديمي في علاج السرطان بمركبات الذهب.