رحلة صخرة – حسن السادة

(مراجعة: بسام الزاير وتركي محمد)

لفظة الجيولوجيا تتكون من قسمين مشتقان من اللغة الاغريقية القديمة ، الأول “geo” والتي تعني الأرض ، والقسم الثاني “logia” والتي تعني دراسة أو علم كما تستخدم اليوم ، فبكل اختصار الجيولوجيا هو علم الأرض. 

الأرض بكل جبروتها وعظمتها وشموخها الممتد لما يقارب ال 4.6 مليار سنة هو الحقل الدراسي لعلماء الجيولوجيا. 

تبدأ قصة هذا العلم في أعماق الأرض حيث الصهارة الذائبة المتكونة من مزيج مصنوع من الأجسام الصلبة والمائعة والغازية المختلفة ذات الكثافة العالية. بعد الانصهار الجزئي للصخور في الطبقة العلوية من الوشاح تبدأ الصهارة الساخنة بالتحرك للأعلى من خلال النقاط الأضعف في باطن الأرض ، والمحرك لهذا الانتقال هو الاختلاف في درجة الحرارة ، فالمواد ذات الحرارة الأعلى ستتسم بكثافة أقل مما يجعلها تتحرك وتعلو المواد ذات الكثافة الأعلى والأقل في درجة الحرارة نسبياً. بعد أن تشق الصهارة البركانية طريقها عبر الطبقات المختلفة للأرض قد تصل أخيرا إلى سطح الأرض. فتبدأ الأرض بقذف الحمم البركانية بأنواعها المختلفة المتفجرة منها، والغير المتفجرة، والركامية. بعد أن تتنفس الحمم البركانية الهواء وتلتقي بسطح الأرض البارد نسبياً مقارنة بباطن الأرض تبدأ الحمم البركانية بالتصلب أو ما يعرف بعملية التبلور.
وهنا يأتي دور علماء البراكين وعلماء المعادن والعلماء المتخصصين في دراسة الصخور النارية لدراسة أنواع الحمم البركانية وكيمياء الصخور المتكونة منها والظواهر الجيوفيزيائية المتعلقة بالبراكين، ليس هذا فقط بل ايضًا يدرسون عمليات تبلور هذه الصخور، (أي تحولها من الحالة المائعة إلى الصلبة).

تبقى هذه الصخور النارية قابعة في مكانها حتى تبدأ عوامل التعرية بنحتها بالهواء والماء. عندها يصبح الهواء وخصوصاً الماء وسِيطان لنقل الصخور التي فتتاها ، وتبدأ الصخور رحلة جديدة ، تبدأ من مصادرها التي تبلورت فيها حتى تصل إلى الأحواض الترسيبية فتبدأ بالتراكم فيها لتكون الطبقات الرسوبية.

وهنا تبدأ الحكاية  ، تتشعب وتصبح أعقد وأكثر تشويقاً ، فهذه الصخور الرسوبية هي التي تحفظ لنا تاريخ الأرض وقصصه كلها مالم تحدث عمليات تعرية. لربما خطر في ذهنك الآن أشهر المخلوقات المنقرضة الديناصورات أو الماموث ، فهذه المخلوقات حين تموت فإنها لا تُحفظ إلا إذا مرت بظروف معينة وأهمها هو أن تُغمر في التراب. فيأتي علماء المتحجرات والتاريخ الجيولوجي ليدرسوها ويستنطقوا الصخور من حولها كي يعرفوا ماهي الظروف التي ماتت فيها هذه المخلوقات.

هل تعلم أيضَا بأن الجزيرة العربية كانت في يوم ما قريبة جداً للقطب المتجمد الجنوبي؟ نعم فعملية استنطاق الصخور يستخدمها علماء البيئات الترسيبية لمعرفة البيئات في العصور السحيقة بل وحتى القريبة لنا نسبياً.

تتميز هذه الصخور بوجود المسامات بين حبيباتها مما يجعلها المكان الملائم لدراسة علماء المياه الجوفية وعلماء جيولوجيا البترول فهذه الصخور هي الصخور الوحيدة التي تتمكن من تكوين مكامن تحفظ فيها هذه (السوائل). يدرس العديد من تخصصات الجيولوجيا هذه الصخور بسبب أهميتها منهم: علماء المياه الجوفية، جيولوجيا البترول، والتاريخ الجيولوجي، وتشكل الصخور.

بعد أن تتراكم الطبقات الرسوبية فوق بعضها البعض أو حين تتحرك الصفائح التكتونية وتبدأ بالتصادم بصفائح تكتونية أخرى يتزايد الضغط ودرجة الحرارة (المسلطة) على الصخور فتبدأ عملية تحول الصخور من صخور نارية أو رسوبية إلى ما يعرف بالصخور المتحولة ، وقد يستمر تعرض هذه الصخور المتحولة إلى درجات أعلى من الضغط والحرارة فتزداد درجة التحول وتتغير من صخر متحول إلى صخر متحول أخر.

هل كنت تتنزه في منطقة جبيلة أو مليئة بالوديان وبدأت تتفرس في الجبال من حولك فرأيتها متصدعة؟ إن هذه الصدوع التي تراها ما هي إلا نتاج تحركات الصفائح التكتونية وتصادمها مع بعضها البعض ، هذه الصفائح الضخمة جداً بحجم قارات واسعة حين تصادمها تبدأ بصنع الجبال أو تشكيل الأودية ، ومهمة معرفة تأثيرات هذه الصفائح تُوكل لعلماء الجيولوجية البنائية أو العلماء المختصين بالتحركات التكتونية وكذلك علماء الجيوفيزياء.

حتى بعد ذلك فإن أي نوع من الصخور (النارية-الرسوبية-المتحولة) لا تنتهي رحلته مادام مكشوفاً على سطح الأرض، وذلك لأن وجوده على سطح الأرض يعرضه لعمليات التعرية والتكون من جديد. تنتهي دورة الصخور فقط إذا عادت الصخور إلى باطنها السحيق وعادت إلى حالتها الأولى من الصهارة المائعة. ويكون ذلك بالتحركات التكتونية.

الجيولوجيا علم واسع جدًا ويضم تخصصات قد لا تنتمي لدورة الصخور في الطبيعة ، ومن هذه التخصصات: علم التربة والهندسة الجيولوجية اللذان يعتبران أساسيان في عمليات المسح الهندسي لعمليات البناء والتشييد.

رسم يوضح دورة الصخور في الطبيعة. تبدأ هذه الرحلة من الصهارة في باطن الأرض لتخرج إما من فوهات البراكين أو بعد أن تتبلور الصهارة في باطن الأرض وترتفع بعمليات الرفع التكتونية، وهاتين العمليتان تكوّنان الصخور النارية. بعد أن تتعرض الصخور المكشوفة على السطح لعمليات التجوية والتعرية فإنها تنتقل إلى الأحواض الترسيبية لتكوّن الصخور الرسوبية، وقد تحدث عملية الانتقال عن طريق الأودية أو الأنهار، أو حتى الرياح في الصحاري. وبتأثير من الحركات التكتونية أو تراكم الطبقات الرسوبية تتحول الصخور بسبب الحرارة والضغط العاليان إلى صخور متحولة. وبسبب الحركات التكتونية قد تعود هذه الصفائح إلى باطن الأرض وتتحول إلى صهارة بسبب الحرارة العالية، لتبدأ دورتها من جديد.
ملاحظة: يمكنكم الإستماع الى هذه المقالة من خلال البرنامج الصوتي (زينولث بودكاست) ، على الروابط التالية:
Soundcloud
Apple podcast

المصادر:

  1. Foote, M., & Miller, A. I. (2007). Principles of paleontology. New York: Freeman.
  2. Forbes, Gordon A., et al. Lexicon of Oman Subsurface Stratigraphy: Reference Guide to the Stratigraphy of Omans Hydrocarbon Basins. Gulf PetroLink, 2010
  3. Geology (n.). (n.d.). Retrieved August 12, 2020, from https://www.etymonline.com/word/geology
  4. Inside Our Earth: Types of Rocks, the Rock Cycle with Examples & Videos. (2018, April 18). Retrieved August 14, 2020, from https://www.toppr.com/guides/geography/inside-our-earth/inside-our-earth/
  5. Nichols, G. (2009). Sedimentology and stratigraphy. Oxford, United Kingdom: Wiley-Blackwell.
  6. Redd, N. (2019, February 07). How Old Is Earth? Retrieved August 12, 2020, from https://www.space.com/24854-how-old-is-earth.html
  7. Tarbuck, E. J. (2014). Earth: An introduction to physical geology. Pearson.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *