ظهرت فكرة الآلات المجهرية في العديد من أفلام الخيال العلمي خلال القرن العشرين ضمن الرحلات البيولوجية الخيالية، ففي فلم رحلة رائعة (Fantastic Voyage) الذي صدر عام 1966م، تقلصت غواصة وطاقمها إلى أحجام ميكروبية، وتم حقنها في مجرى الدم لإنسان مصاب لإصلاح جلطة دموية قاتلة في دماغه وإنقاذ حياته، ويعمل العلماء منذ عقود من الزمن وحتى الآن على تحقيق ذلك من خلال تطوير روبوتات نانوية تسبح في جسم الإنسان لاكتشاف الأمراض وعلاجها، فهل يشهد المستقبل القريب آلات صغيرة تسافر داخل جسم الإنسان؟!
في عام 1959م ، قدم الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فاينمان محاضرة في الاجتماع السنوي للجمعية الفيزيائية الأمريكية في كاليفورنيا حول الأسس العلمية لتقنية النانو وتم تناول فكرة الآلات الجزيئية على نطاق واسع كجراحة الروبوتات النانوية واستخدامها في توصيل الأدوية داخل جسم الإنسان ([i]) ، وعلى الرغم من غرابة هذه الفكرة التي يبدو أنها لا تتجاوز حدود الخيال العلمي إلا أنها متسقة تماما مع قوانين الفيزياء ، وبعد أكثر من خمسين سنة على محاضرة فاينمان أصبحنا قاب قوسين من تحقيق هذه الفكرة، فقد تم منح جائزة نوبل في الكيمياء عام 2016م ، إلى ثلاثة باحثين في مجال الآلات الجزيئية وذلك من خلال قيامهم بتطوير وتصميم أصغر الآلات في العالم والتي تقل عن عرض شعرة الإنسان ([ii]) ، مما يفتح بابا لتطبيقات واعدة في المستقبل على جميع الأصعدة وبالخصوص في المجال الطبي والذي يعرف باسم طب النانو (Nanomedicine).
ويساوي النانومتر جزء من المليار من المتر ، وللمقارنة فإن عرض شعرة الإنسان يبلغ حوالي مئة ألف نانومتر بينما يبلغ عرض جزيء الحمض النووي 2 نانو متر ، وتقنية النانو هي معالجة المواد على هذا المقياس الصغير جدا من أجل الحصول على مواد بخصائص جديدة ، والآلات النانوية تقاس بهذا المستوى وهذا يعني أنها صغيرة جدا حيث أن حجمها لا يتعدى بضع مئات من النانومتر، وهناك تطبيقات واعدة جدا تجعلنا أقرب من أي وقت مضى في تحقيق الروبوتات النانوية ، ففي إنجاز علمي حديث شهده عام 2020م ، طور باحثون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) روبوتات نانوية قادرة على تعقب الخلايا في الجسم مما يسمح لها بالقضاء على الخلايا السرطانية ([iii]) ، وتقدم هذه الروبوتات النانوية نظرة مستقبلية وحلا واعدا وناجعا لعلاج أمراض السرطان، وعلى هذا فإن فكرة الروبوتات النانوية التي تسبح في جسم الإنسان على الرغم من كونها في حيز الخيال العلمي إلا أنها ليست مستحيلة وربما تتحقق قريبا نتيجة التطور الذي تشهده تقنية النانو والتقدم الملحوظ في الذكاء الاصطناعي ذلك أن هذه الروبوتات النانوية تكون مبرمجة مسبقة للقيام بوظيفتها من حيث الوصول إلى المشكلة وحلها مثل إجراء عملية جراحية في مناطق حساسة جدا من الدماغ البشري ، وقد أشار الباحث السعودي الدكتور سعيد الجارودي أن تقنية النانو تدخل في المجال الطبي لتمكن العلماء من صنع آلات دقيقة في حجم كرات الدم يمكنها معالجة العديد من الأمراض التي تستدعي عمليات جراحية كإزالة الأورام أو الانسدادات داخل الشرايين.
كما يعمل العلماء في إدارة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» على صنع آلات دقيقة لحقنها داخل أجسام رواد الفضاء وذلك لمراقبة الحالة الصحية للجسم والتعامل مبكرا مع الأمراض التي قد تصيبهم دون الحاجة إلى طبيب وأشار إلى وجود تفكير بتصنيع أجهزة نانوية ذات خصائص ميكانيكية وكهربية تحل بديلاً عن خلايا الدم الحمراء وتقوم بجميع وظائفها ([iv]) ، وإذا حدث ذلك بالفعل ستحدث هذه الروبوتات النانوية قفزة كبيرة في الطب وسوف تفتح آفاقا جديدة في العناية بالصحة وطرق العلاج.
المصادر:
[i] https://www.herox.com/blog/333-theres-always-room-at-the-bottom-the-foresight-ins
[ii] https://www.nobelprize.org/prizes/chemistry/2016/summary/
[iii] https://discovery.kaust.edu.sa/en/article/980/iron-nanorobots-go-undercover
اسمي : عبدالجبار العباس ، واقعا اكثر من مره جائتني مقالات من عندكم (https://www.qatifscience.com) – قلت شيء ممتاز لكن هذا للناس المتعلمين الحاصلين على شهادات عليا. ولم اكلف نفسي بالقراءه علما ان الحبيب الغالي ابن الشيخ علي المرهون احدكم . ولما تشجعت و قرأت المقاله الحلوه للأستاذ حسن الخاطر اعجبت بها جداً. بارك الله فيكم ( qatifscience ) – ووفقكم الله ونفعنا بكم.