وإن شئت سَمها غواصة ، إختراع جديد يُطرق مسامع هندسة البترول ، قد يوفر ملايين الساعات من العمل والجهد.
إخترع المهندس “محمد سعيد الدبوس” روبوتا يعمل بطريقة الطيارات بدون طيار باستخدام جهاز إطلاق الألياف البصرية. يعمل هذا الروبوت على قياس متغيرات مختلفة في البئر كالضغط ودرجة الحرارة وكمية الإنتاج ويعمل باستخدام البطاريات معادة الشحن بواسطة المراوح المستخدمة في التوجيه وكذلك قياس الإنتاج. وقد حصل المهندس الدبوس على براءة إختراع لهذا العمل من مكتب براءة الإختراع والعلامات التجارية الأمريكي تحت رقم US10696365B2 وتاريخ Jun , 30 , 2020.
وتحت عنوان “مسيرة لأعماق آبار النفط” ، شرح المهندس الدبوس هذا الإبتكار بأنه عبارة عن غواصة (مركبة) مسيرة مزودة بتقنيات يمكن استخدامها لمسح آبار النفط والغاز تحت الأرض ، تستطيع قياس الضغط ودرجات الحرارة في أي نقطة وهي تغطس في أعماق البئر. المركبة الغاطسة هذه تحتوي على وحدات دفع بمراوح قادرة على قياس تدفق السوائل من الطبقات على أي عمق في البئر.
مقدمة
يتم حفر آبار النفط أو الغاز تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة للوصول الى مكامن النفط أو الغاز ، ويحتاج مهندسي البترول وبشكل مستمر الى معلومات دقيقة عن كل طبقة من طبقات البئر تساعدهم على إتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة لعملية الإنتاج المُثلى ، وكذلك للتأكد من سلامة البئر ومتى يجب التوقف عن الإنتاج وصيانة البئر. وهذا يحتاج الى وقت وجهد وتكاليف عالية خاصة اذا كان البئر عميقا وبه إلتواءات حادة. بعض الآبار تكون محفورة في بدايتها بشكل عمودي ووسطها بشكل مائل ونهايتها بشكل أفقي مما يصعب عملية مسح الآبار ، وقد يتفاقم الوضع عندما تواجه أنابيب الإختبار أو الأسلاك الفولاذية عراقيل في الوصول الى العمق المطلوب ، وبالتالي تنتهي العملية الى الفشل ناهيك عن الخسارة في الجهد والوقت والمال وربما إضافة مشكلة جديدة يجب حلها قبل البدء من جديد لإكمال عملية القياس.
ملخص:
التقنيات الحالية في وقتنا الحاضر لقياس الضغط ودرجات الحرارة على أعماق مختلفة من الآبار تنحصر في إنزال أدوات القياس الى العمق المطلوب عن طريق أنابيب أو عن طريق أسلاك فولاذية ، وكثيرا ما تتعثر هذه الأنابيب أو الأسلاك وهي في طريقها نازلة الى أعماق البئر لأسباب كثيرة منها الإلتواء المفاجئ لهذه الأنابيب والأسلاك ، أو إصطدامها بالفجوات الجانبية أو النتوءات في جدار البئر ، كما أن طبيعة حفرة البئر وميلانها ونوع السائل الموجود فيها ونوع الطبقات يعرقل قدرة هذه الأنابيب والأسلاك على المضي قدما.
الإختراع الجديد وهو كما ذكرنا عبارة عن مركبة غاطسة صغيرة الحجم يمكن التحكم بها عن بعد ، توضع داخل البئر ويتم التحكم بها وإنزالها الى العمق المطلوب والقيام بعملية المسح والقياس. الغواصة الصغيرة هذه تستطيع الوصول الى أي عمق ولا يُعيقها إتجاه الحفرة ولا إلتوائاتها ، وذلك بفضل وحدات الدفع ووحدة الطاقة على متن الغواصة المُسيرة، فلا داعي لإستخدام آلاف الأقدام من الأنابيب والأسلاك ودفعها من سطح الأرض الى الأعماق ، ناهيك عن ماكينات الرفع والإنزال. ويمكن لهذه الغواصة الصغيرة أن تتفادى الإصطدام بجدار البئر والوصول الى أي عمق ، كما يمكنها إعادة شحن البطارية وهي في العمق فتبقى لمدة أطول مما يساعد على تمديد مدة جمع البيانات وهي غاطسة في أعماق البئر بدون أدنى عناء إضافي.
ماذا يعني هذا الإختراع:
هذا الإختراع يعني أننا نستغني عن معدات كبيرة الحجم هائلة التكاليف في صناعة استخراج البترول ، وتوفير المال والجهد لتخزينها والحفاظ عليها وصيانتها ، هذه بعض الأمثلة لما يمكن الإستغناء عنه بوجود المُسيرة الغاطسة:
اولا: الأنابيب الملفوفة:
الأنابيب الملفوفة هي عبارة عن أنبوب معدني طويل جدًا ، يتراوح قطره عادةً من 1 إلى 3.25 بوصة ويتم لفه على بكرة كبيرة. وقد إحتاجت فكرة الأنابيب الملفوفة الى أكثر من ثلاثين سنة ليتم تطويرها ، حيث إخترعها (كلايد بانيستر) وحصل على براءة إختراع عام 1934م ، ولكن فكرة الأنابيب الملفوفة لم ترى النور الا في عام 1962م وتمت تجربتها في أحد الآبار في كاليفورنيا. وتعتبر الأنابيب الملفوفة في حينها طفرة في الصناعات البترولية كونها تقوم مقام أنابيب الحفر للقيام بعمليات القياس والتصوير والصيانة.
ثانيا: تقنية السلك المعدني (الوايرلاين)
وهو سلك معدني شديد التحمل يتم إنزاله في آبار النفط أو الغاز لغرض القيام بأعمال سريعة مثل القياسات أو تركيب قطعة معينة أو إخراجها بدون الحاجة الى إحضار جهاز الحفر. ويوجد عدة أنواع من الأسلاك وكل نوع مخصص للقيام بعمل معين ، فبعضها لتركيب الأجهزة وإستعادته ، وبعضها للقياس والتثقيب وهذه تكون مدعومة بأسلاك كهربائية معزولة تماما و محاطة بالسلك الفولاذي.
ثالثا: المعدات الثقيلة لنقل وتشغيل الأنابيب الملفوفة و (الوايرلاين)
تُنقل بكرات الأنابيب الملفوفة هائلة الحجم على شاحنات معدة لهذا الغرض ، والوايرلاين يُنقل في حاويات ، لذا فإن عمليات مسح الآبار تحتاج لشاحنات أو سفن لنقل معدات الأنابيب الملفوفة او الأسلاك المعدنية ، كما تحتاج الى رافعات عملاقة لتحريكها من السفن والشاحنات الى مكان العمل. كما أن هناك عدد من الوحدات اللازمة لإتمام عملية القياس ومسح الآبار بطريقة الأنابيب الملفوفة أو بتقنية السلك المعدني مثل رقبة توجيه الأنابيب او الأسلاك ، ووحدة التحكم ، ووحدة الطاقة ، ووحدات السلامة ، وغيرها.
هذه بعض صور المعدات التي يمكن الإستغناء عنها إذا ما تم تطبيق هذا الإختراع (الصور الأربع أعلاه والثلاث أدناه) …. تخيل كيف ستكون الأعمال أسهل بكثير بدون هذه المعدات ….
والآن بوجود المُسيرة الغاطسة لا نحتاج لهذه الأنابيب الملفوفة بجميع مقاساتها ، ولا للأسلاك المعدنية ، ولا داعي لتحميلها بالشاحنات والرافعات العملاقة ، ولا لورش ضخمة لصيانتها ، وستكون جزءاٌ من التاريخ … ربما المضحك للأجيال القادمة.
نماذج مختلفة
المركبة الغاطسة (المُسيرة) تتضمن جسمًا ومجموعة كبيرة من وحدات الدفع ، ولكل مجموعة من وحدات الدفع مروحة دافعة وذراع مرتبطان بجسم المُسيرة. وتتضمن المركبة الغاطسة أيضا وحدة قياس ووحدة تحكم بها معالج وذاكرة ، ووحدة طاقة تحتوي على بطارية قابلة للشحن من خلال مولد يستطيع تحويل دوران المراوح المعدنية الى طاقة كهربائية.
ويمكن للمسيرة بأن تقوم بعدة أنواع من القياسات ، ولذا يمكن بناء عدة نماذج منها للقيام بمهام مختلفة مثل:
- نموذج لقياس سرعة تدفق السائل في البئر ، وتعتمد على وحدات الدفع وعندما تكون المُسيرة الغاطسة ثابتة (لا تتحرك).
- نموذج يشمل وحدة القياس بنظام الإستشعار الصوتي (DAS).
- نموذج يشمل وحدة قياس استشعار درجة الحرارة (DTS).
- نموذج يشمل وحدة استقبال لنظام الملاحة المتصلة بالأقمار الصناعية (GPS).
- نموذج يحتوي على وحدة تخزين للبيانات.
- نموذج يحتوي على كاميرا كجزء من جسم المُسيرة.
- نموذج يحتوي على وحدة قياس ضغط الطبقات والحرارة على أعماق مختلفة.
- نموذج يحتوي على وحدة قياس لتحديد مواقع بداية ونهاية أنابيب التبطين (CCL).
يتم إختيار النموذج الأمثل للقيام بنوع القياس المطلوب ، أو ربما دمج نموذجين في مُسيرة واحدة و إدخال المُسيرة الغاطسة في البئر. ويمكن التحكم في المُسيرة الغاطسة عن بعد من السطح او حتى من مكتب بعيد. وفي بعض النماذج ، قد تتحرك المُسيرة الغاطسة بشكل مستقل في البئر بعد الحصول على القياسات ، ولتوفير بعض الطاقة يمكن للمسيرة الغاطسة أن تندفع الى السطح مستفيدة من تدفق السوائل خارج البئر. المُسيرة الغاطسة هذه ينبغي أن تُصنع بطريقة تضمن عدم دخول السوائل الى أجزائها الداخلية وقوية بما فيه الكفاية بحيث تتحمل البيئة المحيطة بها من ضغط ودرجة حرارة عالية الى مختلف أنواع الكربوهيدرات والمواد الكيميائية.
خاتمة
هذه الإبتكارات الجديدة التي يحققها الإنسان بين الحين والآخر تضع لبنة بعد أخرى في بناء الحضارة الإنسانية وتقدم المزيد من رفع الجهد والعناء من على كاهل الإنسان وتزيد في المساهمة في سعادتة ورفاهيته. إختراع المُسيرة الغاطسة يجعل الحصول على المعلومة أسهل وأسرع وأقل تكاليف. نتمنى للمهندس الدبوس الموفقية للمزيد من الإبتكارات التي تخدم الإنسانية ، وأن يكون قدوة للنشئ الجديد ، فبه وبكل شبابنا نفتخر ، وبالعلم والعمل تتقدم الأمم.