The Dangers of Happiness
بقلم: الدكتور كارل سيدرستروم Carl Cederstrom، أستاذ مشارك في الدراسات التنظيمية بجامعة ستوكهولم. شارك في تأليف كتاب “متلازمة العافية The Wellness Syndrome ” مع السيد ندريه سبايسر André Spicer، وشارك في كتاب “الرجل الميت العامل Dead Man Working “، مع السيد بيتر فليمنج Peter Fleming.
كلما تحدثنا عن السعادة نتحدث أيضا عن شيء آخر: الأخلاق. قد لا نعرف ما تدل عليه السعادة بحد ذاتها، لكننا نعرف كيف تم استحضارها تاريخياً – لوضع قالب للحياة الأخلاقية. بينما نسارع إلى جعل السعادة هي الهدف النهائي لأنفسنا والمجتمع ككل، ربما نود أن نتذكر بعضًا من التاريخ الغني والمثير للإعجاب والمتناقض أيضا وبشكل محبط للمفهوم الأساس لفكرة السعادة. هذا التناقض قد يساعدنا في فهم السعادة بشكل أفضل في وقتنا الحالي والقيم الأخلاقية التي نشترك بها معا.
في كتابه “السعادة: تاريخ – Happiness: A History “، يقدم المؤرخ السيد دارين مكماهون Darrin M. McMahon سردًا لكيفية التعبير عن الفكرة واعتناقها بمرور الوقت، عائدًا إلى ميلاد الحضارة الغربية، كما تفعل العديد من هذه الروايات، في اليونان القديمة.
الفيلسوف أرسطو، كان أحد الأوائل الذين اهتموا بهذا الموضوع، حيث اعتقد أن السعادة يمكن تحقيقها في أن تكون أنت شخصًا جيدًا. كانت الحياة السعيدة، التي أطلق عليها اليونانيون اسم اليود مونيا eudaemonia، هي أن تعيش حياة أخلاقية، وتسترشد بالعقل وتكرس جهودها لتنمية فضائل الفرد. بعد فترة وجيزة، فإن اليود مونيا Epicureans سوف تربط السعادة بالمتعة. قالوا إن الحياة الجيدة يجب أن تكرس لاستحضار السعادة. هؤلاء لم يكونوا من أتباع مذهب المتعة، ولكنهم ينصحون باتباع تنظيم صارم لإدارة الرغبة. وقال الفيلسوف أبيقور Epicurus، لكي يكون سعيدًا، إنه لا يحتاج إلى أكثر من كعكة الشعير وبعض من الماء.
لم يعط الرواقيون مكانة مرموقة لمنزلة المتعة والسرور، بحجة أن الشخص لديه القدرة على أن يكون سعيدًا مهما كانت ظروف الحياة رهيبة ومؤلمة. بعد ذلك بفترة وجيزة، كانت المسيحية، كما تم التبشير بها وممارستها عبر العصور الوسطى، تتجنب معنى السعادة تمامًا وتعتبر الألم هو الطريق الأكثر فائدة للاتباع. وبمعنى اخر، إن لم تكن حياتك سعيدة، فأن ثمة نوعًا من الوحدة الإلهية ستكون في الحياة الآخرة. لا يمكن تحقيق هذه الرغبة في الحياة على الأرض، ولكنها فقط كهدية من الله، لنا في الجنة.
مع الرغم من ذلك، الا أن عصر النهضة، جلب السعادة من السماء إلى الأرض. لم يكن الأمر كذلك حتى جاء عصر التنوير ويصبح الامر حقيقة – ويصبح سهلا لكل شخص قادر على متابعته وتحقيقه. عندما كتب الرئيس الأمريكي السيد توماس جيفرسون Thomas Jefferson في إعلان الاستقلال أن السعي لتحقيق السعادة كان حقًا غير قابل للتصرف، لم يكن يقصد فقط أن يقول إنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى تحقيق المتعة، بل يجب عليه أن يتمتع أيضًا بالحق في التملك ويحتفظ بملكية خاصة.
خلافًا لرسالة السماء المسيحية، التي بموجبها نتخلى عن أنفسنا لتحقيق الوحدة الإلهية، يطلب منا الآن السعي للاتحاد مع أنفسنا. لنكون سعداء في وقت نكافئ فيه الأصالة والنرجسية في آن واحد، نحتاج أن نعبر عن ذواتنا الداخلية الحقيقية، ونتواصل مع مشاعرنا العميقة، ونتبع المسار الذي حددته أنفسنا.
نحن أيضًا بعيدون عن الأبيقوريين الذين كانوا مترددون وكارهون في ممارسة النشاط البدني. نحن اليوم نبحث عن السعادة من خلال عبادة أجسادنا، وبناءها من خلال الركض لمسافات طويلة، والالتحاق بمعسكرات الإقلاع الصعبة، وممارسة التمارين الرياضية المعقدة.
وخلافا للأعمال الخجولة التي قام بها اليونانيون في العصور القديمة، من المفترض أن نجد السعادة من خلال العمل والانتاجية. نحن مطالبون بتنظيم ورعاية القيمة السوقية لذواتنا، وإدارة أنفسنا كشركات والعيش وفقًا لروح المبادرة للأعمال الريادية. عندما لا تكون الخطيئة أكبر من كونك عاطلاً عن العمل ولا توجد رذيلة أكثر من الكسل ، فإن السعادة تكون حاضرة فقط لأولئك الذين يعملون بجد ويمارسون السلوك الصحيح ويناضلون من أجل تحسين ذواتهم.
هذه بعض القيم الأخلاقية التي يبدو أنها تكمن اليوم وراء السعادة: كن حقيقيًا، وكن قويًا، وكن منتجًا – والأهم من ذلك، لا تعتمد على أشخاص آخرين لتحقيق هذه الأهداف، لأن مصيرك هو، بالطبع، في يديك.
هذه رسالة شائعة، وكانت حاضرة لبرهة من الزمن. يتم حشرها في عقول العاطلين عن العمل والفقراء الذين يعتقدون بأن مصائبهم هي أعراض لأوضاعهم المتدنية وعدم قدرتهم من السيطرة على مسار حياتهم. إنهم، كما يدعي حاكم ولاية فلوريدا السيد جيب بوش Jeb Bush، لا يعملون بجدية بما يكفي.
عندما يتم إعادة صياغة السعادة كخيار فردي، يصبح السلوك هو الأساس في كل شيء وتصبح الظروف غير مرتبطة بالموضوع. لقد عمل السيد مارتن سيليجمان Martin Seligman، مؤسس علم النفس الإيجابي، بجد لنشر هذه الرسالة، في إشارة إلى الدراسات التي وجدت أن ضحايا حوادث السيارات، بشكل عام، ليسوا أقل ولا أكثر سعادة من الفائزين باليانصيب.
حتى لو وجدنا هذه الأفكار مثيرة للاهتمام أو ملهمة، فإنها لا تشكل أساساً مفيداً بشكل خاص عندما نسعى إلى جعل السعادة هدفا للأعمال السياسية. إذا كنا جميعا سعداء على قدم المساواة، بغض النظر عن ظروفنا، فإن ذلك من شأنه أن يزود السياسيين مثل السيد بوش Mr. Bush بعذر مناسب للتوقف عن النظر في القضايا الهيكلية مثل عدم المساواة الطبقية والاجتماعية والاقتصادية أو الفقر.
من المغري رؤية الاهتمام المفاجئ لرئيس الوزراء البريطاني المحافظ السيد ديفيد كاميرون David Cameron بالسعادة في ضوء ذلك. عندما قرر قبل بضع سنوات بدء مؤشر ما يسمى بالسعادة. فعل ذلك في ذروة التقشف، عندما تم خفض الإنفاق العام، وأصبحت “الظروف” تزداد سوءًا بالنسبة للعديد من الناس، وخاصة أولئك الذين يحصلون على بعض المساعدات. في ذلك التوقيت، استلهم السيد مارتن سيليجمان Martin Seligman، هذا الاستبيان والذي نتج عنه صدى واضحا مفاده: “الظروف لا تعمل فرقا”.
عندما تصبح السعادة دافعا للحديث عنها باستمرار، كما هي اليوم، فإن أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن ينتج عن ذلك حديثا آخرا يثير قضايا عالمية أخرى – مثل المساواة والعدالة والحقيقة والأخلاق، والتي نحتاج إلى مناقشتها بشدة. أسوأ ما يمكن أن يحدث – وهذا للأسف هو ما يجري بالفعل – هو أن السعادة تصبح حصان طروادة يستخدم لتطبيع عدم المساواة والقمع. يمكن بعد ذلك إرسال الفقراء إلى دورات تدريبية للسعادة من أجل تحسين سلوكياتهم، أو تعيين مدربين لحياتهم الشخصية، كما اقترح عضو الكونجرس الامريكي السيد بول ريان Paul Ryan ذات مرة في خطته الغريبة لمكافحة الفقر.
وقال حاكم ولاية فلوريدا السيد جيب بوش Jeb Bush في خطاب ألقاه في مدينة ديترويت Detroit في فبراير، حين تقديم خطته لمعالجة عدم المساواة في الدخل: “نعتقد أن لكل أمريكي وفي كل مجتمع الحق في السعي لتحقيق السعادة”. وأضاف: “لديهم الحق في النهوض”.
كن حذرا. عندما يقترح السياسيون أن تكون السعادة هي الهدف النهائي للمجتمع، يجب أن نتذكر أنهم ربما لا يتحدثون عن السعادة على الإطلاق. إنهم يتحدثون عن أيديولوجية: أجندة سياسية خاصة بهم والتي يشوبها الكثير من التمويه.
*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:
https://opinionator.blogs.nytimes.com/2015/07/18/the-dangers-of-happiness/