وقفة أخرى عند صورة قلعة القطيف المقلوبه التي أحدثت إرتباكا محيرا في معرفة جهة إلتقاط الصوره وذلك عند الكثير من الناس بسبب تشويش قلب ميمنة الصورة إلى ميسرتها والعكس وذلك لارتكاب خطأ فني أثناء القيام بتعديلها أو طباعتها أو أثناء تلوينها بالفوتوشوب ما أدى إلى استبعادها بأن تكون قلعة القطيف في نظر الكثير مع أن الملامح واضحه لمن شهدها في ذلك العصر، ولكن بعد إعادة تعديلها فقد اتضحت جميع معالم رؤياها عند الكل ولعل الرؤيا أصبحت أكثر وضوحا وبات الإقتناع هو المرجح بأنها قلعة القطيف بتفاصيلها الواضحه.
صورة أخرى شامله قد تم التقاطها عن بعد تنسب إلى نفس المصور الذي التقط الصورة الأولى وتحمل نفس التاريخ (1924) مايدل على أنه التقط الصورتين في آن واحد مع الإقتراب عند التقاط الصورة الأولى والأبتعاد عند التقاط الصورة الثانيه. فلو إفترضنا أن المصور الذي ألتقط تلك الصورتين كان يحمل كاميرة بتقنية حديثة عاليه و بعدسة مقربه ( zoom زوم ) 500 ملم مثلا ، عندها ندرك أن موقع الزاوية التي اتخذها ليلتقط الصورتين هي عند رصيف الجمرك الشمالي (أي شمال شرقي مطافي القطيف الرئيسي اليوم)! فعندما التقط الصورة الشامله (الثانيه) كان أمامه البحر ومن ثم مجموعتين من المباني على يساره تفصل بينهما مسافة المسجد ومبنى مركز الخدمة الأجتماعيه اليوم تقريبا وعلى اليمين أسوار قلعة.
فالمجموعة الأماميه تبدو فاتحة اللون لكونها أمامية وأكثر تعريضا للشمس وبعضها مطلي (بالنوره)، وأما المجموعة الخلفية فهي داكنة نوعا ما لكونها بعيدة ومعرضة للظلال وأيضا لكونها بلا مبيض فهي مبنية من الجص ولا طلاء عليها. فالمبنى الأمامي هو عباره عن دروازة (بوابة) أول جمرك بحري في المنطقة الشرقيه وهو جمرك فرضة القطيف وإلى يمين تلك البوابه يقبع مبنى تابع للقنصليه البريطانيه وعن يسارها المبنى التابع للقنصليه الهنديه! حيث يقودك مدخل الدروازه عبر رصيف طويل (وهو جزء من شارع الفتح اليوم) يمتد من إشارة المرور الملاصقه لزاوية مركز الخدمه الإجتماعيه الشماليه الشرقيه إلى مابعد إشارة تقاطع شارع الفتح مع شارع القدس. أما مجموعة المباني الثانيه (الداكنة اللون) فهي التي تعرف بالدرويشيه (نسبة إلى بستان نخل يعرف بهذا الإسم)، وهذا المبنى يضم مكتب مصلحة الزكاة ومكتب الأماره وهو اليوم مكتب المحافظة القديم (والذي يقال أنه سيحول إلى مكتب للجوازات مستقبلا) ومن خلفه كانت المحكمه أيضا، وأما غابات النخيل التي نراها خلف الدرويشيه جنوبا فهي نخيل الشريعه من الغرب حيث تتواصل إلى الشرق مع نخيل بديعة البصري والأماره المتاخمه للبحر وكذلك موقع البلدية الحالي شرقا والذي كان يطل على البحر أيضا، فالنخيل متواصلة من الغرب إلى الشرق اللهم إلا من طريق ضيق متقطع يتجه إلى الجنوب ليشق هذه البساتين وهو شارع الفتح اليوم الذي ينتهي عند سوقي السمك في نقطة التقائه مع شارع بدر.
وأما السور المقابل لسور الدرويشيه والذي هو عن يميننا فهو واضح أنه سور قلعة القطيف وهو الجانب الجنوبي الشرقي منها (أي فريق السدره).
والآن فلنواصل في إفتراضنا ونقول أن المصور الجيولوجي السويسري (أرنولد هايم) قد تحرك عن موقعه عدة أمتار من الشرق إلى الغرب – وهو لايزال باتجاه الجنوب طبعا – ثم أدار حلقة عدسته المقربه ليقوم بعملية التقريب (zoom in) ليقطع البحر ويجعله كأنه خلفه ثم ليجد نفسه فجأة في الطريق الضيق الذي يفصل بين أسوار القلعة عن يمينه وسور الدرويشيه عن يساره، وأمامه نخيل بساتين الشريعة وبديعة البصري والأماره (الآنفة الذكر)، وما هذا الطريق الضيق إلا شارع الفتح اليوم، وأما الحمَّاره (بتشديد الميم) وهم العاملون على نقل الأمتعة والبضائع على ظهور الحمير فلعلهم حمَّارة السِّيف المشهورين في تلك الآونه، وحمَّارة السِّيف مصطلح قطيفي يطلق على حمَّارة متخصصين في نقل البضائع من وإلى جمرك القطيف على ظهور حميرهم، والسِّيف بلهجة أهل الخليج جميعا تعني السواحل والشواطيء، فمن الواضح أنهم متجهون إلى السوق وقد قدموا من الجمرك بعد أن أفرغوا شحنات البضائع المحلية في الجمرك لتصديرها الى الخارج ولعل تلك البضائع هي قلال التمور أو أكياس السلوق المشهور تصديرها إلى بعض دول الخليج والهند، فهم الآن متجهون إلى السوق.
كان ذلك المشهد كما هو مؤرخ في الصورة عام 1924 وقد استمر هذا المنظر على ماهو عليه إلى منتصف خمسينات قرن العشرين الماضي ولربما سحب بعض أذيال آثاره إلى بداية الستينات ولعل رمق من هذه الآثار أيضا قد زحفت إلى بداية السبعينات، وأما الآن فيقال عنه أنه كان صرحا من واقع فهوى وأما في نظر الجيل الحديث فهو صرح من خيال لم يكن مطلقا.