اللقاح سيعالج الجانب الصحي للبدن ولكن الآثار النفسية (قليلها أو كثيرها) قد تكون طويلة الإستمرار والبقاء وخاصة إذا تركت وشأنها. لابد أن ينال الجانب النفسي درجة كبيرة من الإهتمام، ومفردة “الجانب النفسي” عامة وأتمنى من خلال أسئلتكم أن نسلط الضوء على جوانب نفسية معينة. أتطلع بإهتمام إلى أسئلتكم ومداخلاتكم.
السؤال التاسع عشر
لا زالت أزمة الفيروس التاجي لم ترخي بظلالها القاتم على المجتمع حيث معظم الأمور المعيشية متوفرة وكذلك الصحية ايضا بنسب متفاوتة من دولة الى أخرى. والسؤال: لو زادت الأزمة سوءا لا سمح الله من الناحية المعيشية، والتي قد تصل إلى المجاعة المميتة، او التدهور الصحي الحرج، الذي قد يؤدي الى الوفاة، من جراء إنتشار الجائحة. فمع غياب الدواء الناجع او تدهور الحالة المعيشية فما هي الأدوار المناطة برب الأسرة وبقية أفراد الأسرة لو ساءت الأحوال، والسؤال المهم: هل من المناسب تهيئة الأسرة لهكذا مستقبل مجهول؟
***
راجعه الأستاذ عدنان أحمد الحاجي
مقدمة
نمر الآن بمرحلة تحول كبيرة حيث دول العالم بدأت في التخفيف من إجراءات الحجر الصحي والعودة التدريجية لممارسة الحياة اليومية العادية ولتحريك عجلة الإقتصاد من جديد.
ومن الغريب إن عملية التخفيف هذه احدثت شعورًا كاذبًا عند البعض وكأن فيروس كرونا قد اختفى من الوجود وإن الخطر قد إنتهى ،للأسف، لابد أن ندرك بأن خطر الإصابة بالفيروس ما زال قائما، ، ولذلك من الضروري جدا ألا نلقي بسلاح الحيطة والحذر جانبًا وعلينا التقيد بتعليمات التباعد الإجتماعي.
كثير من التوقعات السيئة لجائحة كورونا مثل عدم توفر المواد الغذائية الكافية والنقص في الإحتياجات المنزلية الأخرى من أرفف ومحلات البقالة لم تحدث في كثير من البلدان وذلك يعود لوعي الجهات المسؤولة بأن ذلك قد يحدث فوضى اجتماعية ولربما تلجيء الناس إلى استعمال العنف للحصول على ماتحتاجه من هذه المواد.
الأزمة لم ترخي بظلالها القاتم على المجتمع بعد
في العدد الصادر من صحيفة نيويورك تايمز يوم السبت ٨ مايو 2020، وصفت الكاتبة سايوباهان روبرتز في مقالها المعنون “هذا هو مستقبل الجائحة”،ثلاث سيناريوهات محتملة ذكرت في دراستين للدكتور ليسبچ وزميله الباحثين في مركز البحوث للأمراض والأوبئة في جامعة منسوتا:
السيناريو الأول: حدوث موجة أولية (وهي الموجة الحالية التي نمر بها) تصاحبها حالات مستمرة بين الإرتفاع والانخفاض في عدد الإصابات بالفيروس وهذه الموجه ستبدأ بالإنخفاض تدريجيا خلال فترة زمنية تترواح بين سنة إلى سنتين.
السيناريو الثاني: من المحتمل أن تعقب الموجه الحالية موجة أخرى أكبر وأشد منها في بداية الخريف او الشتاء القادم حيث التوقعات تشير الى هجمة عنيفة وخاصة بأنها ستكون متزامنة مع إنتشار الإنفلونزا الموسمية، وهذه الموجة ستعقبها موجات أخرى صغيرة تشابه ماحصل في جائحة عام ١٩١٨-١٩١٩.
السيناريو الثالث: وصول الجائحة الى ذروتها في فصل الربيع الحالي وتخف حدتها ببطئ مع حصول ارتفاع وهبوط في الأثناء ولكن ليس بشكل عال او حاد.
ويذهب الباحثان في التحذير بأنه بغض النظر عن أي سيناريو يحصل، يجب علينا أن نكون مستعدين لمواجهة ١٨ الى ٢٤ شهرا من نشاط كوفيد-١٩ وفي مناطق مختلفة من العالم. وفي الدراستين التي نشرها الباحثان رسوم بيانية توقعية مبنية على معلومات ومعطيات حالية وعمليات و نماذج رياضية بعدد الإصابات والوفيات وكل جدول مبني على عامل مهم وهو: الإلتزام او عدم الإلتزام بالتباعد الإجتماعي.
إضافة إلى سلوك الأفراد، لم يغفل الباحثان من الإشارة إلى أهمية العوامل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في إرتفاع او إنخفاض الإصابات والوفيات المتوقعة.
يتبين من ما ذكر، أن الجائحة لا زالت لم تلق بظلالها القاتم على المجتمع والعالم.
دور رب الأسرة لو ساءت الأمور
ألخص دور رب الأسرة في عدة نقاط:
١- أن يشارك بالمعلومات الموثوقة عن توقعات الباحثين عن مستقبل كورونا لكي لا يسقط أفراد العائلة ضحايا للمعلومات الكاذبة بأن الجائحة اوشكت على الإنتهاء. الوعي بذلك يجعل أفراد الأسرة على حذر.
٢- التأكيد على تعاليم الصحة والتباعد الاجتماعي والإلتزام بها.
٣- الإستعداد الذهني والنفسي لفترات ارتفاع وإنخفاض حالات الإصابة بالفيروس التاجي وبأن هذا متوقع فالحذر يبقى الأساس في معادلة الوقاية من الإصابة.
٤- الإستمرار في التكيف مع الظروف والتغير في الحياة اليومية وضرورة التعاطف والتآزر بين أفراد العائلة.
٥- ترشيد الإستهلاك الغذائي في حال حدوث شُح في بعض المواد الغذائية الاساسية. مثلا هنا في أمريكا، بدأنا نرى ندرة في اللحوم المعروضة للبيع وذلك يعود الى اغلاق كثير من المسالخ، وهناك تقارير عن الأضرار الإقتصادية التي يتكبدها المزارعون وخاصة في كمية العلف اليومي الذي تستهلكه قطعان المواشي وايضاً الغذاء الذي يستهلك في حضائر الدواجن والطيور الأخرى.
دور أفراد الأسرة
على أفراد الأسرة إتباع ارشادات وتوجيه عوائلهم الصحية وعدم التساهل في الإلتزام بتوجيهات الجهات الرسمية من تباعد إجتماعي وعدم تجمهر وإلى غير ذلك. وذكرنا في بعض الأجوبة السابقة بعض الإقتراحات لإستثمار الوقت واستغلاله في ما يغذي العقل والقلب والروح والجسد من ترفيه ومن القيام بنشاطات فردية وجماعية كأسرة بشكل يومي حتى يصبح الروتين الجديد هو النمط الطبيعي الجديد.
هل من المناسب تهيئة الأسرة للمستقبل المجهول؟
أنا أميل الى مشاركة المعلومات الموثوقة من أجل زيادة الوعي والأخذ بأسباب التدابير الإحترازية والتي تجعل الأطفال أكثر تقبلًا والتزامًا بها حينما يعرفون لماذا يجب أن يقوموا بذلك. وفي نفس الوقت، يجب عدم التهويل والذي قد يؤدي – ومن غير قصد – الى اثارة مشاعر الخوف والقلق بلا داع والذي له مضاعفاته وتداعياته على الجسم والنفس معا. وذكرنا بشيء من التفصيل في الجواب على أول سؤال عن مسببات وأعراض الخوف عند الأطفال وطرق التجنب و التعامل معه.
السؤال العشرون**
ماهي التوصيات والإرشادات التي من المفيد تطبيقها وممارستها بعد إنفكاك الأزمة تدريجيا عند لقاء آخرين من بعض أفراد الأسرة او بعض الأصدقاء او بعض الناس في المنتزهات والأسواق وجهًا لوجه؟ والسؤال الآخر: كيف تتعامل الأسرة في البيت الواحد مع بعضها البعض بعد هذه الأزمة بطريقة سليمة؟
***
مقدمة
من الملاحظ بأن كلمة تخفيف او رفع الحضر مؤقتًا -كليا او جزئيا – تُترجم في سلوك الناس بأشكال مختلفة يوحدها الشوق الى العودة لممارسة الحياة اليومية بحرية أكثر ولربما تتغلب مشاعر الشوق على مشاعر الحيطة والحذر. الفترة الإنتقالية من الحجر الى التخفيف حساسة جدا ويبدو طبيعيًا بأن يترك او يتراخى الإنسان في الاستمرار في كونه حذرًا ويقظًا وذلك بالتهاون في الإلتزام بالتعاليم والممارسات الصحية وعدم اتباع القوانين والإجراءات الصادرة من الجهات الرسمية. سلوكنا يجب أن يكون كالمحارب على أرض المعركة الذي يلزم سلاحه ولا يضعه جانبا أو يغفل عنه لأن حرب فيروس كرونا لم تضع أوزارها بعد. ينبغي علينا أن نتربص بفيروس كرونا الدوائر ونحتاط منه ، لا العكس! وليس هناك معلومة يقينية عن توقيت تلاشي الخطر. الأخبار التي سمعناها ولا زلنا نسمعها هي بأن الخطر قائم كما ذكرنا أعلاه أثناء الحديث عن السيناريوهات الثلاثة المُحتملة وكل ذلك في غياب لقاح او دواء ناجع. فإذا ما أكتشف لقاح او دواء فإن ذلك سيغير الكثير من المعادلة وخاصة في تسريع العودة الى الحياة اليومية.
التوصيات والإرشادات بعد إنفكاك الأزمة تدريجيا
من الجيد أن نستمر في لبس الكمام وخاصة في الأماكن العامة والتي يكون فيها عادة أعداد كبيرة من الناس كالأسواق، والاستمرار في غسل اليدين بالصابون والماء والحفاظ على معادلة التباعد الإجتماعي. لا زلنا نسمع عن حالات هنا وهناك كانت في فترة حضانة وبرزت الى السطح، وعلى الرغم بأن الحالات تقل وتتضاءل بفضل الجهود المبذولة من الناس والتزامهم المسؤول. ومن الجيد أيضا تحري المعلومات الدقيقة من مصادرها الموثوقة عن الوضع الصحي في البلاد.
هناك رغبة جامحة عند معظم الناس الذين ضاقوا ذرعًا من جلوسهم في المنزل لمدة ظويلة للخروج للتبضع في الأماكن التجارية او للذهاب الى المنتزهات والمحلات العامة او لزيارة الأقارب والأصدقاء، لا بد أن نقوم بعمل هذا بالتدرج وبحذر شديد. فتوخي الحيطة والحذر لا بد أن يكون هو عنوان وسلوك مرحلة ما بعد الإنفكاك التدريجي للأزمة.
لا زال الوضع هنا في أمريكا مخيفًا ومشاعرنا تتقلب بهدوء نسبي وسماع إحصائيات تتماشى مع أمنياتنا ولكن سرعان ما تتبدد عند سماع أن بيوت العجزة في غير مكان قد أكتشفت فيها حالات انتقلت عن طريق عاملين فيه ولا ندري كم عدد الناس الذين خالطوا من هم مصابين وناقلين للعدوى من حيث لا يشعرون. كثير من الولايات لا زال ينقصها العدد الكافي من أطقم الفحص الخاصة بفيروس كورونا. وأعتقد بأن الوضع متشابه في كثير من الدول حيث تعاني من عدم توفر أعداد كافية من أدوات الفحص والتي بناءً عليها نبني درجة الطمأنينة (عالية او ضعيفة) وعلى أساسها نحدد نطاق تحركنا وتجولنا في المرحلة الحالية والقادمة.
عند لقاء أفراد الأسرة
وبكل شغف يرغب أفراد الأسرة في لقاء أعزائهم وأحبائهم ويتوقون لقضاء وقت معهم. لنتذكر بأن كبار السن هم أكثر عرضة للأصابة بالفيروس وخاصة من يعانون من حالات صحية تجعل جهاز مناعتهم أضعف. لا بأس بالقيام بالزيارات حينما يكون متاحا ولكن من الجيد تجنب العناق والتقبيل المعتاد في عاداتنا الشرقية الجميلة وخاصة حينما نزور الآباء والأمهات – وهذا أمر بلا شك صعب علينا تنفيذه.
في جريدة لوس انجلوس تايمز الصادرة يوم التاسع من مايو، 2020، كان هناك خبر عن تجمع أفراد أسرة كبيرة مع أصدقائهم في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا وذلك بمناسبة إحتفال بعيد ميلاد أحد أفرادها. واتضح إن أحد الأفراد كان مصابا وأن العدوى انتقلت الى بعض الأفراد مما استدعى ذهاب كل من حضر للفحص ومن ثم الدخول في حجر لمدة أسبوعين. مثل هذه الحالات قابلة أن تحصل في أي مكان وهي بالفعل تحصل وأفضل طريقة لمنع حدوثها هو الاستمرار بالإلتزام بتعاليم التباعد الإجتماعي والممارسات الصحية من غسل اليدين بالصابون والماء.
عند لقاء الأصدقاء
ما يجب أن نعمله عند لقاء أفراد الأسرة ينطبق أيضا على ما يجب القيام به عند لقاءنا بالأصدقاء الذين افتقدناهم وحتى لو كان لنا لقاء معهم في العالم الإفتراضي فلا شيئ يعوض عن اللقاء المباشر. فالتركيز يجب أن يكون على الزيارة والإستمتاع بفرحة اللقاء ولكن مع مراعاة التباعد وتوخي الحذر خوفا على أنفسنا وعلى أصدقائنا. الإغراء في تخفيف الحجر يحصل حينما تكون هناك زيارة او أكثر وتمر الأمور بسلام فنشعر بعدها بالإطمئنان ونضع توخينا للحذر جانبا. مالا نعلمه هو أن الناس الآخرين الذين يلتقي أصدقاؤنا بهم ربما يكونون قد خالطوا شخصًا يحمل الفيروس من حيث لا يشعرون.
عند لقاء بعض الناس
طبعا درجة الحيطة والحذر لا بد أن تكون أعلى عند لقائنا بالناس في المخبز وفي السوق او في الشارع، لأن الناس على درجات متفاوتة في التزامهم بتعليمات الوقاية الصحية وفي اتباع إجراءات الجهات المسؤولة فهناك المفرط والمتهاون والغير مكترث وهؤلاء هم من يجب أن نكون على حذّر أكبرمنهم.
بعض الطرق السليمة لتعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض بعد الأزمة
عبارة “من بعد انتهاء الأزمة” قد تعني على الأقل شيئين: أعداد الإصابة في نزول كبير وأن هدف تستطيح المنحنى قد تحقق. والإحتمال الآخر بأن المنحنى تم تستطيحه وإن لقاحًا ولربما دواءُا ناجعُا قد أكتشف. فلكل من الإحتمالين توصيات لأفراد الأسرة. التوصيات للإحتمال الأول تشمل بدرجة أولى وكبيرة الإستمرار في التقيد والإلتزام بالتباعد الإجتماعي والطرق الأخرى التي اكتسبناها في فترة الحجر وأن نكون على حذّر ذكي ومعقول ولا سيما في غياب الأعداد الكافية من أطقم الفحص. لا زالت المستشفيات هنا في أمريكا تعاني من نقص في عدد أطقم الفحص وكثير من المرضى الذين يرغبون في إجراء الفحص عليهم أن ينتظروا فترات طويلة او الذهاب الى مدينة أخرى تتوفر فيها الأطقم. خلاصة هذا الجزء من التوصيات هي في التعامل مع المستقبل المجهول بالحيطة والحذر إذ هما من أفضل أسلحة الوقاية.
أما اذا كان هناك لقاح مجرب ومؤكد الفعالية فهذا سيغير حساب التفاضل والتكامل (calculus) بشكل كبير وسيرفع من استعداد الناس للعودة بشكل كبير وبقلق قليل لمزاولة حياتهم اليومية.
المستقبل واعد والتفاؤل ضروري ولاسيما ان هناك جهودًا حثيثة منصبة على اكتشاف لقاح فعال ودواء قابل ليكون معتمد من قبل هيئة الغذاء والدواء وان شاء الله ستتكلل هذه المساعي بالنجاح ولو بعد حين. فالصبر الجميل سيأتي بنتائج إيجابية بعون الله تعالى.
* أستاذ بجامعة شمال أيوا الأمريكية ومدير المعهد البحثي بمدينة شيكاغو.
** السؤال العشرون هو مسك الختام من أسئلة “الحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي أثناء أزمة كورونا وما بعدها” – نأمل أننا وُفقنا لتقديم ما هو مفيد لمجتمعنا بوجه خاص وللإنسانية بوجه عام، لكم جميعا كل الحب والتقدير ، ودمتم بصحة وسلامة.