منظمة الصحة العالمية (لماذا؟) – ترجمة* حسن المرهون

الجائحة دولية ، والفيروسات لا تحترم القوانين ولا الحدود بين دول العالم. وهاهو فيروس كورونا الجديد يضرب الولايات المتحدة الأمريكية بقوة. ولسوء الحظ فإن الكثير من زعماء العالم يتعامل مع الوباء كمشكلة تخص دولهم فقط بمعزل عن العالم.

العلم يرفع شعار التحدي لجائحة كورونا ويتصدى لها. التركيبة البروتينية لفايروس كورونا اصبحت معروفة عند العلماء والباحثين ، لكن فهم مناعة الإنسان لهذا الفيروس ، ومعرفة الأجسام المضادة المحايدة له ما زالتا في مراحلها الأولى. وبدأت التجارب على اللقاحات والأدوية. العلماء يحتاجون لمتسع من الوقت ودرجة عالية من التعاون كي يتغلبون على الصعاب وفهم كل ما يتعلق بالفيروس. قادة العالم يبدوا أنهم غير مهتمين بما فيه الكفاية لتوفير ما تحتاجه مراكز البحث العلمية من وقت وتعاون.

بالرغم من أن الصين لم تبلي بلاء حسنا مع بداية إنتشار فيروس كورونا – وبالتحديد في شهر فبراير من هذا العام – الا أن إتهام الصين بعدم إفشاء المعلومات عن الفيروس كان متسرعا. والأن لا يبدو أن هذا الإتهام قاسيا لأنه من الواضح للجميع أن عدم الإفشاء يسبب هلاك المزيد من الأرواح. وللأسف أن حكومات الدول الأخرى قامت بنفس الشئ: تباطؤ في تبادل العملومات وتقديم معلومات غير صحيحة.

امريكا في وضع لا تحسد عليه، إذ أنها تتبنى موقفين متعارضين تماما: الأول إتهام الصين أنها تسترت على بداية إنتشار الفيروس، والثاني أن عليها التعاون مع الصين لحل الأزمة. منظمة الصحة العالمية تعاملت مع الوضع بذكاء بدون الإساءة الى الصين. قبل اسابيع كان قرار الولايات المتحدة بتعليق الدعم عن منظمة الصحة العالمية ليس خطيرا فحسب بل قد يؤخر إيجاد حل لهذه الجائحة. قرار وقف دعم منظمة الصحة العالمية يشبه تصرف شخص يقوم بإيقاف رجال المطافي وهم يحاولون إنقاذ بيته من لهب النيران ، بسبب تأخر وصولهم الى موقع البيت.   

الأموال التي تقدمها أمريكا لمنظمة الصحة العالمية تعتبر جزء ضئيل جدا مقارنة مع تكاليف مواجهة الوباء. الميزانية السنوية لمنظمة الصحة العالمية لا تتجاوز 2.5 مليار دولار، وهو أقل من ميزانية مركز طبي أكاديمي (واحد) بمدينة رئيسية في الولايات المتحدة. هذا المبلغ ليس كبيرا لمساعدة العالم كله لمواجهة جائحة كورونا.

علاوة على ذلك ، عقلا، يجب تأخير وقت إلقاء اللوم لما بعد الأزمة – وليس أثناءها. الخلاف كان قائما على مر السنين بين منظمة الصحة العالمية وكثير من السياسيين ، فهل هذا هو الوقت المناسب لإثارة هذا الخلاف؟ لقد أقرت الإدارة الأمريكية استخدام التشخيص الفيروسي المعتمد لدى منظمة الصحة العالمية ، لكنه فشل في تحقيق النتائج المرجوة وقد عرقل هذا خطة السيطرة على الفيروس لمدة شهر في أمريكا. لكن هذا لا يعتبر حجة قوية لأمريكا لوقف الدعم.

الصين لها دور كبير في إيجاد هذه المشكلة. لكن العالم لا يستطيع حل هذه المشكلة دون التعاون مع العلماء الصينيين. معظم الأوراق العلمية المهمة التي تم نشرها خلال الأسابيع الستة الماضية كانت من علماء صينيين أو تضمنت متعاونين من الصين. وفي نفس الوقت تقوم الولايات المتحدة ببيع ما عليها من ديون للصين بشتى الطرق، ومن أهمها:  تعليم الطلاب الصينيين، والسماح للصين بتصنيع الكثير من إحتياجات الشعب الأمريكي ولمدة 40 عامًا. إذا قررت الولايات المتحدة تغيير هذه السياسات بشكل مفاجئ ، فمن المحتمل أن يكون القيام بذلك مستحيلاً ، خاصة في خضم جائحة كورونا العالمية.

لا أحد يريد الاستمرار في التباعد الاجتماعي إلى الأبد ، ولا يمكن ذلك على الإطلاق. حتى أكثر الباحثين والمتشائمين من انتشار COVID-19 يتفقون على أن هذه الدرجة من التغيير السلوكي لا يمكن أن تستمر لعدة شهور. لكن الأدوات اللازمة للوصول إلى المرحلة التالية في الولايات المتحدة لا تزال غير واضحة: هل هي زيادة التشخيص الفيروسي أم زيادة الطاقم الطبي أم توفير إحتياجات أكثر للمستشفيات كتوفير الأقنعة للجميع.

 يعتقد قادة العالم المتميزون أن دول العالم تعمل معا بشكل أفضل من خلال المؤسسات الدولية ؛ وقد أفادت هذه السياسة العالم لعقود مضت. أما القادة الضعفاء فهم لا يتحركون في هذا الإتجاه الا إذا كانت هناك مصلحة لبلدهم او لهم شخصيا. منظمة الصحة العالمية ليست مثالية ، لكنها ساعدت في إخماد العديد من الحرائق حول العالم ولفترة طويلة.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

https://science.sciencemag.org/content/368/6489/341

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *