اللقاح سيعالج الجانب الصحي للبدن ولكن الآثار النفسية (قليلها أو كثيرها) قد تكون طويلة الإستمرار والبقاء وخاصة إذا تركت وشأنها. لابد أن ينال الجانب النفسي درجة كبيرة من الإهتمام، ومفردة “الجانب النفسي” عامة وأتمنى من خلال أسئلتكم أن نسلط الضوء على جوانب نفسية معينة. أتطلع بإهتمام إلى أسئلتكم ومداخلاتكم.
السؤال الثامن عشر:
هل هناك نصائح لرب الأسرة لإدارة البيت بعيدا عن التشنج التي اعتادت عوائلنا عليه وخاصة أن رب الأسرة هو من يملك السلطة المطلقة في بعض ثقافتنا وممارساتنا أيضا؟ والسؤال نفسه مطروح حول دور المرأة القوية التي تحاول أن يكون لها دور بارز في إدارة البيت وتلقى بعض المعارضة من الزوج الغاضب فينشب الخلاف. فما هي النصائح لهؤلاء؟
***
راجعه الدكتور عبدالله فيصل آل ربح
مقدمة
هذا السؤال مهم للغاية لأنه يتناول موضوعًا يتعلق بصحة أو سقم الحياة الزوجية وانعكاساتها على بيئة ومزاج البيت، وماله من تداعيات على مشاعر السعادة والهناء لكل من الزوج والزوجة، بالإضافة إلى تداعياته على نمو الجانب العاطفي لدى الأطفال.
العلاقة الزوجية التي ابتدأت بمشاعر حب عارمة مع مرور الوقت تمر بفترات (وقد تكون فترات طويلة في بعض الأحيان) من الفتور والبرود، ولربما إلى التباعد العاطفي الذي قد يوصل العلاقة الى ما يسميها خبراء العلاقات الزوجية بمرحلة “الإزدراء” والتي تعتبر مرحلة تحدي وجودية كبيرة للعلاقة؛ أي أنها مؤشر على مصير استمرار العلاقة الزوجية.
قبل الإجابة المباشرة على شقيّ السؤال، من الجيد التطرق الى مصادر ومسببات النزاع والتشنج بين الأبوين. إن من أكبر وأعظم المسببات هو وجود ديناميات صراع على السلطة أو السيطرة بين رب وربة الأسرة. سنتحدث عن العامل التربوي الذي يلعب دور قوي في صياغة شخصية كل من الزوج و الزوجة وكيف يتمظهر هذا العامل في سلوكيات نزعة التسلط والتحكم. والعامل الآخر في التربية هو التنشئة الاجتماعية وتحديداتها وتوقعاتها لدور رب الأسرة وربة الأسرة. ومن ثم سنتحدث عن موضوع الصراع على السلطة: تشخيص وطرق العلاج. التشخيص وطرق التعامل مع صراع السلطة سيكون في معرض الإجابة على السؤالين المرتبطين بهذا الموضوع.
دور التربية (Child-rearing/Parenting)
هناك دراسة مهمة أسست الى مسار واسع الإنتشار في تربية الأطفال. الدراسة لعالم النفس الأمريكي مارتن هوفمان ونشرت شهر مارس من عام ١٩٦٠ في الدورية العلمية الرائدة “نمو الأطفال” وتحت عنوان “السلطة الأبوية وأثرها على الطفل”. افترض هوفمان أن الآباء الذين يسيئون استخدام سلطتهم الأبوية يساعدون على خلق مشاعر الضعف والعجز لدى الطفل مما يؤدي إلى توجعه واعتقاده بأنه مغلوب على أمره ولا حول له ولا قوة. إضافة إلى ذلك، يشعر الطفل بأن لا أحد من حوله (إشارة الى الأبوين) يفهمه أو يسانده أو يحميه! وعليه، فإن استمرارية هذه المشاعر عند الطفل واستفحالها تعتبر الحجر الأساس الذي تنبعث منه نوازع التعويض عن هذه المشاعر عن طريق التحكم والتسلط التي نراها متمثلة في الصراع على السلطة حينما يصبح الولد زوجا ورب أسرة وتصبح البنت زوجة وربة أسرة في المستقبل.
يعرف مارتن هوفمان القوة بأنها “محاولة قسر الطفل على عمل أو سلوك لا يرغب فيه أو ليس له أي دافعية تجاهه”. نعم، في عملية تهذيب وتوجيه الطفل يستعمل الآباء قوتهم ويرسمون للطفل الحدود التي لا يجوز تجاوزها، ولكن هذا التوجيه يمكن أن يحصل في إطارٍ متفاوت الدرجات من الحب والحنان والدفئ. وتعريف هوفمان للقوة ينطبق أيضا على المشاعر أو العواطف. والشعور بالقوة أو التحكم عند الطفل يتولد بعد ان يدرك ان لديه قدرة على تغيير مزاج من حوله والتحكم في إحداث نتائج شعورية أو سلوكية فيهم.
ولهذا يعتبر هذا العامل التربوي المؤسس لجذور ما يسمى بالنزاع على السلطة في العلاقة الزوجية وفي الأسرة، وبناءً على ذلك فإن إدراك وتفهم رب وربة الأسرة لهذا الأمر يجعلهم أكثر وعيا لحجم ونوع تأثيرهم على العلاقة. وهذا الادراك يجب أن ينصب على تفسير السلوكيات العقابية الحادة والمبالغ فيها بوصفها مجرد محاولات للتعويض عن مشاعر الضعف الداخلي الذي نما عنده في الصغر وتنامى في مسيرة نموه حتى دخل بيت الزوجية ودخل في تأسيس بيت الأسرة. حينما يكون الأبوين في محاولة مستمرة للتعويض عن مشاعر الضعف، فهم سيعانون من صراع كبير على السلطة حيث يسعى كل واحد منهم جاهدا للتحكم في الآخر. محاولات التحكم تخلق محاولات تحكم مضادة والتي بدورها تَخلق ردود معاكسة عند الطرف الآخر فينشب النزاع والخلاف وترتفع نبرة الصوت في معركة لا ينتصر أي منهما فيها.
كل من الزوجة والزوجة يتكون عندهما مزيج من التوقعات والمطالب غير الواقعية وغير المنطقية من الطرف الآخر. ومحاولات كل طرف لفرض الهيمنة والسلطة على الآخر تجهد الطاقة والرصيد العاطفي لعلاقتهم التي غدت كالأرجوحة التي يعتلي أحدهما فيها على القمة والتي تعبر عن القوة والغلبة والنصر بينما الآخر يجد نفسه في الجهة السفلى والتي تعني العجز والضعف والهزيمة! وفي بعض العلاقات الزوجية، يتغير موقع الزوج والزوجة على الأرجوحة فتارة يكون في الجهة الراجحة، وتارة لا، وهذا يدل على توزع الأدوار والتفاهم على قواعد الاشتباك في حلبة الصراع. ولكن إذا أصر أحد الأبوين على أن يكون هو المسيطر والمهيمن الوحيد، فقد يجبر الطرف الآخر على التقهقر والانسحاب (ولربما يكون انسحابًا من العلاقة بالكامل) ولكن بمشاعر غضب وحقد وضغينة.
فدور التربية عامل مهم وكذلك دور التنشئة الإجتماعية، وذلك ما سنتحدث عنه الآن:
دور الثقافة والممارسات أو ما يسمى بالتنشئة الإجتماعية (Socialization)
للمجتمع ولثقافته دور كبير في تعزيز الدور التربوي للأسرة، وفي وتوجيه سلوك وتوقعات الفرد من الآخرين. وفي موضوع الصراع على السلطة يتحد علم الإجتماع وعلم النفس وعلم التربية في فهم هذه الحالة وتقديم طرق لترشيد نزعة حب التسلط في أي علاقة اجتماعية وخاصة في العلاقات الزوجية والأسرية.
نمو الجانب الإجتماعي لدى الإنسان يحمل مفارقة بمعنى أنه في نفس الوقت الذي ينمو فيه الإنسان ككيان اجتماعي، فإنه ينمو كفرد له سمات شخصية مميزة. ولهذا فطن الباحثون في مجال دراسة شخصية الإنسان وتأثير التربية عليها من زوايا مختلفة. فعامل النماء لا ينفك عن عامل التنشئة الاجتماعية فهما متشابكان وليس بالإمكان الفصل بينهما. وعليه، فإن علماء النفس ركزوا على بحث ودراسة نمو الشخصية بينما علماء الإجتماع ركزوا على دراسة وفهم دور التنشئة الإجتماعية، وعلماء التربية ركزوا على الجانب التطبيقي لنظريات ودراسات علماء النفس وعلماء والإجتماع في عملية التربية والتهذيب والتعليم.
أحد تعريفات التنشئة الإجتماعية هو أنها عملية بروز وتشكل ونمو شخصية الإنسان بفضل التفاعل بين الفرد ومجتمعه وظروف ذلك المجتمع وزمنه (من عادات وتقاليد سائدة تتمثل في الأعراف الاجتماعية والقيم الثقافية وقواعد أو معايير اجتماعية) لها أثرها الكبير في صياغة الشخصية. لا بد لنا أن نعي بأن التنشئة ونمو الشخصية عملية ديناميكية مستمرة وليست ثابته وجامدة وحتمية. ولذا يشترك علماء التربية مع زملائهم في علم النفس وعلم الإجتماع في اكتشاف طرق لتقويم أي اعوجاج وتوجيه أي سلوك يعود على الفرد وعلاقاته الاجتماعية، خاصة الأسرية بنتائج سلبية.
يساهم المجتمع في التنشئة الاجتماعية بطرق مختلفة تشمل تحديد معايير وقواعد اجتماعية للمهارات الشخصية ولطرق التعبير العاطفي وكيفية التعامل مع الناس بما فيها التعامل مع من نحب ونتخذ كشريك حياة لبناء أسرة تساهم بدورها في العطاء للمجتمع. ويتبع الآباء توقعات الثقافة السائدة في مجتمعهم في تربية أبنائهم ليكونوا أفراد ناجحين. وبيت القصيد في هذا: التغذية الإجتماعية أيضا توجه وترشد الآباء على اتباع ما يعتبر في الثقافة السائدة بـ ” الأب الجيد، أو رب الأسرة الجيد”، فيسعى الآباء بشكل واعٍ أو غير واعٍ لتحقيق وتلبية طلبات وتوقعات مجتمعهم.
ونركز الحديث هنا على التنشئة الرئيسية، أي المرحلة التأسيسية للإنسان في مرحلة الطفولة والتي يلعب فيها الآباء والأقارب دورًا هامًا تليه مساهمة المدرسة والأقران والإعلام في عملية التنشئة الإجتماعية المعقدة.
آليات التنشئة هي التعلم عن طريق المراقبة والملاحظة ومحاكاة سلوك من نعتبرهم قدوة لنا، وعن طريق الملاحظة نكتسب أنماط ثابته للسلوك الإجتماعي. وأحد جوانب هذا التعلم الاجتماعي هو معرفة الدور المتوقع من الفرد، ما يجب أن يقوم به في المجتمع كولد أو بنت كأم أو أب مثلا، وهذا الدور هو بمثابة الحبل السري الذي يربطنا بمجتمعنا وثقافتنا، والذي يغذي الفرد بالوقود الإجتماعي وخاصة خلال مرحلة التنشئة الإجتماعية الثانوية التي تنشط حينما يكون الفرد بالغا ومستعدا للبناء على ماتعلمه أثناء الطفولة عن الدور المتوقع منه في مجتمعه.
والآلية الأخرى هي التعزيز الإجتماعي (social reinforcement) والذي يعرف بعملية قيام وكلاء التنشئة الإجتماعية (كالأبوين) للمحافظة على أو صيانة أو كبح تصرفات وسلوك الفرد (ابن أو بنت) بما يتوافق والتوقعات والأعراف والقيم الثقافية في المجتمع.
ومن أكثر الأدوار الاجتماعية المعقدة التي يتعلمها الفرد من مجتمعه ماهو مرتبط بالأدوار الجنسانية – الدور المتوقع من المرء بناءً على جنسه – ذكر أم أنثى. الكثير يعتقد بأن الأدوار المختلفة للجنسين أساسها فطري وبيلوجي محض متجاهلين الدور القوي للتنشئة في ذلك، وأكبر دليل على ذلك تنوع واختلاف الأدوار للذكور والإناث في ثقافات ومجتمعات العالم. وهذا ما يجعلنا نفرق بين التصنيف البيولوجي ذكر/أنثى والتصنيف الاجتماعي ولد/بنت أو رجل/امرأة.
الحديث يطول في دور التنشئة، ولكني سأكتفي بهذا القدر لأبين الدور الهام للتنشئة الإجتماعية في صياغة أفكار وسلوك الأفراد وخاصة فيما يتعلق بموضوع السؤال وهو العلاقات الأسرية وما دور رب البيت و ربة البيت في إطارهم الإجتماعي. هل المجتمع يربي ويتوقع كل منهما أن تكون السيطرة لدى الرجل وما معنى ذلك وماهو السلوك الذي يتماشى مع هذا التوقع؟ أم أن السيطرة يفترض أن يكون بيد المرأة؟ أم تكون السيطرة متساوية بالتفاهم بينهما؟ في أغلب الأحيان، الأفراد – ذكورا وإناثا – يتبعون (أو على الأقل يقعون تحت تأثير) تعاليم التنشئة الإجتماعية القوية.
يعتقد بعض الكتّاب والباحثين بأن مشاعر العزة بالنفس والكبرياء هي منشأ ورافد لكثير من النزاعات التي تحصل بين البشر بما فيها التزام في بيئة الأسرة. وهذه المشاعر أيضا لها جذور نمائية وعوامل مرتبطة بالتنشئة كما ذكرنا أعلاه. سنتكلم عن دور العزة بالنفس في الصراع من أجل السيطرة والسلطة بين الأبوين.
العزة بالنفس (Pride)
هناك عدة زوايا بإمكاننا النظر من خلالها لموضوع العزة بالنفس والكبرياء. علماء النفس يقسمون الموضوع الى نوعين، نوع إيجابي والآخر سلبي. الصنف الأول يرتبط بالتقييم الإيجابي للذات والثقة بها، وهذا الاعتزاز صحي و يزوّد الإنسان بمشاعر الأمان والتوازن النفسي وتوقير النفس والوعي بقيمتها. بينما الصنف الثاني يعكس مشاعر الكبرياء والغرور حيث التمحور حول الذات متضخم جدا. وهناك تداعيات اجتماعية سلبية كبيرة لأنه يفصل ويعزل الشخص عن الآخرين ومحفز قوي للنزاع والشجار لأن هذا الشخص يعتبر نفسه أفضل من غيره ولهذا لا يرى تصرفاته كعيوب يجب تغييرها أو إصلاحها. فتمادي الشخص في الغرور يُحدث هوّة كبيرة بينه وبين التواضع.
التواضع يتماشى مع النوع الأول من مشاعر الاعتزاز ويجعل الإنسان مرنًا ومنفتحًا على تعلم سلوكيات جديدة أو تغيير سلوكيات قائمة ويبعده عن التشكي واللوم وإلقاء المسؤولية على الآخرين. والشخص المرن في نظرته لنفسه وللآخرين يتبنى سبيل حل أي نزاع عن طريق الحوار والتفاهم والتوصل الى حلول وسط مرضية للطرفين. بينما الإنسان المبتلى بالغرور والكبرياء ومشاعر الفوقية لا يرى نفسه على خطأ أبدا كأنه (والعياذ بالله) منزّه أو معصوم من الخطأ والزلل! وعادة ما يتصف هذا النوع من الناس بالبرود العاطفي. ولكي يتغير هذا الإنسان لا بد له للوقوف بصدق وحزم وشفافية لاكتشاف إغراءات المشاعر الزائفة والكاذبة التي تهدد كيانه الداخلي وعلاقاته مع العالم الخارجي. فالصدق مع النفس وترويض جنوحها تجاه الغرور منجاة للإنسان من الهلاك. في حالات الصراع حول السلطة في الأسرة، يجب التركيز على مشاعر الاعتزاز وتشخيص درجة وحدة السلبية في النوع الثاني منها.
الآن ننتقل لمناقشة ديناميات الصراع على السلطة في العلاقة الزوجية
ديناميات الصراع على السلطة (Power struggle dynamics)
حدوث النزاعات شيء طبيعي وشائع في العلاقات الزوجية والأسرية، ووجود نزاع بين الفينة والأخرى مؤشر صحي للعلاقة لأن لكل شخص في العلاقة رأيه ووجهة نظره وتجاربه وتركيبته النفسية الخاصة. ولكن وجود صراع على السيطرة بين الطرفين حيث أحد الأطراف ينزع الى تجاهل أو كبح حرية الآخر في التعبير عن رأيه أو مشاعره أو توقع الطاعة العمياء منه للأوامر هي مصادرة لحقوق الزوج أو الزوجة ومولدة للكراهية والبغض. والنزاع على السيطرة والتسلط من قبل الزوج أو الزوجة يأخذ عدة أشكال منها:
١- اعتقاد الطرف المسيطر بأنه على حق وإن الشريك على خطأ.
٢- تجاهل مشاعر وحق الآخر.
٣- الطرف المسيطر عليه يشعر بضياع الشعور بالذات.
٤- يبدأ الطرف المستضعف بالتعبير عن انتزاع حقه في أخذ دور فاعل في العلاقة وهذا يقابله الطرف المتحكم بالرفض وتدريجيا يبدأ النزاع و الشجار.
وهناك حزمة من الأمور التي تولّد الصراع على السلطة في العلاقة ومنها:
١- كلا الزوجين يملكان شخصية قوية وكل واحد منهما يصر على إدارة شؤون الأسرة بطريقته. وفي هذه الحالة من الجيد أن يعي الزوجان ضرورة معرفة الحالات التي يجب فيها الإصرار على اتخاذ قرار معين والحالات التي من الحكمة أن ينسحب تاركًا الطرف الآخر يدير الأمر بطريقته.
٢- أحد الطرفين (المتسلط) لا يهتم بأخذ وجهة نظر الآخر بعين الإعتبار. واذا شعر أحد الطرفين بأن ما يقوله لم يصل الى الطرف الآخر، يكون اللجوء تلقائيًّا لرفع الصوت وليس لتغيير طريقة توصيل القول أو الفكرة التي يرغب في إيصالها. ورفع الصوت لا يؤدي الى النتيجة المرجوة بل يأتي بنتائج ترفع من حدة النزاع وقوة الشجار!
٣- الزوج أو الزوجة أو كلاهما لا يُتقنان فن التسوية والمرونة التي تؤدي الى حل أو حلول وسط والتي تسمى “رابح-رابح”.
٤- أحد الزوجين أو كلاهما لا يتقنان فن الإصغاء! وعليه فإن عدم الإصغاء يجعل الطرف الآخر يشعر بأن موقفه لا يُقدّر ولا يُفهم ولا يُحترم ممّا يصبُّ مزيدا من الزيت على النار ويلهب النزاع.
٥- أحد الزوجين يصرُ على أخذ زمام التسلط والقيادة في كل شيء، سواء كان صغيرا أو كبيرا، بمعنى أن السلطة تتركز في شخص أحد الزوجين، ويولّد هذا التسلط مشاعر الغبن والغيض لعدم احترام حق الطرف الآخر في المشاركة والأخذ برأيه/رأيها.
الآن سننتقل للإجابة على السؤال بشقيه وذلك بالتركيز على توصيف نوعين من الصراع أو المنافسة على السيطرة بين رب الأسرة وربة الأسرة: النوع الإيجابي والنوع السلبي.
الصراع الإيجابي
يبدأ بتقبل واحترام وجهة نظر وأفكار وأولويات شريك/شريكة الحياة وبأن هذه الأمور تتغير مع نمو الإنسان وتقدم عمره. فالحياة الزوجية تعتمد على انفتاح كل من الزوج والزوجة على عملية التعرف واحترام ما يميز الآخر ككيان مستقل بذاته وآرائه وكيفية تعامله مع أمور الحياة. قد تكون الاختلافات الشخصية بين الزوجين مصدر نزاع وشجار أو محفّزًا لتقوية وتنمية العلاقة الزوجية.
فالاعتراف والقبول بالاختلاف يحتّم على الزوج والزوجة أن يتفقا على قواعد الاشتباك حينما يحصل سوء تفاهم أو نزاع معين. و تشمل تلك القواعد الخطوط الحمراء التي لا يجوز لأي منهما تخطّيها، بل يتوجب العمل سويا للوصول إلى التسوية المرضية للطرفين عن طريق التحدث بشفافية ووضوح بنبرة هادئة تعكس الاحترام المتبادل. وهكذا، فإن جعل الحلول الوسطية غايةً يحوّل الصراع إلى فكرة ملخّصها: إن كلّا من الزوج والزوجة لديهما الاستعداد للأخذ والعطاء وهذا من شأنه تقوية الروابط العاطفية والاحترام بينهما. فأدوات الصراع الإيجابي تتلخص في حل أي نزاع أو صراع بالحوار الشفاف والصادق والتعبير عن وجهات النظر والمشاعر باحترام والتوصل الى الحل الذي يرضي الطرفين.
الصراع السلبي
هذا النوع من الصراع هدفه ليس الوصول الى تسوية أو حل وسط وإنما نيل الغلبة والتحكم والسيطرة على الزوج/الزوجة. فالزوج المتسلط أو الزوجة المتسلطة يجيدون التلاعب والسلوكيات الأخرى التي تهدف الى إرغام الطرف الآخر على تبني وتقبل وجهة نظرهم أو طريقتهم أو اتباع أوامرهم. شعارهم هو (My way or the highway!) أي إما طريقي أو انزل من السيارة الى الطريق السريع حيث المجهول!
والغريب أنه على الرغم من تحكم طرف بالآخر في العلاقة ، فإنه لا رابح حقيقي في هذا الصراع. الطرف الذي شعر بأنه الخاسر ولا يستطيع تغيير المعادلة تنتابه مشاعر عدم الرضا وتبدأ مشاعر الحقد والكراهية في النمو عنده والتي تزيد مع كل شجار ونزاع في سلسلة الصراع المستمرة. نتيجة الصراع ليست التسوية ولا يجني طرفا الصراع غير الشقاء.
وعليه، فإنه يتحتم على رب وربة الأسرة أن يفكرا جيدا في الإجابة على هذا السؤال: هل من الأفضل أن أكون على حق وأن أسيّر أمور الأسرة برأيي وإرادتي وطريقتي مهما كلّف الثمن؟ هل هذا سلوك ينمي العلاقة وينشر مشاعر الحب والاحترام بين الزوجين ويشيع أجواء الأمان والسكينة في الأسرة؟
وأثناء التأمل في هذه الأسئلة من الجيد أيضا تسليط التفكير على دوافع النزاع وعوامل إشعال فتيله. هل كل طرف يبحث ويتصيّد على الآخر هفواته وأخطاءه ويذكّره بها ويعاقبه عليها ليس مرة أو مرتين بل مرارا وتكرار في كلّ جولة من الاختلافات؟
الآن نختم الإجابة بإعطاء توصيات للتعامل المعقول مع الصراع من أجل التسلط لكي يدير رب الأسرة البيت بدون تشنج وتدير ربة الأسرة البيت بدون خلاف.
إدارة البيت بدون تشنج: رب الأسرة؛ إدارة البيت بدون خلاف: ربة الأسرة
ناقشنا عدة عوامل لها دورها الفاعل والنشط في العلاقات الأسرية وهذه العوامل تتشابك في كثير من الأحيان بسلوك تقصير مقصود أوغير مقصود في تأدية واجبات ومسؤوليات الحياة اليومية للأسرة. وهناك خمسة طرق ينصح بها خبراء الإرشاد الأُسَري للتخفيف والتخلص من الصراع السلبي على السيطرة والتحكم:
١- اللجوء الى ضبط الأعصاب وعقد نية التهدئة بدلا من التصعيد عند الشعور بأن الأمور تسير بإتجاه الصراع والنزاع. وفي هذه الحالة من الجيد تدوين المشاعر والتفكير في توقيت ومكان ونوعية الخلاف الذي قد ينمو ويتفاقم الى شجار ودور كل من رب وربة الأسرة فيه. بمعنى آخر، يجب التعرف على المؤثرات التي تقود الى الصراع والقيام بالتهدئة لكي لا ينشب ويتطور الأمر الى خلاف كبير.
٢- أن يعي كل من رب وربة الأسرة أن أي خلاف ونزاع يحتاج الى مشاركة الطرفين فيه، ويجب على كل طرف أن يقوم بمسؤوليته في تجنب وقوعه.
٣- وإذا وقع الخلاف والنزاع لابد للزوج والزوجة من التحدث حول الأمر بدون إلقاء اللوم أو المعاتبة، ولكن بالتحدث بشفافية وصراحة وبكل هدوء لعلهما يهتديان إلى كون كل منهما كان يسعى أن يدير الأمور بطريقته وقسر الآخر على تقبلها، وأن هذا السلوك يكون مؤذيا ويؤدي الى نتيجة خاسر- خاسر.
٤- أن يعاهد كل من رب وربة البيت أنفسهما بالمشاركة بمشاعرهما وعواطفهما والتعبير عن حاجاتهما بكل صراحة ورقة ولطف لتجنب إلقاء اللوم أو الاتهام. إذا كان جو الحب والمداراة هو السائد في معالجة الاختلافات، فإن هذا سينمي العلاقة وينضجها ويزيد من الرصيد العاطفي للزوجين والذي سينعكس حتما بشكل إيجابي على كل أفراد الأسرة، ويكون سلوك الأبوين قدوة حسنة لأبنائهم.
٥- توخي الصبر والحكمة لأن أي سلوك يطمح الإنسان في تعلمه والتعود عليه يحتاج الى وقت للممارسه والتمرن والتعود عليه حتى يتحول الى مَلَكَة. وبالتحلي بالصبر، سيكتسب الزوج والزوجة طرقًا إيجابية تعينهما على الوصول الى توازن في عملية الصراع وسيجنيان ثماره المتمثّلة في الثقة المتبادلة التي تبدد أي مسافة أو تباعد عاطفي. نعم، إنهما سيجنيان قطاف الحب والسعادة.
* أستاذ بجامعة شمال أيوا الأمريكية ومدير المعهد البحثي بمدينة شيكاغو.