الحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي أثناء أزمة كورونا وما بعدها (1) – د. رضي حسن المبيوق*

الجائحة محلية-عالمية

الجائحة بدأت في الصين وكان التفكير بأن الوباء خاص وسيقتصر على المنطقة الجغرافية لمدينة ووهان يعني المشكلة (over there) – محلية. وسرعان ما انتقل (الفيروس) الى خارج ووهان الى بلد وبعدها الى بلدان إلى أن اصبح الوباء (over here) – في عقر أوطاننا. واستمر في انتشاره حتى أصبح (everywhere) – في كل مكان. وأصبح يستخدم مصطلح glocal كوصف للجائحة أي أنه محلي-عالمي. وهكذا ارتبط العالم وتوحد في كونه تحت وطأة كورونا.

كيف ننظر الى كورونا: نعمة أم نقمة أم لا هذا ولا ذاك (it depends) 

سرعة انتشار الجائحة وتسببها في آلاف الوفيات فضلا عن آلام المصابين الذين يخضعون للرعاية الطبية في غياب وجود لقاح فعال لعلاجه، إضافة على الحجر الصحي الاختياري والجبري أرغم الجميع (الغالبية) على الجلوس في البيت وفرض ضرورة التأقلم مع الوضع الجديد: العمل عن بعد لمن يستطيع، او فقدان الوظيفة؛ المشاركة في أعمال ومهمات المنزل؛ تدريس الأطفال واللعب معهم والتأقلم مع وجودهم في البيت طوال اليوم؛ الشعور بالقلق إزاء توفر الغذاء الكافي ومستلزمات البيت; الشعور بوطأة العزلة الإجتماعية وغير ذلك.

البعض رأى ولا زال بأن الجائحة نعمة لا نقمة لأنها أتاحت الوقت الكافي للقيام بأعمال كانت مؤجلة ، وإلى الإبتعاد عن بيئة العمل الضاغطة والإستراحة من صخب الحياة السريعة. والبعض رأى أن الجائحة نقمة ومصدر قلق وخوف وإزعاج نفسي يزداد كل يوم. وقضاء الوقت يوم بعد يوم في البيت منتج للملل والضجر والذي قد يؤدي إلى المعاناة النفسية والى تعكير صفو جو الأسرة.

والبعض الآخر يتأرجح بين الإثنين على أنه نعمة ونقمة،  وتنعكس رؤية كل مجموعة للجائحة على مشاعرها وسلوكها.

النظرة الإيجابية تنتج وتنشر مشاعر التفاؤل والتعامل الحكيم مع الأزمة والعكس صحيح أيضا. وهذه المشاعر بدورها تنعكس وتلون بيئة العائلة الصغيرة والممتدة.

توقع الغير متوقع

لقد خلقت هذه الجائحة الإعتقاد بأن لا نأخذ أي شيئ كأمر مسلم به (for granted).  الحياة قد تتوقف كما حدث الآن مع كورونا والتي أعطتنا الفرصة للتأمل في أولوياتنا والإجابة عن أسئلة كثيرة: هل الوظيفة والمنصب والشهرة هي أهم شيئ في الدنيا؟ هل جمع المال هو الغاية الكبرى الذي يحقق السعادة لنا؟ وكثير من الأسئلة الأخرى. البعض اكتشف أهمية العائلة على أنها مصدر الحب والحنان والسعادة والإعتناء بها لا بد أن يكون الأولوية الكبرى. والبعض تنبه لأهمية الصداقات وروابط الإخوة على أنها سند ودعم ومسرة. أحد الآباء قال لي بأن صوت لعب أطفاله يطربه وأصبح يستمع بشغف لحديثهم وعبر عن أسفه لترك مشاغل الدنيا أن تحول دون استمتاعه باللعب وقضاء الوقت مع أفراد العائلة.

في مواجهة تحدي كورونا. نعلم جميعا بأن العالم حائر في فهمه وعن وجود وسيلة للقضاء عليه – ولكن المحاولات مستمرة كما نسمع تقريبا كل يوم عن لقاح تجرى عليه تجارب أو وجود نتائج واعدة للقاح في هذا البلد أو ذاك.

كما في الجائحات السابقة، تغلب الأنسان عليها ولو بعد حين. وسيحدث ذلك مع فيروس كرونا وسيصبح موضوعه جزء من الماضي.

اللقاح سيعالج الجانب الصحي للبدن ولكن الآثار النفسية (قليلها أو كثيرها) قد تكون طويلة الإستمرار والبقاء وخاصة إذا تركت وشأنها. لابد أن ينال الجانب النفسي درجة كبيرة من الإهتمام، ومفردة “الجانب النفسي” عامة وأتمنى من خلال أسئلتكم أن نسلط الضوء على جوانب نفسية معينة. أتطلع بإهتمام إلى أسئلتكم ومداخلاتكم. 

* أستاذ بجامعة شمال أيوا الأمريكية ومدير المعهد البحثي بمدينة شيكاغو.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *