لم تكن جائحة كورونا هي الجائحة الأولى التي تعصف بالبشر وتهدد وجودهم، ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن انـتـقل الإنسان إلى حياة الزراعة ودجّن الحيوانات أصبح الغزو الفيروسي ومقاومته جزءا من تاريخ الصراع من أجل البقاء عند البشر، وأصبحت الفيروسات تنتقل بين المجاميع البشرية بسرعة موازية لوسيلة النقل وكثافة التنقل الموجودة في كل زمان، فكانت الفيروسات تنتقل بسرعة الخيول والجمال والحمير سابقاً، والآن أصبحت تنتقل بسرعة السيارات والطائرات، فما أن انبثق فيروس كورونا في مدينة ووهان بالصين نهاية عام ٢٠١٩م حتى وصل إلى جميع أركان المعمورة في وقت سريع وغير مسبوق.
وكما أن وسائل التكنولوجيا سارعت في انتقال العدوى الكورونية، إلاّ أن التكنولوجيا أيضاً سارعت في الكشف عن الفيروس والتعرف عليه بدقة عبر تحليل تركيبته الجينية في وقت خاطف، كما استنفرت مراكز البحوث والمختبرات في أنحاء العالم في محاولة جادة للوصول إلى علاج سريع باستخدام التكنولوجيا الحديثة عبر تزواج الذكاء الإصطناعي وبرامج المحاكاة الحاسوبية مع التجارب البيولوجية لتقليص المسافة بين المختبرات العلمية ومباني المستشفيات، من أجل تخفيف أضرار هذه الجائحة بأسرع وقت ممكن.
كما أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت في انتشار وباء كورونا بشكل سريع، إلاّ أنها أيضاً ساهمت في انتشار وباء من نوع آخر، ألا وهو وباء المعلومات عبر نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة بطرق أسرع من انتشار فيروس كورونا، فالكل متصل بالكل، وباستطاعة أي شخص خلق معلومات مزيفة أو مغلوطة أو مشوّهة بالصوت والصورة والنص ونشرها على نطاق واسع لتصل إلى أقصى الأرض في غضون ثوانٍ معدودة، فانتقال البيانات في الأحزمة الضوئية لشبكات الإنترت أسرع من انتقال فيروس كورونا عبر الخطوط الجوية.
منذ بداية الجائحة قبل بضعة أشهر لم يمر يومٌ تقريباً إلا ويطرق أسماعنا شائعة عن الإدعاء بالوصول إلى علاج نهائي لفيروس كورونا، سواء عن طريق المختبرات أو علاجات قديمة أو حتى علاجات شعبية أو دينية، وكأنّ كل فرد أو مجتمع يريد أن يكون له الحظوة والسبق في تخليص البشرية من هذا الداء المستشري حتى لو كان هذا الادعاء كاذباً، ولكن ولحد الآن ونحن في منتصف شهر أبريل لم يخرج لنا أي علاج معتمد من قبل المنظمات الصحية العالمية، وكل ما هناك فقط تجارب على بضعة أدوية.
لم تقتصر الشائعات على ايجاد العلاج فقط، وإنما امتدت إلى جوانب عديدة، فقي كل يوم تغمرنا وسائل التواصل الإجتماعي ومواقع الأخبار المشبوهة وغيرها بطوفان من المعلومات الموبوءة والمغلوطة والمشوهة أو معلومات لا تخلو من إحتيال ودجل على الناس، كنظرية المؤامرة وأن الفيروس سلاح بيولوجي من صنع البشر، أو أن المؤمنين بديانة معينة لن يُصيبهم الفيروس، أو محاولة بث الرعب في قلوب الناس أو غير ذلك من تكهنات ليست مبنية على أسس علمية أو منطقية ثابتة.
سوف يقدم لنا العلم حلولاً ناجعة للتخلص من هذا الوباء البيولوجي الخطير، وسوف تخرج البشرية من هذا الجائحة منتصرة، وسوف تعود المياه لمجاريها وتدب الحياة في عروق الكرة الأرضية من جديد، ولكن هل يستطيع العلم إيجاد حل ناجع لوباء المعلومات؟
أعتقد أن الدول سوف تتكاتف وتُنشىء منظمات ومؤسسات علمية جديدة لمواجهة الجائحات البيولوجية القادمة، كما فعلت عندما أسست منظمة حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية، وغيرها من المنظمات العالمية، فالمشاكل العالمية المشتركة تتطلب تعاونًا وتكاتفًا مشتركًا لحلها، ولكن يبقى السؤال عن الوباء القديم الذي بدأ مع تاريخ الانسان ولم يستطع السيطرة عليه، بل إنه يزداد مع تزايد الأدوات التكنولوجية، ألا وهو نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة والتعمد في تشويهها واستخدامها كسلاح خصوصاً في الساحة السياسية والدينية، فهل ستتكاتف الدول لإيجاد حل لوباء المعلومات والسيطرة عليه من الانتشار حتى لا يخرب العقول ولا يشعل الفتن ولا يدمر الحضارات التي بناها الإنسان؟
أم هل ستتحمل الشركات المنتجة لقنوات التواصل روح المسؤولية الملقاة على عاتقها وتفرز المعلومات المزيفة وتحاصرها وتمنعها من الإنتشار؟