عادة ما يتعود الإنسان على نمط معين من الحياة أين ما أقام وفي أي بقعة من بقاع الأرض استقر، لكن إذا ما نزل به ما قد تكأده ثقله وألم به ما قد بهظه حمله، أعاد تشكيل سلوكياته وحاول التكيف مع أي حدث طارئ، وخاصة إذا كان هذا الحدث مفصلي.
الأحداث على مر التاريخ أثرت على الإنسان وتحكمت في هجراته وتنقلاته وكيفية بناء مأواه وفرضت عليه قدرا من التوجس والحساسية والمراقبة حفاظا على نفسه وأسرته وقد يمتد هذا التأثير حتى على لغته فيستخدم مصطلحات جديدة ويترك أخرى قديمة. في أيامنا هذه نلاحظ أن جائحة فيروس كورونا (COVID-19) أبقت الملايين داخل بيوتهم ولولا وجود تقنية التواصل لكنا جميعا كأجدادنا قبل آلاف السنين، كل يعيش في كهفه ولا يعلم شيئا عن الآخر. هذا البقاء في المنازل والتوقف عن شد الرحال من بقعة الى أخرى أوجد محطة استثنائية للبشر للتزود بالوقود كان قد نسيها لبرهة من الزمن مثل التأمل والتفكر ، قد يستفيد منها في إعادة صياغة الحياة.
هذه الطاقة قد تمكنه من الإقتراب من البراءة والبعد عن الأنانية وإحترام الرضا ، ومراجعة تقييم الأولويات ، وإعادة رسم خرائط الحب (حب المنعم، وحب الأخ والجار والصديق، وحب الوطن). وقد يمكنه أيضا من إعادة قراءة المشهد الثقافي وقد يجد الإنسان موطئ قدم جديد لم يخطر بباله أن يقف عليه يوما ما. قد يقتنع بعد تحييد وباء كورونا الى أن نظام الرعاية الصحية والصحة العامة للإنسان هي “الأهم”، وكذلك التعليم والخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والماء، كلها يجب أن لا تخضع لأي مغامرات. وقد تجبره الأحداث علي أن يفكر بشكل جماعي ويشعر بأن الجميع في قارب واحد، إما أن ينجو الجميع أو يغرق الجميع. فبعد خصام طويل مع الخيال سيتسلل “الخيال” الى عقولنا شئنا أم أبينا ، وسيبقى “المهم” هو سيد الموقف وإن طال وقت الحظر (لا سمح الله) سيتلاشى رويدا رويدا إهتمامنا بالعمل من أجل المال واللعب وصغائر الأمور. فيروس كورونا أظهر قدرة بارعة على إصابة أسس المجتمع الذي كنا نعتقد أنه متقدم، هذا يفرض علينا تغيير فهمنا “للتغيير”. لقد أدخل هذا الفيروس وعلى حين غره كل شئ في ركود.
لقد علمتنا جائحة كورونا انه يمكننا أن نعمل من البيت وأن نتعلم في البيت بكفاءة عالية، فهل سيواصل طلاب الجامعات السفر الى الحرم الجامعي ويقيمون هناك بعيدا عن أسرهم؟ علينا ايضا إعادة النظر في استخدام التطبيقات الإلكترونية بقوة لتقديم الخدمات الطبية والتعليمية، واستبدال الحياة الإفتراضية الى حياة واقعية فتتحول الشاشة من لعبة فيديو أو تلميع صور رمزية لا قيمة لها الى حصص ودروس مجانية ذا قيمة. نود أن نرى برامج تساعد في التنشئة الاجتماعية والصحة العقلية لأفراد المجتمع.
لقد إتضح أن إنتشار المصانع بشكل مخيف في العالم يؤثر على نقاء الهواء وعلى الحياة البرية والثروة السمكية ، فهل هذه الأزمة تجعلنا نقرر تقليص بصمتنا الصناعية القاتلة؟
وقد فهمنا جميعا أن إعداد الطعام لأحبابنا في البيت متعب قليلا لكنه صحي أكثر من وجبات المطاعم، وأننا قادرين أن نتفنن في الطبخ أكثر مما نظن.
لقد شعرنا جميعا بأهمية الترويح عن النفس وأن التمشية على السواحل والحدائق العامة كانت ضرورية، ونحن بحاجة ماسة الى مكان جميل نذهب إليه ، لذا نجزم أن الجميع يود مستقبلا رؤية المزيد من الاستثمارات لبناء حدائق عامة ومنتزهات مفتوحة ومتاحة للجميع.
المصائب تعلم الإنسان وتترك أثرا ، ويصعب إحصاء هذا التعلم وهذا الأثر ، ويحق لنا جميعا أن نطرح ما نشاء من الأسئلة “من هنا وهناك” ويحق لنا أيضا أن نحلق بالإجابة كيف ما نشاء، في مقالتنا هذه سنطرح الكثير من الأسئلة التي تتبادر الى الذهن ونحن نعيش في ظل هذه الإزمة، نمد اعناقنا الى المستقبل برؤية جديدة ونتوقع من القارئ الكريم أن يعلق بالإجابة على هذه الأسئلة ويبدي وجهة نظره وله أن يطرح مزيدا من الأسئلة إن أحبب، كي يثري الحوار، لذا ندعوا الجميع للمشاركة علنا نخلص الى فهم مشترك قد يساعدنا الى مستقبل أكثر إنسانية ينفعنا وينفع الأجيال القادمة.
هذه أسئلة متنوعة قد تعجبك وقد لا تعجبك ، لكننا نود منك ايها القارئ الكريم التعليق على ما يعجبك وما لا يعجبك ، كما نود منك أن تطرح المزيد من علامات الإستفهام أو التعجب:
ما تأثير الأزمة الحالية (إزمة فيروس كورونا الجديد) على قطاع التصنيع في العالم؟
هل ستساعد التقنية الرقمية لتسريع الجهود لإعادة إنفتاح العالم على بعضه البعض ؟
هل ستستمر المستويات المذهلة من التعاون أثناء فترة الوباء عبر القطاعات المختلفة داخل الدول وخارجها؟
هل ستتوقف المناكفات بين الدول على أتفه الأسباب؟
ما تأثير الوباء على المجتمع والإقتصاد؟ هل سترجع الأمور على ما كانت عليه؟ هل ستسوء أم أنها ستتحسن؟
هل من السهل التغلب على ما أحدثه الوباء من ضرر على العباد؟
هل سيكون هناك دور بطولي للخبراء من مهندسين وتقنيين لدفع عجلة التعافي بعد كورونا؟
هل قام عالم الهندسة والتصنيع في العالم بتلبية حاجات الإزمة؟
هل كل التخصصات العلمية قامت بدورها لمواجهة الوباء؟
هل ستتأثر العولمة التي عرفناها قبل إزمة كورونا؟
هل سيصبح نقل البضائع عبر الحدود وبين الدول أكثر صعوبة وأكثر تكلفة؟
هل سيعاد النظر في كيفية التعامل مع الحفاظ على البيئة ومفهوم إنقاذ الأرض؟
هل سيراجع الإنسان أولويات التصنيع في العالم؟
هل كان العالم يهرول في الإتجاه الخطأ صناعيا وتجاريا وبيئيا؟
هل التقنية المتاحة ساهمت بقوة في مواجهة تفشي الوباء؟ (الطابعة ثلاثية الأبعاد كمثال)
هل قنوات التواصل الإجتماعي (غرف النقل المباشر) ساهمت في القضاء على ألم التباعد بين أفراد العائلة والمجتمع؟
هل جائحة كورونا عطل مفاصل عدة من حياة الناس أم صححها؟
هل الحس الإنساني زاد أم نقص في ظل هذه الإزمة؟
هل ستعود عشرات الألاف من الطائرات الى السماء قريبا أم ستبقى المطارات مغلقة لفترة طويلة؟
هل سينسى الإنسان كل المحاذير بعد إنتهاء الإزمة ؟ وهل سيتحسس الإنسان من اللمس في المستقبل؟
هل الإقبال على المطاعم سيعود كما كان أم سيتأثر؟
هل سنعتمد في المستقبل على التطبيب عن بعد؟
هل سيهتم الإنسان بتقوية المناعة وخاصة لدى الأطفال؟
هل ستستفيد دول العالم من هذه الأزمة وتستعد من الان لتلبية الإحتياجات الصحية الأساسية لأي طارئ صحي؟
هل سنفكر في إعادة تربية ابنائنا على إحترام العلم والإنخراط في الصناعات المهمة أكثر من إحترام الكثير من السفاهات مثل صناعة التبغ وغيرها؟
هل الإستثمار في الإنسان يبقى أولوية؟
هل حَزم الحكومات في مجابهة الوباء مقابل حريات الناس مبرر؟
هل سيرتفع صوت الإنسانية لوضع القيود على الثقافة الاستهلاكية الجماعية المبالغ فيها ونتفهم ثمن هذه الثقافة البائسة على حماية أنفسنا ضد العدوى المستقبلية والكوارث المناخية على حد سواء؟
هل ستدفع هذه الجائحة دول العالم والمجتمعات الى التفكير بالإعتماد على النفس كليا؟
هل ستزيد الإزمة من إتساع شريحة الفقراء في المجتمعات أم ستقلصها؟
هل سيكون العالم أكثر سعادة أم أكثر شقاء بعد وباء كورونا؟
هل سيتعلم الإنسان درسا من هذه الجائحة أم ستعود حليمة على عادتها القديمة؟
هل ستتجه الدول إلى التعاون فيما بينها من أجل المصالح المشتركة أم ستستمر في الحروب التي لا طائل من ورائها إلا الدمار والخراب وسفك الدماء ؟؟؟
تساؤلات برسم الأحداث
تساؤلات في محلها وجديرة بالتوقف عندها بتامل ومسؤولية
ولكن ثمة أمر متعلق بسايكلوجية هذا الإنسان نفسه.
قلت ذات مرة متحدثا للشباب وكان الموضوع يدور حول فكرة مقالكم .
قلت: الإنسان في هذه الأزمة أشبه ما يكون بطالب المرحلة الثانوية وهو في خضم الامتحانات يعيش حالة من أحلام اليقظة إذ يرسم مشاريع وبرامج سوف يقوم بها حالما تنقضي الاختبارات التي حرمته من التمتع بما كان يقوم به في يومه وليله …كل ذلك هربا من كابوس الاختبارات وبمجرد الانتهاء من آخر مادة يؤديها ينس تلك الاحلام والخطط والمشاريع التي كان قد عزم على القيام بها .
وهذا ما اتصوره في طبيعة التعامل مع هذه الجائحة وهذا ليس من منطلق الرؤية السوداوية ولكنها تحكي ذات المثال الذي يقوم به تلميذ المرحلة الثانوية .
ولعل القرآن الكريم – قد أشار إلى هذا المسلك والسلوك البشري؛ ولعلنا في استقراء العرض القرآني باعتباره وثيقة ربانية تحكي طبيعة سلوك الإنسان في حال الأزمة وما بعد الأزمة نكتشف عمق الركون إلى ما سلف من سلوك.
نعم ربما يورد النص القرآني التجربة الإنسانية في إطارها الفردي أو المجتمعي إلا أنها يمكن النظر إليها كوثيقة تحكي الفعل ورد الفعل البشري عندما يتعرض لموجة من موجات التحدي الكبير .
واقرأ هذا النموذج الذي تقدمه الوثيقة القرآنية
*وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ*
وهذه الآية
*وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*
لعل في سلوك الانسان هذا محاولة منه أن يعيد التوازن لذاته من خلال رسم الخطط والمشاريع التي يعتزم القيام بها حال الخروج من الازمة؛ في محاولة منه للخروج من نفق تأنيب الضمير وجلد الذات على ما قصر فيما مضى من أيامه الخوالي.
والنتيجة التي تعرضها الوثيقة القرآنية لمجمل السلوك الإنساني
*بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ*
والسؤال: هل تثبت جائحة كورونا هذه الحقيقة القرآنية للسلوك الإنساني ونكون أبناء اليوم من بني الإنسان على موعد مع الانضمام إلى قافلة من مضى من بني الإنسان ؟
سؤال برسم الأحداث.