تحية تعظيم وإجلال وتكريم لأهالي صفوى الكرام ذوي السخاء والجود والكرم الموروث الذين توارثوا الكرم جيلا بعد جيل حتى أصبحوا مضربا للأمثال..
وتحية عامة لأهالي محافظة القطيف الكرام أبناء الكرام الذين عرف عنهم جميعا أنهم يهبوا للمبادرات الكريمه الخيرة وللتعاون فيما بينهم…
من الملاحظ أنه حين يكتب أحد المهتمين بتراث المنطقة الفكري كأن يسرد قائمة من المصطلحات اللغوية المحلية عامة أو الأمثال الشعبية خاصة فإنه لو تحقق في أمر تلك المصطلحات القطيفية عامة أو الأمثال الشعبية القطيفية خاصة لاتضح له أن 95 % من الأمثال الشعبيه هي خليحية بشكل عام وليست قطيفية قح، وأما بالنسبة للكلمات والمصطلحات فلكي لا نظلمهم حقهم فإن 60 % منها خليجية!
أما التي لا يختلف عليها إثنان في أنها قطيفية قح فهي تلك الأمثال التي تحتوي على مسميات لأماكن أو لعوائل أو لبلدان محلية من البيئة بالإضافة إلى بقية كلماتها المحلية الأخرى كذكر إسم صفوى و (حرق لخويلديه) و (من القطيف الى الحسا) و (حمام تاروت) وغيرها.
عندما يقرأ الكثير منا ممن لايعرفون حقيقة هذا المثل ومناسبته فإنه يتبادر لاذهانهم من أول وهلة أنه مثل عكسي وساخر وخصوصا عندما يقترن لفظان متناقضان كلفظ كرم مع لفظ سمك الجواف الذي يصنف بأنه نوعية منخفضة الجوده ورخيص الثمن! فماهو تبريرنا لدلالة هذا المثل على كرم أهل صفوى؟
لو سلطنا الأضواء على هذا المثل القطيفي القح لاستخرجنا منه صورا بيانيه عديده كالتوريه والجانب الساخر irony & pun بالإضافة إلى بعض المعلومات التي تظهر نموذجا من نماذج الكرم الصفواني وإنه لايتسنى لنا ذلك إلا بعد معرفة سر مناسبة هذا المثل وكذلك الإلمام بمعاني بعض المصطلحات التي يحتوي عليها هذا المثل. فلو تناولنا هذا المثل بمعناه الظاهري لأساء الكثير منا فهمه ولعله أحدث ضجة أذ أن كلمة (يطعم) والتي يعقبها كلمة (جواف) وهو نوع من الأسماك الذي يعرف عنه الجميع بأنه دون مستوى التقديم للضيافه، لا يدل على كرم شخص (يطعم) ضيفا أو شخصا آخر مثلا بسمك الجواف!
وإنما السر هنا يكمن في معرفة كلمة (يطعم)! فليس معني كلمة يطعم هنا عند أهالي القطيف بنفس معنى قول الباري عز وجل في محكم كتابه الكريم:(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) أو كما قال سبحانه وتعالى: ( فكلوا منها واطعموا البائس الفقير)، كلا.. فالمصطلح المحلي هنا مختلف معناه تماما حيث أن لفظة الإطعام المذكوره في المثل بلهجة أهل المنطقة لها معنيان؛ فالأول بمعنى إطعام الأرض أي تسميدها بسماد طبيعي ولكن ليس بروث البهائم وإنما إما بالعوم (العومه) المعروفة بالكسره ومعها ترابها وصفطها (حسكها) وهو سمك الساردين المجفف المجلوب من عمان (عماني) ومن فارس (فارسي).
وأما المعنى الثاني لكلمة يطعم فالمقصود به هو تقديم العلف للمواشي -أيضا- وبالأخص العومه حين يخلط مع التمور وكسارات الخبز المتبقيه وأحيانا مع الشوار الناعم (نشار الخشب) أو بإضافة الطحين حيث يوضع سوية فيما يعرف بالمطعم: وهي أحواض مصنوعة من جذوع النخيل حيث تشق في أوساطها وقد استبدلت فيما بعد ببراميل البترول الحديدية التي تشق بشكل طولي ثم تملأ بالعومه والتمر بالإضافة (للشوار)، ومن ميزة العومه والأسماك بشكل عام والتي عرفها الفلاحون أنها مدرة للحليب.
فما الذي تميز به فلاحي صفوى عن سائر فلاحي المنطقة من حيث إطعام مزارعهم ومواشيهم؟
لقد كانوا يقومون (بتفخير) سمك الجواف ليعلفوا به أبقارهم وليسمدوا به أراضيهم. أما إذا ماقارنا تقديم أسماك الجواف بتقديم العومه كعلف للمواشي أو كسماد للزراعه فهو بلا شك اغلى بكثير من العومه في تلك الآونه أولا من حيث الوزن فهو أثقل من العومه بكثير إذ أن العومه جاف وخفيف بينما الجواف رطب وثقيل، وثانيا أن أسعاره أغلى من العومه فهو يباع ليأكله الإنسان مهما رخص ثمنه وليس للتسميد أو للطعم. وعملية التفخير التي تجرى لهذه الأسماك والعومه هي عملية تشبه عملية صناعة الفسيخ في مصر حيث يخزن (يفخر) في جرار كبيره أو في أي حاويات لفترة زمنية معينة ثم يخرج من تلك الجرار للتعليف أو التسميد وهي عملية تتطلب الصبر وبدل الجهود وتضييع الاوقات التي تدل على الكرم أيضا.
فالغرض من استعمالات هذا المثل هو التورية الساخرة! فكثير من الأمثال تضرب لغرض الإستعمال العكسي وإن كانت في نفس الوقت تزودنا بمعلومات جديده كما هو في هذا المثل الذي يبرز لنا عينة بسيطه من نماذج كرم صفوى وفي الوقت نفسه يظهر الوجه العكسي الآخر ليطبق على من ضرب لأجله المثل وذلك ليظهر مدى بخله وكأنما يقول: (إلى أي مدى عسى أن يكون كرم هذا الشخص؟ هل سيصل إلى كرم أهل صفوى؟) أو كما نقولها بالعاميه عندما لانستنكر موقفا فيه شح على شخص عرف بالبخل، فنقول: (من؟ فلان؟ ايه.. مره بعد! من كرم أهل صفوى..) أي أنه رجل فيه شح فكيف نساوي من كان فيه شح بكرم أهل صفوى؟
إنه مجرد نموذج من نماذج هذا الكرم الصفواني الذي تعدى خيره الإنسان ليصل إلى الأرض الطيبة التي حين أغرقتهم بخيراتها فقد هبوا ليغذقوا عليها وفاء بالعطاء، ثم بعد لك يتجاوز كرمهم ليصل إلى البهائم التي أودعها الله بين أيديهم.
ومما يشرح الصدر أن نرى التاريخ يعيد نفسه لبيرز لنا نماذج من الكرم الصفواني الحي المشرف والذي لايزال ينبض باستمراريته ليصل إلى مثل هذه الأيام الحرجة التي تعطلت فيها عجلات الحياة المتصلة بمسنناتها ببعضها وتقطعت أسباب التواصلات بين المجتمعات وتوقف فيها الناس عن أعمالهم بسبب هذه الجائحة فينبري -مثلا- من بين هذا الوسط رجل من أهل الكرم والجود الصفواني بمبادرة طيبه ليقدم مابوسعه من خدمات جليله من أجل شريحة من الأهالي وذلك بما من الله عليه حين تمكن من مشاركتهم في رفع بعض الأحمال عنهم التي يحملونها على كواهلهم وحدهم فهم من سكان عمارته، فيالها من مفاجأة أسعدت البعض وأظهرت ملامح التعبيرات الإيجابية النيرة على وجوه بعض المستفيدين منها عبر وسائل التواصلات الإجتماعية وكان من فوائدها أن امتدت فكرة التكافل الإجتماعي لتفتح هذه الفرص أمام أهل المبادرات الخيره ليهبوا لنجدة أبناء مجتمعهم فتنتشر فكرة هذه المبادرات بين أفراد المجتمع القطيفي كافة لدرجة انبراء بعض الباحثين والناشطين في مجالات الإحصائيات ليستقصوا مدى تفاعلات أفراد المجتمع التطوعيه في مد يد العون وإبراز هذه اللوائح والقائمات التي رصدت تلك الخدمات الجليله فهاهو أحدهم يرصد في احصائيته أوجه التفاعلات الخدماتية التي قدمتها المجموعات الناشطة في سبيل تقديم أنواع الخدمات الممكنه لتخفيف وطأة هذه الظروف.
وإليك بعض ما رصده هذا الباحث الإحصائي في قائمته:
كبيع بعض المطاعم والمحلات بعض الأطعمة الضرورية بأسعار التكلفة وبعضها مقتصرة على شريحة من المجتمع كالعاملين في المجالات الصحية والوقائية بالإضافة لتقديم بعض الخدمات للكوادر الطبية والصحية، وانشاء مواقع الكترونيه لدعم أصحاب المحلات المتضررين جراء آثار هذه الأزمة، واستمرارية دفع رسوم سائقي مواصلات الطلاب، وكذلك انشاء مواقع الكترونيه لدعم أصحاب المحلات المتضررة، والتضامن الإجتماعي مع بعض المرضى والمساعدات للحالات الطارئه والكشف المجاني من قبل بعض المستشفيات الأهلية، وتقديم بعض الخدمات الطبيه التطوعية من قبل الأطباء والأخصائيين النفسيين لمن هم تحت ملاحظة الحجر الصحي، بالإضافة إلى استقبال بعض الجهات الصحية الأهلية كالصيدليات لبعض الحالات المرضيه الأخرى من أجل التعاون لجعل المستشفيات متفرغة لاستقبال الحالات الوبائية لهذه الجائحة. كما ولم ينسوا هؤلاء الباحثون أيضا دور خدمات التوصيل المجانية التي تقدمها بعض المطاعم وبعض المحلات من أجل مساعدة الناس على التزامهم بالبقاء في المنازل، وهناك من قام برصد وتوثيق دور الجانب الثقافي والفني والأدبي المتمثل في الفنانين والكتاب والإعلاميين ومنتجي ومخرجي الأفلام من أجل نشر الوعي الصحي عن طريق اطلاق حملات إرشادية عبر الأفلام القصيرة مع ارفاقها بزاوية تتضمن لغة الإشارة، كل ذلك من أجل منع انتشار هذا الوباء الذي يجتاح العالم تفشيه.
و عودا على بدء، فإن الواقع يشهد بتأصل جذور هذا السخاء في أعماق أهالي هذا البلد الكرام وتجلي النخوة فيما بين أفراده فكلما دعت الحاجة شمر أفراد هذا المجتمع عن سواعدهم كما تتفتق براعم الزهور من أكمامها ليعم عبق اعمالهم الخيره وعطاءاتهم السخية فيما بينهم من أجل النهوض بالمجتمع ولكي يهبوا للنجدة كما يتداعي سائر الجسد بالسهر والحمى عندما يشتكى أحد أعضائه. هكذا رأينا مجتمعنا الكريم وهو ماثل لرهن الإشارة الصادره من الجهات المختصة الممثلة للدولة لاتباع الخطوات السليمة في مكافحة هذا الوباء ومنعه من الإنتشار بينهم كما وقد رأينا ميادين التطوع وقد انفرجت على مصاريعها كل حسب تخصصه ومقدراته؛ فهذا في مجال الوقاية والعلاج الطبي وذاك يسعى من أجل نشر الوعي بين المجتمع وفجأة تنبري جمعيات تطوعيه لنقل المرضى أو لحل أزمات الطوارئ -مثلا- وآخرين يبتكرون الوسائل التي تذلل الصعاب لشق الطريق وسط معمعة هذه الأزمة.
الاخ عبدالرسول:
كانت اسماك العومه تضاف الى التربه لتغذية النباتات والمحاصيل مثل البطيخ البلدي والطروح ( الخيار) المحلي لاعطائه طعما لذيذا لاحتواء هذه الاسماك على العناصر الغذائيه مثل الفوسفات. وقد رايت ذلك بنفسي في مزارع الاوجام وصفوى. ولم اسمع بالمثل الذي يربط بين اطعام الحيوانات والارض الزراعيه باالجواف وكرم اهل صفوى!!
هناك عزة امثله لكرم للتدليل على كرم اهل منطقة القطيف وصفوى منها.
تحياتي لجهودك المتواصله للبحث في التراث . ودمتم سالمين
احسنت