الهدف من هذه المقالة القصيرة هو التعريف بمفهوم هندسة (البترول) النفط “لغير المختص” لما لهذه المادة من مكانة في اقتصاديات وتطور العالم منذ اكتشافها وبداية دخولها في عصر الثورة الصناعية الرابعة. أما للتخصص فهناك كثير من الجامعات المرموقة تدرس هذا النوع من الهندسة ومقالات ودراسات يمكن التوسع فيها ومطالعتها.
لا يتواجد النفط كما يتصور غير المختصين في تجمعات فراغية هائلة تحت أعماق الأرض بل يتواجد بين تشققات صخرية تسمى “مسامية” (تماماً مثل تجمع الماء داخل مسامات/ فراغات قطعة من الاسفنج عند غمرها في الماء). يستفيد المختص من ارتباط المسامات ببعضها البعض بواسطة خاصية “النفاذية” لتشكل مخزوناً ذا قيمة يمكن استخلاصه من الطبقات الصخرية بكلفة مربحة. وكلما زادت مسامات ونفاذية المكمن زادت قدرته التخزينية وعند توفر العوامل الإضافية يمكن استخراج مكنوناته.
ومثلما يتم تشخيص مولود جديد عند ولادته، يتم التشخيص الدقيق للاستكشافات والمكامن الهيدروكربونية الجديدة حيث يقاس حجمها وضغطها وحرارتها وأخذ عينات منها وقياس جودة وكمية السوائل والصخور المكونة لهذه التجمعات. فقد يصادف وجود مخزونين بنفس الحجم والعمق لكن جودة وتركيز السوائل يشكل الفارق بينهما من الناحية الاقتصادية. تسبق مرحلة الحفر والاستكشاف دراسات تفصيلية تبدأ بدراسة النظام الجيولوجي والطبقات الارضية والمنشاء وترحل الهيدروكربونات من مصدر انشائها الى مخزن التجمع. ويمكن تقسيم عملية البحث والإنتاج الى ثلاث مراحل:
أ)مرحلة الدراسات
لكي يعرف المختصون أفضل أماكن احتمال تواجد هذه المادة الثمينة لابد لهم من دراسة هجرة وتحرك الهيدروكربون من مكان المنشأ الى المكمن. وإجراء مسوحات جيوفيزيائية جوية وأرضية وفي بعض الأحيان بحرية مختلفة الأبعاد، يجري تحليلها ودراستها قبل مدة من اختيار المكان المناسب لحفر البئر الاستطلاعية أو الاستكشافية. إذ يسبق عملية حفر البئر الاستكشافية كمٌّ هائل من الدراسات الكيميائية للصخور ومسح شامل من أجل تطوير الخرائط الجيولوجية التي ترصد التراكيب ونوعيات الصخور وأعمارها المختلفة، والتضاريس واتجاهات ميول الطبقات، والطيات والفوالق، وغيرها من قاعدة المعلومات والبيانات لاستكمال أعمال استكشاف البترول. وقد أضاف وجود الحواسب الآلية قدرات أسرع وأدق في معالجة المعلومات الجيوفيزيائية، والمسح السيزمي ثلاثي الأبعاد.
ب) مرحلة التنقيب والاستكشاف
ومع كل هذه الدراسات العلمية تبقى عملية التأكد من وجود النفط تحت طيات الأرض والجدوى الاقتصادية من الاحتياطي مرتبطا بنجاح عملية الحفر الأولى والتأكد الفعلي من وجود السوائل بواسطة الحفر والتنقيب. يتم الحفر بواسطة أبراج ومنصات تعمل على مدار الساعة بغرض ثقب الأرض، وبتوجيهٍ دقيق الى اعماق قياسية تصل الى ٥ كلم تحت الأرض (ما يعادل خمس اضعاف علو برج خليفة في دبي) للوصول إلى العمق المستهدف.
وبعدما يتم تشخيص المكمن بأجهزة متطورة لمعرفة خواصة الفيزيائية يتم إجراء اختبار تدفق ميداني لمحتويات الطبقات الصخرية وأخذ العينات اللازمة لتحديد محتويات الصخور (غاز أم سائل وجودة السوائل التي تختلف باختلاف الكثافة ودرجة النقاء من الغازات الغير هيدروكربونية). ومن هنا تأتي أهمية المتخصص الذي يشارك في عملية الاستكشاف بدأً من عملية الحفر وتقييم مقدار طاقة البئر الانتاجية ونوع المحتوى (الهيدروكربوني) النفطي وتقدير حجمه والعائد المادي بعد استكمال مشروع انتاجه قبل إيصاله للمستهلكين.
ج) مرحلة التقييم والتطوير
يبقى المختص مصاحباً لهذه الدورة بعد اكتشاف النفط والغاز، فهو الذي يقيم المخزون الهيدروكربوني للمكمن للتأكد من ملائمة طرق الإنتاج لنوعية المكمن وكيفية استخلاص محتوياته بأكبر كمية ممكنة دون ترك الكثير منها حائراً بين الصخور. ومواصلة اختيار أفضل الأماكن لحفر آبار مستقبلية واستمرار المهمة مسترشداً بحاسبات آلية ضخمة تساعده في تكوين الصورة المثلى للتعامل مع هذه العملية المعقدة.
تمتلك هندسة البترول تاريخاً غنياً منذ تدفق النفط البدائي الذي توافر بصورة مباشرة دون تدخل، ثم استمر تطوير التقنيات المتخصصة والدقيقة وأجهزة تحليل المعلومات السريعة، مما جعل عملية البحث والحفر والإنتاج والإدارة تملك تقنيات رائدة في كثير من حلقاتها. ولعل أهم ما يجب دراسته في هذه الهندسة هو كمية وجودة وحجم وجدوى التطوير ومكان التجمع أو “المكمن” (بالاضافة لتقدير ما يمكن استخلاصه بالوسائل التقليدية) وغير التقليدية والعمل على إنتاج أكبر قدر من مخزون النفط السائل والغاز.