1- قال تعالى: ” وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”
تقرر الآية في أحد جوانبها بأن ما أعطي الناس من العلوم باختلافها ما هو إلا نزر يسير مما يزخر به الكون ، فكل ما جاء به الإبداع البشري من فكر وعلوم وخصوصا ً في السنوات المتأخرة من تفجر العلوم وتسارع وتيرة التطور العلمي هو شيء بسيط ، بينما في الجانب الملحوظ من الآية فإنها أيضاً تقول بشكل غير مباشر بأن ثمة مساحة واسعة من العلم لم تكتشف بعد، وأن الفكر البشري قادر على اكتشاف المزيد من العلوم فمهما نظر إلى أفاق السماء حتى وصل إلى أطراف الكون رغم اتساعه المهول وتمكن من قياس أبعاد النجوم والمجرات ، أو نظر إلى دقيق الكائنات الصغيرة وتكوين الخلايا حتى وصل إلى عمق الذرة ، فإن بين هذين الطرفين من العلوم ما تحار به العقول الحصيفة ، ففي كل ذرة هناك أبواب وأبواب من العلوم ، ومن هنا يمكن أن نتعقل الرواية الشريفة ” علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب” وهذا ما يذعن له العمالقة من المتخصصين في شتى العلوم حتى قال قائلهم ” كلما ازددت علما ً ، ازددت علما بجهلي” ، وهنا نستشعر عظمة الآية ” وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ” والآية ” ومن عنده علم الكتاب”
2- قال تعالى: ” قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك”
ما حدث في قصة هدهد نبي الله سليمان (ع) يثير الكثير من التساؤلات العلمية فيما هل من الممكن أن نجد تفسيراً علميا في حادثة إحضار عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في برهة زمنية قصيرة جداً ، ولعل التساؤل يمكن ربطه بالنظريات الفيزيائية الحديثة ( نظرية آينشتاين النسبية ) والتي تنص على أن اختلاف التسارع الزمني على شخصين مختلفين له تأثير مختلف إذ يظهر أحدهما أكبر سنا ً من الآخر وكأن الزمن قد تجمد أو تباطأ ، أو بعبارة أدق أن الإطار الزمني قد اختلف، ومن هنا لنا أن نتساءل: هل أن ما قام به آصف بن برخيا ( وصي نبي الله سليمان) هو اعجاز خارق لقوانين الطبيعة او انه يدخل في تطبيق العلوم الأرضية ، وأنه قد استخدم معرفته العلمية بهذا الجانب وخصوصا ربط القرآن الكريم الأمر بالعلم بوصفه ” عنده علم من الكتاب”
فعلى فرض التسارع الزمني يكون سرعة الحدث (على فرض أن المسافة 1500 كلم):
س= المسافة \ الزمن =3000 كم\ الثانية = 3000000متر في الثانية
وهي بالفعل سرعة خارقة.
و التساؤل المطروح ما هو نوع العلم الذي استخدمه آصف لكي يقوم بعملية النقل؟
وهذا له شاهد في آية أخرى والتي تحكي قصة نبي الله عزير ” فأماته الله مئة عام ثم بعثه ” ولم يتغير طعامه ولم يعمل به الزمن عمله من تعفن أو تحلل بينما العظام قد تحللت وتفسخت، مع أن كلا الأمرين قد حدثا في مكان واحد ولكن التأثير على أحدهما مختلف تماماً عن الآخر وهما في نفس المكان و الزمان ، وهذا ما لا يمكن تفسيره علميا وفق النظريات الزمنية إلا بالقول أن أحدهما كان في إطار زمني مغاير تماماً للآخر، أو نكتفي بالقول بأن ثم أمر خارق في الأمر ونكتفي بذلك التبرير مبتعدين عن أي محاولة للفهم من وجهة نظر علمية!
كما أن حادثة الإسراء والمعراج يمكن أن تبحث ضمن هذا السياق، وأن يحتمل فيها نفس الاحتمالات ففي بعض الروايات الن الرسول ذهب وعاد وفراشه دافئ فكيف لجسم ان يقطع كل تلك المسافات في هذا الإطار الزمني البسيط؟
3- قال تعالى: ” إنه يراكم وهو وقبيله من حيث لا ترونهم”
تتمكن العين من رؤية الأجسام بعد سقوط الضوء عليها وانعكاسه نحو العين، وحتى تتم العملية يجب أن يكون الضوء المنعكس في حدود الضوء المرئي (ألوان الطيف من اللون الأحمر وحتى اللون البنفسجي) أي بين الترددين 380 و625 نانومتر. أما ما كان خارج هذه الحدود فهو بحاجة لأجهزة ومعدات خاصة حتى نتمكن من رؤيته، ولذا نتساءل عن عدم تمكننا من رؤية الجن: فهل أن الجن يعيشون في نطاق ترددي مختلف عن نطاق البشر؟ أم أن أجسادهم قادرة على امتصاص كافة أنواع الضوء بحيث لا ينعكس منه شيء؟ أو أن فرضية الأبعاد المتوازية تجد لها موطئ قدم في المقام؟
القرآن الكريم يخبرنا أن المادة الأولية لخلق الجن هي النار ” من مارج من نار” وهي ظاهرة يمكن رؤيتها والإحساس بها، فلماذا كان المخلوق منها لا يمكن رؤيته؟ وما هي الحدود الفاصلة بين عالم الجن وعالم البشر؟ ثم هل أن تداخل الموجات المختلفة قد يفتح عالما مغايرا لا يمكن رؤيته؟ “باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب”، فهل نحن والجن نعيش في عالمين كوجهي عملة واحدة بحيث لا نراهم، مع ما لهم من القدرة على رؤيتنا؟ بحيث لنا عالم الظاهر ولهم الباطن؟
ربما يصل العلم يوماً لكشف أسرار هذا العالم المجهول، والقريب منا جداً- البعيد عن متناول حواسنا.
4- قال تعالى: ” وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب”
تبلغ سرعة دوران الأرض حول محورها 1675 كيلومتر في السّاعة، بينما تبلغ سرعة دورانها حول الشمس 108.000 كيلومتر/ساعة، وتبلغ سرعة شمسنا حول مركز مجرة درب التبانة بسرعة 240 كم/ثانية (ما يقرب 149 ميلاً/ثانية) أو 864.000 كم/ساعة. فإذا جمعت كل هذه السرعات تكون سرعة الكرة الأرضية في الفضاء 973.675 كيلومتر في الساعة، ومن هنا نستطيع فهم الآية بان حركة الجبال سريعة كسرعة السحاب، ولإن بدت لنا ساكنة عن الحركة فهذا لأننا نقف وإياها في إطار مكاني واحد (كوكب الأرض) ولا نملك مرجعية خارج الأرض يمكن قياس حركة الجبال بالاعتماد عليها. وقد تجلت لنا عظمة الآية في السنوات القليلة الماضية عندما استطاع الإنسان أن يتحرر من قبضة الأرض ويبحر في عباب الفضاء ليرى ” وكل في فلك يسبحون”.