أنا والسؤال الأزلي: ما هي فائدة الرياضيات في حياتنا؟ – د. صالح البشراوي

يعتبر الرياضيات من أكثر المواد الدراسية تحدياً للطلاب ولذا يلجؤون لشتى الوسائل والسبل للتهرب من مواجهتها تارة وتبريراً لإخفاقهم في فهمها أو التعامل معها تارة أخرى. ولعل أكثرها شهرة هو التساؤل

لماذا أدرس الرياضيات

 

• وما أهميتها في حياتي الواقعية؟
• وهل لو توجهت لأحد المطاعم أو محلات التسوق العملاقة منها والصغيرة فهل سوف أُسال عن قيمة المجهول س؟
• أو زاوية الارتفاع ولانخفاض لسارية العلم؟
• هل سوف يُطلب مني حل معادلات من الدرجة الثانية والثالثة؟
• أم سيتعمق أكثر ليطلب مصفوفات معينة وما يتعلق بها من نظائر ومحددات؟
•  لمَ كل هذا التعقيد والإصرار على دراسة علم سوف يركن على الرفوف بعد برهة وجيزة؟

وأكاد أجزم أن جل من درّس الرياضيات، إن لم يكن كلهم قد تعرض لمثل هذه التساؤلات والتبريرات. وأنا شخصياً قد جوبهت بمثلها وقد كنت أُجيب السائل عنها:

بأن الرياضيات لا تجد لها فائدة في المستوى الذي أنت فيه!

أتدري لم؟

لأنك لم تخرج من عقلية المستهلك وحيزه إلى حيز المنتج. وإلا من من العقلاء يقول بأن كل ما صُنع ويصنع في المصانع العملاقة والتقنيات المتطورة قد تم بمنأى عن استخدام الرياضيات وقوانينها. أو أن الهياكل العملاقة للطائرات والسفن وناطحات السحاب قد بنيت دون اللجوء إلى مبادئها. فكل شيء في عالم الصناعة يحتاج الرياضيات ولكن المشكلة في عدم رؤيتها هي في موقعنا المتدني من الإنتاج الصناعي، وعدم مشاركتنا فيها يعني أن نتلقى ما يلقى لنا ممن هم في المراتب العليا في السلّم الصناعي. مشكلتنا الحقيقية تقبع هنا.

ضعف الطلاب في مادة الرياضيات أو كره أكثرهم لها لهي مشكلة وواقع عالمي، ولكن اختلاف التعامل معها بين الدول ووضعها الموضع المناسب لها بين العلوم الصناعية يحدد أهميتها، وهذا الجانب المفقود في واقعنا، وما لم نُخرج هذا العلم إلى حيز التطبيق العملي، فسنبقى نواجه صعوبة في إقناع الأجيال القادمة بأهمية الرياضيات، حيث أنه ليس عملياً إقناع الشباب بأهمية علم يحسبونه خيالاً ومحض نظريات في العالم الافتراضي، والعلاقة الوطيدة والأثر العميق بالواقع المعاش والمحسوس في حياتهم.

هم فقط يأنسون بنموذج واضح يمكنهم أن يشعروا به بحواسهم، أما لغة الفلسفة الذهنية فهي بحاجة للنخبة من الناس ليتعامل معها.