Rupture: The Crisis of Liberal Democracy
المراجعة بقلم: ماركوس أوينز،
المصدر: موقع المجتمع والفضاء حسب الرابط أدناه
تاريخ النشر: ٩ سبتمبر ٢٠١٩م
الكتاب: صدر في ٣ ديسمبر ٢٠١٨م، ويقع في ١٧٦ صفحة.
الكاتب: السيد مانويل كاستيل هو أستاذ جامعي ورئيس قسم التكنولوجيا والاتصالات والمجتمع في جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California، وأستاذ فخري لعلم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي University of California, Berkeley، ويحمل درجة زميل من كلية سانت جون، بمدينة كامبريدج في بريطانيا St. John’s College, Cambridge.
يحتل السيد مانويل كاستيل Manuel Castells مكانة مهمة ومتشرعة عند الجغرافيين الحضريين والتخصصات المصاحبة ، وخاصة المخططين الحضريين. يسمح لمسار اعمال السيد كاستيل بتأسيس جسرا فريدا يؤهله للإجابة على تساؤلات الفضاء العام بشكل صريح والخاصة بالحركات الاجتماعية الحضرية وبين تلك الأسئلة من ديناميكيات “اللامكان” الأخرى وخاصة في الفضاء الإلكتروني، أو مجتمع شبكة تكنولوجيا المعلومات العالمية. بينما دائمًا ما يكون المسار الى الجدال التقني عوضا عن التفاؤل التقني، إلا أن مجموعة أعمال السيد كاستيل تحمل آثاراً من النشاطات الاجتماعية في كاتالونيا عام ١٩٦٨م، بالإضافة إلى تميزها بحملها علامة من الترقب المتحمس الضخم والقريب من فضائيات وادي السيليكون “التقني” في نهاية القرن العشرين.
في أعقاب صعود الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، انتقد البعض اقتراحات السيد كاستيل السابقة بأن فئة من الشباب الماركسيين، والمتعلمين تعليماً جيداً، والقادرين تقنيا سيصبحون حتما رسل الوحي لثقافة الديمقراطية العالمية الجديدة (حسب تلفزيون الأطفال البريطاني بروم Brum وآخرون، ٢٠١٨). بالنسبة للقراء الذين لديهم فضول حول كيفية تأثير الأحداث السياسية الأخيرة على تفكير السيد مانويل كاستيل، فإن كتابه “التمزق: أزمة الليبرالية الديمقراطية” يعتبر تحفة فنية وجاء في الوقت المناسب ليضيف هذه التحفة الواضحة الى الاعمال الفنية الواسعة والمؤثرة للغاية.
في كتاب “التمزق”، يفحص السيد كاستيل Castells “حركة عميقة للتمرد الجماعي ضد النظام القائم”، ناشئة عن ديناميكية عدم الثقة عند “غالبية المواطنين في عالم اليوم مع ممثليهم السياسيين، والأحزاب السياسية السائدة، والمؤسسات السياسية القائمة أو حكوماتهم”. يسلط السيد كاستيل Castells الضوء على هذا الموضوع المشترك من خلال مجموعة متنوعة من الظروف؛ بدأ من انتخابات الرئيس الامريكي دونالد ترامب Donald Trump والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron ، إلى استفتاء خروج بريطانيا بريكسيت Brexit من الاتحاد الأوروبي والأزمة السياسية للاتحاد الأوروبي، مع إيلاء الاهتمام الأكثر تفصيلاً لصعود حزب بوديموس Podemos في إسبانيا.
في كتاب “التمزق”، السيد كاستيل يوسع مستوى النقاش والحجج التي تطورت بشكل بارز في ثلاثية عصر المعلومات. على وجه التحديد، السيد كاستيل يفصل بشكل واضح اتجاهًا نحو المكانة خارج الفضاء الاجتماعي والناشئة من عمليات التراكم بوساطة تكنولوجيات الاتصالات المعلوماتية، وعصر المعلومات الجديد والمعروف بعلاقته المتناقضة بين “مجتمع الشبكة والمصلحة الذاتية”.
في أحد إعماله سنة ١٩٩٦، يقول السيد كاستيل، ان مجتمع الشبكة، على ما يبدو، يعكس التحول من مكان كأساس للقوة الاجتماعية إلى الفضاء العالمي المتدفق والسيال بالمعلومات. من نواح كثيرة، وفرت الطبيعة الجذرية للإنترنت بنية أساسية ملائمة ومقبولة للحركات الاجتماعية الجديدة التي وثقها في أحد أعماله الاساسية لعام ١٩٨٣، بعنوان: “المدينة والجذور الشعبية: نظرية عبر الثقافات للحركات الاجتماعية الحضرية The City and the Grassroots: A Cross-Cultural Theory of Urban Social Movements”. ومع ذلك، فإن مراجعات وتنقيحات السيد كاستيل الاولية للنظرية الثلاثية توضح في أوائل عام ٢٠١٠م كيف ان الحركات الاجتماعية مثل حركة انديجنادوس Indignados في إسبانيا والربيع العربي وحركة احتل Occupy دفعت إلى العودة إلى قوة المكان، وخاصة الأماكن العامة الحضرية، للتعبير عن المعارضة وكمراحل للتعبئة السياسية.
ومع ذلك، عندما كشفت المثاليات الرومانسية للديمقراطية المباشرة في الفضاء العام نفسها عن أنها سلطات مفرغة، وعلى الأخص في ليبيا وسوريا، تحولت بسرعة إلى مراحل للحرب الأهلية والتي خاضها وكلاء بالنيابة عن القوى العالمية. وبشكل موسع في هذا التحليل السابق عن شبكات الغضب، في كتاب “التمزق”، يصف السيد كاستيل كيف أن أزمة المهاجرين أسكبت الزيت على النار وبالتحديد في أزمة الديون الموجودة قبل ذلك، وبالتالي ساعد ذلك الى تحولات جذرية في السياسة الأوروبية. في هذا الصدد، يشير السيد كاستيل إلى الروابط بين تفكك الليبرالية الديمقراطية على مدار العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبروز منتجات الويب (الأنترنت) النسخة الثانية في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
من ضمن أعمال السيد كاستيل في عام ٢٠٠٩م، قال حين ذاك: عندما كان الفيسبوك Facebook لا يزال في مراحله الأولى في أواخر عام ٢٠٠٠م، حدد وعرف السيد كاستيل Castells بالفعل الدورة المدمرة لسياسة الفضيحة ونزع الشرعية عن المؤسسات التي تحتل مركزًا كبيرًا في مشروع “التمزق”. وهذا التمزق يدور حوله السياسيون ويتسارع بشكل كبير، أولاً بواسطة ضخ دورة الأخبار والمتوفرة على مدار ٢٤ ساعة وثانيا بواسطة تراكم المعلومات والاخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أن نزع الشرعية عن المؤسسات السياسية يعكس تراجعًا أكبر في العلاقة بين الدولة والمواطن لصالح عملية متناقضة للعولمة وبالتحديد في تعريف العلاقة بين مجتمع الشبكة والمصلحة الذاتية”.
علاوة على ذلك، بحلول هذا الوقت، لاحظ المشاركون في الحوار مع السيد كاستيل والذين يدرسون الحركات الاجتماعية الحضرية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مثل السيدة مارجيت ماير Margit Mayer، عندما قالت في عام ٢٠٠٦م، أن انتقادات السيد كاستيل السابقة للدولة كانت تندرج ضمن المنظمات غير الحكومية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وأن الحركات الاجتماعية الجديدة لم تعد (إذا فعلوا في أي وقت مضى) كممثل فردي متعدد الطبقات يهدف إلى التغيير الاجتماعي الحضري. وبدلاً من التقدم نحو المثل العالمية مثل الديمقراطية أو الحقيقة أو المساواة، يبدو بشكل متزايد أننا نشهد شيئًا أقرب إلى الفوضى والانتروبيا، أو كما يعرفها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين عندما يصف المتظاهرين في الانتخابات بأنهم يسعون إلى “حركة براونية”.
بناءً على ذلك، يقدم الفصل الأول (في الصفحة ١٩) من كتاب “التمزق” باختصار فهم السيد كاستيل للتدمير الذاتي للشرعية المؤسسية في العملية السياسية، وعلاقته بأزمة الهوية الناجمة عن العولمة والتي تسرعها ديناميكيات وسائل التواصل الاجتماعي. ويوضح السيد كاستيل قائلا: تنشأ حلقة ردود الفعل المتناقضة من “أيديولوجية الاستهلاك كقيمة وأموال نقدية كمقياس للنجاح الذي يصاحب النموذج النيوليبرالي المتمركز على الفرد ورضاه الفوري وعلى ما يحققه من أمول نقدية “.
على وجه الخصوص، تجسد مؤسسات مثل مؤسسة كلينتون صعود “حكومة الظل” والشكوك التي تلتها من قبل مؤسسات الفكر البارزة والمنظمات غير الحكومية والاستشارات التي نشأت من الميول اللامركزية المناهضة لإحصائيات الحركات الاجتماعية الجديدة في الستينيات والسبعينيات. نتيجة لذلك، يلاحظ السيد كاستيل أن النجاح مرتبط بشكل متزايد بالتراكم الشخصي لرأس المال الناتج عن تقلد مناصب في مراكز السلطة. تبعا لذلك، تنشأ أزمة شرعية عندما يقلل نموذج “السياسة كالعمل التجاري” من كل المثل العليا للمساواة شمالا والمثل الليبرالية للحق يمينا، ويتحول ذلك الى إيماءات فارغة وشعارات تجارية للتواصل مع الاخر في عمليات تسويق مستهدفة.
الفصل الثالث، وهو جوهر التحليل لهذا الكتاب، حيث يرسم الاتجاهات العامة التي تتكشف في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بينما يركز الفصل الخامس، وهو أكبر فصل في هذا الكتاب، على إسبانيا. ويعتمد هذا على تحليل السيد كاستيل لدور المنصات والتقنيات الإعلامية، مثل تحليله لكيفية تفاقم فقاعات الترشيح الانتخابية وسياسات الفضيحة حيث يميل “الناس [إلى] تصنيف وتقييم المعلومات التي يتلقونها بناءً على قناعاتهم السابقة، وهي متجذرة في العواطف التي يشعرون بها “(ص ٢٠). ونتيجة لذلك، فإن المداولات الانتخابية تعتبر ثانوية بالنسبة للتأثير الهندسي المدعوم خوارزميا بالإضافة الى إدارة الوضع الراهن من قبل الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام الخاصة بالشركات غير الخاضعة للمساءلة.
يوضح التعاقد الذي قام به السيد ستيف بانون Steve Bannon مع شركة كامبريدج اناليتيكا Cambridge Analytica وتعبئة هذه الملفات والسجلات النفسية المتراكمة من قبل نشاطاتنا الرقمية واليومية في منصات التواصل الاجتماعي وذلك من أجل تحقيق غايات سياسية، وهذا يبرز دور القوة الكامنة في البنية التحتية التي تحدد وتعرف العلاقة بين “مجتمع الشبكة والمصلحة الذاتية”. على هذا المنوال، هناك أوقات تصبح فيها قيود فقاعة الترشيح الانتخابية حسب تحليلات السيد كاستيل واضحة جدا.
على سبيل المثال، ينغمس السيد كاستيل في جوانب من المشهد الذي أنتجها الرئيس دونالد ترامب Donald Trump، وفي بعض الأحيان يعزز أداء نموذج السيد أندي كوفمان Andy Kaufman، في قدرة الاعلام الجديد للتواصل مع النخب الليبرالية. ولعل أكثر هذه الانغماس فظاظة تتضمن فقرة من ثلاث صفحات من التكهنات الوحشية حول ملف ستيل المشكوك فيه، وهذا الملف يُعرف أيضًا باسم ملف ترامب-روسيا، وهو تقرير مخابرات خاص كتب لفترة زمنية من يونيو إلى ديسمبر ٢٠١٦ والذي يحتوي على مزاعم بسوء السلوك والتآمر والتعاون بين حملة الرئيس دونالد ترامب الرئاسية وحكومة روسيا خلال انتخابات ٢٠١٦. وبالمثل، فإن اعتماد السيد كاستيل الشديد على استطلاعات الرأي يكمن في انتقاده لدور هذه الدراسات الاستقصائية في الأزمة الأوسع لليبرالية الديمقراطية، وإلى الدرجة التي أخطأت فيها استطلاعات الرأي العام و “خبراء الإعلام” في حالات مثل الرئيس ترامب ومشروع بريكسيت Brexit.
ينتقد السيد كاستيل بعض جوانب الإجماع الليبرالي على إخفاقات الانتخابات في عام ٢٠١٦، مثل القبول بأن تدخلات روسيا لم تكن العامل الحاسم في انتخابات عام ٢٠١٦، وأن حملة بيرني ساندرز Bernie Sanders “تم تخريبها بشكل علني من قبل اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي” (الصفحة ٣٩). ومما زاد من خطر غضب الحزبيين الديمقراطيين، أنه يربط الطريقة التي فشلت بها السيدة كلينتون في إخفاء ازدراء “الطبقات الأقل تعليماً” (الصفحة ٤٠) والتي اشتهرت بها من خلال مقطع صوتي يشير إلى هذه الطبقة على أنها “بائسة” بالإضافة الى الجدل الدائم حول بروتوكول البريد الإلكتروني الخاص بالسيدة كلينتون وما يحمله من أسرار.
وبالمثل، يعترف السيد كاستيل بأنه على الرغم من أن العنصرية منتشرة بلا شك في بريطانيا العظمى، إلا أنه يجادل بان مشروع بريكسيت تم تعليقه بواسطة السباك البولندي، وليس حارس الأمن الباكستاني، متوقفًا عن الروايات الليبرالية السردية التي قد تقلل من مشروع بريكسيت إلى مسألة التخلف الثقافي. ويبدو أيضا ان السيد كاستيل Castells دقيقا في تحليله للسياسة في فرنسا والاتحاد الأوروبي. وعن توقع الاحتجاجات المعاصرة لحركة جيليتس جايونز Gilets Jaunes ، يكشف السيد كاسيتل في تحليله عن التدمير الذاتي المذهل للحزب الاشتراكي والإجماع السياسي السائد.
ويضيف السيد كاستيل موضحا، وعلى سبيل المثال، كيف ترجمت أصوات ماكرون ٢٤٪ إلى ١٦٪ فقط من الناخبين، في حين أن أصوات المرشحين الذين طالبوا بإعادة التفاوض حول العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كانت أكثر من نصف الناخبين. حدد خيبة الأمل المماثلة مع الاتحاد الأوروبي في أعقاب أزمة الديون، حيث امتدت من اليونان إلى إيطاليا ثم إلى النمسا، وعندها مارست ألمانيا الهيمنة داخل اللجنة الثلاثية العليا والمكونة من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. على الرغم من كونه مؤمنًا بالمشروع الأوروبي، إلا أن السيد كاستيل يقول في كتاب التمزق صفحة ٧٩: “إن إخضاع السيادة الوطنية للتشريعات والقرارات التي اتخذتها المفوضية الأوروبية لم يكن مطروحًا للنقاش قط وبالتأكيد لم يتم التصويت لذلك”.
من خلال الدراسات التي أعدها في عام ٢٠٠٣م، فإن منظور السيد كاستيل حول الوضع في إسبانيا وكاتالونيا والتي ناقشها في الفصل الخامس هي الأكثر تطوراً وتعمقاً. ويرجع ذلك وبدون شك إلى علاقته الشخصية مع السياسيين في حزب بوديموس Podemos الاسباني اليساري المتمرد بالإضافة الى تعريفه الشخصي بأنه يؤمن بالقومية الكاتالونية الوطنية. وكسبب للتفاؤل، ينعطف السيد كاستيل إلى دعم حزب بوديموس الاسباني واستمرار رئيس الوزراء بيدرو سانشيز Pedro Sanchez في مواجهة الهجمات التي تشنها المؤسسة السياسية لحزب العمال الاشتراكي الذي ينتمي اليه. يبقى أن نرى في المستقبل ما مدى صحة هذه الآمال. في الانتخابات الإسبانية الأخيرة، يبدو أن السيد سانشيز قادر على تجميع ائتلاف، لكن حزب بوديموس Podemos تراجع من حوالي ٢١ إلى ١٤٪ بينما يدخل اليمين المتطرف البرلمان لأول مرة منذ الحقبة الفرنسية وحصل حزب فوكس VOX على ١٠٪ من الأصوات.
على وجه العموم، ربما أغلب ملاحظات السيد كاستيل الثاقبة في كتابه “التمزق” صفحة رقم ٦٣ هي تلك الطرق التي مارستها الأحزاب اليمينية المتطرفة على أحزاب يمين الوسط التقليدية، وتشكيل عملية صنع القرار السياسي من خارج المؤسسة السياسية. في حين أن البعد الرجعي لهذه الحركات لا يمكن إنكاره، إلا أن ردة الفعل هذه تسعى إلى “تعزيز السيطرة على التيارات العالمية التي تهيمن على الحياة والثقافة من خلال استخدام آلية الدولة التقليدية التي يكون للجمهور بعض التأثير عليها”. إذ تشير إلى الوثائق الحديثة في عام ٢٠١٧ للسيد ويندي براون Wendy Brown حول عودة المناظر الطبيعية الحدودية المحصنة في عصر العولمة والانفتاح المفترضين، فإن الأشياء المحلية للعالم تستخدم الأداة الوحيدة المتاحة وهي: الحدود.
بهذا المعنى، تبرز مسألة الفضاء، ليس “كمكان عام” للمدينة بل كمنطقة للدولة القومية. هذا بالطبع أمر غير مألوف وشاذ للنخب الحضرية العالمية في كل من: باريس أو لوس أنجلوس أو لندن، مواطني العالم الذين تنمو قوتهم ومكانتهم بشكل دائم من فضاءات التدفقات العالمية. ومع ذلك، فإن الأخلاق حول العقول المنفتحة والتسامح تجاه الثقافات الأخرى يمكن أن يظهر في كثير من الأحيان بشفافية في خدمة المصالح الذاتية، وقد يميل هذا الاتجاه إلى نتائج عكسية. كما يشير السيد كاستيل في صفحة ٦٣ من كتابه “التمزق” في سياق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (مشروع بريكسيت)، فإن استحضار النخب البريطانية لفضائل المواطنة العالمية يخدم مصالحهم الذاتية بشكل دائم “بالتحديد لأنهم يمتلكون كل القوة والثروة ضمن هذا النظام” للتدفقات العالمية.
في نهاية المطاف، يبدو أن هذا هو الحساب السياسي الخام الذي يدفع التركيز الثقافي المتزايد على سيادة الدولة الهوبزية “(هي أن البشر يتنافسون بشكل طبيعي ويقاتلون من أجل مصالحهم الخاصة)” ضد الليبرالية العالمية التي بدت ك معصومة من الخطأ بعد الحرب الباردة، ولكن ربما عانت من جروح قاتلة على مدى عقدين من الزمن في الحرب العالمية على الإرهاب.
ومع ذلك، يبدو أن السيد كاستيل يحافظ على ثقته وعقيدته في فكرة “المقاومة”، وهي الكتلة الموحدة للحركات الاجتماعية ذات الجذور الشعبية والتي تشكلت في أواخر القرن العشرين، والتي تسمى باليسار الجديد، وهي قوة أساسية قابلة للتحقيق أخيرًا من أجل التغيير الاجتماعي يتم تفعيلها من خلال القدرات الجذرية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. على الرغم من هذا التفاؤل، بالنسبة للسيد كاستيل، إلا أنه قال شيئا مختلفا في صفحة ٥٧ من كتاب “التمزق”: فإن التمزقات والانقسامات التي نراها اليوم ليست مسائل تتعلق بالسياسة الرئاسية، ولكن بالإشارة إلى حالة انتخاب الرئيس ترامب، هي تعبيرات واضحة عن “صراعات اجتماعية حادة لا يمكن معالجتها بعد الآن من خلال الإجراءات المعروفة للديمقراطية الليبرالية”.
كما يصف السيد كاستيل عن الحالة الأمريكية، يتمتع الرئيس ترامب بدعم غير مؤهل من حوالي ٣٠ ٪ من السكان الذين صوتوا، و١٠ ٪ أخرى من الحزبيين الجمهوريين. إذا كانت هذه هي الحدود المستنزفة لليبرالية، فما هي الدروس التي يجب تعلمها من هذه التكهنات المتفائلة السابقة والتي يبدو أنها تناقض الافتراضات الغائية عن التقدم الاجتماعي والتكنولوجيا؟ إلى أي درجة يمكن أن تشكل “المصلحة الذاتية” موقعًا لمقاومة “مجتمع الشبكة”؟ بالنسبة إلى الجغرافيين، ما هي المساحات الناشئة لهذه الشقوق الاجتماعية، وكيف يمكنهم اللعب في أماكن تبدأ من المعسكر الحدودي إلى الجامعة؟ مما لا شك فيه أن فريق عمل السيد كاستيل يقدم تحليلًا مهمًا لهذه الديناميكيات في شكلها الطارئ، وسيظل كإطار مبكر ومهم. لهذا السبب وحده، فإن تحديثات السيد كاستيل وتنقيحاته تستحق الاهتمام المستمر.
*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:
https://www.societyandspace.org/articles/rupture-the-crisis-of-liberal-democracy-by-manuel-castells