لقد احتفظت بيومياتي من ممارسة الصدق ودونتها في دفتر خاص خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع الحديث عن الصدق كثيرًا في الأخبار مؤخرًا – ربما تقول إن الصراحة تمر بلحظة ثقافية – وأردت أن أعكس ذلك على نفسي. ذات مرة أخبرتني ابنتي الصغيرة والبالغة من العمر ٦ سنوات أن قول الحقيقة جعلها تشعر وكأن “الذهب في دماغها”. والسؤال: هل يمكن لممارسة الصدق مع نفسي والاخرين ان تشعل مركز المتعة واللذة في ذهني وفكري؟
كانت خطتي تدوين حالات مختلفة على مدار اليوم، حيث كان عليّ اتخاذ قرارا بأن أكون صادقة ومن ثم ملاحظة ومراقبة شعوري بعد ذلك.
في اليوم الذي بدأت فيه تدوين يومياتي الصادقة، سألتني ابنتي نفسها البالغة من العمر ٦ سنوات أثناء استحمامها عما إذا كانت القطة قد ذهبت للنوم فعلاً في العام الماضي، وإذا كان ذلك يعني في الواقع أنني قتلتها. قمت بشطف شعرها وتنهدت، ثم تساءلت عما إذا كان عليّ الانتظار لبدء مشروع تدوين ممارسة الصدق هذا حتى يكبر أطفالي، ولكني وبكل شجاعة قلت لها نعم، لقد اخترت لها أن تموت، لأنها كانت تعاني بشدة من المرض، وأردت أن تخلد روحها في سلام. وبعدها فقدت ابنتي الاهتمام من شرحي في منتصف الطريق، والذي كان في مجمله صحيحا وسليما.
لقد أدهشني أن اختيار الكذب أو الصدق كان غالبًا اختيارًا بين شيئين غير مرغوب فيهما على حد سواء. إن إخبار ابنتي بالحقيقة لم يجعلني أكثر سعادة، لكن الكذب لن يكون غير ذلك.
برزت فرصة أكبر مع ابني البالغ من العمر ٨ سنوات. على الرغم من أنه لم يكن يعرف شيئًا عن تدوين يومياتي الصادقة، إلا أنه وبعد بضعة أسابيع، بدا وكأنه منفتح عليّ وبطريقة جديدة، وسألني أشياء كان يشعر بالحرج الشديد أو الخوف من أن يسألها سابقا، مثل ماذا تعني كلمة “القواد” ولماذا الناس يقتلون أنفسهم. في الواقع، ان أحد أكبر العبر السريعة التي أعتقد بها هو أننا لا ينبغي أن نكذب على الأطفال عندما يسألوننا عن الكلمات الكبيرة أو الأفكار الصعبة – وإلا، سوف يسألون التليفونات الذكية أو الأجهزة اللوحية وعندها يحصلون على الجواب وبسهولة. إذا كان الخيار بيني وبين منصة اليوتيوب لشرح الدعارة، فأنا أفضل ان يكون الخيار أنا.
ومع ذلك، تساءلت عن تلك الأكاذيب الصغيرة التي نقولها لتجنب إلحاق الأذى بمشاعر الناس. مجموعة من الباحثين في مختبر العاطفة بجامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييغو University of California San Diego Emotion Lab يدرسون ويبحثون تجارب الأكاذيب “الاجتماعية الايجابية” – الأكاذيب البيضاء التي نرويها لاستفادة الآخرين منها، مثل إخبار كاتب طموح بأن القصة التي كتبها رائعة لأنك ترغب أن تكون لطيفًا معه ومشجعًا له، ولكن في الواقع أنت تعرف أن كتابته تحتاج الى المزيد من العمل والتنقيح، وان القصة ستلقى الرفض من الناشرين.
تشير دراسة حديثة مخبرية تحت عنوان ” الكذب لأننا نهتم: التعاطف يزيد من الكذب الاجتماعي الإيجابي Lying Because We Care: Compassion Increases Prosocial Lying ” إلى أنه من المرجح أن نتفوه بكذبة اجتماعية عندما نشعر بالتعاطف تجاه شخص ما، لأنه إذا كنت تشعر بالضيق والحزن من تصرفات شخص ما، فإن آخر شيء تريد القيام به هو إيذاءه واخباره بالحقيقة. هذه الأكاذيب تشعر الطرف الاخر بالراحة على المدى القصير، لكنها غالباً ما تضر أكثر مما تنفع على المدى الطويل. على أي حال، يمكن أن تكون الحقيقة المرة قاسية ومؤلمة، لكن الناس بحاجة إلى معرفة ما إذا كانوا يحتاجون للحقيقة من أجل تحسين أدائهم، خاصة في حالات العمل أو المدرسة.
لكن هل كانت الحقيقة المرة والقاسية هي ما أردتها حقاً عندما يتعلق الأمر بزواجي؟
تركيزي على الصدق في بعض الأحيان أدى إلى تفاعل أفضل مع زوجي. عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا حول الزواج المفتوح تحت عنوان “هل الزواج المفتوح زواج أكثر سعادة Is an Open Marriage a Happier Marriage “، على سبيل المثال، أثار ذلك فضولي. حيث أني أحتفظ بيومياتي المدونة حول الصدق، وبدلاً من الاحتفاظ بها لنفسي، كما كنت سأفعل في الماضي، أجريت أنا وزوجي مناقشة صادقة حولها. في بعض الأحيان، الإكراه على أن نكون صادقين سبب في توتر الأشياء بيننا. لا أحتاج بالضرورة إلى الإشارة في كل مرة إلى أنني لا أوافق على بعض أساليب تربية الأبوين لأولادهم. لقد أدركت أنه ومن ضمن العلاقات الاجتماعية، هناك فئة ثالثة بين الكذب والأكاذيب البيضاء، وهي تسمى بعدم المشاركة بكل شيء.
على العموم، وجدت أنني أصارع أكثر مع حالات الصدق الصغيرة، بدلاً من الحالات الكبيرة. لذلك، عندما يدفع لي عميل بطريق الخطأ مرتين لمشروع ما – ويرسل لي شيكًا مكررًا بقيمة ١،٠٠٠ دولار في الأسبوع نفسه، بعد أن دفع لي بالفعل كامل المبلغ سابقا – لم يكن هناك نقاش في داخل نفسي. انها ١،٠٠٠ دولار، لذلك من الواضح، أن أُخطر العميل وأرجعها اليه. لكن عندما يعطيني أمين الصندوق في مطاعم ماكدونالدز دولارًا واحدا إضافيًا عند استرجاع بقية المبلغ، ووقتها يكون خط الطلبات طويلًا وكان كل ما أردته هو دايت كوكا كولا، وفي نفس الوقت أطفالي يتصرفون بجنون في المقعد الخلفي من السيارة، والسؤال: لماذا مطاعم ماكدونالدز الغبية بطيئة في الحركة على أي حال؟! … لقد كانت قصة مختلفة، وعلى الرغم من ذلك، فأنني ارجعت الدولار الواحد، إلا أنني في نفس الوقت فكرت أن لا أرجعه، لأن الدولار الإضافي كان شيئًا صغيرًا، ولا مبرر لإرجاعه وسط هذا الزحام. في الطرف المقابل، لو أنني لم يكن لدي مشروع تدوين حالات الصدق في يومياتي، فإني لست متأكدة من أنني سأرجع الدولار.
كانت تجربتي متسقة مع ما كتب عنه العالم الاقتصادي السلوكي السيد دان أريلي Dan Ariely wrote في كتابه الذي أصدره عام ٢٠١٢م، تحت عنوان: “الحقيقة الصادقة حول عدم الأمانة The (Honest) Truth About Dishonesty”. أظهرت بحوث السيد دان أريلي أننا نزور الحقيقة بنسبة ١٠٪ تقريبًا أو نحو ذلك. نحن نغش عندما نكون متأكدين إلى حد ما من أننا يمكن أن نفلت من العقاب، ولكن بمعدلات قليلة، وأيضا يمكن أن نغش في الأشياء التي يمكننا تبريرها. نحن نفعل ذلك أكثر إذا رأينا أشخاص آخرين يفعلون ذلك. ونفعل ذلك أقل إذا تم تذكيرنا بأن نكون صادقين. في تدوين يومياتي الصادقة أشرت إلى هذه الحالات بشكل صارخ.
كما أنني سرعان ما أدركت أن صفحتي الافتراضية بالفيسبوك، الخاصة بي أنا جودي كيتيلر Judi Ketteler، والتي كانت حياتها متماسكة ومرتبطة بأطفالها الذين يتصرفون جيدًا، كانت نسخة مماثلة جدًا مني، وهي فكرة استكشفها السيد سيث ستيفنس دافيدوفيتش Seth Stephens-Davidowitz في كتابه “الجميع يكذب Everybody Lies”. يعالج الدكتور دافيدوفيتش، عالم البيانات، التناقض بين النسخة المثالية لأنفسنا التي نقدمها للعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعترافات البائسة التي نعطيها إلى جوجل Google أثناء بحثنا عن الأشياء التي لن ننشرها أبدًا في تحديث الحالة الخاصة بنا في منصات التواصل الاجتماعي. لم يكن كذبا ما أنشره عن شخصيتي عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لكن إذا كنت سأركز على السلوك الصادق حقًا، فقد يبدو من الأفضل عدم الانغماس أكثر من اللازم – وبالتالي، فقد تراجعت عن النشر على موقع الفيسبوك Facebook.
على الرغم من أن الصدق يشعرك وكأنه صراع مع نفسك، إلا أنني بدأت أحب بما شعرت به. أظهر أحد الأبحاث التي أجرتها جامعة نوتردام تحت عنوان: “الكذب القليل مرتبطا بصحة أفضل Lying Less Linked to Better Health” أنه عندما يتوقف الناس بوعي عن قول الأكاذيب، بما في ذلك الأكاذيب البيضاء، لمدة ١٠ أسابيع، فان النتيجة ستكون: عدد أقل من الأمراض الجسدية (مثل الصداع)، وعدد أقل من شكاوى الصحة العقلية (مثل أعراض الاكتئاب) وهذه الاعداد من الامراض أقل من تلك التي تتعرض لها مجموعة التحكم والتي لم تركز على أخلاقيات الصدق.
ووجد الباحثون أنه عندما يكون الناس أكثر صدقًا، فانهم يميلون أيضًا إلى الشعور بالرضا تجاه علاقاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية. هذا صحيح بالنسبة لي، لأنني أشعر بالرضا تجاه نفسي. أحب القول المأثور: “الكل يريد الحقيقة، لكن لا أحد يريد أن يكون صادقا”. شخصيا، لم أرغب أن أكون دائمًا صادقا. لكنني أردت الحقيقة، وهذا التركيز على الصدق في تدوين يومياتي ساعدني على الشعور بأنني كنت أقوم بدوري.
خلاصة القول: أن التركيز على ممارسة الصدق هي وسيلة للتفاعل بنشاط مع العالم، مقابل أن تشكو بشكل سلبي حول هذا الموضوع. هذه الممارسة قد تجعلك تشعر كما لو كان لديك ذهبا في عقلك.
*تمت الترجمة بتصرف
How Honesty Could Make You Happier
بقلم: السيدة جودي كيتلر Judi Ketteler
السيدة جودي كيتيلر Judi Ketteler تكتب بشكل متكرر عن العائلة وتحاول أن تكون شخصًا أفضل.
هي كاتبة، وتروي القصص وتساعد في حل المشكلات.
السيدة جودي كيتيلر تساعد المؤسسات ووكالات تسويق المحتوى على إنشاء مواقع غير عادية من المحتوى المحترف، بما في ذلك نسخ موقع الويب، منشورات المدونة، الخطب، مقاطع الفيديو، وغيرها من الاتصالات التسويقية. أيضًا هي تكتب للعديد من المجلات، وتساهم بانتظام في نشر مقالات في صحيفة نيويورك تايمز.
أصدرت كتاب في ديسمبر ٢٠١٩م، تحت عنوان: “هل كنت لأكذب عليك؟ القوة المذهلة للصادق في عالم يكذب Would I Lie to You? The Amazing Power of Being Honest in a World That Lies “
المصدر:
https://www.nytimes.com/2017/09/19/well/mind/how-honesty-could-make-you-happier.html