هنا شيء جديد ينبغي عليك أن تراعي أن تكون له شكوراً (ممتناً) على طاولة العشاء: المسيرة التطورية الطويلة التي أعطتك دماغك الكبير وحياتك الطويلة.
بفضل أسلافنا الذين ابتكروا الطهي منذ أكثر من مليون سنة (١) ، فأنت عضو في إحدى الفصائل القادرة على أن تحمل الكثير من الخلايا العصبية (العصبونات) القشرية في دماغها (٢). ومعه أتت الطفولة الممتدة وطول العمر الذي يمتد نحو ال ١٠٠ عام (٣) وهما معاً ما يجعل البشر فريدين من نوعهم.
كل هذه التركات الخاصة بقشرة دماغك الكبيرة تعني أنه بإمكانك جمع أربعة أجيال على وجبة أكل واحدة (إفطار/غداء/ أو عشاء) لتبادل المزاح والأحاديث (الثرثرة)، وتحويل المعلومات إلى معرفة (٤) وحتى ممارسة فن متى لا ينبغي عليك أن تقول ما أردت أن تقول.
قد ترغب أيضًا في أن تكون ممتناً لإنجاز آخر – من قشرياتنا البشرية المحشوة بالعصبونات: كل التكنولوجيا (٥) التي تسمح للأفراد بالإنتشار في جميع أنحاء العالم ليجتمعوا بشكل شخصي ، أو على الشاشات ، أو من خلال الكلمات المهموسة مباشرةً في أذنيك من مسافات طويلة.
أعلم أنني شكور (ممتن). ولكن بعد ذلك ، أنا (٦) أفترض أننا البشر نراجع الطريقة التي نروي بها قصة كيف أصبح جنسنا بشراً.
الأدمغة مكونة من خلايا ، لكن ماهو عددها؟
مرة أخرى عندما استلمت للتو شهادة الدكتوراه في علم الأعصاب وبدأت العمل في مجال التواصل العلمي (للتعريف، راجع ٧) ، اكتشفت أن ٦ من كل ١٠ أشخاص تلقوا تعليماً جامعياً يعتقدون أنهم يستخدمون ١٠٪ فقط من أدمغتهم. يسعدني أن أقول أنهم مخطئون: نحن نستخدم كامل أدمغتنا ، بطرق مختلفة في أوقات مختلفة.
يبدو أن الأسطورة مدعومة بعبارات في كتب مدرسية جادة ومقالات علمية تفيد بأن “الدماغ البشري يتكون من ١٠٠ مليار خلية عصبية و ١٠ أضعافها من الخلايا الدبقية المساندة لها”. تساءلت عما إذا كانت هذه الأرقام حقائق أو تخمينات. هل يعلم أي شخص أن هذه هي أعداد الخلايا في الدماغ البشري (٨)؟ لا ، لا يعلمون ذلك (٩).
لم يكن لدى باحثي علوم الأعصاب فكرة تقريبية. قدّر البعض أن هناك ما بين ١٠ إلى ٢٠ مليار خلية عصبية في القشرة الدماغية البشرية ، في حين قدرها البعض الآخر بما يتراوح بين ٦٠ و ٨٠ مليار خلية في منطقة أخرى تسمى المخيخ. مع خلايا قليلة إلى حد ما في بقية الدماغ بالمقارنة (مع المخيخ) ، عدد العصبونات في الدماغ البشري كله هي بالتأكيد أقرب إلى ١٠٠ مليار منها الى ١٠ مليارات فقط (و ١٠ مليار عدد قليل جداً) أو تريليون واحد (وهو عدد كثير جدًا).
ولكن هكذا هو الحال ، باحثو علوم الأعصاب مسلحون بأدوات باهضة الثمن لتعديل الجينات وتنشيط أجزاء من الدماغ ، ولكن لا نزال نجهل مما تتكون منه الأدمغة المختلفة وكيف يّقارن الدماغ البشري بأدمغة أخرى.
عد العصبونات في حساء الدماغ (٨)
لذلك ابتكرتُ طريقة لاكتشاف العديد من الخلايا بسهولة وبسرعة. أمضيت ١٥ عامًا في جمع أدمغة ، ثم حولتها إلى حساء (أذابتها في محلول حسب ما ورد في مصدر رقم ٨) وفحصتها تحت المجهر. هكذا حصلت على الأرقام (الأعداد) الموثوقة.
كما اتضح ، هناك العديد من الطرق لترتيب الأدمغة: أدمغة الرئيسيات كنحن البشر لها عصبونات في القشرة المخية أكثر من معظم الثدييات الأخرى (١٠) ، حجم الدماغ قد يكون كبيرًا لكنه مكون من عدد قليل نسبياً من العصبونات لو كانت هذه العصبونات كبيرة الحجم ، كما في الفيل ؛ عصبونات الرئيسيات صغيرة ، وعصبونات الطيور أصغر ، لذلك حتى أصغر الطيور أدمغةً يمكنها أن تحوي الكثير من العصبونات (١١). ولكن لا يوجد فيها أكثر مما يوجد في أكبر دماغ رئيسيات: وهو دماغنا البشري.
عند مقارنة الأدمغة ، نهتم بعدد العصبونات في القشرة لأنها منطقة الدماغ التي تسمح لنا بتجاوز مجرد الإحساس بالمنبهات / المثيرات والاستجابة لها ، مما يسمح لنا بالتعلم من الماضي ووضع خطط للمستقبل.
نظرًا لأن العصبونات هي قطع ليغو Lego تبني الأدمغة وتعالج المعلومات ، فكلما كانت العصبونات القشرية أكثر لدى أي نوع/جنس (١٢) ، كلما كان إدراك الأنواع/الأجناس أكثر مرونة وتعقيدًا ،بغض النظر عن الحجم. وليس ذلك فحسب: لقد وجدتُ مؤخرًا (والكلام للباحثة سوزانا) أنه كلما زادت العصبونات القشرية ، كلما طالت الفترة التي يأخذها الجنس لينمو /يتطور إلى مرحلة البلوغ (١٣) ، تمامًا كما يتطلب الأمر وقتًا طويلاً لتركيب حمولة شاحنة من قطع الليغو Legos معاً في قصر من القصور . مما تتطلبه حفنة منها في منزل صغير. ولأسباب غير معروفة حتى الآن ، كلما زادت العصبونات القشرية كلما كانت حياة (النوع) أطول (١٣).
وبالتالي يبدو أن الحصول على مزيد من العصبونات القشرية كالحصول على صفقة من شيئين بسعر شيء واحد: اشتري المزيد من القدرات العقلية ، ومعها يأتي عمر أطول لتعرف كيف تستخدم تلك القدرات العقلية (١٤).
تشغيل (تنشيط) جميع تلك العصبونات
زيادة العصبونات أكثر يكلف الكثير من الطاقة ( ١٥). إذا كان الناس قد استمروا في تناول الأطعمة النيئة حصريًا ، كما تفعل كل الرئيسات الأخرى ، فسوف يحتاجون إلى قضاء أكثر من تسع ساعات في كل يوم (١٦) في البحث والجمع ، والإلتقاط ، والأكل لتغذية ١٦ مليار خلية عصبية قشرية. إنسى اكتشاف الكهرباء أو بناء الطائرات. لن يكون هناك وقت (١٧) للنظر إلى النجوم ولا التساؤل عما يمكن أن يحدث (المترجم: لعل الباحثة تقصد التنبؤ بالمستقبل). لا يزال لدى أبناء عمومتنا القردة (العليا)، التي لا تزال تعشق الطعام النيء ، في الحد الأعلى ما يقرب من نصف عدد العصبونات القشرية التي لدينا (١٨) – وهي تأكل أكثر من ثماني ساعات يوميًا.
لكن أسلافنا اكتشفوا كيف يخدعون الطبيعة للحصول على الكثير من القليل ، أولاً بالأدوات الحجرية ثم بالنار لاحقًا. لقد ابتكروا الطهي وغيروا تاريخ البشرية (١٥). الأكل أسرع وأكثر فعالية/كفاءة ، ناهيك عن أنه لذيذ (١٩) ، عندما يُعد الطعام مسبقًا ويتغير بالنار.
مع توفر الكثير من السعرات الحرارية في وقت أقل بكثير ، اكتسبت الأجيال الجديدة أدمغة أكبر وأكبر. وكلما زاد عدد العصبونات القشرية لديهم ، كلما طال بقاء الأطفال أطفالاً ، وكلما كان عمر والديهم أطول ، وكلما استطاع الأول أن يتعلم من الأخير ، ثم من الأجداد ، وحتى من أجداد الأجداد. سرعان ما ازدهرت الثقافات. والتكنولوجيا التي تطورت واعتُمد عليها في المعيشة من خلال التعليم والعلوم الطبيعية ، لتصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
مع وجود الكثير من الثقافة التي يجب مشاركتها مع الآخرين ، ما يجعلنا بشرًا عصريين أصبح أكثر بكثير من بايلوجيتنا البشرية (٢٠). أن نولد بالكثير من الخلايا العصبية يعطينا إمكانية أن نعيش حياة طويلة وبطيئة ، حياة حيث يحصل كل دماغ من أدمغتنا على فرصة ليتعلم بما تعلمته الأجيال السابقة ونُعلّم به الأجيال اللاحقة. سنبقى بشرًا عصريين طالما أننا على استعداد للتجمع حول طاولات العشاء للإحتفاء باختلافاتنا ومشاركة بعضاُ البعض معارفنا التي اكتسبناها بشق الأنفس وقصص النجاح والفشل وآمالنا وأحلامنا.
سوزانا هيركولانو هوزيل مؤلفة كتاب: The Human Advantage: How Our Brains Became Remarkable (٢١).
مصادر من داخل وحارج التص:
١-https://mitpress.mit.edu/books/human-advantage-1
٢-https://youtu.be/_7_XH1CBzGw
٣-https://www.newswise.com/articles/lifespan-and-sexual-maturity-depends-on-your-brain-more-than-your-body
٤-https://youtu.be/EvSA1qhBq4M
٥-https://mitpress.mit.edu/books/human-advantage-1
٦-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0079612319301669?via%3Dihub
٧-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تواصل_علمي
٨-https://news.vanderbilt.edu/vanderbiltmagazine/brainiac-with-her-innovative-brain-soup-suzana-herculano-houzel-is-changing-neuroscience-one-species-at-a-time/
٩-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1002/cne.24040
١٠-https://www.pnas.org/content/109/Supplement_1/10661
١١-https://www.pnas.org/content/113/26/7255
١٢-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2352154616302637?via%3Dihub
١٣-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1002/cne.24564
١٤-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0079612319301669?via%3Dihub
١٥-https://www.basicbooks.com/titles/richard-wrangham/catching-fire/9780786744787/
١٦-https://www.pnas.org/content/109/45/18571
١٧-https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rspb.2015.1853
١٨-https://www.karger.com/Article/FullText/322729
١٩-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0047248408000481?via%3Dihub
٢٠-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0079612319301669?via%3Dihub
٢١-https://mitpress.mit.edu/books/human-advantage-1
المصدر الرئيسي:
Your big brain makes you human – count your neurons when you count your blessings
November 27, 2019
Suzana Herculano-Houzel, Associate Professor of Psychology, Vanderbilt University
بقلم سوزانا هيركولانو هوزيل ، الاستاذة السايكلوحيا المشاركة في جامعة ڤاندربيلت
http://theconversation.com/your-big-brain-makes-you-human-count-your-neurons-when-you-count-your-blessings-127398?utm_medium=email&utm_campaign=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20November%2027%202019%20-%201471913958&utm_content=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20November%2027%202019%20-%201471913958+Version+A+CID_8e903983bdcf39bdb8b1031f4a18ea36&utm_source=campaign_monitor_us&utm_term=Your%20big%20brain%20makes%20you%20human%20%20count%20your%20neurons%20when%20you%20count%20your%20blessings