كيف انتقلنا من جيلٍ يحب المرح والرفقةَ والبهجة إلى جيلٍ تعلق واحدٌ من أربعة من أطفالنا بآلةٍ واستحال إلى “مدمن” استخدام الهواتف الذكية؟ لا جواب سوى أننا نحن الذي “ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً وقال له…إياكَ إياكَ أن تبتلَّ بالماء”. كان هذا مادةً للبحث التي أجرته الكلية الملكية “King’s College” في مدينة لندن وأصدرته يوم ٢٩ نوفمبر، ٢٠١٩م. إليك شذراتٍ من هذا البحث:
من خلال تحليل البحث الذي تم نشره منذ عام ٢٠١١م عندما أصبحت الهواتف الذكية منتشرة على نطاق واسع، أظهرت مجموعة من الدراسات أن ١٠-٣٠ ٪ من الأطفال والشباب يستخدمونَ هواتفهم الذكية بطريقة غير فعالة، مما يعني أن ٢٣ ٪ في المتوسط كانوا يستخدمون الهواتف الذكية بطريقة إشكالية.
تم تعريف “الطريقة الإشكالية” في استخدام الهاتف الذكي على أنها أي سلوك مرتبط بالهواتف الذكية و يحتوي على خصائص الإدمان، مثل الشعور بالذعر أو الانزعاج عندما يكون الهاتف غير متوفر، ويتضمن صعوبةً في التحكم في مقدار الوقت الذي يقضيه مستخدم الهاتف على حساب أنشطةٍ ممتعة أخرى.
هذه الدراسة هي الأولى التي تبحث في انتشار هذه الظاهرة في الأطفال والشباب على هذا النطاق، وتلخص نتائج ٤١ دراسة بحثت ما مجموعه ٤١٨٧١ من المراهقين والشباب. وشملت الدراسات ٣٠ دراسةً من آسيا ، وتسع من أوروبا واثنتين من أمريكا. ٥٥ ٪ من المشاركين في الدراسات كانوا من الإناث، والشابات في الفئة العمرية من ١٧ إلى ١٩ سنة كان على الأرجح لديهم ظاهرة الاستخدام الإشكالي.
كما بحث الباحثون في روابط هذا النوع من استخدام الهواتف الذكية والصحة العقلية ووجدوا ارتباطًا ثابتًا بينه وبين الصحة العقلية السيئة من حيث المزاج المكتئب والقلق والإجهاد وضعف جودة النوم والتحصيل التعليمي.
تقول سامانثا سون، الكاتبة الأولى” يمكن أن يكون للإدمان السلوكي عواقب وخيمة على الصحةِ العقلية والأداء اليومي، لذلك هناك حاجة إلى مزيدٍ من التحقيق في استخدام الهواتف الذكية التي تنطوي على مشاكل في المملكة المتحدة من أجل تحديد ما إذا كان ينبغي تصنيف هذا النوع من الاستخدام كإدمان سلوكي، نحتاج إلى بياناتٍ طولية (ذات امتداد زمني) تبحث فيما يتعلق بالنتائج الصحية الأكثر موضوعية ، وكذلك أنَّ الأشخاص الذين يعانون من الاستخدام الإشكالي يكافحون لتخفيف استخدامهم”.
يضيف المشارك، بن كارتر، “يوجد حاليًا الكثير من الخطاب العام حول الآثار السلبية المحتملة لاستخدام الهاتف الذكي، وقد تميل الأبحاث السابقة فقط إلى فحص مقدار وتواتر الوقت الذي يقضيه على أي تكنولوجيا أو شاشة. أما مراجعتنا فتقوم بتقييم آثار الاستخدام المكثف ليس فقط، بل أيضًا على استخدام الهاتف الذكي الإشكالي، ومن خلال النظر إلى نمط “مدمن” للسلوك تجاه الهواتف الذكية، أنشأنا علاقات بين هذا النوع من السلوك ونتائج الصحة العقلية السيئة”.
على مدى العقد الماضي ، كانت هناك زيادة في استخدام الهاتف الذكي بين الأطفال والشباب ، وقد حدث هذا في الوقت نفسه مع ارتفاع الاضطرابات النفسية الشائعة في نفس الفئة العمرية. للمساعدة في توضيح الارتباط المحتمل بين استخدام الهاتف الذكي والصحة العقلية لدى الأطفال والشباب ، حقق الباحثون في أنماطِ السلوك المتعلقة بالهواتف الذكية ، بدلاً من استخدام الهاتف الذكي في حد ذاته.
ويعلق المؤلف المشارك، الدكتور نيكولا كالك،: “الهواتف الذكية موجودة لتبقى، وهناك حاجة لفهم مدى انتشار استخدام الهواتف الذكية التي تنطوي على مشاكل. لا نعرف ما إذا كان الهاتف الذكي نفسه هو الذي يمكن أن يكون إدمانًا أو التطبيقات التي يستخدمها الناس. ومع ذلك، هناك حاجة لتوعية الجمهور حول استخدام الهواتف الذكية في الأطفال والشباب، ويجب أن يكون الآباء على درايةٍ بالوقت الذي يقضيه أطفالهم على هواتفهم”.
ربما من الأجدى دراسة ظاهرة كيف وصل العالم ونحن معه إلى هنا؟ سؤال كان حاضراً عند ابن الثانية عشرة الذي سألته فأجاب: “أنتم الآباء والأمهات من أوصلنا إلى هنا”.