شقائقُ النعمان تحرق نفسها – المهندس هلال وحيد

أبناء اليوم هم أفضل جيلٍ يعرف جودةَ ومنفعةَ كل سلعةٍ يشتريها، إلا واحدة! يبحث عن صانعِ السلعة وتقييم من اشتراها من قبل، ومن يبيعها دون غش، وكم تدوم بعد شرائها، كَمٌّ من البحثِ والاستقصاء لا يكاد ينتهي. و يتلازم مع هذا البحث عن الجودة حملاتُ دعاية وإقناع من البائع بأن البضاعةَ هي الأجود، والأدوم والأرخص، وليس سواها أو غيرها.

لكن هناك سلعة واحدة، يقول صانعها وبائعها: “إنها لا تنفع بل تضر”، ويقول للمشترى: “حذارِ أن تشتريها فإنها تحمل الموت”، وفي المقابل يقول المشتري: هاتها، فهي التي أريدها ولن تضرني و إن ضرتني فلا بأس. هذه السلعة هي “التبغ” أو الدخان، يشتريه من يستهلكه مع كل ما كتبه عليه صانعه الأمين الذي لو كتب غيره على بضاعته مثل ما كتب عن ضرره ما اشتراها منه أحد.

كانت بداية التبغ، في محيطنا الصغير، للرجل الفلاح والبحار الكادح خشن اليدين، أجش الصوت، ليس لديه ما يمتعه في الحياة سوى التدخين الجماعي قبيل الفجر وبعد المساء، حينها تطوف “النارجيلة” من فمِ عجوزٍ لآخر، تليها نوباتٌ من السعال المتقطع والبصاق من أكثرهم. و للعجائز اللواتي ملأت التجاعيدُ صفحاتِ خدودهم، ثم جاء دور الشاب الأنيق العامل المتطلع للحياة، يضع السيجارةَ بين إصبعين ويمررها بكل هدوءٍ في فمه وينفخ الدخان في الجو في أسعدِ لحظات حياته.

الآن أخذت الشابات الجميلات دور الشاب الذي يحاول الفرار من التبغ، فلا يعدم أن يمر يومٌ دون أن ترى شابةً تقود سيارةً أنيقة وهي تنفخ سيجارة، وتحت ستار الجمال تكون سيجارةً إلكترونية! يقول المثل القديم: “من جرب المجرب حلت به الندامة”، فليس أسوأ من التبغ الذي جربه كثيرٌ من الرجال الذين ماتوا و خسروا أموالهم ولم يكسب أيهم الأناقةَ والجمال الذي يليق بالشابات.

أسأل نفسي ماذا لو ملكتُ ملياراتِ الأطنان من الذهب وخيرت بين ذلك كله ودقائقَ أو ثوانٍ في الحياة أرى فيها من أحب؟ أظنني سوف أستغني عن تلك الأطنان من الذهب، فكيف بمن ينفق ماله لكي ينقص عمره؟ في أغلب الأحوال يسرق التبغُ سنواتٍ من أعمار المدخنين والأسوء أن التبغ يسرق الجودةَ والراحة والصحة من كل السنين. وأيضاً يسرق التبغ جمال الورد من وجنات الصبايا باكراً:

“قدمت دراسة دليلاً جديداً على أن التدخين يسرّع عملية الشيخوخة، من خلال دراسة مقارنة بين التوائم المتماثلين يكون أحدهما مدخناً، حيث تبين أن علامات الشيخوخة المبكرة في وجه المدخن تجعله يبدو أكبر ببضع سنوات مقارنة مع توأمه غير المدخن. وقال الباحثون في مستشفيات كليفلاند وجامعة ويسترن ريزيرف في أوهايو أن النتائجَ التي توصلوا إليها توفر نظرةً عميقة على آليات تأثير التدخين على الخلايا.

شارك في الدراسة ٧٩ زوجاً من التوائمِ المتماثلة، بينهم ٥٧ امرأة، وبلغ متوسط أعمار المشاركين ٤٨ عاماً. واشترطت الدراسة أن يكونَ أحد التوأمين مدخناً والآخر لم يدخن خلالَ السنوات الخمس الأخيرة على الأقل. وكان متوسط فارق سنوات التدخين بين التوائم المشاركين ١٣ عاماً. وقدم المشاركون معلوماتٍ كاملة عن تاريخهم الطبي ونمط حياتهم، والتُقطت لوجوههم صور مقرَّبة. وتم تحليل علاماتِ الشيخوخة في وجوههم من قبل محللين لا يعرفون تفاصيل عن تاريخ كل شخص مع التدخين. وبينت نتائجُ التحليل وجود أكياس تحت العينين وتغير لون جلد الجفن السفلي لدى المدخنين، وبشكلٍ عام كانت علامات الشيخوخة أكثر في الجزء السفلي من الوجه. وكان لدى التوائم المدخنين درجاتٍ أعلى في علامات الشيخوخة كلها.

افترض الباحثون أن علاماتِ الشيخوخة في الجزء العلوي من الوجه تنتج عن التغيرات في عضلات الوجه بدلاً من تأثير التدخين على الجلد كما هو في الجزء السفلي. وبينت النتائج أنه كلما زاد الفارقُ الزمني في التدخين بين التوأمين عن ٥ سنوات زادت علامات معينة للشيخوخة مثل زيادة تجاعيد الشفة السفلية والأكياس تحت العينين، وأن فارق ٥ سنوات يمكن أيضاً أن يؤدي إلى تغيراتٍ ملحوظة. وقالت نتائج الدراسة إن تأثير علاماتِ الشيخوخة يمكن عكسه من خلال تغيير نمط الحياة باعتماد نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية”.

من الخطايا أن تعمد شقائق النعمان الغضة المنتصبة المتفرعة أن تحرق وتقتل نفسها فهي التي فيها الحياة، منها أتت، فإذا انتهت منها انتهت!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *