لماذا أدمغتنا ترى الناس “نحن” مقابل “هم” – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Why our brains see the world as ‘us’ versus ‘them’
بقلم البرفسورة  ليسلي هيندرسون، في السيكلوجيا و البايلوجيا العصبية ، وعميدةشؤون الهيئة التدريسية في كلية غيزيل للطب في جامعة دارتموث  

السياسات المعادية  للمهاجرين ، والمظاهرات المتعلقة بالعنصرية ، والخلافات المتعلقة بالمادة الفيدرالية المدنية التاسعة Title IX، وقضايا المحكمة المتعلقة بالتمييز الإيجابي ، affirmative action ودعاوى زواج المثليين.

هذه القضايا تحتل باستمرار العناوين الرئيسية للأخبار.  لكن حتى المقالات المدروسة المكتوبة عن هذه المواضيع تبدو دائمًا أنها تتحول إلى تأليب فصائل متحاربة ضد بعضها: السود ضد البيض ، والنساء ضد الرجال ، والمثليون جنسياً ضد الطبيعين جنسياً.

على المستوى البايلوجي الأكثر جوهرياً ، يدرك الناس الميزة الفطرية المتمثلة في التعرف على الإختلافات في الأنواع species.  لكن حتى داخل الأنواع ، هل هناك شيء في داراتنا circuit العصبية تقودنا إلى الإرتياح للذين هم مثلنا وعدم الإرتياح (الإنزعاج)  من أولئك الذين قد يختلفون عنا؟

معركة الدماغ بين الريب والمكافأة

كما في جميع الحيوانات ، أدمغة البشر توازن بين جهازين بدائيين.  أحدهما يتضمن منطقة دماغية تسمى اللوزة التي يمكن أن تثير الخوف والريب (الشك) في الأشياء التي تشكل خطراً – افترض حيوانات مفترسة أو أضعت الطريق في مكان غير معروف.  والجهاز الآخر ، مجموعة من البنيويات المتصلة ببعضها والتي تسمى النظام وسط طرفي mesolimbic (مجموعة من العصبونات المفرزة للدوبامين، ١)، يمكن أن يؤدي الى البهجة والشعور بالمكافأة استجابة لأشياء تجعلنا على الأرجح نكبر ونعيش  – لا تفكر في الغذاء فقط ، ولكن أيضا نفكر في المتعة الإجتماعية ، كالثقة (بالآخرين).

ولكن كيف بتفاعل هاذان النظامان للتأثير على كيف نشكل مفاهيمنا عن المجتمع؟

اختبارات الارتباط الضمني (٢) يمكن أن تكشف قوة الإقترانات (الإرتباطات) اللاواعية – أي التي لسنا على وعي بها (٣).  لقد أظهر الباحثون أن العديد من الناس لديهم تفضيل ضمني لجماعتهم – أولائك الذين على شاكلتهم – حتى لو لم يُظهروا  أي علامات واضحة على التحيز.  على سبيل المثال ، في الدراسات ، يرى البيض أن السود أكثر عنفًا وأكثر استعدادًا لإلحاق الضرر بالغير ، لمجرد أنهم سود ، وهذا التحيز اللاواعي واضح حتى تجاه الأولاد السود الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات (٤).

دراسات تصوير الدماغ وجدت زيادة في التشويرات signaling في اللوزة عندما يعطي الناس رأيهم “بالجدارة بالثقة” للوجوه مدتها ملي ثانية (واحد على الألف من الثانية) (٥) .  هذا وقت قصير للغاية لا يكفي لعكس العمليات الواعية ومن المحتمل أن يكشف عن مخاوف ضمنية (٦).

في إحدى الدراسات ، استفاد الباحثون من الصور النمطية السلبية عن السود عن طريق تشغيل موسيقى الراب العنيفة لمشاركين بيض من الذين ليس لديهم تحيزات خارجية.  هذا النوع من التهيئة priming جعل الأمر صعباً على قشرة الدماغ من أن تقوم بتثبيط التنشيط اللوزي والتحيز الضمني (٧).  عادة تتمكن مناطق “السيطرة التنفيذية” (في الدماغ) هذه من أن تتجاوز دفع اللوزة نحو التعصب عند مواجهة عناصر من خارج الجماعة.

سواء كانت هذه التحيزات مكتسبة أم لم تكن ، أو بطريقة أو بأخرى مجبولة hardwired، هل تعكس نشاطًا متضاربًا بين اللوزة مقابل النظام الوسطي الطرفي mesolimbic (١)؟  وهذا يعني ، كيف توازن أدمغتنا بين الريب (عدم الثقة) والخوف مقابل المكافأة الاجتماعية عندما يتعلق الأمر بتصوراتنا عن أشخاص ليسوا مثلنا؟

البحث في كيف تستجيب اللوزة حينما يقيّم الناس الأهمية النسبية للإختلافات (كالعرق/العنصر) ، دقيق ومعقد.  يجب أن تأخذ الدراسات في الإعتبار الإختلافات بين المقاييس الصريحة والضمنية لمواقفنا (وجهات نظرنا) ، وكذلك تأثير التحيز الثقافي (للتعريف، راجع ٨) والتباين الفردي.  ومع ذلك ، تشير الأبحاث إلى أن التشوير signalling داخل اللوزة (٩) هو في السبب الذي وراء درجة  أحجام الناس عن الثقة بالآخرين ، وخاصة فيما يتعلق بتفضيل الجماعة مقابل تفضيل من هم خارج الجماعة (الأجنبي عن الجماعة).  من المعقول أن نستنتج أن الكثير من غريزة الإنسان بعدم الثقة “بالآخرين” يمكن تتبعها إلى هذا الجزء من الدماغ الذي يعد مهمًا للشعور بالخوف والقلق (١٠).

مكافأة من “التشابه التام (التماثل)”

كمقابل للخوف وعدم الثقة والقلق ، فإن دارات الخلايا العصبية في مناطق الدماغ التي تسمى بنظام الوسطي الطرفي  mesolimbic (١) هي واسطة حاسمة لإحساسنا “بالمكافأة” (١١). تتحكم هذه الخلايا العصبية في إفراز ناقل الدوبامين ، المرتبط بالإحساس بالمتعة المحسّن/المعزز.  طبيعة الإدمان لبعض المخدرات ، بالإضافة إلى الألعاب الباثلوجية والقمار ، متساوقة correlated مع الزيادة في الدوبامين في دارات جهاز الوسطي الطرفي (١).

بالإضافة إلى الدوبامين نفسه ، يمكن للكيمياويات العصبية كالأوكسيتوسين أن تغير بشكل كبير من الإحساس بالمكافأة  والمتعة (١٢) ، خاصة فيما يتعلق بالتفاعلات الإجتماعية ، من خلال تعديل دارات جهاز الوسطي الطرفي (١٣).

على سبيل المثال ، في ورقة توضيحية ، قام باحث الأعصاب كارل ديسروث وزملاؤه في جامعة ستانفورد بالجمع بين الوراثيات (الجينتكس) والاختبارات السلوكية بمقاربة متطورة تدعى الألياف الصوئية (فايبر فوتومتري) fiber photometry (١٤) حيث يمكن للضوء تشغيل وإيقاف خلايا معينة.  باستخدام هذه العملية ، تمكن الباحثون من تحفيز وقياس النشاط في خلايا عصبية معينة  في مسارات المكافآة ، وبدرجة عالية من الدقة.  وكانوا قادرين على القيام بذلك في الفئران حيث تتصرف في بيئات اجتماعية.

لقد أظهر الباحثون أن التشويرات العصبية في مجموعة معينة من خلايا الدوبامين العصبية هذه داخل حلقات مكافأة جهاز الوسطي الطرفي يُثار فيه الحماس عندما يقابل فأرًا جديدًا – فأر لم يسبق له أن قابله من قبل ، لكن هذا من خطه الجيني (السلالة الجينية).  هل رد فعل مكافأة الدوبامين هذه هي نتيجة طبيعية للتعرف (للتمييز) البشري بمن هم من ضمن الجماعة؟

ماذا لو كان الفأر من خط جيني (سلالة جينية) مختلف بخصائص خارجية مختلفة؟  ماذا عن الثدييات الصغيرة الأخرى ، كفئران الحقول التي لها علاقات اجتماعية مختلفة دراماتيكياً اعتمادًا على ما إذا كانت من النوع الذي يعيش في البراري أو في الجبال؟  هل هناك نفس تشوير جهاز الوسطي الطرفي الإيجابي عندما يصادف أحد فئران البراري فأراً جبلياً ، أم أن فرق “خارج الجماعة” هذا يخل بالتوازن اتجاه (في صالح) اللوزة ويعبر عن الخوف وعدم الثقة؟

لا يعرف الباحثون كيف يمكن لهذه الاختلافات أو حتى الاختلافات الخفية في الحيوانات أن تؤثر على كيف تعزز داراتهم العصبية الاستجابات الاجتماعية.  ولكن من خلال دراستها ، قد يفهم الباحثون بشكل أفضل كيف تسهم أنظمة الدماغ البشرية في التحيز الضمني واللاواعي الذي يشعر به الناس تجاه أولئك الذين من جنسنا البشري ولكن يختلفون إلى حد ما عنا.

التشوير العصبي ليس قدراً

حتى لو رجح التطور كفة الميزان نحو مكافأة أدمغتنا “المشابه التام (مثيلنا)” وعدم الثقة “بالمختلف” ، فلا يجب أن يكون هذا هو القدر.  النشاط في أدمغتنا مرن (١٥) ، مما يسمح للدارات circuits عالية الرتبة  في القشرة الدماغية بتعديل أنظمة الخوف والمكافأة الأكثر بدائية لتنتج حصيلة سلوكية مختلفة.

مؤلفة الورقة شيمامندا نغازي اديشي Chimamanda Ngozi Adichie تنص بشكل بليغ على أن “المشكلة مع الصور النمطية ليست لأنها غير صحيحة ، لكنها غير كاملة.  إنها تجعل القصة الواحدة القصة الوحيدة”. وبعبارة أخرى ، فإن الصور النمطية تختزل اولائك الذين ليسوا مثلنا تمامًا إلى اختلافاتهم عنا فحسب.

لماذا يتحمل الناس الازعاج (عدم الراحة) الذي تثيره الاختلافات ، بدلاً من اختيار المكافأة السهلة مع المماثل (المشابه التام) دائمًا؟  في كتابه “الفرق The Difference” (١٦) ، يقدم الباحث الاجتماعي سكوت بيج Scott Page أدلة رياضية على أنه على الرغم من أن الأشخاص المختلفين أقل ثقة ببعضهم البعض ، إلا أنهم أكثر إنتاجية عندما يعملون معًا.

من فك شفرة جهاز الترميز انجما Enigma (١٧) في الحرب العالمية الثانية إلى التنبؤ بأسعار الأسهم ، يقدم المؤلف بيج Page بيانات للتوضيح أن التنوع في وجهات النظر ينتج ابتكارًا أفضل وحلولًا أفضل من أذكى مجموعة من الخبراء المتشابهين في التفكير.  باختصار ، التنوع يفوق القدرة.  والتنوع يعزز بدرجة كبيرة مستوى الابتكار في المؤسسات في جميع أنحاء العالم (١٨).

ولذلك سلّم بالريب اللوزي الذي تثيره الاختلافات.  ثم ، على الرغم من أنك قد لا تحصل على نفس الجرعة من الدوبامين ، كن مدركاً أنه عندما يتعلق الأمر بما سيعزز الخير الأكبر ، فإن العمل مع هؤلاء الذين “ليسوا مثلنا” له مردوده الإيجابي (مكافأته)  الخاصة.

مصادر من داخل وخارج النص:
١-٧-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/مسار_وسطي_طرفي
٢-https://www.abbreviationfinder.org/ar/acronyms/iat_implicit-association-test.html
٣-https://theconversation.com/measuring-the-implicit-biases-we-may-not-even-be-aware-we-have-74912
٤-https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0956797615624492
٥-https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0167276
٦-https://www.annualreviews.org/doi/10.1146/annurev-neuro-060909-153230
٧-https://academic.oup.com/scan/article/7/7/771/1673986
٨-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/انحياز_ثقافي
٩-https://www.nature.com/articles/nn.3136
١٠-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0304394017309655?via%3Dihub
١١-https://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(15)00133-6?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS0896627315001336%3Fshowall%3Dtrue
١٢-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0018506X16305207?via%3Dihub
١٣-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0306453016308678?via%3Dihub
١٤-https://neurophotometrics.com/what-is-fiber-photometry
١٥-https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0959438810000279?via%3Dihub
١٦-https://press.princeton.edu/books/paperback/9780691138541/the-difference
١٧-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/آلة_إنجما
١٨-https://hbr.org/2018/01/how-and-where-diversity-drives-financial-performance

المصدر الرئيسي: 
https://theconversation.com/why-our-brains-see-the-world-as-us-versus-them-98661#comments-container

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *