هل تأملت يوما في الأسئلة العميقة؟ وأنا لا أقصد الأشياء البسيطة الشائعة ، أعني الأسئلة العميقة جداً جداً؟ أو هل فكرت يومًا في العدد الذي لا يحصى من العقول التي قضت حياتها بالكامل على هذه الأرض طوال تاريخ البشرية؟
من أرسطو إلى أفلاطون ، ومن هايسنبرغ إلى هيايدغر Heidegger، كل مفكر بارز في تاريخ العالم الذي ترك بصماته كان لديه فكرة واحدة رئيسية لم يفكر بها أحد حتى ذلك الحين على الأقل. حتى لو كانت أفكارهم في غالبها توليفة من سطور متعددة من أفكار سابقة ، إلا أنهم بالتأكيد رووا حكاياتهم من خلال إطار جديد تمامًا ، حتى لو ناقشوا شيئًا لا يبلى بمرور الأيام مثل الحب في مرحلة المراهقة.
معظم المفكرين العظماء تأملوا في العديد من الأسئلة المختلفة لفترة طويلة حتى صادفوا أسئلة رئيسية أصبحوا بها معروفين ، مثل السير إسحاق نيوتن الذي قضى معظم حياته مكرسًا إياها في دراسة العلوم السخيفة bunk science (١) وممارسة تخيلات العلوم الخارقة occultist fantasies (٢) ، لكنه مع ذلك كان قادرًا على العثور مصادفة على القطعة المفقودة من اللغز العلمي ، الميكانيكا النيوتونية ، أو بشكل عام ، الفيزياء. الفيزياء غيرت الطريقة التي نرى بها العالم في عصره بشكل جذري ، وبمرور الزمن ، اتسع تأثير نيوتن بشكل كبير ، لدرجة أنه هيمن على كل جانب من جوانب حياتنا. كذلك أيضاً ، هناك أفكارا أخرى في تاريخ الفكر العميق هزت عالمنا بهكذا طريقة ، لم يكن من الممكن أبداً أن يُنظر إليها من جديدكما كانت عليه حينئذ. فيما يلي عشرة من هذه الأسئلة الرائدة في تاريخ الفلسفة:
١- التحقق من الواقع
هذا سؤال أساسي للغاية الى درجة أن الكثير منا قد واجهها في مرحلة ما من حياتنا – كيف نعرف أن العالم من حولنا هو في الواقع كما يبدو لنا؟ كيف نعرف أنه في الحقيقية واقعي؟ أو ، أي تفسير أكثر معاصرة لهذا السؤال هو شيء من هذا المضمون ، ماذا لو كان واقعنا مزيفًا تمامًا ، وكنا نعيش في محاكاة كمبيوترية كبيرة؟
اتضح أن هذا السؤال ليس بالأمر الجديد ، وهو شيء يطرحه الفلاسفة على أنفسهم منذ آلاف السنين. كان السؤال بالتأكيد موجودا ، لكن قليل من المفكرين لو وجد أي منهم قد طرح ذلك بشكل أفضل من الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون ، في أسطورة الكهف (٣).
اسطورة الكهف The Allegory of the Cave هي تجربة فكرية يرجع تاريخها إلى ما بين ٣٨٠ الى ٣٦٠ قبل الميلاد ، وهي أمر قوي يجب مراعاته عند التشكيك في واقع العالم من حولنا. باختصار ، يوجد كهف أسفل الأرض فيه ثقب في الأعلى ، لكن في أعماق الكهف ، بعد النقطة ببعيد حيث يمكن أن ترى فيها المدخل ، يوجد العديد من السجناء المقيدين بسلاسل مثبتة في الأرض. هؤلاء السجناء دائمًا مقيدون بسلاسل مثبتة في أرض الكهف ، كشيء ما مأخوذ من رواية خيالية ، ولا يعرفون أبدًا العالم خارج الكهف.
الآن هنا حيث تصبح الأشياء مثيرة للإهتمام بالفعل – لنفترض وجود حيد (نتوء جبلي) خلف المساجين ، وهناك نار تلتهب فوق الحيد ، حيث يمكنك صنع دمى يدوية (تحركها باليد) وعرضتها على حائط مسطح أجرد في الأمام ليراها السجناء. هل من الممكن أن يفترض هؤلاء السجناء ، الذين لم يروا العالم الخارجي الحقيقي ، أن دمى الظل حقيقية وليست مجرد ظل قد أُسقط أمامهم؟ من المحتمل جدا بالتأكيد. لكن ملازمات هذا هو سؤال عن حدود معرفتنا في العالم الحقيقي ، خارج الكهف – كيف نعرف أننا نعرف القصة بأكملها؟ كيف نعرف أن ما نراه ونلاحظه واقعي حقًا ، وليس مجرد ظلاً خيالياً لبعض الواقع المطلق؟ أعتقد أننا نشعر جميعنا بشكل حدسي بأنه لا يمكننا أبدًا ” أن نعرف ذلك ” على وجه اليقين.
يوجد أيضًا آثار أخرى مترتبة في هذا الأمر ، وهي أنه إذا كنت ستطلق سراح السجناء من الكهف ، فستكون فترة تكيفهم صعبة للغاية ، على أقل تقدير ، وهم يتكيفون مع العالم الحقيقي ويكتشفونه (٤). لن تكون هذه مهمة سهلة بالنسبة للأشخاص الذين عاشوا طوال حياتهم جاهلين ، تمامًا دون معرفة الأعمال الداخلية للواقع التي بقيت معنا حتى اليوم.
٢-ما هو الزمن ؟
في هذه المرحلة من الزمن (أو ليس في هذه المرحلة) رأى معظمنا بعض تباين الميم meme (الميم هنا تعني فكرة أو سلوك ينتشر من شخص الى آخر داخل ثقافة ما، للمزيد راجع ٥) التي تشكك في وجود الزمن (٦، ٧) – كمبنى اجتماعي ، كما لم يكن أبدًا كما كان ، واقتراحات أخرى تغض النظر عن مفهوم التكرار وأي شعور بإنتزاع الوقت. تتلخص قاعدة كل هذه الأفكار في فكرة واحدة – ذلك الوقت في العالم ليس هو نفس الوقت الذي نشعر به. الحقيقة هي أن الزمن قد يُدرك بطرق مختلفة من قبل العديد من الثقافات المختلفة ، وما كنا نعتبره أمراً مفروغاً منه ، كدمى الظل لسجناء أفلاطون ، لم يكن دائمًا كذلك. الزمن الخطي ، فكرة أن الزمن يمضي لحظة تلو أخرى في حركة واحدة ثابتة إلى الأمام ، لم تكن معروفة دائمًا ، صدق أو لا تصدق (٨). قبل ذلك ، كان الزمن الخطي هو الفهم الفعلي للزمن ، وأن كل شيء يعمل في دورات (زمانية) ، وليس في اتجاه واحد سلس ومتتالي.
الزمن والإرادة الحرة: مقال عن البيانات الآنية للوعي هو عنوان كتاب نشره الفيلسوف في القرن التاسع عشر هنري بيرغسون Bergson، (٩) والذي توسع أكثر في فهمنا للزمن ، كما كان الحال مع آينشتاين. قسم بيرغسون الزمن إلى فئتين منفصلتين ، الزمان والمدة (الفترة) الزمنية.
الزمن ، كما نعرفه ، وكما نراه من خلال ، على سبيل المثال ، عدسة العلم ، ليس هو الزمن نفسه الذي نشعر به بالفعل ، وهو المدة الزمنية ، والفرق بين الإثنين هو أن الزمن لا يمكن أن يخرج من قبضة اختناق التأثير المكاني – أي أنه لا يمكن أن يكون هناك زمن دون الإشارة إلى نقطة في الفراغ (الفضائي) ، ولكن يمكن أن يكون هناك مدة زمنية بدونها (تلك نقطة) – وهي ذاتية (غير موضوعية) خالصة مستقلة عن نقطة محددة. إنها طبيعة الوعي ذاته لتتحدي نقطة ماديّة محددة في الفضاء space (الفراغ). كانت وجهة نظره أساسًا أنه لا يمكنك قياس “المدة” التي تمر بها من خلال مقارنتها بالزمن ، لأن الزمن سلسلة من اللحظات التي تحدث للأجسام المكانية ، والتجربة ليست جسماً مكانيًا – فكل منهما ليس له علاقة بالآخر بالفعل.
العبارة القوية بالفعل هنا هي ما يقوله بيرغسون حول حرية البشر بمجرد أن يهرب الشخص من هذه النظرة الآلية للزمن. المعرفة البعدية/الخبرة (١٠) نوعية ، وليست كميّة ، ويتعلق الأمر بتزامن حدوث الأشياء ، وليس بتتابعها. لذلك إذا أخذنا وجهة نظر بيرغسون ، لا ، فإن الزمن في العالم ، وزمن الأشياء ، ليس هو نفسه الزمن الذي يشعر به الأشخاص (١١).
٣-هل أنا موجود؟
من المشاكل الوجودية البسيطة التي يجب التأمل فيها من وقت لآخر هي مسألة ما إذا كنّا موجودين أو لسنا بالفعل موجودين – ماذا لو كانت حياتنا بأكملها مزيفة؟ ماذا لو كان هذا كبعض أفلام الخيال العلمي المجنونة ، حيث كانت أدمغتنا متوقفة عن العمل في وعاء (١٢) في مكان ما تتلقى المثيرات التي تحاكي هذه التجربة بأكملها التي كنا نعيشها ، ولكن حتى تصوراتنا وأجسادنا الخاصة بِنَا لم تكن حقيقية؟ إن فكرة “الدماغ في وعاء (١٢، ١٣)” هي دليل على مذهب الشك لدى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت ، وهي تقدم نظرة ثاقبة رائعة داخل أفكار الفيلسوف ، بطريقة أكثر حداثة ومعاصرة ومفهومة.
كان ديكارت عالمًا ، أولاً وقبل كل شيء ، وكان يبحث دائمًا عن أدلة في كل شيء. في كتابه ، تأملات في الفلسفة الأولى (١٣) ، يثير ديكارت سؤالًا مثيرًا للإهتمام قد تكون فكرت به من قبل ، وهو “كيف أعرف أن حياتي كلها ليست مجرد حلم؟” ربما يمكن أن يكون حلمًا في عقل شخص آخر ، فأنت صورة figure حلم شخص آخر ، ولا شيء من هذا واقعي فعلاً. هل يمكنك إثبات أن هذا ليس هو الحال؟ بعد كل شيء ، يعتقد ديكارت ، كونه يشك في أنه كان (صورة حلم شخص آخر) ، دليلاً ضرورياً للغاية لطرح إدعاءات (١٤). في كتابه تأملات في الفلسفة ، كتب ديكارت:
“كل تجربة حسية اعتقدت قط أنها لدي وأنا مستيقظ ، يمكنني أيضًا أن أفكر أنها أحيانًا لدي وأنا نائم ؛ ولأنني لا أعتقد أن ما أدركه في النوم يأتي من أشياء تقع خارج جسمي ، لم أرى لماذا يجب أن أكون أكثر ميلًا إلى تصديق ذلك فيما أدرك وأنا مستيقظ “.
والآن بعد أن أثبت أن كل شيء ، حرفيًا ، كل شيء نعرفه ونمارسه يمكن أن يكون زائفاً (١٥) ، يأخذ ديكارت منعطفًا مثيرًا للإهتمام عندما قدم عبقرية الشر أو الشيطان الغشاش في كتابه تأملات في الفلسفة. باختصار ، ماذا لو كان هناك شخصية عبقرية شيطانية قوية للغاية كانت قادرة على التحكم في تصوراتي (إدراكاتي) … كل تصوراتي (إدراكاتي) في الواقع مجرد زائفة ، كل شيء من القمر إلى العشب ، كل ذلك ممثل بشكل خاطئ من قبل العبقري الشرير الذي له سيطرة كاملة على ذهني؟ حتى ادراكاتي الجسدية قد تكون وهمية ، والشاشة التي أنظر إليها الآن ليست موجودة ، مثل كهف أفلاطون. وإذا كان كل شيء آخر غير صحيح أو لا يمكن إثبات أنه صحيح ، فكيف أعرف ما إذا أنا موجود؟
ثم توصل ديكارت إلى استنتاجه الأكثر شهرة والأكثر إقناعًا ، “أنا أشك، إذاً أنا موجود” Cogito Ergo sum (١٦) – ما كان يعنيه هو أنه إذا كنت أشك في العالم ، أشك في دقته أو وجوده ، حتى لو كنت أشك في بدني ، ذاكرتي الخاصة ، حقيقة أنني أشك بالفعل في هذه الأشياء تثبت وجودي. كان هذا واحدًا، إن لم يكن الفكر الأكثر محورية في تاريخ الفلسفة. إن وجودي نفسه ، حتى في ظل أكثر التدقيقات التشككية الراديكالية تشددًا ، يمكن أن يقال أنه موجود (١٤).
هذا المفهوم لا يزال صعباُ للغاية أن يرفضه (يجادلوا ضده) الكثيرون ، حتى اليوم ، بعد مئات السنين ، وقد أثبت نفسه مرارًا وتكرارًا أنه كان فكرة عبقرية تمامًا حيث أنه كان، وما زال. كما أنه أصبح المفهوم الأساسي للعديد من الفلسفات اللاحقة التي نشأت عنه ، وخاصة الفلسفة الفرنسية.
٤- مما يتكون الوعي؟
إذن مما يتكون الوعي ، بعد كل شيء؟ لو كنت أريد أن أكون أي شيئ ، هل علي أن أكون واعيًا أولاً؟ هل هو مادي أم مجرد؟ هل تتمكن من لمسه؟ هل هو في الواقع شيء؟ هذه الأسئلة ليست جديدة جدًا ، وحتى الأطفال الصغار قد يسألون نفس النسخ لنفس الأسئلة ، كالتساؤل ، “مما أنا مخلوق؟ هل أنا جسد فقط؟ كيف اختلف عن الموتى؟
قام جان بول سارتر ، الفيلسوف الفرنسي في القرن العشرين ، الذي سلك طريق ديكارت وزاد عليه في فلسفته ، وقلب فكرة ديكارت رأساً على عقب بشكل جذري: “أنا أشك ، إذاً أنا موجود” كما يقول ديكارت. وأجاب سارتر ، بعد ثلاثة قرون، أنا ككائن مفكر، أنا موجود (١٧).
تولى سارتر قيادة فيلسوف الفينومينولوجيا (علم وصف الظواهر/فلسفة الظواهر ، ١٨) في مختص علم وصف الظواهر ، وهو إدموند هوسرل ، الذي أعلن أن الوعي يتكون بالكامل من أشياء غيره. عندما نكون واعين ، نحن غير مدركين لبعض الوعي المادي ، نحن ندرك أشياء كالأشجار ، وعلامات الشوارع ، وكلبنا، وسمي ما شئت. هذه هي مقصود الوعي ، حيث يوجد دائمًا هدف لوعينا ، “قصد” وعينا. لذلك إذا كان وعينا يتكون من كل ما هو غير ذلك ، فما هو وعينا؟ رد سارتر بكلام مدوي “لا شيء” حرفياً. لا شيئ. إنه فارغ.
يرى سارتر أن الوعي “كشبيء ينفجر” في داخل العالم ، ويدفع بشكل ثابت إلى الخارج ، دون أي إشارة إلى استبطان محتمل. إنه فراغ تملؤها هذه الظاهرة ، وهي أشياء تجربتنا باستمرار ، ويمكن القول أننا موجودون نمارس الأشياء ، لا الأشياء المادية ، من وجهة نظر سارتر (١٩). نحن موجودون بالنسبة لسارتر ، لكننا موجودون كعمليات صيرورية ، لا كأجسام.
٥-هل سأكون سعيدًا قط؟
كان آرثر شوبنهاور رجلاً لديه الكثير ليقوله عن قضية السعادة البشرية ، وما يعنيه النجاح فعلاً – ومعظمه لم يكن جيدًا. من المرجح أن يخلد فيلسوف القرن التاسع عشر هذا في التاريخ باعتباره الملك المطلق للعقيدة المتشائمة ، التي لها بالفعل تاريخ طويل وغني وبعض الإدعاءات الدقيقة الخطيرة المتعلقة بما يعني أن تكون على قيد الحياة. التشاؤم لا يقول فقط أن كل شيء مثير للإشمئزاز ، ولكن كل الأشياء في الحياة ، على الأقل في إطار زمني طويل بما فيه الكفاية ، غير مجدية وعقيمة. كان كتاب التوراة الإنجيلي عملاً من التشاؤم الصريح ، ويتحدث عن تآكل كل الأشياء عبر الزمن ؛ يذكّرنا سِفْر الجامعة بفظاظة بأنه “لا يوجد شيء جديد تحت الشمس”.
ما يقصده هنا مؤلف كتاب سفر الجامعة ، هو أن مليارات الأشخاص فعلوا معظم ما تفعلونه الآن ، وماذا ستفعل في حياتك ، و كل المتعة العقيمة ستذهب جفاءًا وتُنسى – ما لم تفعل شيئاً ينجيك ويساهم في شيء أكبر منك ، ويبقى بعد حياتك القصيرة.
اتخذ شوبنهاور هذه الخطوة الضخمة إلى أبعد من ذلك ، حيث أعلن أنه حتى التمتع بالحياة لا يبقى طويلاً. يقول شوبنهاور في مقالاته عن التشاؤم ، إن أي متعة قد نجدها سريعة الزوال ، لأن طبيعة الوجود تتأرجح في مكان ما بين السعي الجاد والجوع والعطش والرغبة والحاجة ، إلخ ، أو الملل التام والمطلق. نحن نسعى جاهدين لتحقيق الأشياء التي نريدها بشكل أكثر في الحياة ، سواء أكانت احتياجات فورية كالساندويتش ، أو الأهداف طويلة الأجل ، كاللياقة البدنية.
في اللحظة التي نحقق فيها ما نريد ، نشعر بالملل من ذلك. بالنسبة لشوبنهاور (٢٠) ، فإن الألم وخيبة الأمل ليسا أشياء تنبثق فقط في حياة سعيدة من نوع آخر – إنها القاعدة (الإجتماعية) ، ولحظات السعادة والهدوء والصفاء تبدو وكأنها استثناء للقاعدة.
٦- مما يتكون الإدراك؟
علم وصف الظواهر (فلسفة الظواهر) Phenomenology هو فلسفة وصفية تسعى إلى طرق عالم التجربة الداخلية في المقام الأول، قبل التعامل مع ميكانيكا العالم الخارجي – أي أن الفلسفة تأخذ بالكامل منظور العالم الأول لدراسة كل شيء ، لذلك فهي لعبة تصويب الشخص الأول للفلسفة (٢١، ٢٢). الهم الأساسي هو دراسة الوعي وعلاقته بالعالم. هذا يجعل فلسفة الظواهر phenomenology (علم وصف الظواهر) مرشحًا رئيسيًا لأفضل دراسة عن الإدراك. تأسست الدراسة من قبل إدموند هوسرل واستمر على دراستها بعض الأسماء الكبيرة في الفلسفة ، مثل مارتن هايدغر وجان بول سارتر ، لكنه كان مختص أقل شهرة في علم وصف الظواهر ، وقد توصل إلى عمل بعنوان “دراسة وصف ظاهرة الإدراك” ، وهذا الرجل كان موريس ميرلو بونتي. في ذلك ، سعى لوصف كل ما ندركه والأهم من ذلك كيف ندركه.
إذن مما يتكون إدراكنا؟ لو كان العالم الذي ندركه لا يمكن أن يُضمن أن يكون حقيقة كاملة ولا شيء غير الحقيقة ، فماذا عن إدراكاتنا؟ الجواب ، بكل بساطة بالنسبة إلى ميرلو بونتي Merleau-Ponty ، هو أن ذاتيتنا subjectivity موجودة كجسمها في وقت واحد. تبنى ميرلو بونتي وجهة النظر الأحادية ، لا الثنائية ، بأن العقل والجسم ليسا منفصلين على الإطلاق ، بل متزامنان ومدموجان معًا – فهما واحد ونفس الشيء.
يشبه ميرلو بونتي Merleau-Ponty الإدراك باللغة أو التواصل ، وليس كشيء غير مرئي في روح ما أو ذهن ما في مكان ما غير مهم تمامًا ، كما افترض الكثيرون لآلاف السنين أنه صحيح ؛ فكرته هي أن الحواس هي التواصل مع العالم الخارجي. فقد استحدث نموذج لغة ، والتي من خلالها تكون ادراكاتنا كطريقة أجسامنا في توصيل العالم الخارجي مع العقل. لكن في بعض الأحيان ، هذا الأمر ينحرف ولا يقوم بأداء وظيفته كما ينبغي ، لأن الأشياء في اللغة المنطوقة يمكن أن تضيع أحيانًا في الترجمة ، فإن الإدراك المساوي لهذا سيكون شيئًا على غرار المريض الذي لديه أطراف شبحية ، ويعاني من أحاسيس ويتصور أشياء في أحد الأطراف التي ليست حتى موجودة.
٧- التنبؤ بالمستقبل
كان لدى الفيلسوف ديفيد هيوم الكثير ليقوله في كتابه: تحقيق في الذهن البشري (٢١) Enquiry Concerning the Human Understanding, ، خاصة فيما يتعلق بماهية الحواس والأفكار بالفعل ، وأدرك أن الحواس هي ممارسات فورية ، في حين أن الأفكار هي ما نشعر به تجاه تلك الممارسات – وذلك لأن الأفكار تُعتبر ثانوية بعد الممارسات. هذا يعني أن كل ما نعرفه في النهاية يأتي من ممارسات كنّا نقوم بها ، ومحدودة ، على أقل تقدير.
هل يمكننا بالفعل استخدام الماضي للتنبؤ بالمستقبل؟ يؤكد هيوم بقوة على أن الماضي لا يمكن تبريره في التنبؤ بأحداث من المستقبل ، لأنه ليس فقط دوري ، لكن ذكرياتنا عن الماضي هي ببساطة تجارب وتجارب حسية دقيقة وليست منطقية بالفعل.
وبالتالي ، إنها الطبيعة ، وتقبلنا الطبيعي للعالم من حولنا والتجارب التي تلت ذلك والتي نعيش من خلالها حياتنا ، ونتخذ القرارات ، ولا نمنطقها (٢٤) في النهاية. التجارب هي تجارب واقعية ، في حين أن الأفكار المتعلقة بها هي إبداعات مستعملة من مواد خام خبراتنا. في أفضل الأحوال ، يمكننا – وسنستخدم – الماضي لإستنتاج الإمكانات المحتملة للمستقبل ، لكننا لم نبرر بأي حال من الأحوال الإعتقاد بأنه يمكننا استخدام المنطق لإستنتاج الأحداث المستقبلية من ماضينا.
كان هذا ثوريا جدا. حتى ذلك الحين ، حاول فلاسفة آخرون من المدرسة التجريبية توضيح نفس الشيء ، لكن لم يتمكن أحد من تدمير الأفكار القديمة تمامًا كما فعل هيوم. حتى جاء هيوم ، ظن معظم الناس أن المنطق هو الذي يفرض الفعل ، لكن هيوم مزق ذلك بحماسة على عكس أي شيء عرفه العالم في ذلك الوقت.
٨- هل يمكنني أن أكون فحسب؟
الإنقسام بين الكينونة (٢٥) مقابل التحول (٢٦) موجود منذ عهد سقراط وحتى قبل ذلك بفترة طويلة ، أي منذ ٢٥٠٠ سنة مضت (٢٧). الزمانية Temporality هي الزمن المتكشف (وليست المدة) في سلسلة متعاقبة من اللحظات ، تذوب اللحظة في التالية في تدفق مستمر للأحداث. كثيرون منا يسأل نفسه ، “هل يمكنني أن أكون سعيدًا قط؟” لأنهم يتخيلون أنفسهم بصورة حياة مثالية ، بكل الأشياء التي أرادوها قط، غير مهددين بسبب مرور الوقت البطيء والمتآكل. لكن الفيلسوف جان بول سارتر كان لديه الكثير ليقوله عن هذا الموضوع في كتابه الضخم والمؤثر إلى حد كبير “الوجود والعدم” (٢٨).
يقول سارتر إن المشكلة في هذه الصورة الذهنية التي نحصل عليها لأنفسنا أننا سعداء بالتمام يتعذر الحصول عليها ، ليس لأنه من الصعب الحصول على الأشياء والأدوات اللازمة للوصول إليها ، ولكن لأنه لا يمكننا أبدًا أن نكون فحسب just BE – نحن دائمًا دائبون عملاً ، نتحرك دائما عبر الزمن ، والأهم من ذلك كله ، نعاني دائما. هذا يعني أننا سنعمل دائمًا على المضي قدمًا نحو المستقبل في سعينا لتحقيق مشروع شخصي خاص بنا ، في محاولة لتحقيق بعض الأهداف – أن نكون ، لنوجد كشيء ما موجود وأن نكون مستعدين تمامًا للحياة ، هي أن نموت (٢٩).
الأشياء الموجودة في العالم المادي ، ككائنات ، هي أشياء في حد ذاتها ، ولديها حالة متأصلة في الوجود ، ولكن تَذَكر ، أن سارتر ينظر إلى الوعي باعتباره حرفيًا لا شيء – لا شيء سوى أنه عملية صيرورة محضة. نحن ، من جهة الوعي ، كائنات لأنفسنا ، نحن جزئيًا موجودون كعملية صيرورة تجاه أنفسنا في المستقبل لم تتحقق بعد ، بدلاً من أن نكون ككيان بشكل منفرد وثابت. وجودنا يسبق جوهرنا ، أو أننا نوجد أولاً ومن ثم نعرّف أنفسنا ومسارنا في الحياة لاحقًا. هذا يعني أننا سنظل دائمًا غير مكتملين جزئيًا ونفتقد شيئًا ما في حياتنا ، لأن اللحظة التي نحصل على ما نريده ، كما لاحظ شوبنهاور ، هي اللحظة التي نريد فيها شيئاً جديدًا تمامًا. الفرق هو أن سارتر لا يقول أننا لا يمكن أن نكون سعداء أبدًا ، بل علينا فقط أن نتعلم كيف نكون سعداء بكوننا غير كاملين.
٩- ماذا يعني أن تكون؟
هذا سؤال جيد للغاية ، والخطاب الأول فقط في كتاب المختص في علم ظواهر الوجود مارتن هايدغر “الوجود والزمان (٣٠)” يثبت مدى صعوبة الإجابة عليه. ماذا نعني بكلمة “تكون be”؟ بالتأكيد يجب أن يكون لها تعريف ، صحيح؟ عندما يُسأل ما معنى كلمة “تكون be” ، يرد معظم الناس بـ “حسنًا ، هذا يعني أنها موجودة!” ، لكن هذا مجرد انحراف ، لأن الكينونة والوجود هما نفس الشيء في الأساس. الأهم من ذلك ، ما هي الآثار المترتبة (٣١) التي يتحدث عنها هذا عن وجودنا أنفسنا ككيانات – كأشياء تفكر؟
هنا ، يستنتج هايدغر Heidegger أن الوجود هو في نهاية المطاف فعل verb بغض النظر عن الطريقة التي تقسمه بها ، إذا كانت التفاحة حمراء ، في حين أن اللون الأحمر سمة ، فإن التفاحة “تحمر” بمرور الزمن. هذا يعني أننا كأشياء تفكر نوجد كعمليات صيرورة ، كالأفعال verbs، بل كذلك الأشياء ، بالمعنى الحقيقي للغاية.
يعتقد هايدغر أيضًا أنه عندما يتعلق الأمر بمسائل الوجود والكينونة ، فإن أي معنى مأخوذ من هذه الأسئلة يرتبط بالمستفسر نفسه وأي الأسئلة التي يطرحها. لا يوجد شخصان متطابقان تمامًا ، ولهذا السبب ، يجب أن نطرح أسئلتنا أثناء اجتيازنا للعالم جيئة وذهاباً وحدنا ، وعثورنا على إجاباتنا الخاصة (٣٢). هذا لا يعني أننا معزولون تمامًا لوحدنا ، لأن لدينا لغة – اللغة هي ما نتساءل عن الكينونة بها ، ومع اللغة ، يمكننا أيضًا التواصل مع بعضنا البعض وتبادل خبراتنا ، ونعطي بعضنا بعضًا إشارات أخرى عن الأسئلة التي ينبغي طرحها. لقد ذهب مارتن هايدغر إلى حد الإدعاء الجريء بأن وجودنا يتشكل ويستند إلى اللغة ، حيث أن اللغة هي ما يعطيه معنى ، يصوغ لنا رواية متماسكة يمكننا أن نرجع اليها ونؤمن بها.
١٠- الجمال والإنتحار
الإنتحار هو حدث محير يحدث في جميع أنحاء العالم كل يوم ، عندما لا يتمكن شخص ما من الإستمرار في الحياة ويختار أن يقتل نفسه (٣٣). وبنفس القدر من الحيرة ومن المرجح أن لا يكون مفهوما بالتمام هو مفهوم الجمال. كلاهما موضوعان كان فيلسوف القرن العشرين ألبير كامو Albert Camus مهتمًا بهما بشدة. بالنسبة لكامو ، لم يكن الإنتحار مجرد عمل ولكن حكم تقديري value judgment (حكم ذاتي)، حيث لا يمكن الإنتحار دون الإيحاء بأن الحياة لا تستحق العيش (٣٤). قد يكون هذا الفهم السؤال الرئيسي المتعلق بالإنتحار ، لماذا يشعر كثير من الناس أن الحياة لا تستحق العيش؟
نهرب من هذا الفخ من خلال دهشتنا ، لأننا نفسر العالم ومحتوياته على أنه شيء من الجمال ، والأحداث الجميلة من الناحية الجمالية والملذات الصغيرة تضيف لوناً في وجودنا الرمادي للغاية. والمفتاح للعثور على الجمال هو إلى حد كبير التخلص من البحث عن معنى ذاتي ، والذي هو مقدر له الفشل في المقام الأول. يقترح كامو أن نتخلى عن آمالنا وأحلامنا كشرط ضروري لسعادتنا والعيش في الوقت الحاضر ، وأن نمشي ونستمتع بالطبيعة وجمال الأشياء والناس – أنت تعيش مرة واحدة فقط ، كما يكتب كامو نفسه ، “العالم جميل ، وهناك لا يوجد خلاص “.