الطريق الى نبع الوجود (11)
رحلة الحائرين إلى الله
قراءة في كتاب “وجود الله بين العلم و المنهج العلمي”
القسم الثاني
الكاتب : علي ديلان
إن البحث في نظرية منطقية لنمو الإحتمال يستدعي تحديد مفهوم الإحتمال ، فما هو الإحتمال ؟
إختلف العلماء في تعريف الإحتمال ، و قد التزم البعض “بنظرية كنز” التي تقرر بأن الإحتمال من المفاهيم البسيطة الغير قابلة للتعريف حيث لا يمكن إرجاعه الى مفهوم أبسط منه.
أما النظرية الكلاسيكية في تعريف الإحتمال و هي التي تسمى بـ“نظرية لابلاس” قد صاغت التعريف على الشكل التالي “عدد الحالات الملائمة لوقوع حدث معين على عدد الحالات الكلية المتساوية في درجة وقوعها” (ص 201). و فرض المساواة في إمكان الوقوع يأتي لعدم و جود السبب الكافي لترجيح بعض الإحتمالات على بعض. لكن هذا التساوي في قيم الإحتمالات يعني أن التعريف قد أخذ مفهوم الإحتمال في نفس تعريف الإحتمال. هذا الإعتراض على تعريف لابلاس يعرف بالإعتراض الدوري.
يوجد تعريف آخر للإحتمال تخلص من هذا الإعتراض الدوري للتعريف السابق ، وقد إلتزم به بعض علماء المنطق الوضعي و هو ما يعرف بالتعريف التكراري و قامت على أساسه “نظرية التكرار المتناهي” و يصاغ على الشكل التالي: لو كان لدينا فئة متناهية ل (كفئة العراقيين مثلا) و فئة أخرى متناهية هي ح (فئة الأذكياء مثلا) فإن الإحتمال هنا هو عدد أعضاء الفئة ح ( الأذكياء)الذين ينتمون في نفس الوقت للفئة ل ( العراقيين الأذكياء) مقسوما على العدد الكلي ل ( العراقيين): الإحتمال = ح/ ل. نلاحظ في هذا التعريف أن الأفراد الذين هم أعضاء في الفئة ح لا يعبرون عن حالات ممكنة كما في التعريف الكلاسيكي للإحتمال (ص 202).ذكر الـ”ديلان” تعريف جديد للإحتمال و هو تعربف الإحتمال على أساس العلم الإجمالي. و نعني بالعلم الإجمالي هو ذلك العلم الذي لا يتعلق بشيء محدد من قبيل أن تعلم يقينا أن أحد هذين الكأسين يحوي كحولا ، فيكون الإجمال في تحديد أي الكأسين يحوي الكحول و لكننا على يقين بأن الكحول في أحدهما. و قد إبتكر هذا التعريف السيد محمد باقر الصدر في كتابه الأسس المنطقية للإستقراء ، و بهذا التعريف نكون قد تخلصنا من الإشكالات الواردة على النظريتين السابقتين. و لهذا التعريف صيغتان:
الأولى: إذا كان لدينا أعضاء يمثلون مجموعة الأطراف في ذلك العلم الإجمالي ، فإن الإحتمال هو حاصل قسمة رقم اليقين ( أحد الكأسين كما في المثال السابق ) على عدد أطراف العلم الإجمالي ( كلا الكأسين ). و هنا لا يكون الإحتمال و فق هذه الصياغة يعبر عن نسبة موضوعية بين حدثين (الإشكال الوارد على النظرية الكلاسيكية) ، كما أنه ليس مجرد تكرار لوجود أعضاء فئة في فئة أخرى (نظرية التكرار المتناهي) (ص 202).
الثانية: “أن الإحتمال هو قسمة عدد المراكز التي يحتلها الشيء داخل مجموعة أطراف العلم الإجمالي على عدد أعضاء المجموعة كلها” (ص 202).
و قد تبنى الـ “ديلان” هذا التعريف بصيغتيه كما جاءت في كتاب الأسس المنطقية للإستقراء: “وهو (يقصد التعريف بصيغتيه) صحيح إلى حد كبير ، ذلك أن أي إحتمال لا يمكن أن يحصل في الذهن من دون أن يستند إلى علم مسبق ، و لكنه ليس علما بكل تفاصيل وقوع الحادثة” (ص 203). و وفق هذا التعريف ما معنى أن نقول أن إحتمال حادثة معينة هي 60% ؟ و يجيب الـ”ديلان”: “هو أن رقم اليقين ينطبق على الحادثة المحتملة بهذا المقدار كما أنه ينطبق على الحادثة المعاكسة بنسبة 40% ، و لا يخلو أي إحتمال من الإحتمالات من هذا التوزيع” (ص 203).
يلفت الـ “ديلان” النظر إلى تفصيل مهم و هو ان علينا أن نميز بين الإحتمال الذي هو درجة تصديقية ناقصة و بين الإمكان الذي هو أكثر شمولية من الإحتمال. فليس كل ما هو ممكن الوقوع هو أمر محتمل ، فمن الممكن أن تكون حادثة ما ممكنة الوقوع إلا أنها غير محتملة من قبيل أن نعزي حادثة كسرقة إلى كائن فضائي ، فإن هذا و إن كان في نفسه غير مستحيل إلا أنه أمر ليس محتملا. فالإمكان هنا يقابل إستحالة الوقوع لكن قد لا يعبر عن إحتمال حقيقي و هذا هو الإحتمال “العلمي” المذكور في نظرية الإحتمالات (ص 203). كما يلفت الـ”ديلان” إلى أن الإحتمال العلمي يلعب دورا إيجابيا في دفع المعرفة إلى الأمام عن طريق وضع الفروض و هو على العكس من الشك السلبي الذي لا ينتظر منه فعل إيجابي في ترقية درجات المعرفة (ص 204).
بعد أن عرفنا الإحتمال فإنه من المفيد أن نذكر بعض القواعد المهمة في حساب الإحتمالات ثم نتطرق إلى بعض أقسام الإحتمال حيث ذكر الـ “ديلان” ثلاثة أنواع من الإحتمالات تتعلق بموضوع الكتاب. …………قريبا الطريق الى نبع الوجود (12).