البادقير: (ملاقف الهواء) القطيفيه والخليجيه – عبد الرسول الغريافي

البادقير: (ملاقف الهواء) القطيفيه والخليجيه
إحدى روائع الفنون المعماريه الخليجية الدقيقه والتي وظيفتها الرئيسية هي تهوية داخل المنازل أو سطوحها العلوية (العريش) وذلك عند النوم فيها في ليالي الصيف أو في أوقات العصر (الشكل1)

وكلمة بادقير هي لفظة فارسية الأصل مكونة من شقين باد وتعني هواء و كير بمعنى لاقف أو جالب أو صانع، وحيث أن طبيعة اللغة الفارسية في علم الصرف morphology في مجال الصفات -مثلا- هي كطبيعة اللغة الإنجليزية أي أنها تصنف من نوعية لغات Indo-European Language (حيث أن الصفة تسبق الموصوف) فقد تقدمت لفظة (باد) على لفظة (كير) على عكس العربية (التي فيها الصفة تلي الموصوف)، فهي تعني جالب الهواء أو لاقف الهواء، وهناك من يقدم حرف على حرف عند تعريبها في بعض المناطق كما هو في بعض مناطق الأحساء حيث يسميها البعض (باقدير) بدلا من (بادقير).
وبشكل عام فهناك نوعان من ملاقف الهواء (البادقيرات)؛ هما البادقير الصغير البسيط الذي يكون في أعلى حافة جدار المنزل الخارجي (الوارش) الذي يشكل حاشية المنزل العلويه (الشكل رقم 2).

وهي عبارة عن جدار أو لوح إسمنتي أو جصي رقيق مستعرض مبني بين (نقيلتين)؛ أي عمودين في أعلى سطوح المنازل حيث يتراوح طوله بين 60 و 80سم تقريبا وبإرتفاع يتراوح بين 30 و 40سم تقريبا، ويكون تثبيته بين النقيلتين بشكل مواز لجدار المنزل الخارجي من الخلف فيبعد عنه بمقدار 25سم تقريبا ليحدث بينه وبين الجدار فجوة مستطيلة الشكل تسمح لمرور الهواء للأسفل بشكل مندفع حين يصطدم الهواء الخارجي بذلك اللوح الإسمنتي المستعرض وبشكل عمودي فينعكس للأسفل، ويعرف هذا النوع من البادقيرات هندسيا بإسم wind scope (الشكل رقم 3) وله عدة أنواع.

وهناك النوع المركزي وهو برج يبنى فوق سطوح المنازل قاعدته مربعة الشكل تصل أبعادها من 2×2 متر إلى 3×3 متر تقريبا أو أكثر أحيانا حسب حجم المنزل وبإرتفاع يتراوح بين مترين وثلاثة أمتار تقريبا أو يزيد قليلا وذلك من أجل تهوية فناء المنزل بأكمله (تهوية مركزيه)، فهو يبنى فوق فناء المنزل المعروف محليا بالحوي أو العقد أو المربعه حسب تصميمه أو التسميه المحليه وذلك من الأعلى ليوصل الهواء لداخل المنزل بشكل مستمر ومندفع ويعرف في عالم الفنون المعمارية و هندستها ب Wind tower (الشكل 4).

وفكرته أن هذا البرج الذي هو بشكل متوازي مستطيلات parallel rectangles يكون مقطعه العرضي cross section مربع وفي داخله قطران متقاطعان بحيث يقسم تقاطعهما ذلك المتوازي المستطيلات إلى أربع غرف كل غرفة مثلثة الشكل ومتساوية الساقين بحيث تكون كل قاعدة لكل مثلث مفتوحة على شكل نافذة و مواجهة لإحدى الجهات الجغرافيه الأربع: الشمال الجنوب الشرق والغرب، وبحيث تلقف الهواء كيفما كان إتجاهه لتسقطه إلى أرض (حوي) المنزل (الشكل 5).

ويلاحظ بروز أشاير خشبيه إسطوانية الشكل (من الجندل) تخترق الواجهات الأربع وعلى 3 أو 4 مستويات (طبقات) من الأعلى إلى الأسفل لتشكل جسورا تدعم الأعمدة و القطرين المتقاطعين لهذا البرج من الداخل وهما الجداران الموزعان لتلك الزوايا (أنظر الشكل 6). إن جميع أنواع هذه الملاقف بشكل عام تسمى في الفنون المعمارية Wind catcher.

بالنسبة للبادقير المركزي الكبير والذي هو على شكل برج فهذا لم يبنى في منطقة القطيف مطلقا ولايوجد له أي أثر في أي بيت من بيوت أحياء أو قرى القطيف، بل وحتى في دول الخليج فإن تواجده نادر ولا يبنى عادة إلا في منازل بعض الأثرياء من دول الخليج سابقا، ففي الكويت كان هناك القليل من يبنيه وكذلك في البحرين حيث يوجد في مناطق معينه من بعض مدن تلك المناطق وهو معدوم في القرى ولعل تواجده في دولة الإمارات وعمان بشكل أكثر.

ومن الظريف أن البادقير البرجي هذا كان أيضا يبنى في بعض بيوت الأمارات وعمان وفي مدينة المحرق بالبحرين فوق الأكواخ القديمة المبنية من سعف وجريد النخل المعروفة بالبرستجات وكان يبنى من الحصير أو السميم أو من البواري وبنفس الطريقة التي يبنى بها من الإسمنت أو الجص (الشكل 7).

ومن الملاحظ أنه قد إنتشر بناء هذا النوع من ملاقف الهواء البرجيه هذه الأيام (شكليا وللديكور فقط وليس للتهوية) وعلى النمط الحديث على أنه من تراثنا في المنطقة، إذ نجده في كثير من المنازل والعمارات الحديثه في كثير من مدن المنطقة الشرقية كالدمام والخبر والأحساء، وأما في قلعة القطيف فقد كان نصيبها أن بني بادقيران كشكل ديكوري فقط وليشكلا بوابة مدخلها من الشرق بدلا من برجي القلعة القديمه المواجهان للجمرك البحري والمحيطان ببوابتها البحريه الشرقيه (أنظر الشكل 8).

وفكرة ملاقف الهواء هذه هي عباره عن أسطح مستعرضة في مهب الهواء حيث يصطدم الهواء بالجدار المستعرض فيتجه مباشرة منكسرا للأسفل بمحاذاة الجدار الداخلي عبر فتحات تقود الهواء للداخل لتنتشر في العريش أو في فناء المنزل وذلك حسب مواقع تلك البادقيرات ونوعياتها.
أما البادقيرات (ملاقف الهواء) المنتشرة في منطقة القطيف وقراها وكذلك في بعض مناطق الخليج والتي هي على رؤوس المباني (الوارش) أو في الطابق الثاني فهي كما تقدم القول عنها ليست أبراج وإنما ألواح مستعرضة جصية أو إسمنتيه تعلو السطوح وتطل على الطرقات وهي النوع البسيط المعروف. فهي وإن كانت بشكل عام ذات نمط واحد لايختلف (الشكل 9)، إلا أن البعض يضفي لها مايميزها عن غيرها.

فهناك مثلا البادقير المسقوف الذي يسقف بجدعين ويغطى بطبقة من الإسمنت أو الجص أو يسقف بلوح جصي رقيق من الأعلى (الشكل 10).

وفي بعض القرى أو بيوت بعض الفقراء يهمل طابق العريش بدون خشاب وكلمة غير مخشوب تعني أنه ليس ممسوح فتظل السافات والنقايل المكونة من طبقات الحجارة والإسمنت أو الجص مكشوفة للعيان (الشكل 11).

وأسباب ترك الجدار أو الواجهة مهملة من غير خشاب إما لأن الجهة لاتطل على شارع أو لأنها لاتشكل واجهة للمنزل أو لأنها في جهة مغلقه لا أهمية لمنظرها أو لأن البيت يعود لأشخاص غير مقتدرين على ذلك أو لأنه نمط لقرية بسيطة تعودت عليه أهاليها.
وهناك أنواع تسقف بجذعين دونما الحاجة لتغطيتها بالجص أو الإسمنت بهدف حصر الهواء ومنع تقسيمه للأعلى والأسفل عندما يصطدم به الهواء وإجباره للإتجاه للأسفل (الشكل 12) وعدم تكسيته أيضا يعود لنفس الأسباب السابقة.

ومن أنواع ملاقف الهواء البادقير الداخلي وهو مايحشر في جدار الدور العلوي الواقع بين الدور الأرضي والسطوح (العرش) أو الدور الثالث -إن وجد- وهذا النوع يحفر في الجدار ويكون مسقوفا وعادة مايطل على صالة أو مربعة الدور العلوي (الشكل 13).

وهناك نوع آخر من البادقير الداخلي أيضا والذي يبنى للدور العلوي ولكن يبنى فوقه قمريات جصية جميلة مسدودة (عميه) وهذا النوع نجده في بيوت الأثرياء (شكل 14+13).

إن فكرة ملاقف الهواء هي فكرة علمية هندسية دقيقه وقد إستغل فكرتها الكثير من الحرفيين في مجالات مختلفه، فمدخني القدو -مثلا- وغالبيتهم من النساء في القطيف والبحرين وكذلك في الخليج فهم يحتاجون للمحافظة على إستمرارية إشتعال الجمر فوق التبغ المندى بالماء من أجل ذلك فقد توصلوا لأختراع نوع خاص من البادقير وهو بشكل قمعي من مادة الصفيح يغطى به رأس القدو بإحكام وفي نهايته فتحة بيضاوية مشطوفه وهي بنفس فكرة البادقير حيث يصطدم الهواء بجدارها ومن ثم يندفع للأسفل حيث الجمر فيبدأ عندها بالتوهج ونلاحظ بعض الثقوب في منتصف هذا البادقير ليستمر دوران التيار الهوائي فيه فتكتمل عملية الإحتراق بشكل جيد (الشكل 15).

بالإضافة إلى أن ملاقف الهواء (البادقيرات) هذه تعد بناء هندسيا دقيقا يقوم بوظيفة التهوية في المنزل بشكل متقن، فهي أيضا تحفة معمارية بديعة تضفي رونقا بهيجا يطرز حاشية المنزل من أعلاه، ولازلنا نرى العديد من تلك المنازل التي لاتزال باقية ومستمرة تقاوم ماينخره الدهر، هي تلك التي بنيت منذ بداية القرن العشرين الماضي وحتى بداية السبعينات منه، إلا أنه من المؤسف جدا أن يجهلها عالم الفنون المعماري الحديث دونما تبنيها في المباني الحديثة عوضا من أن يختم نهاية البيت الحديث دائما إما بوارش أو جملون أوغيره، فماذا يضير بعض البيوت الحديث لو إحتوت بعض تصاميمها على أشكال هذه الملاقف الهوائية لتزين خاتمتها العلويه وفي الوقت نفسه لتحافظ على هذا النمط من التراث الجميل وتصونه من الإنقراض؟!

2 تعليقات

  1. احسنت أستاذنا العزيز. بارك الله فيك و احسن اليك.

  2. عبدالرحمن البراهيم

    موضوع شيق ويتحدث عن هندسة معمارية توجد في عدة مناطق من العالم وباشكال وتصاميم مختلفة والغرض لها واحد وهو توفير مجاري للهواء لتهوية المنازل وخفض درجة الحرارة داخلها في المناطق عالية الرطوبة اثناء المواسم الحارة ويطلق عليه في مناطق دولة الامارات العربية باسم البارجيل وفبل الثمانينات لايخلو منزل في الامارت من هذه البراجيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *