أظهرت عينة من دواء على شكل بخاخ للأنف من عقار الكيتامين كبشارة أولية ضد الإكتئاب، حتى لو أننا لم نتمكن حتى الآن من معرفة خواصه بشكل مفهوم جيدا.
من بين ١٦ مليون من البالغين الأمريكيين الذين يعيشون حالة الإكتئاب، الربع منهم يستفيد قليلا أو لا يستفيد على الإطلاق من العلاجات المتاحة، سواء بالأدوية التقليدية أو بالعلاج الحديث. وهم ربما يمثلون أعظم شريحة غير مستوعبة في الصحة النفسية. وقد تم حديثا موافقة هيئة الغذاء والدواء على علاج طبي جديد يهدف إلى مساعدتهم، وهو دواء سريع المفعول مشتق من عقار قديم وذو إستخدام واسع النطاق، وهو الكيتامين.
هذه الحركة تبشر بالإنتقال من عصر أدوية بروزاك المضادة للإكتئاب. حيث أن العلاج المعتمد حديثًا، والذي يسمى سوكتامين، هو رذاذ أنفي طورته شركة جانسين للصيدلة Janssen Pharmaceuticals Inc.، وهي فرع لشركة جونسون اند جونسون Johnson & Johnson، والذي سيتم تسويقه تحت إسم سبرافاتو Spravato. وهذا الدواء يحتوي على جزء نشط من مركب الكيتامين، والذي لم نتمكن من فهم خصائصه المضادة للإكتئاب حتى الآن.
“الحمد لله توفر لدينا الآن شيء مع آلية عمل مختلفة عن مضادات الإكتئاب السابقة”، قال الدكتور إيريك تيرنر، وهو إستشاري سابق في هيئة الدواء والغذاء وأستاذ مشارك في الصحة النفسية في جامعة أوريجون للصحة والعلوم. وأضاف أيضا: “لكنني متشكك من هذه الضجة، لأنه في هذا العالم، مثل السيدة لوسي التي تمسك بكرة القدم من أجل السيد تشارلي براون: في كل مرة ترتفع آمالنا، يتم سحب كرة القدم بعيدا عنا”.
أصبح عقار التخدير متاحًا بشكل متزايد للإكتئاب، في مئات العيادات في جميع أنحاء البلاد التي توفر دورة من العلاجات الوريدية. وتشير الدراسات إلى أن هذا العقار يمكن أن يساعد الأشخاص الذين أجسامهم تقاوم العلاج. وغالبا ما يسبب حساسية خارج الجسم والهلوسة في حالة مناولته؛ وللعلم في الثمانينيات والتسعينيات، كان هذا الدواء معروف شعبيا.
عادة ما تكون تكلفة هذه العلاجات من الجيب الشخصي، لأن العقار المخدر غير معتمد من قبل هيئة الدواء والغذاء كعلاج للإكتئاب. في المقابل، من المرجح أن تتم تغطية الإسكيتامين تحت العديد من بوليصات التأمين، ويعتقد أن آثاره الجانبية أقل دراماتيكية، على الرغم من أنها مماثلة لتلك الموجودة في الكيتامين.
الدورة الموصى بها من الأدوية المعتمدة حديثا هي مرتين في الأسبوع، لمدة أربعة أسابيع، مع الزيادة حسب الحاجة، جنبا إلى جنب مع واحدة من مضادات الإكتئاب عبر الفم والتي تستخدم كالعادة. موافقة هيئة الدواء والغذاء تتطلب أن تؤخذ الجرعات في مكتب الطبيب أو العيادة، مع مراقبة المرضى لمدة ساعتين على الأقل، وإدخال معلومات حالاتهم في السجلات الطبية؛ كما توصي على المرضى بعدم القيادة في يوم العلاج.
يتعرض الإسكيتامين، مثله في ذلك مثل الكيتامين، إمكانية حدوث سوء الإستخدام، وكلا الدواءين يمكن أن يتسببا في نوبات ذهانية (عقلية) لدى الأشخاص المعرضين لخطر كبير لهكذا علاج. وقال بعض الأطباء النفسيين إن وسائل مراقبة السلامة ستتطلب من الأطباء توفير مكان خاص للمرضى لتناول العلاج مما قد يمثل تحديا لوجستيا.
وحسب شركة جانسين إن التكلفة الإجمالية لدورة علاج تتراوح بين ٢٣٦٠ و٣٥٤٠ دولار، وحسب الخبراء إنها ستعطي الشركة موطئ قدم في السوق العالمية للأدوية المضادة للإكتئاب والتي تبلغ قيمتها السوقية حاليا ١٢ مليار دولار.
ويشير الخبراء إلى أن الموافقة على إعتماد عقار سوكتامين تمثل مسارا جديدا لمعالجة مشكلات المزاج الخطيرة. عقار بروزاك وأدوية مماثلة تحسن من نشاط طرق الإتصال بالدماغ مثل السيروتونين. هكذا أدوية فعالة بشكل معتدل، ولكنها تستغرق أسابيع أو أشهر حتى يمكن الشعور بآثارها، وبالنسبة للعديد من المرضى، فإنها لا تقدم إلا القليل من الراحة أو عدم الراحة من الإكتئاب. وعلى النقيض من ذلك، فإن المركبات العلاجية التي أساسها الكيتامين – العديد منها يجري تطويرها – تعمل في غضون ساعات أو أيام، وتكون فعالة في بعض الأشخاص الذين أجسامهم “تقاوم العلاج”، أي أنهم لم يستفيدوا من مضادات الإكتئاب الأخرى.
وقال الدكتور تود غولد، الأستاذ المشارك في الصحة النفسية في كلية الطب بجامعة ميريلاند: “إنها أوقات مثيرة بالتأكيد” ، “لدينا أدوية تعمل بسرعة لعلاج مرض شديد الخطورة”. لم يكن الدكتور غولد مشاركًا في دراسة شركة جانسين، ولكنه اكتشف أحد المستقلبات أو منتج الكيتامين، والذي يمكن تطويره إلى دواء آخر.
وقد تشجع الخبراء، ذوي الممارسات الطويلة في علاج الإكتئاب، من هذه الأخبار، ولكنهم أيضا لا زالوا حذرين. حيث تمت المبالغة سابقا في فعالية بعض أدوية مضادات الإكتئاب مثل بروزاك وباكسيل إلى حد كبير عندما توفروا في الأسواق. وكانت نتائج تجارب عقار السكيتامين مختلطة (في التأثير وعدم التأثير)، والتي قامت وقتها شركة جانسين بدفع وتنفيذ المشروع.
في الطرف المقابل قال ستيفن هولون، أستاذ الصحة النفسية والعلوم السلوكية في جامعة فاندربيلت: “لم يكن لدينا شيء جديد منذ ٣٠ عامًا”. “إذا كان هذا الدواء وسيلة فعالة للحصول على إستجابة أسرع في الأشخاص الذين يقاومون العلاج، ويمكننا إستخدامه بأمان، فإنه يمكن أن يكون هبة من السماء”.
وقال الدكتور جلين بروكس، مؤسس ومدير عيادة NY Ketamine Infusions، وهي عيادة في وسط ضاحية مانهاتن في مدينة نيويورك، إنه عالج حوالي ٢٣٠٠ شخص، من جميع الأعمار، بالكيتامين في الوريد، وهو مخدر عام. وقد لوحظ على مرضاه مجموعة متنوعة من التشخيصات، بما في ذلك الإجهاد اللاحق للصدمة، والقلق، والإضطراب الوسواسي القهري، وكذلك الإكتئاب.
وأضاف الدكتور بروكس، طبيب التخدير، “إن ما يجمع بين كل هذه الادوية هو أنها قد فشلت”. وأردف قائلا بلسان المرضى: “إنهم يائسون، ويفكرون: لا شيء آخر قد نجح، فلماذا يجب أن ينجح هذا؟ “، وقال إنه، من خلال خبرته، سرعان ما تقلل هذه الأدوية الأعراض للمراهقين والشباب، ولكن يبدو أنها أقل فعالية بالنسبة للأشخاص فوق الخمسين.
إنطلق حقل التجارب في عام ٢٠٠٦م، عندما أفاد فريق من المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH) بقيادة الدكتور كارلوس زاراتي، أن ١٨ شخصًا مقاومًا للمعالجة تلقوا الدواء عن طريق الوريد أفادوا أن يأسهم وقنوطهم قد إنقشع في غضون ساعات.
“ما يبدو رائعا هو أن هذا الدواء يساعد أيضا في مجالات أخرى غير الإكتئاب، مثل القلق والتفكير الإنتحاري، وانعدام اللذة” – عدم القدرة على الشعور بالمتعة – قال الدكتور زاراتي، رئيس قسم العلاج الطبيعي والفيزيولوجي في المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH) “يبدو أن لهذا الدواء تأثيرات أوسع في العديد من المجالات المزاجية”.
القدرة الواضحة للكيتامين لكبح الإنتحار أصبح أمرا مقنعا، وتسعى شركة جانسين إلى هذا المؤشر من أجل السكيتامين. وقال الأطباء إن الإنتحار في السجون وأجنحة الطب النفسي يمثل خطرا حادا بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الأزمات، ويمكن أن ينقذ عقار كهذا بفاعليته السريعة حياة الكثيرين.
في الوقت الراهن، لا أحد يعرف ما إذا كان السكيتامين، أو أي من المركبات الأخرى القائمة على الكيتامين التي تجري دراستها، أكثر فعالية من أدوية التخدير الأخرى نفسها – أو، في هذه الحالة، ما إذا كانت الآثار الجانبية خارج الجسم والهذيان؟ هي في الواقع جزء لا يتجزأ من خصائصه المضادة للإكتئاب.
وقال الدكتور زارات: “من أجل ذلك، سنحتاج إلى دراسات وجهاً لوجه”. “ونحن لا نملك هكذا دراسات حتى الآن”.