قلة النوم تقتلك – ترجمة* عبد الله سلمان العوامي

العالم كله مرهق. وهذا يقتلنا. ولكن بالذات أنا. وأنا أكتب هذا الموضوع، من إحدى منصات تيد TED في مدينة فانكوفر، وهو سباق ماراثوني إستمر أسبوعًا من الحلقات وورش العمل واجتماعات القهوة والخبرات والعروض التجريبية ومسابقات التسلية (التافه) في وقت متأخر من الليل وتوطيد شبكات العلاقات الإجتماعية والمهنية. في هذه الأثناء، أنا مريضة ككلب مصاب بفيروس أخذته من طفلي البالغ من العمر 3 سنوات، وأنا في الموعد النهائي وأشعر به مثل قصص البازيليون، وأني في نقس الوقت حامل، مما يعني أنني بحاجة إلى القهوة ولكن لا يمكنني تناول الكثير منها، وأحتاج إلى النوم ولكن لا أستطيع الإستلقاء إلا على جانبي الأيسر، ولا أستطيع التنفس دون أن أجلس مدعومة بوسادة في كل الأحوال، لأنني لا أستطيع تناول أي دواء بارد بأمان.

وفقًا لما قاله عالم الأعصاب، السيد ماثيو ووكر، فإنني ألحق أضرارًا خطيرة بصحتي – وحياتي – بعدم النوم بشكل كافٍ.

“إن تدمير النوم في جميع الدول الصناعية له تأثير كارثي على صحتنا وعافيتنا وحتى سلامة أطفالنا وتعليمهم. إنه وباء فقدان النوم الصامت. “أصبح النوم وبسرعة يشكل أحد أكبر التحديات التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين”. قال السيد ووكر، عالم الأعصاب وخبير النوم في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومؤلف كتاب “لماذا ننام” الأكثر مبيعًا.

هرول بسرعة في كل الطرق التي يؤدي بها الحرمان من النوم: فهو يجعلك غبي وأكثر نسيانًا وغير قادر على تعلم أشياء جديدة وأكثر عرضة للخرف وأكثر عرضة للموت بسبب نوبة قلبية وأقل قدرة على صد المرض مع قوة الجهاز المناعي، أكثر عرضة للإصابة بالسرطان، ويجعل جسمك يتضرر أكثر بمعنى الكلمة. وأضاف السيد ووكر أيضا: إن قلة النوم تشوه جيناتك وتزيد من خطر الموت بشكل عام. إنه يعطل إنشاء الهرمونات الجنسية مثل هرمون الاستروجين والتستوستيرون، ويؤدي إلى الشيخوخة المبكرة. من الواضح أن الرجال الذين ينامون خمس ساعات فقط في الليلة لديهم خصيتان أصغر بشكل ملحوظ من الرجال الذين ينامون أكثر من سبع ساعات.

وقال السيد ووكر أيضا: “إن فقدان النوم سيتسرب إلى كل زاوية وركن فسيولوجي”. “النوم، للأسف، ليس ترفًا في نمط الحياة. النوم هو ضرورة بيولوجية غير قابلة للتفاوض. إنه نظام دعم للحياة “.

من بين جميع حلقات منصة تيد TED التي سمعتها هذا الأسبوع، شعرت وكأن هذه الخطابات كلها موجهة لي مباشرة. في قلبي. وفي حصني المنيع الذي ذبل وأنهك، “والمعلومات الواردة في عقلي”، كما يسميها السيد ووكر. في عيني المتورمة ذات الحلقات الداكنة. نعم، حسنًا، ربما يكون ذلك لأنني تعبت كثيرًا، وقد إستعدت لسماع ذلك. لكنني لم أكن لوحدي.

الجميع مهووس بالنوم. وهم يعلمون أنهم لا يحصلون على ما يكفي – وبالتالي الطلب المتزايد على حبوب النوم، وظهور أجهزة تتبع النوم (السيد ووكر يرتدي حلقة أورا Oura لتتبع له مسار نومه)، والسرير الذكي المقرون بالمساعد الشخصي اليكسيا Alexa كلها لتضعك في النوم، بالإضافة الى تطبيقات النوم واليقظة. السيدة المشهورة أريانا هافينجتون غادرت الصحافة لكي تؤسس شركة تكرس نشاطها التجاري فقط للنوم والعافية.

بعد حلقة السيد ووكر، تجمهر عليه المتدربون في مركز المؤتمرات لإخباره كيف غيّر كتابه – الذي يغطي نفس موضوع حديثه في منصة تيد TED – حياتهم، وكيف تخلوا عن الكافيين والكحول وتوقفوا عن الشعور السيء لترك الحفلات مبكراً من أجل النوم أو رفض النظر إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل على السرير. مع بدء الجلسة التالية لحلقات منصة تيد TED، واصل السيد ووكر محاولة الهروب حتى يتمكن من مشاهدة برامج أخرى، لكن الناس لم يسمحوا له بالمرور. أرادوا أن يعرفوا ماذا يأكلون، متى ينامون، وكيف يحلمون.

وكانت إجابات السيد ووكر على أسئلة المتابعين تتمحور حول الإرشادات التالية: لا تشرب الكافيين أو الكحول. إذهب إلى الفراش في نفس الوقت كل ليلة واستيقظ في نفس الوقت كل صباح (حتى في عطلة نهاية الأسبوع). عليك بالنوم في غرفة باردة. إذا كنت مستلقياً في الفراش، تستمع إلى سلسلة من المخاوف التي يخرجها عقلك، عليك بالقيام والذهاب إلى غرفة مختلفة من أجل أداء نشاطًا ما، ثم تعود إلى الفراش عندما تكون مستعدًا.

وقال لأحد الحضور الذي طلب النصيحة: “لا تجلس على طاولة العشاء تنتظر الجوع، ولا تستلقي على الفراش في انتظار أن تتعب”. تأمل من أجل تهدئة جهازك العصبي وعقلك. وقال “لا تكن أسيرا للحبوب المنومة، والتي هي” أدوات جلية لا تنتج نومًا طبيعيًا “. وقال إنه في نهاية المطاف، قد يكون قادرًا على توفير جهاز محمول ومحفز للمخ “بأسعار معقولة” وسوف يستخدم الجهاز التحفيز المباشر عبر الجمجمة لمساعدة الناس على النوم بشكل أعمق. (بدأ السيد ووكر للتو بتأسيس شركة تدعى ستيم ساينس Stim Science، بدعم من خوسيا للمشاريع الإستثمارية Khosla Ventures، من أجل صنع هذا المنتج، كما أخبر مجلة وايرد WIRED).

جاءت رسالته بمثابة توبيخ شديد لفكرة أن الحرمان من النوم والنجاح يسيران جنبا إلى جنب. يقال أن السيد تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل يستيقظ في الساعة 3:45 صباحا لبدء العمل. وقال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إنه ينام فقط حوالي 5 ساعات في اليوم والليلة. كما أن الرئيس الأمريكي الحالي “السيد دونالد ترامب” والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا “السيد إيلون موسك” أنهما ينامان فقط لبضع ساعات في الليلة. لكن السيد موسك إعترف أيضًا لصحيفة نيويورك تايمز بأن جدول عمله كان له تأثير كبير على صحته العقلية وحياته كلها. وأكد السيد ووكر بأن الوقت قد حان للتوقف عن التفكير في أن الحاجة إلى النوم هي علامة على الضعف أو الكسل. في الحقيقة إنه عكس ذلك تماما.

النوم يجعلنا أفضل في كل شيء. يقول السيد ووكر: “إن اضطراب النوم العميق يسهم في التراجع المعرفي”، لدى كبار السن من المرضى المعرضين لخطر الخرف أو يعانون من الأمراض العقلية، ويشمل ذلك حتى الأشخاص الأصحاء. “أنت بحاجة إلى النوم بعد التعلم، للضغط بشكل أساسي على زر الحفظ على تلك الذكريات (المعلومات) الجديدة حتى لا تنسى. لكننا إكتشفنا مؤخرًا أنك بحاجة أيضًا إلى النوم قبل التعلم. تقريبا مثل إسفنجة جافة لتمتص معلومات جديدة. بدون نوم، يصبح الدماغ في الأساس كالماء الذي لا يمتص أي معلومة”.

هذا صوت الحق. بالأمس، سمعت ما يقرب من 18 حلقة مختلفة في منصة تيد TED. لكنني بالكاد نمت في الليلة التي قبلها، وبالكاد نمت الليلة الماضية. عندما سئلت هذا الصباح عن أفضل حلقة حضرتها في اليوم السابق، إستغرق الأمر مني 30 ثانية كاملة لكي أتذكر واحدة فقط من تلك الحلقات العديدة.

أنا مصممة على تذكر هذا الموضوع الذي سوف أكتبه. في الواقع، لجأت إلى إحدى “غرف النوم” في مبنى تيد TED بعد ذلك وحاولت أن أخلد الى النوم في غفوة مدتها خمس دقائق قبل كتابة هذا المقال في محاولة لإلزام حلقة الحديث مع الذاكرة. إرتديت قناعًا للنوم وجعلت آلة الضوضاء البيضاء وموزع الزيوت العطري النقي يهدئان لي في لحظة من الإسترخاء. في الهدوء الغريب لمنطقة الزن المصنعة داخل مركز مؤتمرات ضخم في سفوح جبال نورث شور، نسيت تقريباً دورة الأخبار، ونسيت رأسي البارد، ونسيت أيضا ما يناقش حول تقرير مولر الذي كان الخبر المهم في جميع نشرات الأخبار والتحليلات السياسية هذا الأسبوع.

ولكن بعد ذلك تذكرت موعدي النهائي، وانسحبت في وضع مستقيم، وقمت بفصل الناشر العطري، ومن ثم قمت بتوصيل جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وكتبت هذه الكلمات. على أمل أن تساعدك وتساعدني في الحصول على القليل من النوم هذه الليلة.

* تمت الترجمة بتصرف

المصدر:
You’re Not Getting Enough Sleep—and It’s Killing You
السيدة إميلي دريفوس
مجلة وايرد حسب الرابط أدناه
19 أبريل 2019
https://www.wired.com/story/youre-not-getting-enough-sleep-and-its-killing-you/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *