يسأل الناس منذ القدم أين خالق الكون؟ لكن من يظن أنه يجد الربَّ في فضاءِ السماء أو باطنِ الأرض لا يستطيع أن يعرف ماذا تحت رجليه. بكل ما أعطى اللهُ الإنسانَ من عقلٍ وحيلة لم يستطع أن يتيقن أيَّ كنزٍ من الماءِ أو النفط أو المعادن تحويه الأرضُ التي يطأها دونَ أن يستعينَ في اكتشافهما بالبحثِ ومن ثم التحقق الواقعي وحفر الأرض حتى يصل إلى اليقين.
ليس في الكونِ من فراغ ويتقاسم باطنَ الأرضِ صخورٌ متنوعة وسوائل ومعادن متنوعة. مهما علت قيمةُ المعادن من ذهبٍ وفضة والنادرة فإنها لن تغني الإنسانَ عن السائلِ عديمِ اللونِ وهو الماء والسائل الأسود وهو النفط بأنواعه. النفط ذاك السائل الذي جلبَ للبشرِ كُلَّ المسراتِ والحروب وعليه وفيه يتصارع الكونُ كله ذاك لأن من يملكه والماء مَلَكَ الحياة. من يجهل عَدَّ النعم كيف يعرف حقيقة الخالق الذي اوجدها!
يوجد النفطُ والماء بين الصخور وفي ثقوبها وليس على هيئة مسطحاتٍ تمتلئ بالسوائل. تتكون هذه الصخور وتتشكل هي والنفط على مراحل ربما تصل ملايين السنين وفي تشكلها يصاحبها الضغطُ الذي يضغطها مع السوائل التي تحتويها تحت درجاتِ حرارة عالية. تكون بعض الصخور طيبةً للإنسان وتحوي ثقوباً تمتلئ بالسوائل وبعضها لئيمةً صلبةً لا شيء فيها غير جمادها. كلما زادت ثقوبُ الأرضِ زادت كمية الماء أو النفط الذي يبعد مسافات متفاوتة تصل آلافَ الأمتار عن سطح الأرض وتمتد تشكلاتِه إلى مئاتِ الكيلومترات على سطحها وبسماكةِ أمتارٍ قليلة إلى مئاتِ الأمتار. تسمى خاصيةُ وجود الثقوبِ والفجواتِ في الصخور بالظاهرة المسامية. لا يكفي أن تكون في الصخور التي يوجد فيها النفط ثقوباً ولكن لا بد أن تكونَ هذه الثقوبُ متصلةً ببعضها وتسمح للنفط النفاذَ إلى سطحِ الأرضِ من فوهةِ البئر.
مع تقدم العلم في كل أنحاءِ الحياة بقي الكشف عن النفط محتاجاً الحفرَ والتجربة قبل أن نعرف ما في باطن الأرض. لا يختار المهندسونَ والمكتشفونَ أين يوجد النفط عبثاً ولكن تقودهم دلائلُ سطحية واختباراتٌ مبدئية متنوعة لأن فشل مرحلةِ الحفرِ دون وجودِ النفط تعني خسارةَ الملايين من الدولارات. ليس كل حفر يقود إلى اكتشاف وفي كثيرٍ من التجارب لا تتعدى نسبة النجاح ٥٠٪. وعندما ينبعث النفط إلى سطح الأرض لا بد أن يكون بكميات تجلب مالاً أكثر من كلفةِ الاستثمار فيه.
شرايين النفط تجري في كل حياتنا لا ندرك تعقيدَ وكلفة التقنيات التي تستخدمها الشركاتُ في البحث والتنقيب والحفر والإنتاج والتكرير والتسويق. نحن لا نرى أهميةَ ذلك السائل الذي هو مادةً للخير إلا حين نقف للتزود بالوقود بينما يدخل في أساسياتِ الكثير من الصناعات التي نستخدمها كل يوم من أدواتٍ وزراعة ودواء وتسلية ونقل وكهرباء. ليست تلك المنافع دونَ أضرارٍ متفاوتة على الإنسان وبيئته التي تزيد وتقل بالممارسة السليمة أو الخاطئة لأي دورةٍ من إنتاج النفط وصناعته.
الماءُ والنفطُ سوائلُ عرف البشرُ أهميةَ الحصول على المزيد منها. تدافعوا واحتربواْ من أجلهما وشكلا مادةً لسقوطِ البشريةِ منذ قديم الزمان وكلما زاد خوف البشر من ندرتهمَا وارتفاعَ سعرهمَا اقتتلوا أكثر لحيازتهما.
يعملُ في صناعةِ النفط مهندسونَ ومختصونَ في علمِ الأرضِ وتقنيونَ من جميعِ المعارفِ الأخرى وليس حكراً على المتخصصينَ في هندسةِ النفطِ التي تدرسها جامعاتٌ محلية وأخرى عريقةٌ في كُلِّ أنحاءِ العالم والطلبُ على اليدِ العاملةِ في صناعةِ النفطِ يمر بمرتفعاتٍ ومنخفضاتٍ تحكمها أسعارهُ. ومستقبلُ صناعته.