بعد أن أنجبت إبنتي الأولى، سوزان، لفتها الممرضة في بطانية وردية ووضعت قبعة صغيرة متماسكة صفراء على رأسها. السيد ستان، زوجي، جلس بجانبي. لقد كنا مرهقين ولكن كنا نشعر بالغبطة، وفي تلك اللحظة، كان كل شيء واضحًا: أحببت إبنتي من الثانية التي رأيتها، وشعرت برغبة مبدأية في حمايتها، ومنحها أفضل حياة ممكنة، وللقيام بكل ما يلزم لمساندتها على النجاح.
ولكن سرعان ما بدأت الأسئلة والشكوك تتوالى. نرغب جميعًا في أطفال سعداء متمكنين وشغوفين. هذا ما شعرت به عندما ولدت إبنتي سوزان، وبعد ذلك عندما إستضاف بيتنا إبنتين أخريتين، وهما جانيت وآن. إنها هي نفس الرغبة التي توحد تفكير الناس من جميع البلدان والثقافات المختلفة. ما يريد الجميع معرفته هو كيفية مساعدة أطفالنا على العيش حياة طيبة – أن يكونوا سعداء وناجحين أيضا، وأن يستخدموا مواهبهم لجعل هذا العالم مكانًا أفضل للحياة.
لا أحد يبدو أن لديه إجابة قاطعة. يركز خبراء الأبوة والأمومة على الجوانب الهامة لتربية الأطفال مثل النوم أو الأكل أو التعاضد أو قواعد السلوك، لكن النصيحة التي يقدمونها هي في معظمها ضيقة وبوصفة مفروضة. ما نحتاج إليه حقًا ليس مجرد معلومات محدودة حول رعاية الأطفال وإطعامهم، مع أهمية ذلك. أكثر ما نحتاج إلى معرفته هو كيفية إعطاء أطفالنا القيم والمهارات اللازمة للنجاح كبالغين. علينا أيضًا أن نواجه التحولات الثقافية الهائلة التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية – وخاصة التغييرات التكنولوجية وكيف تؤثر تلك التغييرات على رعايتنا كآباء وأمهات. كيف سينجح أطفالنا في عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي؟ كيف سيكبرون في ظل هذه الثورة التكنولوجية؟ هذه المخاوف مألوفة للوالدين في جميع أنحاء العالم.
كأم شابة، أخذت القليل من الإرشادات والنصائح التي يمكن أن أجدها، لكن بالنسبة للجزء الأكبر قررت أن أثق بنفسي. ربما كان تدريبي كصحفية تحقيق أو عدم ثقتي بأي سلطة من حولي والتي إكتسبتها من طفولتي، ولكنني كنت مصممًة على إكتشاف الحقيقة بمفردي. كان لديّ أفكاري الخاصة حول ما يحتاجه الأطفال، وتمسكت بها، بغض النظر عما يعتقده الآخرون. وكانت النتيجة – بالنسبة للعديد من الناس – طريقة متفردة في أحسن الأحوال، أو مجرد طريقة واضحة في الغرابة. لقد تحدثت إلى بناتي كما لو كانوا بالغين منذ اليوم الأول. تتجه معظم الأمهات بشكل طبيعي إلى حديث الأطفال – بنبرة صوت عالية، أو بكلمات بسيطة. لكن ذلك ليس أنا. لقد وثقت بهم ووثقوا بي.
لم أضعهم أبدًا في خطر، لكنني أيضًا لم أقف أبدًا في طريقهم لتجربة حياتهم أو تحمل مخاطر محسوبة. عندما عشنا في جنيف، أرسلت سوزان وجانيت إلى المتجر المجاور لشراء الخبز من تلقاء نفسيهما، عندما كانا في الرابعة والخامسة من العمر. لقد إحترمت شخصيتهم المستقلة من البداية. كانت نظريتي هي أن السنوات الأكثر أهمية كانت من صفر إلى خمس سنوات وأنني كنت سأعلمهم قدر إستطاعتي في وقت مبكر. ما كنت أريده أكثر من أي شيء آخر هو جعلهم أولاً أطفالًا مستقلين ثم إلى بالغين مستقلين وقادرين من إتخاذ قراراتهم بأنفسهم. إعتقدت أنه إذا إستطاعوا التفكير بمفردهم واتخاذ قرارات سليمة، فإنهم قادرون لمواجهة أي تحديات تواجههم. لم تكن لدي أي فكرة في ذلك الوقت من أن الأبحاث ستثبت الخيارات التي قمت بها. كنت أتبع فقط قيمي التي أؤمن بها وبشجاعة، وما رأيته من تطبيقات عملية ناجحة في الفصل الدراسي عندما كنت مدرسة.
من الغريب أن تكون أحد الوالدين “المشهورين” وأن تتعرف على أسرتك عبر غلاف المجلات. بالتأكيد لا أدعي كل الفضل في نجاحاتهم كبالغين، لكن من الواضح أن بناتي الثلاث كانوا جميعهن منجزات وأنهن من ذوي الكفاءة. إبنتي سوزان هي الرئيس التنفيذي لشركة يوتيوب YouTube، وإبنتي جانيت أستاذة طب الأطفال بجامعة كاليفورنيا – بمدينة سان فرانسيسكو، وإبنتي آن هي المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة ٢٣وأنا 23andMe. لقد صعدوا إلى قمة المهن التنافسية والفائقة والتي يسيطرعليها الذكور، وقد فعلوا ذلك من خلال إتباع شغفهم والتفكير الجدي لأنفسهم. لقد كانت مشاهدة بناتي يتنقلن في العالم بمثابرة ونزاهة تمثل واحدة من أعظم مكافآت حياتي. أنا معجبة كثيرا وبشكل خاص بكيفية تنافسهن وتعاونهن في آن واحد، حين أرى تركيز كل واحدة منهن على ألا تكون المرأة الوحيدة في المكان، بل على إيجاد حلول للمشاكل التي نواجهها جميعا.
من خلال عقود من خبرتي كأم وجدة ومربية، حددت خمس قيم نبيلة وأساسية تساعدنا جميعًا على أن نصبح أشخاصًا متمكنين وناجحين. وهذه القيم هي: الثقة، والإحترام، والإستقلال، والتعاون، واللطف
الثقة: نحن في أزمة ثقة في جميع أنحاء العالم. الآباء والأمهات يخافون، وهذا يجعل أطفالنا خائفين – من أن يكونوا من هم، أو لتحمل المخاطر، أو للوقوف في وجه الظلم. الثقة يجب أن تبدأ معنا. عندما نثق في الإختيارات التي نتخذها كآباء وأمهات، يمكننا عندئذ أن نثق في أطفالنا لإتخاذ خطوات مهمة وضرورية نحو التمكين والإستقلال.
الإحترام: إن الإحترام الأساسي الذي يمكن أن نظهره لأطفالنا هو إحترام إستقلاليتهم وشخصيتهم الفردية. كل طفل لديه موهبة، وهبة للعالم، ومن مسؤوليتنا كآباء وأمهات رعاية هذه الموهبة، مهما كان حجمها. هذا هو النقيض تمامًا لإخبار الأطفال كيف يكونون، وما هي المهنة التي يجب ممارستها، وكيف ينبغي أن تكون حياتهم: الإحترام هو دعمهم أثناء تحديد أهدافهم الخاصة ومن ثم ممارستها.
الإستقلال: يعتمد الإستقلال على أساس قوي من الثقة والإحترام. إن الأطفال الذين يتعلمون ضبط النفس والمسؤولية في وقت مبكر من الحياة أفضل إستعدادًا لمواجهة تحديات مرحلة البلوغ، ولديهم أيضًا المهارات اللازمة للإبتكار والتفكير الإبداعي. يستطيع الأطفال المستقلون حقًا التأقلم مع المحن والإنتكاسات والملل، وكلها جوانب لا مفر منها في الحياة. أنهم يشعرون بالسيطرة حتى عندما تكون الأمور من حولهم في حالة من الفوضى.
التعاون: التعاون يعني العمل سويًا كعائلة في الفصل الدراسي أو في مكان العمل. بالنسبة للوالدين، يعني تشجيع الأطفال على المساهمة في المناقشات والقرارات وحتى في قواعد السلوك. في القرن العشرين، عندما كان الإنقياد السلطوي أحد أهم المهارات، كان الآباء عندهم كامل السيطرة. في القرن الحادي والعشرين، لم يعد الإملاء هو الحاكم. لا ينبغي أن نقول لأطفالنا ما يجب القيام به، بل نطلب معرفة أفكارهم والعمل معًا لإيجاد حلول ناجعة.
اللطف: إنه لأمر غريب ولكنه حقيقي، أننا نميل إلى التعامل مع الأشخاص الأقرب إلينا من دون اللطف والإعتبار اللذين نقدمهما للغرباء. الآباء والأمهات يحبون أطفالهم، لكنهم على دراية بهم، وغالبا ما تأخذ اللطافة المبدأية أمرا مفروغا منه. ولا يمثلون دائمًا التعامل اللطيف كسلوك للعالم ككل. اللطف الحقيقي ينطوي على الإمتنان والتسامح، وخدمة تجاه الآخرين والوعي بالعالم خارج النطاق الضيق الشخصي. من المهم أن نوضح لأطفالنا أن الشيء الأكثر بهجة ومكافأة الذي يمكنك القيام به هو تحسين حياة شخص آخر.
الهدف النهائي من هذه القيم النبيلة هو خلق أشخاص مسؤولين عن أنفسهم في عالم يتحمل المسؤولية الذاتية. هذا ما نفعله كوالدين ومعلمين وأرباب عمل – ليس فقط تربية الأطفال أو إدارة الفصول الدراسية وقاعات مجالس الإدارة، ولكن بناء الأرضية الصلبة لمستقبل البشرية. نحن نطور الوعي الإنساني، ونحن نفعل ذلك بشكل أسرع من أي وقت مضى. أنت الوالد والوالدة لإحتياجات طفلك، وبثقتك واحترامك، سيصبح طفلك بالضبط هو الشخص المقصود منه أن يكون.
* تمت الترجمة بتصرف