{ الزمن الذهبي… حين كانت القلعة تنبض كقلبٍ كبير }
في فجرٍ من “فجور” الخريف، حين كانت السماء تميل بلطف نحو الزرقة،
تصحو قلعة القطيف على صوت المؤذن، يرتفع من المسجد الصغير،
يمتزج نداء الصلاة مع خرير الماء المنساب من عين “الحيا”
كأن الأرض كانت تصلي بطريقتها أيضًا.
النساء يخرجن مبكرًا، يحملن الجرار الفخارية،
أقدامهن تخطّ على التراب خريطة عتيقة لا يعرفها إلا مَن نشأ هنا.
يرتفع البخور من أحد البيوت،
وتنزل من شباكٍ خشبي ضحكةُ طفلٍ يراقب الشمس وهي تطرق باب النهار.
في السوق…
يُفتح الدكان تلو الآخر،
يُرصّ التمر في صفوفٍ كأنها حكايات،
ويُعلّق القماش الهندي، وتُشمّ روائح التوابل التي جاءت من وراء البحر.
رجالٌ يتناقشون في أسعار اللؤلؤ،
وبائع اللبن يمرّ وهو ينشد بصوتٍ رخيم:
“حليب… لبن طازج من أم غزال!”
القلعة تتحرك كجسدٍ واحد،
منزلٌ يطهو، وآخر يُعزّي، وآخر يُزفّ عريسًا على صهوة فرح.
وفي البراحات، يجتمع الأطفال،
يصنعون من الحصى لعبة،
ومن قطعة خشب سفينة صغيرة،
ومن ظلّ نخلة، مملكة.
هكذا كانت القلعة…
كل بيت يُكمّل الآخر،
وكل جدارٍ يحفظ ظهر جاره،
لم تكن القلعة مجرد حصن، بل روح جماعية تعيش في كل زاوية.
حتى في ليالي الشتاء…
حين تهبّ الرياح، وتطرق المطرات سقوف البيوت،
كانت العائلة تجتمع حول السراج،
يسمعون الحكايا من الجدّة:
عن السفن، وعن اللؤلؤ، وعن الجِن،
ثم ينامون مطمئنين… لأن القلعة تحرسهم.
